- أحاديث رمضان / ٠09رمضان 1423هـ - أحاديث قدسية وأدعية
- /
- 1- رمضان 1423 - أحاديث قدسية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الإيمان بالجنة جزء أساسي من عقيدة المسلم :
أيها الأخوة الكرام، أخرج الإمام الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله:
(( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر))
واقرؤوا إن شئتم:
﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
وفي الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها، واقرؤوا إن شئتم:
﴿ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ﴾
و:
((موضع سَوْط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها...))
واقرؤوا إن شئتم:
﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾
التكذيب العملي هو أخطر أنواع التكذيب :
أيها الأخوة الكرام، ليس في العالم الإسلامي صوت مسموع ينكر الجنة والنار، ولكن لو دققت في عمل المسلمين لا تجد في أعمالهم، وفي حركاتهم وسكناتهم، وكسب أموالهم، وإنفاق أموالهم، وانضباطهم، ما يؤكد أنهم مؤمنون بالجنة أو النار، هنا المشكلة، لذلك أخطر أنواع التكذيب، ليس التكذيب القولي، لا يجرؤ أحد في العالم الإسلامي أن ينكر الجنة أو النار إلا أن يكون ملحداً، لكن التكذيب العملي هو أخطر أنواع التكذيب، لأن هذا الذي يكذب الجنة والنار من خلال سلوكه لن تستطيع إقناعه لأنه يقر بهما، ولكن طريقة كسب المال، غش المسلمين، الاختلاط، العدوان على أموال الآخرين، العدوان على أعراضهم، عدم أداء العبادات، تجد في العالم الإسلامي على اتساعه سلوكاً لا ينبئ أبداً بإيمان هؤلاء أن بعد الموت حياة أبديةً، جنة أو نار.
الأصل هو الإيمان والإنسان إذا اختل إيمانه اختل ميزانه :
لذلك الأصل هو الإيمان، والإنسان إذا اختل إيمانه اختل ميزانه، والخلل في الميزان لا يصحح، بينما الخلل في الوزن لا يتكرر، إذاً أنت في الأصل مخلوق للجنة، تصور طالباً على مقعد الدراسة، معقد الدراسة مصمم لينتبه الطالب، ليس هناك مقعد مريح يصبح كالسرير، وليس مع المقعد من الطعام ما لذّ وطاب، ولا من أنواع التسلية ما يلفت النظر، هنا مكان للدراسة، فلو أن طالباً أراد أن يكون له مقعد كمقاعد المركبات الفاخرة يصبح سريراً، وأمامه أنواع الطعام، والشراب، والشطائر، والعصير، والمذياع، وجهاز رائي صغير، هذا السلوك يتناقض مع صف في التعليم، أما حينما يدرس وينال الشهادات العليا ففي منطق العصر أنا أقول: قد يقتني بيتاً، ويؤسس عملاً، ويأكل ما لذّ وطاب، والناس حينما يستبقون الأمور، ويجعلون الدنيا مقراً وليست ممراً يقعون بخطأ كبير، أين الخطأ ؟ أن هناك شبح الموت، هناك القلق العميق، من منا يملك أن يعيش ساعة بعد هذه الساعة ؟ لا أحد، قلق الموت يجعل الحياة مخيفة، هناك في العالم الإسلامي قلق عام، الزمن ليس في صالح العاصي، لأنه كلما تقدمت به السن ضعفت قدرته على الاستمتاع بالحياة، فإذا بنى حياته على أنقاض الآخرين، بنى مجده على أنقاضهم، بنى حياته على موتهم، هناك قلق عميق داخلي، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ﴾
العاقل من يدخل الجنة و النار في حساباته اليومية :
أخوتنا الكرام، أنا أقول بدقة: قد لا تجد إلا القليل القليل من يدخل الجنة والنار في حساباته اليومية، في كسب ماله، في إنفاق ماله، في صدقه، في أمانته، قد لا تجد إنساناً خوفاً من الآخرة يركل دخلاً كبيراً لأن فيه شبهة، قد لا تجد إنساناً يرفض عطاء كبيراً لأن لهذا العطاء شرط لا يرضي الله عز وجل، فالذي يستوي عنده التبر والتراب يكون مؤمناً بالآخرة، الذي يعمل من الصباح الباكر إلى ساعة النوم ليرضي الله عز وجل، ويقدم الأعمال الصالحة، هو الذي يؤمن بالآخرة، فلذلك قضية أن تؤمن أنك مخلوق للجنة، وأنك في الدنيا أتيت لدفع ثمن الجنة وهو طاعة الله والعمل الصالح هذا الذي يعول عليه في دروس العلم.
أعددت لعبادي الصالحين.. مشكلات الصحة لا تنتهي في الحياة، دققوا في هذا الحديث.
(( بادروا بالأعمال الصالحة، فماذا ينتظر أحدكم من الدنيا؟ ))
أي ممكن أن أستيقظ كل يوم كاليوم السابق إلى ما شاء الله ؟! مستحيل، لا بد من يوم ينشأ بالجسم تطور لم يكن من قبل، فإذا كان هذا التطور بوابة الخروج سوف يتفاقم إلى أن ينتهي بالنعوة.
(( بادروا بالأعمال الصالحة، فماذا ينتظر أحدكم من الدنيا؟ ))
حديث ينخلع له القلب:
((هل تنتظرون إلا فقراً منسياً))
كاد الفقر أن يكون كفراً، قد يكون الفقر منسياً لعبادتك لله عز وجل:
((أو غنىً مطغياً))
الغنى يوهم الغني بأنه قوي فيطغى:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى* عَبْدًا إِذَا صَلَّى ﴾
الآية الكريمة، حينما يستغني الإنسان في توهمه عن الله عز وجل يطغى.
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾
توهم أنه غني والمال يفعل به ما يشاء فاستغنى عن طاعة الله.
((هل تنتظرون إلا فقراً منسياً أو غنىً مطغياً أو مرضاً مفسداً..))
من حفظ الله في الصغر حفظه الله في الكبر :
هناك أمراض تجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، وليس لها ضابط، تصيب الكبير والصغير، والنساء والرجال، والأقوياء والضعفاء، والأغنياء والفقراء، والمثقفين والجهلاء، الورم ليس له ضابط أبداً.
((أو مرضاً مفسداً أو هرماً مفنداً...))
تضعف ملكات الإنسان.
﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا ﴾
فهذا الذي له بداية محرقة في شبابه له نهاية مشرقة، هذا الذي حفظ الله في الصغر يحفظه الله في الكبر، إذاً العبرة أن تجد في عملك، وفي حركتك اليومية، وفي ذهابك وإيابك، وفي كسب مالك وإنفاق مالك، أن اليوم الآخر بجنته وناره داخل في حساباتك.
قال أحدهم لراعٍ: بعني هذه الشاة وخذ ثمنها؟ قال: ليست لي، قال: قل لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب، قال: والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ولو قلت لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب لصدقني فإنني عنده صادق وأمين ولكن أين الله؟
كم مسلم من بين المسلمين يقول: معاذ الله؟ يكون في أمس الحاجة إلى المال، ويأتيه المال من طريق حرام فيركله بقدمه؟ إن لم يكن لك موقف، إن لم تعطِ لله، إن لم تمنع لله، إن لم تغضب لله، إن لم ترض لله، إن لم يستوِ عندك التبر والتراب، فلست مؤمناً الإيمان الذي أراده الله باليوم الآخر، أما كلنا والحمد لله فنقول ونشهد أن الجنة حق، وأن النار حق، و لكن هل عملنا للجنة؟ وهل اتقينا النار؟.
من صحت عقيدته صحّ عنده كل شيء :
ورد أن بعض العلماء قرأ حديثاً قال: استغنيت به عن أربعمئة ألف حديث، "اعمل للدنيا بقدر بقائك فيها، واعمل للآخرة بقدر مقامك فيها، واتق النار بقدر صبرك عليها، واعمل لله بقدر حاجتك إليه".
المشكلة إن صحت عقيدتك صحّ كل شيء، أهم شيء في أركان الإيمان الإيمان بالله واليوم الآخر، أي هناك يوم آخر، هؤلاء الغربيون صدقوني أيها الأخوة لو لم يكن هناك يوم آخر لكانوا أذكى أهل الأرض، ليس عندهم إلا الدنيا، ولا بد من مال وفير، ولا يقبل عندئذٍ مع المال الوفير والقناعة أن الدنيا هي كل شيء أن يكون هناك محرمات، ليس عندهم شيء حرام، ملوا المرأة اتجهوا إلى الجنس المثلي، اتجهوا إلى تبادل الزوجات، اتجهوا إلى زنى المحارم، لو لم يكن هناك آخرة هم أذكى أهل الأرض، لأنهم استمتعوا إلى أقصى غايات الاستمتاع، حياتهم كلها متع، لا يعرفون إلا المتع، لكن حينما يدنو أجلهم ينسون الحليب الذي رضعوه من أمهاتهم، إن كان هناك آخرة، وهذه حق، المسلم ولو كان فقيراً، ولو كان مضطهداً، ولو كان متخلفاً بمقياس العصر، ما دام قد بات على عقيدة الدين الصحيحة، ومادام ملتزماً أمر الله عز وجل هو الفائز، العبرة أن تصح العقيدة.
على الإنسان أن يتحرك وفق عقيدته لا وفق واقعه :
كنت أذكر كثيراً هذا المثل: راكب دراجة وصل إلى مفترق طريقين؛ طريق هابطة معبدة، محفوفة بالأشجار، والأزهار، والأطيار، وطريق صاعدة وعرة، فيها حفر، وأكمات، وغبار، كل معطيات البيئة تقتدي أن تسلك الطريق الهابطة، كراكب دراجة مريحة، نسيم عليل، أشجار جميلة، أزهار فواحة، والطريق الصاعدة متعبة، وفيها مشقة كبيرة، ولكن هناك لوحة مكتوب عليها: عند مفترق الطريقين هذا الطريق الهابط ينتهي بحفرة ما لها من قرار، فيها وحوش كاسرة، والطريق الصاعد ينتهي بقصر منيف هو لمن وصل إليه، هذه اللوحة مع هذا البيان ألا يقتضي أن تتخذ قراراً مناقضاً لمعطيات البيئة!! طبعاً، فالعاقل هو الذي يصدق هذا البيان، ويبني حركته وفق هذا البيان، ويسلك الطريق الصاعدة، لكن الناس معظمهم اليوم يتحركون لا بعقيدة ولكن بواقع، يحب أن يأكل أطيب الطعام، وأن يسكن أجمل البيوت، وأن يتزوج أجمل النساء، وأن تكون له مكانة في المجتمع، لذلك ينسى ما سوف يكون عند اقتراب الأجل، الحديث القدسي:
(( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ))
مهما وقعت عينك في الدنيا على جمال طبيعي، بدءاً من جمال الطبيعة، إلى جمال النساء، إلى جمال الصغار، إلى طعوم الفواكه الطيبة إلى أطايب الطعام، ما لا عين رأت، ودائرة المرئيات محدودة جداً، كل واحد منا رأى عدة مدن في الأرض، لكنه في الأخبار يستمع إلى مئات المدن مثلاً:
(( ... ولا أذن سمعت ....))
دائرة المسموعات أكبر بكثير، سمعت أنت بالقطب الجنوبي، هل وصلت إليه؟ لا، سمعت مثلاً بكوبا هل وصلت إليها؟ لا:
(( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر))
أضيق دائرة دائرة المرئيات، وأوسع منها دائرة المسموعات، والدائرة التي لا نهاية لها دائرة الخواطر، هذا الذي أعده الله للمؤمن، فبربكم سنوات معدودة فيها مرض، فيها خوف، فيها فقر، فيها قلق، فيها كآبة، الدنيا محفوفة بالآلام والأحزان، هكذا شاء الله لها أن تكون، لا راحة لمؤمن، إنسان عمل تعليقاً قال: ولا لكافر، لا يوجد أحد مرتاح:
(( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر))
مقياس القرآن هو الفوز بالجنة :
واقرؤوا إن شئتم، دقق، لو أن الإنسان حفظه ضعيف فقال: "لو تعلم نفس"، لو حرف امتناع لامتناع، أي يمكن أن تعرف، امتنع العلم لامتناع شيء آخر، أما الآية: فلا تعلم، أي مستحيل أن تعلم ما في الجنة:
﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
وفي الجنة شجرة، تجد إنساناً يقول لك: صار لي خمس و ثلاثون سنة أخذنا بيتاً مثلاً بداريا، مساحته سبعون متراً، و قمنا بكسوته، خمس و ثلاثون سنة كدح لشراء بيت مساحته تقدر بسبعين متراً على العظم خارج دمشق، بالجنة قصور، وظل ممدود، وفي الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها، واقرؤوا إن شئتم:
﴿ وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ﴾
وموضوع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، أولاً: لا يوجد هم، ولا حزن، ولا مرض، ولا حسد، ولا عدوان، ولا تهديد، لا شيء في الجنة إلا ما يريح الإنسان:
﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
واقرؤوا إن شئتم:
﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾
هذا مقياس القرآن، أما مقياس الناس فالفوز بالمال فقط، الفوز بالمنصب الرفيع، الفوز بالنجاح بالانتخابات فرضاً، الفوز بالسيطرة، الفوز أن تقعد على منابع النفط، الفوز أن تقهر شعوب الأرض، هذا الفوز بمقاييس الكفرة الفجار، أما الفوز عند الله:
﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾