- موضوعات متنوعة / ٠3دورات للطلاب الأجانب / ٠2دورة عام 1999
- /
- ٠1عقيدة
الحفيظ
قال ابن القيم نظماً:
وهو الحفيظُ عليهمُ وهو الكفيل.. بحفظهمِ من كلِ أمرٍ عَان
* * *
ومن أسمائه سبحانه الحفيظ، وله معنيان:
أحدهما:
أنه يحفظ على العباد ما عملوه من خير وشر، وعرفٍ ونكر، وطاعة ومعصية ؛ بحيث لا يفوته من ذلك مثقال ذرة، وحفظه لهذه الأعمال بمعنى ضبطه لها وإحصائه إياها، فهو محيطٌ علماً بجميع أعمالهم، ظاهرها وباطنها، وهو قد كتبها في اللوح المحفوظ قبل أن يبرأها، بل قبل أن يخلق السماوات والأرض، وهو وكل بها ملائكةً حافظين، كراماً كاتبين، يعلمون ما تفعلون.
قال تعالى:
﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)﴾
وقال:
﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6)﴾
وقال:
﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49)﴾
وقال:
﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)﴾
فهذا المعنى من حفظه سبحانه يقتضي إحاطة علمه بأحوال العباد كلها ظاهرها وباطنها، وكتابتها في اللوح المحفوظ وفي الصحف التي بأيدي الملائكة، كما يقتضي علمه بمقاديرها في كمالها ونقصها، ومقادير جزائها في الثواب والعقاب ؛ ثم مجازاتهم عليها بفضله وعدله.
والمعنى الثاني:
من معنيي الحفيظ أنه تعالى الحافظ لعباده من جميع ما يكرهون. وإلى هذا أشار المؤلف بقوله: " وهو الكفيل بحفظهم من كل أمرٍ عان " أي مُشِق مكروه.
وحفظه لخلقه نوعان: عام وخاص.
فالعام:
هو حفظه لجميع المخلوقات بتيسيره لها ما يقيها ويحفظ بنيتها وإلهامها ؛ بتدبير شؤونها والسعي فيما يصلحها، كلٌ حسب خلقته كما قال تعالى:
﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)﴾
يعني هدى كل مخلوق إلى ما قدر له من ضروراته وحاجاته، وأعطاه من الوسائل والآلات ما يتمكَّن معه من تحصيل مأكله ومشربه ومنكحه والسعي في أسباب ذلك، ولا شكَّ أن هذا أمرٌ يشترك فيه البر والفاجر بل الحيوانات وغيرها، فهو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، وهو الذي يحفظ الخلائق بنعمه، وهو الذي وكل بالآدمي حفظةً من الملائكة:
﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
أي: يدفعون عنه من الضر والأذى ما لم يقدره الله مما هو بصدد أن يضره لولا حفظ الله.
والنوع الثاني:
حفظه الخاص لأوليائه حفظاً زائداً على ما تقدم، يحفظهم عما يضر إيمانهم، ويزلزل يقينهم من الفتن والشبهات والشهوات ؛ فيعافيهم منها، ويخرجهم منها بسلامة وحفظ وعافية، ويحفظهم من أعدائهم من الجن والإنس ؛ فينصرهم عليهم، ويدفع كيدهم عنهم كما قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾
وهذا عام في دفع جميع ما يضرُّهم في دينهم ودنياهم.
فعلى حسب ما عند العبد من الإيمان تكون مدافعة الله عنه بلطفه، كما في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنه:
(( احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تُجاهك... ))