وضع داكن
23-08-2025
Logo
الخطبة : 1099 - إيجابيات الأحداث التي مرت بالمسلمين - دعاء للمسلمين و لأهل غزة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخــطــبـة الأولــى :

الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدهِ الله فلا مُضِل له، ومن يُضلل فلن تجد له وليّاً مرشداً، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ، أو سمعت أُذُنٌ بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته وآل بيته الطيبين الطاهرين، أُمناء دعوته وقادة ألويته وارضَ عنّا وعنهم يا رب العالمين.

لا يستقيم إيمان عبدٍ إذا توهم أن الله عزَّ وجل لا يعنيه ما يجري في الأرض:


أيُّها الإخوة الكرام: يعيش المسلمون مِحنةً كبيرة، بل يعيش المسلمون امتحاناً صعباً، بل هو من أصعب الامتحانات، أن يقوي الله أعداءهم، أعداؤهم يتفننون في القتل، والهدم، والتشريد، والإفقار، والإذلال، والإبادة، هذا الامتحان الصعب يحتاج إلى تفسيرٍ عَقَدي، يحتاج إلى توضيح.
أيُّها الإخوة الكرام: ثم يُظهِر الله آياته حتى يقول الطُغاة: لا إله إلا الله، حينما أدرك فرعون الغرق قال:

﴿  وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)) 

[ سورة يونس  ]

امتحانٌ صعب، يصمُد المؤمن في هذا الامتحان الصعب، قد يقول ضعيف الإيمان أين الله؟ وغابَ عنه أنه لا يستقيم إيمانُ عبدٍ إذا توهَّم أنَّ الله لا يعلم، لا يعلم ما يجري، ولا يستقيم إيمانُ عبدٍ إذا توهَّم أنَّ الله لا يقدِر، زلزال تسونامي يساوي مليون قنبلة ذرية، بلمح البصر، الله يعلم ويقدِر، ولا يستقيم إيمانُ عبدٍ إذا توهَّم أنَّ الله سبحانه وتعالى لا يعنيه ما يجري في الأرض:

﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)﴾

[ سورة الزخرف ]

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[ سورة هود ]

﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)﴾

[ سورة الكهف ]

﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)﴾

[ سورة الأعراف  ]

﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)﴾

[ سورة الزمر ]


انكشاف الأمر و تمييز الخبيث من الطيب:


أيُّها الإخوة الكرام: لابُدَّ من التوضيح، كما قيل " البيان يطرد الشيطان" ، قال تعالى:

﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)﴾

[ سورة الأحزاب ]

﴿ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا(23)﴾

[ سورة الأحزاب ]

﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)﴾

[ سورة الأحزاب ]

أيُّها الإخوة: كيف أنَّ الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ(179)﴾

[ سورة آل عمران ]

ورَدَ في بعض الأحاديث:

(( لا تَكرَهوا الفتنةَ فإنَّ فيها حصادَ المنافقينَ ))

[ ابن تيمية مجموع الفتاوى ]

انكشف الأمر، انقسم العالم إلى مجرمٍ وإلى إنساني، وأكثره مجرم. 

الامتحان الصعب الذي يمر بالمسلمين نتيجة تقصيرهم وعدم إعداد العدة المتاحة:


الله عزَّ وجل أهلَكَ قوم صالح لأنهم عقروا الناقة، - واو الجمع - والذي عقرها واحد، فسكوت قومه عن عمله مشاركةٌ له في هذه الجريمة، وكل إنسان يسكت عن جرائم اليهود شريكٌ لهم في الجريمة.

﴿ فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)﴾

[ سورة الشمس ]

أيُّها الإخوة الكرام: لابُدَّ من التوضيح، نحن في امتحانٍ صعب، العدو قويٌ جداً، وقد يكون هذا الامتحان الصعب، نتيجة تقصير المسلمين لمئتي عامٍ سابقة، ألم يقل الله عزَّ وجل:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)﴾

[ سورة الأنفال ]

عطَّلوا هذه الآية، وتواكلوا ولم يتَّكلِوا، ولم يأخذوا بالأسباب، لكن هذا النصر الذي ترونه رأي العين، أحد أسبابه أنَّ المقاومين أخذوا بالأسباب، فوجئنا عندهم سلاح مضاد للطيران، وسلاح مضاد للدرع، وعندهم صواريخ تصل إلى تل أبيب ( وَأَعِدُّواْ لَهُم)  وما كلَّفنا الله أن نُعِد العُدَّةَ المكافئة، ولكن الله أمرنا أن نُعِد العُدَّةَ المُتاحة. 

الحق لا يقوى إلا بالتحدي وأهل الحق لا يستحقون الجنة إلا بالتضحية:


أيُّها الإخوة الكرام: حديثٌ أذكره كثيراً، "كل شيءٍ ما سوى الله ممكن الوجود" ، معنى ممكن الوجود أي ممكن أن يكون وممكن ألّا يكون.
احتمالٌ آخر: ومعنى ممكن الوجود أنه ممكنٌ أن يكون على ما هو عليه، أو ممكنٌ أن يكون على خلاف ما هو عليه، فالسؤال الكبير أليس الله قادراً أن يضع هؤلاء المجرمين الطُغاة في كوكبٍ آخر، ونرتاح منهم؟
لا في بدر، ولا في أُحُد، ولا في الخندق، ولا في اليرموك، ولا في القادسية، ولا في هذه المعارك التي تجري الآن، ممكن، أليس من الممكن أن يكون هؤلاء المجرمون في قارةٍ خاصةٍ بهم لا نراهم ولا يرونا ولا تواصل بيننا؟ ممكن.
أليس من الممكن أن يكون هؤلاء في حِقبةٍ أُخرى؟ مثلاً في القرن الخامس عشر يأتي الله بالمجرمين، وفي القرن الثامن عشر بالمؤمنين، ممكن.
ولكن شاءت حكمة الله أن نعيش معاً في زمنٍ واحد، وفي مكانٍ واحد، ما الحكمة؟ قال: لأنَّ الحقّ لا يقوى إلا بالتحدي، الحقّ لا يقوى إلا بالتحدي وأهل الحقّ لا يستحقون الجنَّة إلا بالتضحية .

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139)﴾

[ سورة آل عمران ]

المعركة بين حقَّين لا تكون وبين حقٍ وباطل لا تطول وبين باطلين لا تنتهي:
لذلك أيُّها الإخوة: شاءت حكمة الله أن يكون أهل الحقّ وأهل الباطل، ودقق في هذه الآية:

﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35)﴾

[ سورة القلم ]

أي ينبغي أن يكون الطرف الآخر وغير المسلمين مجرمون، هذا الطفل الصغير ماذا فعل؟ 

﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)﴾

[ سورة التكوير ]

ماذا فعل هذا الطفل الصغير؟ هذه المرأة ماذا فعلت؟ هذا البيت لماذا هُدِم؟ هذه الغذائيات لماذا أُحرِقَت؟ هذا الحقل لماذا جُرِّف؟ هذا البئر لماذا رُدِم؟ هذا الإنسان لماذا قُتِل؟ ماذا فعلوا؟!
موتٌ كعُقاص الغنم، لا يدري القاتل لِمَ يقتُل، ولا المقتول فيمَ قُتِل، يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى، ولا يستطيع أن يُغيِّر، إن تكلَّم قتلوه، وإن سكت استباحوه.
إذاً شاءت حكمة الله أن يجتمع الحق مع الباطل في أرضٍ واحدة، وفي منطقةٍ واحدة، وفي زمنٍ واحد، وأن يجتمع المجرم مع المُحسِن، والظالم مع المُنصِف، هذا الاجتماع ينتج عنه ما يلي:
ينتج عنه أنَّ بين الحقّ والباطل معركةً أزليةً أبدية، والله يُبشّرنا أنه مع الحقّ، لذلك المعركة بين حقَّين لا تكون، وبين حقٍّ وباطلٍ لا تطول، وبين باطلين لا تنتهي، إذاً الحكمة من وجود المسلمين والمجرمين في مكانٍ واحدٍ أنَّ الحقَّ لا يقوى إلا بالتحدي، وأنَّ أهل الحقّ لا يستحقِّون جنَّةً عرضها السماوات والأرض إلا بالتضحية والبذل، هذه حقيقةٌ أولى. 

كل شيءٍ وقع أراده الله وإرادة الله متعلقةٌ بالحكمة المطلقة:


الحقيقة الثانية دقيقة جداً: كل شيءٍ وقع أراده الله، إيّاكم ثم إيّاكم ثم إيّاكم أن تفهموا، مِن إرادة الله أنه أمر به، أو أنه رضيه، لكن سمح به لحكمةٍ بالغةٍ بالغةٍ بالغة، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها، والله الذي لا إله إلا هو، أدعو الله جلَّ جلاله أن يُمِدّ بأعماركم، لتروا بعد حين النتائج الإيجابية لهذه المعركة، سأُبيِّن لكم بعض قليلٍ بعض هذه النتائج، لذلك لا يستقيم إيمان عبدٍ إذا توهَّم أنَّ الله لا يعلم، وأنَّ الله لا يقدِر، وأنَّ الله لا يعنيه، بل يستقيم إيمانك أن تعلم أنَّ هذه الفتنة وراءها حكمةٌ بالغةٌ بالغة، أرجو الله جلَّ جلاله أن يكشِف لنا بالقريب العاجل حكمتها.
الذي مات مات بأجله، وخُتِم عمله، و نسأل الله له الشهادة، والذي هُدِّم يُعاد بناؤه، ولكن إرادة العدوّ أن يُحطِّمنا، أن يكسر إرادتنا، أن يذلنا، لم تقع أبداً، شعرنا بقوتنا، شعرنا بوحدتنا، شعرنا أننا نُخيف الآخر، عشنا عُمراً مديداً نخاف منه، الآن نخاف منه ونُخيفه، في بلاده صفارات إنذارٍ وملاجئ، وألف ومئتين وخمسين إصابة، خارج غزَّة باعترافه هو، الرعب انتشر، أصبح هناك توازن رعب، أصبح هناك طرحٌ جاد في الكيان الصهيوني، في موضوع بقاء إسرائيل، كان الموضوع من قبل أمنُها فقط، لم يُطرَح إلا موضوع الأمن، الآن مطروحٌ بجديةٍ موضوع بقاء إسرائيل، هذا إنجازٌ كبير.
     أيُّها الإخوة: يجب أن تؤمنوا إيماناً يقينياً أنَّ الله لا يتخلى عنّا، كل شدِّةٍ للمؤمنين وراءها شَدَّةٌ إلى الله، وكل مِحنةٍ تُصيب المؤمنين وراءها مِنحةٌ من الله.
     أيُّها الإخوة: إذاً كل شيءٍ وقع أراده الله، بمعنى سمح به، لم يأمُر به ولم يرضه لكن سمح به لحكمةٍ بالغةٍ بالغة، وكل شيءٍ أراده الله وقع، وإرادة الله مُتعلقةٌ بالحكمة المُطلَقة، وحكمته المُطلَقة مُتعلقةٌ بالخير المُطلَق.

إيجابيات الأحداث التي مرَّت بالمسلمين:

    

1 ـ نقلةٌ كبرى في الكيان الصهيوني هدفهم الأول كان أمناً فأصبح بقاءً:

أيُّها الإخوة الكرام: سلبيات الأحداث يعرفها جميع الناس من دون استثناء، القتل، والدم، والقهر، والاعتقال، وهدم البيوت، وحرق الأغذية، وضرب المستشفيات، وسيارات الإسعاف، سلبيات الأحداث يعرفها كل الناس من دون استثناء، لكن قلةً قليلة ممن تعمَّقوا في الفكر، ممن تعمَّقوا في الفهم، ممن تجاوزوا الظاهر، يكشفون حقيقتها وإيجابيتها، أولاً نقلةٌ كبرى في الكيان الصهيوني هدفهم الأول كان أمناً فأصبح بقاءً، هذا أكبر إنجاز.

2 ـ اليهود فقدوا الحسم:

     الهدف الثاني: كانوا يشنّون حرباً وينهونها في ساعات، ويقابلون جيوشاً سبعة، وتنتهي في ستِّ ساعات، الآن فئة قليلة مؤمنة، اليوم الواحد والعشرين لم يُحقّقوا أي هدف، أصبح هذا الجيش العملاق، الجيش الأول في المنطقة، هذا الجيش الذي يُعدّ رابع جيشٍ في العالم بأسلحته، بقنابله الفسفورية، بقنابله العنقودية والانشطارية، وبطائراته الحديثة جداً ومدرعاته الأحدث، هذا الجيش يتمرَّغ في الوحل الآن، وما هذه الضربة الجنونية البارحة إلا تعبيرٌ عن أنه فقد صوابه، وكان الاتفاق أيام، أربعة أيام، وفي رأيهم أول يوم، ثلاثمئة هدف دُمِّر، اليوم الواحد والعشرين ولم يُحقَّق أي هدف.

3 ـ توازن الرعب:

أيُّها الإخوة: الإنجاز الثالث، الثاني فقد أعداؤنا الحسم، حسم لا يوجد عندهم، الانجاز الثالث أصبح هناك توازن رعب، نُخيفهم يهابوننا، يخافون من صواريخنا، يخافون من تماسكنا.

4 ـ تشويه صورة العدو عند أهل الأرض جميعاً:

أمّا هناك هدفٌ كبير، أحياناً أنت تدفع مليارات من أجل أن تُشوّه صورة عدوّك، مليارات، صورتهم شوِّهَت لألف عامٍ قادم، لا عند المسلمين بل عند أهل الأرض أجمعين، سُمّعَتهم، هُم واحةٌ حرة في الشرق الأوسط، هُم يؤمنون بالديمقراطية والحرية، عندهم انتخاباتٌ وأحزاب، ورئيسهم مُنح جائزة نوبل، وهذه الجائزة لأنها مُنِحت لرئيس كيانهم، فقد أصبحت تحت الأقدام، إذا كان رئيس كيانهم يحمل جائزة نوبل، فهذه الجائزة لا وزن لها في الأرض، هذا اسمه سقوطٌ حضاري، أي العالم كله شرقه وغربه، شماله وجنوبه، إن كان هناك اعتراضات على هذا الكيان، هذا الاعتراض ضُرِب بمليار بعد هذه الأحداث، لأنهم ما تمكنوا إلا من الأطفال، ومن النساء، ومن العُزَّل، ومن البيوت، جيشهم مجهزٌ لجيشٍ مثله، f16، الأباتشي، هذه مجهزة لتقاوم جيوشاً لا مدينةً عزلاء محاصرة منذ سنتين، جائعة، لا ماء فيها، ولا بترول، ولا طعام، ولا شراب، وفوق هذا الحصار قصفٌ يومي.

5 ـ سقوط العدو حضارياً و إذابة المسلمين في بوتقة واحدة:

أيُّها الإخوة: لا أعتقد أنَّ إنساناً على وجه الأرض فيه ذرةٌ من ضمير، إلا وارتعدت مفاصله من هذا الذي يراه، أي سقطوا حضارياً، ولعلَّ هذه الأحداث وحّدَّتنا، والله أذابتنا جميعاً في بوتقةٍ واحدة، وَحْدَتنا مهمةٌ جداً وهذا من فضل الله علينا.
شيءٌ آخر: لهم أجل لقول الله عزَّ وجل:

﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)﴾

[ سورة الأعراف ]

هذا الأجل بهذه الحرب اقترب كثيراً.

6 ـ أصبح للمسلمين وزن في العالم:

أيُّها الإخوة: إنجازٌ آخر، أعداء المسلمين يتَّهمون المسلمين بأنهم في حقيقتهم ظاهرةٌ صوتية، أي كلام، أمّا في هذه المعركة أصبح لهم بُعدٌ عملي، المسلم يفعل لا يكتفي بالكلام، كنّا ظاهرةً صوتية ليس لنا وزنٌ في العالم، أمّا هذه الفئة القليلة، اجتمع أهل الشرق والغرب، وغير المسلمين وبعض المسلمين على تدميرها. 

إقناع العالم بعظمة الدين الإسلامي:


أيُّها الإخوة الكرام: هؤلاء المجاهدون أقنعوا المراقبين للأحداث بعظمة هذا الدين، كيف أنَّ هذا الإيمان يُغيِّر المعادلات كلها:

﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)﴾

[ سورة البقرة ]

لكن في غياب الإيمان الحقيقي هناك معادلات، جيشٌ معه طائرات، جيشٌ معه مفاعل نووي، قنابل ذرية، كل هذه القوة القوية، ولا تنسوا قوله تعالى:

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)﴾

[ سورة إبراهيم ]

ثم يقول الله عزَّ وجل:

﴿ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)﴾

[ سورة آل عمران ]


آيات القرآن الكريم في ظل اليأس والإحباط وثقافة الهزيمة لا معنى لها:


أيُّها الإخوة الكرام: انتصار هذه الفئة المؤمنة انتصاراً مبدئياً إن شاء الله، وسيتم هذا الانتصار في القريب العاجل، انتصار هذه الفئة القليلة، على أعتى قوةٍ في المنطقة، أعطانا جميعاً جرعةً إيمانية مُنعشة، عاش المسلمون ثقافة الهزيمة، ثقافة اليأس، ثقافة الطريق المسدود، ثقافة الإحباط، لكن انتصار هؤلاء الإخوة، أعطى المسلمين في العالم كله جرعةً مُنعشة، انتعشنا، نقرأ القرآن: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ) عندنا شاهد:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)﴾

[ سورة محمد ]

آيات القرآن الكريم في ظل اليأس والإحباط وثقافة الهزيمة لا معنى لها، أمّا الآن أصبح لها معنىً واضح، هؤلاء المجاهدون ينبغي أن نُقبِّل رؤوسهم، وأن نُقبِّل أيديهم، وأن نُقبِّل الأرض التي تطؤها أقدامهم، لأنهم أشعرونا بعزة الإسلام، وبأنَّ الله مع المؤمنين بالدرس العملي. 

خطاب إلى المجاهدين الأبرار:


يا أيُّها الإخوة: أُخاطب هؤلاء المجاهدين، يا أيُّها المجاهدون بقدر ما كبرتم ببطولاتكم صغُر القاعدون عن نصرتكم، فقد ضنَّ هؤلاء المتقاعسون عليكم، ضنّوا عليكم بأن يجتمعوا بعد عشرين يوماً من بدء مشروع إبادتكم، مشروع إبادة وتدمير ممتلكاتكم، وقتل ألفٍ ومئةٍ من نسائكم وأطفالكم، وجرح خمسة آلافِ إنسانٍ أعزلٍ من شعبكم، بعد قتل ألفٍ ومئة، وجرح خمسة آلاف، وبدء مشروع إبادة، ضنَّ هؤلاء المتقاعسون أن يجتمعوا فقط!
أغربُ شيءٍ سمعته في الأخبار، أنَّ بعض الموافقات على حضور هذا المؤتمر كانت شفهيةً ولم تكن كتابية، شعبٌ يموت، شلال دمٍ ينهمر، بيوتٌ تُهدَّم، الموافقة لم تكن كتابية، مادامت ليست كتابية النصاب لم يكتمل، بعد عشرين يوماً!! بعد قتلِ ألف ومئة إنسان من الأطفال والنساء، بعد جرح خمسة آلاف إنسان، بعد تهديم معظم الأبنية والممتلكات، ضنّوا عليكم أن يجتمعوا بحجة أنَّ الموافقة كانت شفهية، هذه لا تصلح بميثاق الجامعة، لابُدَّ من موافقةٍ خطيَّة، شيءٌ جميل، هؤلاء المتقاعسون سوف يموتون، وسوف يحاسَبون عن كل قطرة دمٍ أُريقت بسبب تقاعسهم، وسوف يُدفنون في مزابل التاريخ، وسوف يلعنهم الله والملائكة والناس أجمعين إلى أبد الآبدين.

قـد لـزمنـا بيوتنـــا وطـلبنـــا         مـنكـم أن تقـاتـلوا التنينــــا

قد صغرنا أمامكــم ألف قرنٍ        وكبرتم خلال حربكم قرونـا

[ نزار قباني ]


الجنة أعلى مرتبة ينالها الشهيد: 


أيُّها الإخوة: هذه الخطبة ليست موجهةً في الأصل إلى إخوتنا أبطال غزَّة المقاومين، الذين علَّموا المسلمين الجهاد ومقاومة الاستبداد، نحن نتعلم منهم دروس العزة، والكرامة، والصبر، والثبات، لأنهم يدافعون وحدهم عن الأمة الإسلامية والعربية جمعاء، هُم ونساؤهم وأطفالهم وشبابهم وشاباتهم، يدفعون وحدهم الثمن الباهظ من دمائهم، لكن هذه الخطبة موجهة لمن فاتهم شرف الجهاد.
أيُّها الإخوة الكرام:

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)﴾

[ سورة آل عمران ]

أعلى مرتبة ينالها الشهيد.
أيُّها الإخوة: الآية الثانية:

﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)﴾

[ سورة يس ]

نحن نتألم لكن الله وعدهم بالجنَّة، وعدهم بجنَّةٍ عرضها السماوات والأرض فيها: 
قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى:

(( أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ. قالَ أبو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} ] السجدة:17[  قال أبو مُعاويةَ، عن الأعمَشِ، عن أبي صالِحٍ: قرَأ أبو هُريرةَ: (قُرَّاتِ أعْيُنٍ) ))

[ أخرجه البخاري ومسلم ]


النصر من عند الله وحده:


أيُّها الإخوة الكرام: كلمة النصر تُفرِح المؤمنين:

﴿ فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)﴾

[ سورة الروم  ]

أول حقيقة:

النصر من عند الله:

﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)﴾

[ سورة الأنفال ]

ثاني حقيقة:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ) انصر دينه، اضبط دخلك، اضبط بيتك، اضبط نساءك، بناتك، اضبط لسانك، اضبط جوارحك، هذا هو نصر الله (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) .
أمَّا إذا نصرك الله عزَّ وجل:

﴿ وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3)﴾

[ سورة الفتح  ]


من ينصر الضعفاء ينصره الله على من هو أقوى منه: 


هناك نصرٌ بالاسم فقط، مُغلَّف بالنصر، هو استسلام، هو ذل، هو بُهتان (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ  ، (وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا) .
وفي الحديث الصحيح:

(( رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عنْه أنَّ له فَضْلًا علَى مَن دُونَهُ، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هلْ تُنْصَرُونَ وتُرْزَقُونَ إلَّا بضُعَفَائِكُمْ؟! ))

[ أخرجه البخاري والبغوي في شرح السنة ]

حينما نُزيل الظُلمات في مجتمعنا، حينما نُزيل الظُلم الأُسري، الظُلم في العمل، حينما نحل مشكلة العوانس، نحل مشكلة البطالة، نحل مشكلة الأُميَّة، نحل مشكلة العمل، حينما نحل مشكلاتنا، نكون قد نصرنا ضُعفاءنا، وعندئذٍ يتفضَّل الله علينا بنصرنا على من هو أقوى منّا، لأنَّ الله عزَّ وجل يقول:

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

[ سورة الروم ]


شروط النصر الإيمان بالله و إعداد العدة المتاحة:


ولقوله تعالى:

﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)﴾

[ سورة غافر ]

لكن الشرط أن تكون مؤمناً، والشرط الثاني: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ)
إن لم تكن معك قوةٌ تحمي بها منشآتك، العدو يقصفها كلها، أربعون ملياراً خسارة قطر مُجاور لنا من عدوان اليهود عليه، دمَّروا لهم البُنية التحتية كلها، إذاً لابُدَّ من أن تكون قوياً، (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) ولأنَّ القوي الطاغية لا يفهم إلا لغة القوة.
ومن صفات المؤمنين:

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ (39) ﴾

[ سورة الشورى ]

وشرط الجنَّة هذا الجهاد:

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)﴾

[ سورة البقرة ]


ما يجب على الإنسان في هذه الأيام:

     

1 ـ أن يكون الإنسان شهيداً في سبيل الله:

أيُّها الإخوة: أعلى مرتبة تنالها عند الله، أن يكون الإنسان شهيداً في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله.

(( من سألَ اللَّهَ الشَّهادةَ صادقًا بلَّغَه اللَّهُ منازلَ الشُّهداءِ وإن ماتَ علَى فراشِه ))

[ أخرجه مسلم وأبو داوود ]

هذه الحالة الثانية.

2 ـ أن يسأل الإنسان ربه الشهادة بصدق:

ما أُتيح لك أن تقاتل لكنك تبكي، تتألم، تتمنّى أن تكون معهم، تتمنّى أن تكون شهيداً منهم (من سألَ اللَّهَ الشَّهادةَ صادقًا بلَّغَه اللَّهُ منازلَ الشُّهداءِ وإن ماتَ علَى فراشِه) .
أنا أُجيب بهذه الكلمات عن أسئلةٍ كثيرة تَرِد إليّ ماذا نعمل؟ أول شيء أن تكون شهيداً، ما أُتيح لك، إذا كان إيمانك قوياً، تتمنّى وتسأل الله الشهادة صادقاً، عندئذٍ تؤتى الشهادة ولو مُتَّ على فراشك.   

3 ـ أن يجهز غازياً أو يخلفه في أهله:

ثالثاً:

(( أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: مَن جَهَّزَ غَازِيًا في سَبيلِ اللَّهِ فقَدْ غَزَا، وَمَن خَلَفَ غَازِيًا في سَبيلِ اللَّهِ بخَيْرٍ فقَدْ غَزَا ))

[ صحيح البخاري ]

بمالَك، والله أعرف أُناساً يأكلون أخشن الطعام في هذه الأيام، ليوفِّروا المصروف للإخوة المُجاهدين، والله صار في بذل في هذه البلدة، والله يفوق حدّ الخيال (مَن جَهَّزَ غَازِيًا في سَبيلِ اللَّهِ فقَدْ غَزَا) .
بعد ذلك: (وَمَن خَلَفَ غَازِيًا في سَبيلِ اللَّهِ بخَيْرٍ فقَدْ غَزَا) طالبٌ في الجامعة، أهله في غزَّة ما عادَ يملكون أجور النفقة عليه، اعتنِ به، قدِّم له معونةً، قدِّم له بيتاً، (فقَدْ غَزَا) .

4 ـ أن يُصلّي في جوف الليل و يدعو لإخوانه المُجاهدين بالنصر:

ما تمكنت لا أن تكون شهيداً، ولا أن تسأل الله الشهادة صادقاً، ولا أن تُجهِّز غازياً، ولا أن تخلِف غازياً في أهله، ألا تستطيع أن تُصلّي ركعتي قيام الليل، وأن تسأل الله أن ينصرهم في جوف الليل:

((  يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له؟))

[ أخرجه البخاري ومسلم ]

صلِّ ركعتين في جوف الليل وقُل يا ربّ انصُر إخوتنا في غزَّة، الدليل:

(( ما مِن عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لأَخِيهِ بظَهْرِ الغَيْبِ، إلَّا قالَ المَلَكُ: وَلَكَ بمِثْلٍ ))

[ صحيح مسلم ]

5 ـ أن يبكي و يتعاطف معهم:

ما تمكنت أن تدعو، إذا بكيت وأنت ترى هذه الدماء تسيل من أطفالٍ صغار، هذا البُكاء تعاطُف، بكاء، دُعاء، أن تخلُف غازياً، أن تُجهِّز غازياً، أن تطلب الشهادة، أن تكون شهيداً، هذا متاحٌ لنا جميعاً.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن تُوزن عليكم، واعلموا أنَّ مَلَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه وعمل لِمَا بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.

الخــطــبـة الثانية :

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صاحب الخُلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

الدعاء للمسلمين و لأهل غزَّة:


يا الله، يا الله، يا الله، يا غياث المُستغيثين، يا صريخ المُستصرخين، يا مُفرِّج كرب المكروبين، ضاقت بنا المسالك، وأحاطت بنا المهالك، واشتدَّت بنا الأزمات، واستحكمت حلقاتها، وأزِفت الآزفة، وليس لها من دونك كاشفة، اللهم اكشف غمّتنا، وفرِّج كُربتنا، وأغِث لهفتنا.
اللهم من كادنا فكده، ومن مكر بنا فامكر به، ومن بغى علينا فخذه، فإنه لا يعظم عليك يا رب العالمين، اللهم مُنزِل الكتاب، مُجري السحاب، هازِم الأحزاب، اهزم أعداء الإسلام، أعداء القرآن، أعداء فلسطين، اهزِم أعداء غزَّة، أعداء شعبها، اللهم اهزمهم، وانصُرنا عليهم، مكِّن لنا منهم ولديننا في الأرض، ولا تمكِّن منّا أعداءنا، ولا تدع لهم سبيلاً علينا.
اللهم إننا مظلومون فانتصر لنا، إننا مغلوبون فانتصر لنا، مظلومون فانتقم منهم، متضرعون فاستجب لنا، مستغيثون بك فأغثنا يا غياث المُستغيثين، نشكو إليك ضعف قوتنا، وقلة حيلتنا، وهواننا على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت ربُّ المُستضعفين وأنت ربُّنا، إلى من تكلنا؟ إلى قريبٍ يتجهمنا، أم إلى عدوٍّ ملَّكته أمرنا، إن لم يكن بك غضبٌ علينا فلا نبالي، ولكن عافيتك أوسع لنا، نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصَلَح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن يحل بنا غضبك، أو ينزل علينا سخطك، لك العُتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك، يا أرحم الراحمين.
اللهم إنّا نشكو إليك ظلم الأقوياء، وخنوع الضعفاء، وشُح الأغنياء، وعجز الأُمناء، و خيانة الأقوياء، وكيد الأعداء، وخذلان الأصدقاء، اللهم إنّا نشكو إليك دماءً للمسلمين سُفِكَت، وأعراضاً هُتِكَت، وحُرماتٍ انتُهِكت، ومساجد دُمِّرت، ومنازل خُرِّبت، ومدارس عُطِّلت، ومزارع أُحرِقت، وأطفالاً أبرياءً يُتِّمَت، ونساءً تأيّمَت، وأُمهاتٍ ثكلِت، ليس لنا ربٌّ غيرك، ولا ملاذ سواك.
اللهم فاغضب لعبادك المؤمنين، واثأَر لجنودك الموحّدين، وانتقم من الطُغاة والمستكبرين، اللهم أحل بهم سخطك، وأنزِل عليهم غضبك ونقمتك، واحرمهم من حلمك وإمهالك، وأرِنا فيهم بطشك وقوتك يا جبار، يا قهَّار، يا عظيم، يا قوي، كُن جباراً عليهم، انتقم لنا من أعدائك أعداء الدين.
  اللهم احفظ أهلنا في قطاع غزَّة الحبيب من بين أيديهم، وسلِّمهم من خلفهم، وعن شمائلهم، ومن فوقهم، ومن تحتهم، اللهم تقبَّل شهداءهم، اللهم ليس لهم ربٌّ سواك ، ولا ناصر لهم سواك، إن خذلهم أهل الأرض فأنت ربُّنا وربُّهم، لا تخذلهم يا ربّ العالمين، لا تخذلهم يا غياث المُستغيثين، اللهم يا مَن أهلكت ثمود بالطاغية، وأهلكت عاداً بريحٍ صرصرٍ عاتية، وأخذت فرعون وجنده أخذةً رابية، أهلِك هذه الطُغمة المُتجبرة الباغية، ولا تُبقِ لهم في أرضنا من باقية، اللهم إنهم طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، اللهم صُبَّ عليهم سوط عذاب، وكُن لهم بالمرصاد، دمّرهم كما دمَّرت إرمَ ذات العماد.
اللهم أيِّدنا بجندٍ من جندك، وأمدّنا بروحٍ من عندك، واحرُسنا بعينك التي لا تنام، واكلأنا في سلطانك الذي لا يُضام، اللهم قد انسدَّت الطرق إلا إليك، وانقطع الاعتماد إلا عليك، وضاع الأمل إلا منك، وخاب الرجاءُ إلا فيك، وأُغلقت الأبوابُ إلا بابك، وانقطعت الأسبابُ إلا أسبابك، وضاق كل جنابٍ إلا جنابك، اللهم فلا تجعل اعتمادنا إلا عليك، ولا مفرّنا إلا منك، ولا رجاءً إلا فيك، ولا رضا إلا عنك، ولا اعتصام إلا بك، ولا إخلاص إلا لوجهك الكريم.
اللهم من أعتز بك فلن يذل، ومن اهتدى بك فلن يضل، ومن استكثر بك فلن يقِل، ومن استقوى بك فلن يضعُف، ومن استغنى بك فلن يفتقر، ومن استنصر بك فلن يُخذل، ومن استعان بك فلن يُظَلم، ومن توكل عليك فلن يخيب، ومن جعلك ملاذه فلن يضيع، ومن اعتصم بك فقد هُدي إلى صراط مستقيم، اللهم كُن لنا وليّاً ونصيراً، وكُن لنا مُعيناً ومُجيراً، إنك كنت بنا بصيراً، اللهم كُن لإخواننا في غزَّة مُعيناً ونصيراً، وهادياً، ومُثبِّتاً، ومؤيداً يا ربّ العالمين.
اللهم ارحم شهداءهم وتولى أهلهم من بعدهم وكُن لهم عوناً ومُعيناً، وحافظاً وناصراً ومُثبِّتاً وأميناً يا ربّ العالمين، يا أكرم الأكرمين أجِب دعاء الصادقين من المُستغيثين والمُتضرعين، اللهم أنت عونٌ لهم نسألك أن تستجيب لنا، وأن لا ترد دعاءنا، اللهم أنزِل من السماء ملائكةً يقاتلون مع إخواننا في غزَّة ويحمونهم، وأنزِل من جنودك التي لا يراها أعداؤك ولا يراها أعداء الدين، اللهم أنزِل جنوداً يقاتلون مع إخواننا في غزَّة يا ربّ العالمين، اللهم وفِّق ولاة المسلمين لما تُحب وترضى، واجمع بينهم على خير، إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير.

الملف مدقق

والحمد لله ربّ العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور