الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلن تجد له ولّياً مرشداً، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عينٌ بنظرٍ، أو سمعت أُذُنٌ بخبر.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومَن والاه ومَن تبعه إلى يوم الدين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعِلم ومن وحول الشهوات إلى جنَّات القُربات.
المؤمن مرآة أخيه المؤمن يكشف له الخلل من دون تشهير وإعلان:
أيُّها الإخوة الكرام: ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(( إنَّ أحدَكم مِرآةُ أخيه فإن رَأى به أذًى فليُمِطْه عنه ))
وفي حديثٍ آخر يقول عليه الصلاة والسلام:
(( المؤمنُ مرآةُ المؤمنِ ))
وفي حديثٍ ثالث يقول عليه الصلاة والسلام:
(( المؤمِنُ مِرآةُ المؤمِنِ، والمؤمِنُ أخُو المؤمِنِ، يَكُفُّ عليه ضَيْعَتَهُ و يَحوطُهُ من ورَائِهِ ))
[ أخرجه أبو داوود والطبراني ]
وقد ورد في البخاري في الأدب المُفرَد،
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه في حديثٍ رابع:
المسلم مرآة المسلم فإذا رأى به شيئاً فليأخذه عنه، وإن كان الشيء صالحاً فليأخذه منه ))
[ رواه أبو داوود والبزار والبخاري في الأدب المفرد ]
أيُّها الإخوة: (المؤمنُ مرآةُ المؤمنِ) المؤمن كأنه مرآةٌ تُريه محاسن أخيه ومعايبه، الوجه الحسن يُرى في المرآة، والوجه الكالح يُرى في المرآة، لكن بينه وبينه، إنَّ النصيحة في الملأ فضيحة، إنما يعلم الشخص عيب نفسه بإخبار أخيه من دون ضجيج، من دون تشهير، من دون فضائح، من دون إعلان، والمؤمن لأنه مرآة أخيه المؤمن، يكشف له الخَلل فيمنع تلفه وخُسرانه.
على المؤمن أن ينصح أخاه دون فضيحةٍ أو تهويل:
أيُّها الإخوة: أمّا قول النبي عليه الصلاة والسلام: (يَكُفُّ عليه ضَيْعَتَهُ) أي يكف عليه ما يُهلكه في معاشه (ؤ يَحوطُهُ من ورَائِهِ) أي يحفظه ويصونه ويدافع عنه بقدر الطاقة، هذا شرح بعض شُرَّاح الحديث، لهذه الأحاديث المُتعددة ذات المضمون الواحد.
أيُّها الإخوة: هذا الحديث وأمثاله مهمٌ جداً في العلاقة بين المؤمنين، فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما قال: (المؤمنُ مرآةُ المؤمنِ) هذا الحديث على قلة كلماته، هو عظيم المعاني، كثير الدلالات، ينطوي على معانٍ تربوية نحن في أشدّ الحاجة إليها، وبخاصةٍ في هذه الأيام التي يمر بها المسلمون، وهُم غارقون في مشكلاتٍ فيما بينهم، المِرآة أيُّها الإخوة، تُظهِر العيوب من دون سخط، من دون جدال، انصَح أخاك بينك وبينه، من دون فضيحة، من دون تهويل، من دون مبالغة، من دون جلبة، من دون تشهير، المِرآة تعكس العيوب بصمتٍ، فكن كهذه المِرآة، لأنك كما وصف النبي عليه الصلاة والسلام، مِرآة أخيك وأخوك مِرآتك، هذا هو التناصح.
من واجب كل إنسان فضلاً عن أن ينصح الآخرين في عيوبهم أن يبرز محاسنهم للناس:
أيُّها الإخوة: كما قلت قبل قليل، المرآة تكشف العيوب من دون صخبٍ ولا ضجيج، كُن في تصحيح المسار، كُن في رأب الصدع وفي لمّ الشمل، وفي إصلاح الخَلل بينك وبين أخيك كهذه المِرآة، تعمل بصمتٍ، تعمل بسترٍ، تعمل بهدوءٍ، تعمل بخصوصيةٍ من دون ضجة لأنَّ في الضجة فضيحة، من دون تشهير لأنَّ في التشهير إيذاءً للإنسان.
لكن أيُّها الإخوة: المِرآة كما أنها تُبدي العيوب تُبدي المحاسِن، إنها تعكس كل شيء، لعلَّها تعكس المحاسِن قبل المساوئ، فلا تكن إلا كهذه المِرآة إن كان في أخيك فضيلة، إن كان فيه خير، إن كان فيه محاسِن، أبرِز هذه المحاسِن، وإن كان فيه معايب اجعلها بينك وبينه، المحاسِن أبرِزها، زوجٌ نصح زوجته ليلة العرس، قال لها: "ما وجدتِ من حسنةٍ فانشُريها، وما وجدتِ من سيئةٍ فاستريها" .
لذلك من واجبك فضلاً عن أن تنصحه في عيوبه، أن تُبرز محاسنه للناس، إن أبرزت محاسنه للناس دعمت الحقّ، وهذا دعمٌ لأخيك، وهذا إعلانٌ عن أُخوَّتِك الصادقة، أمّا إذا عَكَسَتْ هذه المِرآةُ بعض المساوئ، فينبغي أن يكون هذا بينك وبين أخيك، بهدوء، بتلطُّف، بأجمل كلمة، بأرقى عبارة، بألطف أسلوب، لذلك: من أمر بمعروفٍ فليكن أمره بمعروفٍ ومن نهى عن مُنكر فليكن نهيه بغير مُنكرٍ.
على الإنسان أن يكون موضوعياً وفي الموضوعية يلتقي العلم مع الأخلاق:
أيُّها الإخوة: ما منّا واحد إلا وفيه بعض المحاسِن، وكان عليه الصلاة والسلام يُبرِز هذه المحاسِن من أجل أن يُشجِّع عليها، وكان عليه الصلاة والسلام يُحسِّن الحَسَن ويقوّيه، ويُقبِّح القبيح ويوَهنه، فإذا رأيت في أخيك بعض المحاسِن فأبرِزها.
النبي عليه الصلاة والسلام سمِع جلبةً وضجيجاً، لأنَّ بعض المُصلّين أراد أن يلحق بالركعة الأولى في صلاة النبي، فأحدث جلبةً بين أصحابه:
(( أنَّهُ انْتَهَى إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو رَاكِعٌ، فَرَكَعَ قَبْلَ أنْ يَصِلَ إلى الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذلكَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا ولَا تَعُدْ. ))
أثنى على حرصه، أخطأ لكن هذا الخطأ ينطلِق من رغبةٍ أن يلحَق مع النبي الركعة الأولى، أبرِز هذه المحاسِن كما أبرَز النبي الكريم هذا الموقف الذي آذى الصحابة، لكنه ينطلِق من حرصٍ على أن يلحَق الصحابي الركعة الأولى مع النبي الكريم ( زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا ولَا تَعُدْ) .
كُن موضوعياً، الموضوعية قيمةٌ أولى في العِلم، وكُن موضوعياً والموضوعية قيمةٌ أولى في الأخلاق، وفي هذه الموضوعية يلتقي العِلم مع الأخلاق.
من رأى السلبيات فلا ينسى الإيجابيات:
أيُّها الإخوة الأكارم: إذا رأيت السلبيات فلا تنسى الإيجابيات، إذا رأيت القبائح فلا تنسى المحاسِن.
(( لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ، أَوْ قالَ: غَيْرَهُ ))
مرةً أحد ملوك الأندلس يمشي في حديقته، فرأى بركة ماءٍ وقد نسج عليها الريح زرداً، يعني كأنه سلسلة، فقال: نسج الريح على الماء زرد، ولم يستطع إكمال البيت، وراءه جارية قالت له: يا له درعاً متيناً لو جمَد، أعجبته الجارية بفصاحتها وشِعرها، فتزوجها وجعلها سيدة القصر، أكرمها إكراماً لا حدود له، اشتهت مرةً حياة الفقر، أرادت أن تدوس في الطين، فجاء لها بالمِسك والعنبر وخلطه بماء الزهر، وجعله طيناً كي تدوس فيه، ثم جاء ابن تاشفين فقضى على ملوك الطوائف، وأودعهم في السجن، وساءت حال هذا الملك ابن عبَّاد، تبرَّمت به زوجته الجارية سابقاً وقالت: لم أرَ منك خيراً قط، فقال لها: ولا يوم الطين؟!
إن رأيت المساوئ لا تنسى المحاسِن، إن رأيت السلبيات فلا تنسى الإيجابيات، إن رأيت أنَّ هذا الموظف تأخَّر لا تنسى أنه أمين، إن رأيت هذا الابن لم ينجح لا تنسى أنه مستقيم، فإذا رأيت المساوئ لا تنسى المحاسِن، هذا موقف النبي عليه الصلاة والسلام.
أيُّها الإخوة: كُن موضوعياً، كُن كالمِرآة تُبرز المحاسِن والعيوب بصمتٍ، أعلِن المحاسِن واسكت عن العيوب، واجعل العيب بينك وبين أخيك، ناصحاً على انفرادٍ في مكانٍ مُغلقٍ، يرتاح لك ويشكرك، أمّا إذا نصحته أمام الناس فهذه فضيحة وليست نصيحة.
مَن لا يعنيه همّ المسلمين إنسان لا ينتمي إليهم و لا يحرص على هدايتهم:
أيُّها الإخوة: المِرآة لا تُضعِّف العيوب، مِرآةٌ مُسطَّحة وليست مُقعَّرة، المِرآة المُقعَّرة تُكبِّر الوجه، والمُسطَّحة ترسُم الوجه تماماً بحجمه، بأبعاده، بتفاصيله، المِرآة المُحدَّبة تُصغِّر، ينبغي أن تكون مرآةً مُسطَّحة لا مُحدبةً ولا مُقعَّرة، لا تُبالغ ولا تُقلل.
أيُّها الإخوة: كُن كالمِرآة الصقيلة لا مُحدبةً ولا مُقعَّرة، كُن مِرآةً صادقةً في كشف الخطأ، أصلحه بقصد صلاح الحال، هذا الذي لا يعنيه أمر المسلمين، ولا يحمل همَّ المسلمين، ليس من المسلمين، هذا الذي لا يتمعَّر وجهه إذا رأى مُنكراً ليس من المسلمين.
أيُّها الإخوة الكرام: وهذا الذي يقول أنا على حقّ ولا شأن لي بالآخرين، هذا لا ينتمي إلى المجموع، لا يحرص على هدايتهم.
الذي ورد:
(( عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْحَى اللَّهُ إِلَى مَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَنِ اقْلِبْ مَدِينَةَ كَذَا وَكَذَا عَلَى أَهْلِهَا!! قَالَ: إِنَّ فِيهِ عَبْدَكَ فُلَانًا لَمْ يَعْصِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ؟! قَالَ: اقْلِبْهَا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، فَإِنَّ وَجْهَهُ لَمْ يَتَمَعَّرَ لِي سَاعَةً قَطُّ ))
[ رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب وابن الأعرابي في معجمه ]
قصة حاطب بن بلتعة و موقف النبي الكريم منه:
أيُّها الإخوة: قصةٌ نقرؤها كثيراً، حاطب بن أبي بلتعة عمل عملاً لا يمكن أن يُقبَل في أي زمانٍ ولا في أي مكان، بأي نظامٍ في الأرض يُعدّ خيانةً عُظمى، أرسل رسالةً إلى قريش مضمونها: <<إنَّ محمداً سيغزوكم فخذوا حذركم>> خيانةٌ عُظمى.
(( بَعَثَنِي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَا والزُّبَيْرَ، والمِقْدَادَ بنَ الأسْوَدِ، قَالَ: انْطَلِقُوا حتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ ، فإنَّ بهَا ظَعِينَةً، ومعهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ منها، فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بنَا خَيْلُنَا حتَّى انْتَهَيْنَا إلى الرَّوْضَةِ، فَإِذَا نَحْنُ بالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا أخْرِجِي الكِتَابَ، فَقَالَتْ: ما مَعِي مِن كِتَابٍ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فأخْرَجَتْهُ مِن عِقَاصِهَا، فأتَيْنَا به رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَإِذَا فيه مِن حَاطِبِ بنِ أبِي بَلْتَعَةَ إلى أُنَاسٍ مِنَ المُشْرِكِينَ مِن أهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ ببَعْضِ أمْرِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا حَاطِبُ ما هذا؟، قَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، لا تَعْجَلْ عَلَيَّ إنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا في قُرَيْشٍ، ولَمْ أكُنْ مِن أنْفُسِهَا، وكانَ مَن معكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ لهمْ قَرَابَاتٌ بمَكَّةَ يَحْمُونَ بهَا أهْلِيهِمْ وأَمْوَالَهُمْ، فأحْبَبْتُ إذْ فَاتَنِي ذلكَ مِنَ النَّسَبِ فيهم، أنْ أتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بهَا قَرَابَتِي، وما فَعَلْتُ كُفْرًا ولَا ارْتِدَادًا، ولَا رِضًا بالكُفْرِ بَعْدَ الإسْلَامِ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لقَدْ صَدَقَكُمْ، قَالَ عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ دَعْنِي أضْرِبْ عُنُقَ هذا المُنَافِقِ، قَالَ: إنَّه قدْ شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أنْ يَكونَ قَدِ اطَّلَعَ علَى أهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ. ))
قال شُرّاح السيرة: إنَّ عُمراً رآها خيانةً عُظمى فقال: (دَعْنِي أضْرِبْ عُنُقَ هذا المُنَافِقِ) أمّا النبي عليه الصلاة والسلام، رآها زلة قدمٍ فغفرها له، وقال: إني صدَّقته فصدِّقوه ولا تقولوا فيه إلا خيراً.
لكن أيُّها الإخوة لذلك ورد: اِلتمس لأخيك عذراً ولو سبعين مرة.
كل إنسان عليه أن يكون منزهاً عن أي غرض أرضي وعن الشماتة بالآخرين:
لكن المِرآة لا يمكن أن تعكس العيوب إلا إذا كانت نظيفةً، طاهرة، صقيلة، فإن لم تكن مِرآة الإنسان نظيفةً، هذا الإنسان ليس مؤهلاً أن ينصح أحداً، يقال له: يا طبيب طبب لنفسِك، كُن صافياً، كُن نظيفاً، كُن مُنزَّهاً عن كل غرضٍ أرضي، كُن منزَّهاً عن الشماتة، لذلك:
(( الذنبُ شؤمٌ على غيرِ فاعلهِ ، إنْ عيَّرَهُ ابتُلِيَ بهِ، وإنِ اغتابهَ أَثِمَ، وإنْ رضِيَ بهِ شاركَهُ ))
[ الألباني السلسلة الضعيفة ]
طبعاً صاحبه له حساب ٌطويل، أمّا صديق هذا المُذنِب قال: (إنْ عيَّرَهُ ابتُلِيَ بهِ، وإنِ اغتابهَ أَثِمَ، وإنْ رضِيَ بهِ شاركَهُ) ، (الذنبُ شؤمٌ على غيرِ فاعلهِ) .
أيُّها الإخوة: من هُنا قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( طوبى لمن شغلَهُ عيبُهُ عن عيوبِ النَّاسِ ))
[ أخرجه البزار وابن حبان ]
(( من حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعنيهِ ))
[ أخرجه الترمذي وابن ماجه ]
إذاً لا يمكن أن تعكس المِرآة العيوب إلا إذا كانت نظيفةً، وصقيلةً، وطاهرة، لكن الأَولى أن يُعنى الإنسان قبل كل شيءٍ بتنظيف نفسه، بتطهير عيوبه، بصقل أخطائه حتى يُقنِع الناس بنصيحته، إن كنت على غير ما تقول لا أحد يلتفِت إليك، المِرآة تعكس العيوب ولا تدري من الذي أمامها، كبيرٌ أم صغير، قويٌ أم ضعيف، تعكس أي عيبٍ للكبير والصغير، فالذي يتصيَّد عيوب الضُعفاء فقط، ويغضُّ الطرف عن عيوب الكُبراء، هذا مِرآةٌ لكنها ليست صادقة بل مُنحازة، المِرآة تعكس كل العيوب ولجميع الأشخاص والأقدار، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه البخاري ومسلم:
(( أنَّ قُرَيْشًا أهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتي سَرَقَتْ، فَقالوا: ومَن يُكَلِّمُ فِيهَا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فَقالوا: ومَن يَجْتَرِئُ عليه إلَّا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أتَشْفَعُ في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قالَ: إنَّما أهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقَامُوا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا. ))
الصغار الضِعاف تُمطرهم بالنقد، والكُبراء تنبطح أمامهم، هذا ليس مؤمناً، الصغار الضعفاء تُمطرهم بنقدك اللاذع، أمّا الكُبراء يرتكبون الكبائر وأنت منبطحٌ أمامهم أهذه موضوعية؟! لا والله.
على المؤمن ألا ينتظر مديحاً أو ثناءً من أخيه إن أسدى له نصيحة:
أيُّها الإخوة: المِرآة تعكس العيوب، ولا تنتظر مغنماً، ولا شكراً، ولا تقديراً، وهكذا المؤمن، لا ينتظر على نصيحته جزاءً، ولا تقديراً، ولا مديحاً، ولا ثناءً، ولا شكراً، أمّا الإنسان العاقل إن كان عنده مرآةٌ ينبغي ألّا يكسرها، وينبغي ألّا يُهملها، يعني إذا جاءتك نصيحةٌ من مؤمنٍ أصغِ إليها، إصغاؤك لها يُكسبك الأجر، وليس أجر الذي يقبل النصيحة بأقل من الذي يُسديها.
الحقيقة هناك موقفٌ في السيرة دقيقٌ جداً، يحتاج إلى وعيٍ وفهم، النبي معصوم، إذاً كل الفضائل تظهر منه إلا فضيلةٍ واحدة، فضيلة الرجوع عن الخطأ، هو لا يُخطئ معصوم، لكن لأن الله سبحانه وتعالى أراد أن يُكسبه هذه الفضيلة، حجب عنه الموقع المناسب يوم بدر، حجبه عنه وحياً، وإلهاماً، واجتهاداً، فجاء صحابيٌ جليل يقطر أدباً ورقّةً، قال: يا رسول الله هذا الموقع وحيٌ أوحاه الله إليك أم هو الرأيٌ و المشورة؟ انتبه إلى أدب هذا الصحابي، يعني إذا كان وحياً ولا كلمة، أمّا إذا كان رأياً ومشورةً لي قول، قال له: هو الرأي والمشورة، قال له: والله يا رسول الله ليس بموقع، ببساطةٍ ما بعدها بساطة، بتواضعٍ ما بعده تواضع، بلطفٍ ما بعده لطف، قال له: جزاك الله خيراً، وأمر أصحابه أن يتحولوا إلى الموقع الجديد.
العاقل من جعل الحوار والسؤال والجواب والمدارسة والتباحث ديدناً له:
فأن ترجع عن خطئك أيُّها الزوج فضيلة، أحياناً أنت تُخطئ والزوجة على صواب، لا تعترف بصوابها وتبالغ في تقدير خطئك، أحياناً شيخ، أحياناً داعية، سمع نقداً من أحد إخوانه لا يقبله أبداً، يتَّهمه بأنه مُقصِّرٌ وأنه لا يرى الحقيقة، لا، سيد الخلق وحبيب الحقّ، رجع إلى رأي هذا الصحابي الحُباب بن المنذر فمَن أنت؟ قال تعالى:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾
لقد أُمر النبي وهو المعصوم أن يشاور أصحابه (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) ووصف مجتمع المؤمنين بأنَّ:
﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (38)﴾
لذلك ورد عن آخر الزمان:
(( إذا كانت أمراؤكم خيارَكم، وكان أغنياؤكم سمحاءَكم، وكانت أموركُم شورى بينكم، فظَهْرُ الأرضُ خيرٌ لكم من بطنها، وإذا كانت أمراؤكم شرارُكم، وكان أغنياؤكم بخلاءكم، وكانت أمورُكم إلى نسائِكم، فبطنُ الأرضِ خيرٌ لكم من ظهْرها ))
عوِّد نفسك الحوار، أن تسأل، أن تتأكد من صوابك، اجعل مجتمع المؤمنين فريق عمل، اجعل كل مؤمنٍ تفوَّق في جانبٍ وأنت غاب عنك هذا الجانب، وأخوك تفوَّق في جانب وغاب عنك هذا الجانب، اجعل الحوار والسؤال والجواب والمُدارسة والتباحُث دَيدَناً لك، ما الذي أخَّر المسلمين؟ صراعاتهم، واختلافهم، وتنافسهم، والأنا عندهم.
الغرور آفة الناجحين في الحياة:
أيُّها الإخوة: إذا اعتززت بنفسك ولم تلقَ أُذناً صاغيةً، إذا اعتززت بنفسك ولم تأبه لهذه النصيحة، فكأنك كسرت هذه المِرآة، الذي عنده مِرآة يرى بها محاسنه وعيوبه لماذا يكسرها؟ فالذي يرفض النصيحة فكأنما كسر هذه المِرآة، لذلك ورد أن: تعلَّموا قبل أن ترأسوا، فإن ترأستم فلن تعلموا، الإنسان قد يصل إلى قمة النجاح بجهدٍ جهيد، ولكنه يسقط من هذه القمة بغرورٍ قليل، الصعود إلى هذه القمة طريقٌ وعر، أشواك، حُفَر، أكمات، صخور، غُبار، ولكن النزول منها بطريقٍ زلقٍ جداً، فالغرور آفة الناجحين في الحياة، حينما تغتر بعلمك، أو تغتر بمكانتك، أو بحكمتك فلقد انتهيت، لذلك دخل النبي عليه الصلاة والسلام مكَّة فاتحاً، مطأطئ الرأس، كادت عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله عزَّ وجل.
علة خيرية هذه الأمة النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
أيُّها الإخوة: المؤمن ينصح من مركز قوة، ومن مركز ضعف، النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي عِلّة خيرية هذه الأمة:
﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)﴾
فإذا كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( كيف بكمْ أيُّها النَّاسُ إذا طَغى نِساؤُكم، وفسَقَ فِتيانُكم؟ قالوا: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هذا لَكائنٌ؟ قال: نعمْ، وأشَدُّ منه، كيف بكم إذا تَركتُمُ الأمْرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المُنكَرِ؟ قالوا: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هذا لَكائنٌ؟ قال: نعمْ، وأشَدُّ منه، كيف بكم إذا رأيتُمُ المُنكَرَ مَعروفًا والمعروفَ مُنكَرًا؟ ))
عندئذٍ فقدنا خيريتنا، وأصبحنا أُمةً كأية أمةٍ خلقها الله عزَّ وجل، وأصبح حالنا كحال الذين قالوا:
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)﴾
على الإنسان أن يحكم بالظاهر والله يتولى السرائر:
هناك شيءٌ آخر، سيدنا عُمر لمّا رأى عُمير بن وهب متوشحاً سيفه في المدينة، ألقى القبض عليه، وكتَّفه بحمالة سيفه، لأنَّ عُمير بن وهب ابنه أسيرٌ في المدينة، التقى مع صفوان بن أُمية فقال له عُمير: والله يا صفوان لولا ديونٌ لزمتني ما أطيق سدادها، ولولا أولادٌ أخشى عليهم العَنَت من بعدي لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه ، فصفوان استغلها استغلالاً شيطانياً، قال: أمّا ديونك فهي عليَّ بلغت ما بلغت، وأمّا أولادك فهُم أولادي ما امتدَّ بهم العمر، فامضِ لما أردت ، فهذا عُمير بن وهب سقى سيفه سُمَّاً، ووضعه على عاتقه، وتوجَّه إلى المدينة بغطاء أنه ذهب إليها ليفدي ابنه الأسير، فلمّا وصلها رآه عُمر وقال: هذا عدو الله عُمير جاء يريد شرّاً، قيَّده بحمَّالة سيفه، وساقه إلى النبي عليه الصلاة والسلام.
فقال النبي الكريم: ادنُ منّي يا عُمير، فُكّ قيده يا عُمر وابتعد عنه ، فدنا منه قال له: سلِّم علينا، قال له: عمت صباحاً يا محمد بكل غِلظة، قال: قل السلام عليكم، قال: هذا سلامنا ليس بعيداً عنك، قال: ما الذي جاء بك يا عُمير؟ قال: جئت أفك أسر ابني، قال له: وهذه السيف التي على عاتقك؟ قال: قاتلها الله من سيوفٍ وهل نفعتنا يوم بدرٍ؟ قال له: ألم تقُل لصفوان لولا ديونٌ لزمتني ما أطيق سدادها، ولولا أولادٌ أخشى عليهم العَنَت من بعدي لذهبت وقتلت محمداً وأرحتكم منه ، فوقف وقال: أشهد أنك رسول الله، لأنَّ هذا الذي جرى بيني وبين صفوان لا يعلمه أحدٌ إلا الله. وأسلم.
يقول سيدنا عُمر، الشاهد هُنا، يقول: "دخل عُمير على رسول الله والخنزير أحب إليّ منه، وخرج من عنده وهو أحبّ إليّ من بعض إخواني" .
لا يوجد بالإسلام حقد، كما أنَّ هذه المِرآة حينما تعكس الخطأ لا تحقد، ما عندها تخزين، خزَّنت هذه العيوب، عكستها لتوّها وانتهى الأمر، يعني المؤمن كالمِرآة ما عنده تخزين، أحقاد، تكديس، أخطاء مسجلة، لا، ببراءةٍ، وببساطةٍ، وبنظافةٍ، وبعفويةٍ، هذا الخطأ كشفه ونصحه وانتهى الأمر، فالمِرآة ليس فيها خزان للعيوب وليس عندها حقد.
الجماعة رحمة والفرقة عذاب:
لذلك احرص على هذه القاعدة: نحن نحكُم بالظاهر والله يتولى السرائر، وأرح نفسك من تقييم الخلق، دع تقييم الخلق لله عزَّ وجل:
﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)﴾
لذلك المِرآة لا تؤدّي دورها إلا إذا وقف الإنسان أمامها، واعترف بقيمتها، وبفائدتها، لكن الذي لا يسأل، ولا يستنصح، ولا يجلس مع المؤمنين، فكأنما هرب من المِرآة، يجلس وحده، يجتهد وحده، يفتي لنفسه، غارق في ملذاته، لذلك الجماعة رحمة والفرقة عذاب.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾
النصيحة المؤدبة الصادرة عن إنسانٍ مخلصٍ توضع على العين والرأس:
أيُّها الإخوة الكرام: أُذكِّركم بهذه الأحاديث الأربعة:
يقول عليه الصلاة والسلام: (إنَّ أحدَكم مِرآةُ أخيه فإن رَأى به أذًى فليُمِطْه عنه) رواه السيوطي في الجامع الصغير.
والحديث الثاني: (المؤمنُ مرآةُ المؤمنِ) روي عن أنسٍ، وصحَّحه السيوطي وقال أنه حديثٌ حسن.
والثالث: (المؤمِنُ مِرآةُ المؤمِنِ، و المؤمِنُ أخُو المؤمِنِ، يَكُفُّ عليه ضَيْعَتَهُ و يَحوطُهُ من ورَائِهِ) ورد في البخاري في الأدب المفرد.
والحديث الرابع: (المسلم مرآة المسلم فإذا رأى به شيئاً فليأخذه عنه) .
أيُّها الإخوة المؤمنون: كونوا كهذه المِرآة تعكس المحاسِن قبل المعايب، تعكسها بصمتٍ، كونوا كالمِرآة ولنتناصح، والقاعدة الشهيرة: "نتعاون فيما اتفقنا، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا"، عدَّلت هذه المقولة فجعلتها كما يلي: "نتعاون فيما اتفقنا، وينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا" ، النصيحة المؤدبة الهادفة الصادرة عن إنسانٍ مخلصٍ، هذه نصيحةٌ توضع على العين والرأس.
أيُّها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أنَّ مَلَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني، والحمد لله ربِّ العالمين.
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
خير أمةٍ الأمة التي تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر:
أيُّها الإخوة: هناك حديثٍ جامعٍ مانعٍ موجزٍ لا يزيد عن كلمتين، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ: لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ. ))
أُذكِّركم بحديثٍ ورد عَرَضاً في الخُطبة، حينما أمر الله الملائكة بإهلاك قريةٍ، فقالوا: (إِنَّ فِيها عَبْدَكَ فُلَانًا لَمْ يَعْصِكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ؟! قَالَ: اقْلِبْهَا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، فَإِنَّ وَجْهَهُ لَمْ يَتَمَعَّرَ لِي سَاعَةً قَطُّ) .
هناك نوعٌ من المؤمنين همُّه نفسه يقول لك: أنا مستقيم والحمد لله ومن بعدي الطوفان، لا، لأنَّ الله عزَّ وجل يقول:
﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)﴾
لم يقل صالحون، الصالحون تركوا فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلَّة خيريتنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أقسَم لي شخصٌ أنَّ سبب توبته من شرب الخمر، أنه في وقت ازدحام السير، انتظر ساعةً حتى وقفت له سيارة تكسي، ومعه خمر بالحقيبة والخمر ظاهر، فلمّا رأى صاحب المركبة هذا الخمر اعتذر، قال لي: بقيت ساعةً ثانية شعرت بالمهانة، ماذا فعل؟ ما فعل شيئاً اعتذر عن أن يأخذه لهذا المكان لأنه رأى معه الخمر، طبعاً أنت حينما تأمر بمعروف، لكن من أمر بمعروفٍ فليكن أمره بمعروف، ومن نهى عن منكرٍ فليكن نهيه بغير منكر، إذا كنت توضِّح وتُبيِّن بأدب وبدليل، فأنت تنتمي إلى خير أُمة، أمّا إذا قلت مالي وللناس المهم أنا، عندئذٍ تنتمي إلى أية أُمةٍ خلقها الله.
تقسيم أمة الإسلام إلى أُمتين أمة التبليغ و أمة الاستجابة:
من هُنا قسَّم العلماء أمُة الإسلام إلى أُمتين، أُمة التبليغ هذه الأُمة تحتاج إلى تبليغ، وأُمة التكريم، أُمة الاستجابة التي استجابت لربّها فيما أمرها، بين أُمة التبليغ وبين أُمة الاستجابة، والحقيقة المُرَّة دائماً أفضل ألف مرَّة من الوهم المريح، الله عزَّ وجل يقول:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)﴾
ما دامت سُنَّة النبي قائمةً في بيوتنا، وفي أعمالنا، فنحن في مأمنِ من عذاب الله.
اللهم اهدِنا فيمَن هديت، وعافِنا فيمَن عافيت، وتولّنا فيمَن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقِنا واصرِف عنّا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحقّ ولا يُقضى عليك، وإنه لا يذلُّ من واليت ولا يعزُّ من عاديت، تباركت ربّنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هبّ لنا عملاً صالحاً يُقربنا إليك.
اللهم يا واصل المُنقطعين صلنا برحمتك إليك.
اللهم اعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنّا، آثرنا ولا تؤثِر علينا، ارضِنا وارضَ عنّا.
اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصُر الإسلام وأعزَّ المسلمين، وخُذ بيد ولاتهم إلى ما تُحبّ وترضى، إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير.
الملف مدقق