- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخــطــبـة الأولــى :
الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الرزق أوسع بكثير من أن يقيد بالمال :
أيها الأخوة الكرام، القضية الاقتصادية يهتم لها كل الناس في هذه الأيام، فالإنسان حريص على شيئين اثنين، حريص على حياته وصحته، وحريص على رزقه، لو أخذنا الجانب الآخر الحرص على الرزق
يتوهم معظم الناس أن كلمة رزق تعني المال والحقيقة خلاف ذلك، لأن الله عز وجل حينما قال في مطلع سورة البقرة:
﴿ الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) ﴾
الرزق أوسع بكثير من أن يقيد بالمال، إن آتاك الله وجاهة، إن آتاك الله طلاقة، إن آتاك الله حكمة، إن آتاك الله مالاً، إن آتاك الله منصباً، إن آتاك الله علماً.
﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) ﴾
﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) ﴾
الرزق و الكسب :
لذلك قال بعض العلماء: الرزق هو ما يقدره الله تعالى لخلقه من مقومات حياته، من مأكل، ومشرب، وملبس، ومأوى، ومن دابة، ونحو ذلك من الحاجات الأصلية للمخلوقات، كما يدخل في الرزق النعم المعنوية مثل الأمن والاستقرار والحرية والعقل، كلها أرزاق.
والله سبحانه وتعالى خصّ نفسه بملك أرزاق العباد وكل ما على الأرض، حتى من أسمائه الحسنى الرزاق قال تعالى:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)﴾
لكن العلماء فرقوا بين الكسب وبين الرزق، الرزق هو ما انتفعت به، الطعام الذي تأكله، الكساء الذي ترتديه، البيت الذي تسكنه، الزوجة التي تسكن إليها، الأولاد الذين حولك، أي شيء انتفعت به هو من الرزق وأي شيء كسبته ولم تنتفع منه هو الكسب، وشتان بين الرزق وبين الكسب.
الرزق نوعان ظاهر و باطن :
أيها الأخوة، الرزق نوعان ظاهر هو الأقوات والأطعمة وكل ما ينتفع به الجسم المأوى، المركبة، أما الرزق الباطن هو أن تعرف الله، هو أن تتصل به، هو أن تتقرب إليه، هو أن تقبل عليه، هو أن يلقي في قلبك نوراً، لو أن أحدكم قال لي ما الدليل ؟ هو قوله تعالى:
﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) ﴾
معرفة الله رزق، طاعته رزق، التوكل عليه رزق، الثقة به رزق، الإقبال عليه رزق.
أيها الأخوة الكرام، الرزق الأول متعلق بالجسد وموقت بالدنيا، فإذا مات الإنسان انتهت الأرزاق الظاهرة، أما الأرزاق الباطنة ينتفع بها في حياته وفي البرزخ وفي جنة عرضها السماوات والأرض.
أحبّ الأشياء إلى الله أن تكون سبباً في رزق القلوب و رزق الأبدان :
أيها الأخوة الكرام، أن يرزق الإنسان علماً هادياً، ولساناً مرشداً معلماً، ويداً منفقة متصدقة، ويكون سبباً لوصول الأرزاق الشريفة إلى القلوب بالأقوال والأعمال، ووصول الأرزاق إلى الأبدان بأفعاله وأعماله، هذا من أحبّ الأشياء إلى الله، أن تكون سبباً في رزق القلوب وأن تكون سبباً في رزق الأبدان، هو في مجموعه العمل الصالح، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( الْخَازِنُ الْأَمِينُ الَّذِي يُؤَدِّي مَا أُمِرَ بِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقِينَ ))
اختلاف مفهوم الرزق بين المؤمن و غير المؤمن :
أيها الأخوة، يقول الله عز وجل:
﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا ﴾
هذه من تفيد استغراق أفراد النوع، أي شيء يدبّ على وجه الأرض حتى النملة السمراء التي تدب على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء رزقها على الله، أحياناً في قمم الجبال تجد ينابيع المياه وليس لها تفسير دقيق إلا أن يكون مستودع هذه الينابيع في جبل أعلى من أجل بضعة وعول تعيش في قمم الجبال.
أيها الأخوة، مفهوم الرزق فيه اختلاف بين مؤمن وبين غير مؤمن، فالمؤمن يعلم علماً يقيناً بحسب درجة إيمانه أن الرزق من الله وأن عليه أن يأخذ بالأسباب ثم يتوكل على الله بينما غير المؤمن يعتمد في يقينه أن الرزق من عمله:
﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ﴾
قارون، هذا هو الفرق، المؤمن يعلم علم اليقين أن رزقه من الله وعليه أن يأخذ بالأسباب بينما غير المؤمن يعتقد أنه صانع رزقه.
أيها الأخوة، أهل الإيمان يفهمون الرزق أن يكون مالاً، أو قوتاً، أو ملبساً، أو مسكناً، وفي درجاتهم العليا يرونه العافية في الدين والدنيا، والعافية في النفس والأهل والولد، ويرون الرزق في سعادة الدارين، أما أهل اليقين يرون أن الرزق أن يصرفك الله عن كل ما سواه، وأن تكون قريباً من الله، وأهلاً لجنة الله في ملكوت الله.
المال قوام الحياة :
أيها الأخوة الكرام، لا شك أن الرزق يزيد ويقل، هذه الزيادة إن شاء الله في خطبة أتحدث عن بضعة عشرات بل قريب من خمسين بنداً من الكتاب والسنة يسهم في زيادة الرزق، ألا يتمنى كل واحد منا أن يكون رزقه وفيراً ؟ لأن المال قوام الحياة ولأن الصحابي الجليل له مقولة رائعة قال: حبذا المال أصون به عرضي وأتقرب به إلى ربي. إلى الموضوعات الحساسة، الوسائل القرآنية والنبوية في زيادة الرزق هذا في الخطبة بعد القادمة إن شاء الله عز وجل.
أيها الأخوة، من هذه الأسباب مثلاً بشكل سريع صلة الرحم تكون سبباً في زيادة الرزق، هذه بعض الأسباب وهناك أسباب كثيرة سوف آتي إليها إن شاء الله عز وجل.
المال رزق ولكنه ليس كل الرزق بل أحد أنواعه :
أيها الأخوة الكرام، أنواع الرزق أولاً المال أحد أنواع الرزق، الصحة رزق والعلم رزق، وطاعة الله رزق، والحكمة رزق، والزوجة الصالحة رزق، والزوجة العفيفة رزق، والأولاد الأبرار رزق، والمأوى رزق، والسمعة العطرة رزق، فإذا توهمنا أن الرزق هو المال الذي يأتينا فهذا وهم خطير
فالمال رزق ولكنه ليس كل الرزق بل أحد أنواعه وهو وسيلة وليس بغاية، هناك آلاف النعم نتمتع بها وقد نغفل عنها ونتوهم أن الرزق هو المال.
الحقيقة الثانية هو ما انتفعت به أما الذي لم تنتفع به ليس رزقاً بل هو كسب، والكسب تحاسب عنه أشد الحساب كيف كسبته من طريق مشروع أو من طريق غير مشروع؟ كسبته بالصدق أم بالكذب ؟ بالأمانة أم بالخيانة ؟ بالحقيقة أم بالوهم ؟ كسبته بقوتك وضغوطك واحتيالك أم كسبته بعرقك وكدك ؟ هذا هو مناط الموضوع.
أيها الأخوة الكرام، الرزق ما انتفعت به، الآن حلالاً أو حراماً، طيباً أو خبيثاً، مشروعاً أو غير مشروع.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾
ألصق شيء بحياة الإنسان عمله وحرفته فعليه أن يتحرى الحلال فيها :
الحقيقة أن بعض الرزق الذي انتفعت به ليس مشروعاً أضرب مثلاً أضربه كثيراً
تفاحة رابعة على غصن خامس من فرع سادس من شجرة تفاح في بستان بمكان في بلدة هذه التفاحة لك، قسمت لك، أنت باختيارك تأخذها شراءً مشروع، ضيافة مشروع، تأكلها هدية مشروع، تأكلها سرقة غير مشروع، تأكلها احتيالاً غير مشروع، هي لك ولكن طريقة وصولها إليك باختيارك.
إن روح القدس نفثت في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله عباد الحق، وأجملوا في الطلب، وفي زيادة لهذا الحديث واستجملوا مهنكم.
لأن ألصق شيء في حياة الإنسان عمله وحرفته، فإن كانت مشروعة عاش مرتاحاً، وعاش ناعماً، وعاش طيب النفس، أما إذا كان كسب المال من طريق غير مشروع، من حرفة لا ترضي الله، من بضاعة محرمة، أو إذا كان طريق كسب الرزق من ابتزاز الناس، أو إيهامهم، أو إلقاء الرعب في قلوبهم، فهذا رزق خبيث ابتعد عنه.
إن روح القدس نفثت في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها فاتقوا الله عباد الله وأجملوا في الطلب واستجملوا مهنكم.
الحكمة من جعل الكسب الحلال صعباً و الكسب الحرام سهلاً :
أيها الأخوة الكرام، ليس كل رزق حلالاً، هناك شبهات من دخل السوق من دون فقه أكل الربا شاء أو أبى:
(( أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
معنى أطب مطعمك أي اشترِ طعاماً بمال كسبته حلالاً، لا فيه كذب ولا تدليس ولا إيهام ولا احتكار ولا ابتزاز ولا من أي طريق لا يرضي الله عز وجل.
أيها الأخوة، لحكمة بالغة بالغة بالغة جعل الكسب الحلال أقل من الكسب الحرام لذلك قيل: قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تؤدي شكره، وقليل يكفيك خير من كثير يطغيك.
(( بادروا إلى الأعمال الصالحة ما ينتظر أحدكم من الدنيا إلا غِنَىً مُطْغِياً، أو فَقْراً مُنْسِياً، أو مَرَضاً مُفْسِداً، أو هَرَماً مُقَيِّداً، أو مَوْتاً مُجْهِزاً ؛ أو الدجال، فالدجال شرُّ غائِبٍ يُنْتَظَر ؛ أو السَّاعَةُ، والساعة أدهى وأَمَرّ ))
لو أن الرزق الحلال سهل جداً وكثير جداً لأقبل الناس على الحلال ؛ لا طاعة لله، ولا حباً به، ولا طمعاً بجنته، أقبلوا عليه لأنه سهل يسير وكثير وفير، لكن لحكمة بالغة بالغة جعل الكسب الحلال صعبا، وأحياناً الكسب الحرام سهل جداً، يعني أن تغض البصر عن مستودع قد تأخذ الملايين المملينة، أما حينما تكسب هذا المال من تجارة مشروعة يعني هناك جهد لا يعلمه إلا الله كي تكسب المال من التجارة، فالكسب الحلال يبدو للمتوهم أنه صعب لكن الذي يؤمن بالله واليوم الآخر لا يقبل إلا رزقاً حلالاً ولو كان قليلاً.
﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) ﴾
من لوازم الإيمان أن تختار عملاً يرضي الله :
أيها الأخوة الكرام، من لوازم الإيمان أن تختار عملاً يرضي الله، اختيار الحرفة شيء مهم جداً بل كنت أقول دائماً: إن اختيار الزوجة والحرفة أخطر شيئين في حياة الإنسان لأنهما ألصق شيئين بنفسك، البيت يبدل والمركبة تبدل لكن الحرفة بعد أن تستقر بها سنوات وسنوات وتشكل فيها خبرات وخبرات يصعب تركها، وكذلك الزواج لك منها أولاد، فلذلك أنا أخاطب الشباب بطولة الشاب أن يحسن شيئين مصيريين أن يحسن اختيار زوجته وأن يحسن اختيار حرفته.
الرزق الأعظم الذي يناله الإنسان هو رزق القيم :
مرة ثانية أيها الأخوة، هناك رزق مادي هو الطعام، والشراب، والمسكن، والمركبة، والمأوى، هو ماء الأمطار، الصحة صحة الأجهزة، الأعضاء، الحواس، المأوى، الثياب، هذا كله رزق مادي، ولكن الرزق الأعظم هو رزق القيم دقق:
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾
هؤلاء الذين أعطاهم الله الملك ؛ منهم من لا يحبهم الله عز وجل، أعطى الملك لفرعون وهو لا يحبه، أعطاه لنبي كريم سيدنا سليمان وهو يحبه، هؤلاء الذين أعطاهم الله المال منهم من لا يحبهم الله عز وجل، أعطاه لقارون وهو لا يحبه، أعطاه لسيدنا عبد الرحمن بن عوف وسيدنا عثمان بن عفان وهو يحبهما، لكن الذي يحبه الله ماذا يعطيه ؟ حصراً:
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً (14) ﴾
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113) ﴾
يعني أعظم فضل تناله منه أن تعرفه، إنك إن عرفته عرفت كل شيء، وإنك إذا لم تجده لم تجد شيئاً، يا رب، ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ أما رزق القيم هذا بين يديك، هذا متاح لكل الناس، هذا يحتاج إلى محاكمة صحية، وتوبة نصوحة، وإقبال على الله، وصلح معه.
الرزق الروحي رزق تبدأ ثماره في الدنيا وتستمر إلى الآخرة :
الرزق الروحي، رزق المعرفة، رزق الطاعة، رزق الاتصال، رزق التألق الروحي، رزق الدعوة إلى الله، هذه أرزاق لا يعلمها إلا الله، وهذه تبدأ ثمارها في الدنيا وتستمر إلى أبد الآبدين، يقول الإنسان مالي مالي وهل لك يا بن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت، الدنيا لها سقف لو معك مئة مليار كم تأكل صباحاً ؟ كم تأكل ظهراً ؟ كم تأكل مساءً ؟ على كم سرير تنام ؟ كم ثياب ترتدي ؟ كم مركبة تركب ؟ لو معك ألف مليار فالدنيا لها سقف ومحدودة وتنتهي بالموت لكن الآخرة ليس لها سقف:
﴿ لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) ﴾
﴿ و لِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ ﴾
(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ))
الرزق هو العمل الصالح :
صدقتك من رزقك، حضور هذه الخطبة من الرزق، أن تنطق بالحق هذا من الرزق، أن تحفظ بعض آيات القرآن الكريم هذا من الرزق، أن تطلع على سيرة النبي عليه الصلاة والسلام هذا من الرزق
ماذا قال سيدنا موسى حينما سقى للفتاتين ؟
﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) ﴾
استنبط علماء التفسير أن الرزق هو العمل الصالح، وأن الغنى هو غنى العمل الصالح، وأن الفقر هو فقر العمل الصالح، الغنى والفقر بعد العرض على الله.
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾
الغنى والفقر بعد العرض على الله.
المال قوة حيادية :
أيها الأخوة الكرام، المال قوام الحياة، المال ليس نعمة وليس نقمة، شيء موقوف على طريقة استخدامه، المال ربما كان درجات ترقى بها إلى أعلى عليين، وربما كان دركات يهوي بها الإنسان إلى أسفل سافلين، هو قوة ولكنها قوة حيادية قال تعالى:
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) ﴾
هو يقول:
﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) ﴾
جاء الجواب الإلهي جواب ردع:
كلا ليس عطائي إكراماً ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء وحرماني دواء، المال مادة امتحانك قد تنجح في امتحان المال وقد لا تنجح، الفقر مادة امتحانك وقد تنجح في هذا الامتحان الصعب وقد لا تنجح، فالمال ليس خيراً مطلقاً ولا شراً مطلقاً موقوف على طريقة كسبه وإنفاقه، وقد يكون المال فتنة.
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) ﴾
تقنين الله على العبد تقنين تأديب و ليس تقنين عجز :
أيها الأخوة الكرام، إذا قنن الله على العبد رزقه فليعلم علم اليقين أن التقنين ليس تقنين عجز ولكنه تقنين تأديب والدليل:
﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) ﴾
﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾
(( يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))
وبعد الحديث إن شاء الله في الخطبة بعد القادمة سيكون الحديث عن أسباب زيادة الرزق، وكلها مدللة بالكتاب والسنة.
الحكمة الإلهية من تفضيل بعض الناس على بعض في الرزق :
هناك حقيقة لا بد من وضعها بين أيديكم، عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر عن ربه يقول الله عز وجل:
((إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالغنى، ولو أفقرتُه لكفر))
هذا موضوع ثان:
(( إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالفقر، ولو أغنيته لكفر))
يوجد إنسان مقاومته ضعيفة على المال يفكر بالعصيان، على دخل محدود يبقى مستقيماً فرحمة الله به أن يكون ذا دخل محدود، في إنسان على الدخل الوفير ينفق يميناً وشمالاً ينفق لإطعام الفقراء والمساكين، لذلك:
(( وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالسقم، ولو أصححته لكفر، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالصحة، ولو أسقمته لكفر))
أحياناً المؤمن الكامل يستسلم لقضاء الله وقدره، يبذل قصارى جهده في أن يرفع مستوى معيشته، فإذا بذل قصارى جهده وبلغ به التعب والجهد إلى مكان ما، هذا الذي أراده الله لا يستسلم إلا بعد الأخذ بالأسباب أما قبل أن يأخذ بها هو مؤاخذ عند الله عز وجل.
من حرص على المال ذهب شرفه و دينه و أصبح خادماً لهما :
أيها الأخوة الكرام، الناس في كسب المال ثلاثة أطباق، رجل شغله معاشه عن معاده فهو من الهالكين، ومن شغله معاده عن معاشه فهو من الفائزين، ورجل شغله معاشه لمعاده فهو من المقتصدين.
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: ما يسرني أن عندي مثل أُحد هذا ذهباً تمضي عليّ ثلاثة أيام وعندي منه دينار واحد. حبب إلينا إنفاق المال وقال أيضاً:
(( مَا ذئبان جَائِعَانِ أُرسِلاَ في غَنَمٍ بأفسَدَ لها مِنْ حِرصِ المرء على المال والشَّرَف لدينهِ ))
حرصه على المال قد يذهب بشرفه ودينه و يصبح خادماً لهما.
المال قوة إذا استُخدم وفق ما يرضي الله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام، مرة ثانية حبذا المال أصون به عرضي وأتقرب به إلى ربي، هذان الهدفان الكبيران المشروعان وراء كسب المال، لكن الذي أتمنى أن أقوله لكم ختاماً لهذا الموضوع إذا كان طريق كسب المال سالكاً وفق منهج الله ينبغي أن تكون غنياً، لأنك بهذا المال تستطيع أن تفعل من الأعمال الصالحة الكثير مالا يستطيع أن يفعلها إنسان آخر
المال قوة يمكن أن تفتح بهذا المال ميتماً، معهداً شرعياً، أن تطعم الجياع، أن تزوج الشباب، المال قوة كبيرة جداً بل إن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((' لا حَسَدَ إلا على اثْنَتيْنِ: رجلٌ آتَاهُ اللَّهُ القرآنَ فقام به آناء اللَّيل وَآنَاءَ النَّهارِ، ورجلٌ أعْطاهُ اللَّهُ مالا، فَهوَ يُنْفِقِهُ آنَاءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ ))
فالمال قوة وأنت بالمال أمام خيارات للعمل الصالح لا يعلمها إلا الله، فإذا كان طريق كسب المال سالكاً وفق منهج الله ينبغي أن تكون غنياً كي تنفقه في سبيل الله، أما إذا كان طريق كسب المال على حساب دينك واستقامتك ورضوان ربك فاعلم علم اليقين أن الفقر وسام شرف لك، وقل معاذ الله إني أخاف الله رب العالمين.
يوجد حرف الآن لها دخل فلكي لكن أساسها إفساد أخلاق الشباب أو أساسها بث الرعب في قلوب الناس، ابحث عن حرفة ترضي الله.
المال أحد أدوات التقرب إلى الله عز وجل :
أيها الأخوة، بقي موضوع أخير يقول عليه الصلاة والسلام:
(( إنَّ الأشعريِّينَ إذا أرْمَلُوا في الغَزْوِ، وقَلَّ طَعَامُ عِيالهم بالمدينة: جَمَعُوا ما كان عندهم في ثَوْب واحد، ثم اقْتَسَمُوا بينهم في إناء واحد بالسَّويَّةِ، فهم مِنِّي وأنا مِنْهُم))
والله ما آمن، والله ما آمن، والله ما آمن، من بات شبعان وجاره إلى جانبه جائع وهو يعلم، الفكرة الأخيرة إذا كان معك فضل مال أعطي من هذا الفضل على من لا مال له. فالمال أحد أدوات التقرب إلى الله عز وجل، لذلك ورد في بعض الآثار أن الله عز وجل يسأل عبدين من عباده يقول للأول
(( أن عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ؟ يقول: يا رب لم أنفق منه شيئاً مخافة الفقر على أولادي من بعدي، فيقول الله له: ألم تعلم بأني الرزاق ذو القوة المتين ؟ إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم، ويقول للثاني: أعطيتك مالاً فماذا صنعت في ؟ يقول: يا رب أنفقته على كل محتاج ومسكين، لثقتي بأنك خير حافظاً، وأنت أرحم الراحمين، فيقول الله له: أنا الحافظ لأولادك من بعدك ))
أيها الأخوة الكرام:
﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) ﴾
الأب الصالح الذي كسب المال الحلال وأنفقه على أولاده يجب أن يوقن يقيناً قطعياً أن الله يحفظ أولاده من بعده، أما الأب الذي كسب المال الحرام من أجل أن يرفه أولاده من بعده قد تكون المعاصي والآثام الذين يقترفونها في صحيفة الأب.
أيها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
* * *
الخــطــبـة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء وفي الآخرة توزيع جزاء :
أيها الأخوة الكرام، من تتمات الموضوع أن الحظوظ (المال حظ، الوسامة حظ، الذكاء حظ، القوة حظ، الصحة حظ ) موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، الغني مبتلى بالمال أي ممتحن، والفقير ممتحن بالفقر، الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء، الدنيا محدودة:
﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) ﴾
أما الآخرة أبدية، فالبطولة أن تنجح في أي امتحان امتحنت به في الدنيا، قد تمتحن بالغنى، وقد تمتحن بالفقر، البطولة أن تنجح في امتحان الغنى، أن تنفقه في سبيل الله، وامتحان الفقر أن ترضى عن الله، وأن تتجمل، وأن تكون عفيفاً.
بطولة الإنسان أن ينجح في أي امتحان يمتحنه الله به في الدنيا :
البطولة أن تنجح في مادة المال إيتاءً أو حرماناً، إن نجحت دخلت إلى جنة ربك إلى أبد الآبدين، للتوضيح رجلان عاشا ستين عاماً بالتمام والكمال الأول امتحن بامتحان الغنى فلم ينجح والثاني امتحن بامتحان الفقر فنجح ماتا، يوم القيامة استحق الذي نجح في امتحان الفقر جنة عرضها السماوات والأرض، والذي لم ينجح في امتحان الغنى دخل النار من هو الرابح ؟ على الشبكية الغني في الدنيا، أما بعد إدراك الحقائق الذي نجح في الآخرة هو الذي نجح في امتحانه في الدنيا، فعدّ مادة المال أهم مواد الامتحان، قد تمتحن بالمال وفرة، وقد تمتحن بالمال تقتيراً، فأنت بطولتك أن تنجح في أي امتحان، النبي عليه الصلاة والسلام أصابه الفقر لو لم يكن فقيراً لما صدقه الفقراء، كان إذا دخل بيته يقول أعندكم شيء ؟ يقولون: لا، يقول فإني صائم، فالبطولة أن تنجح في امتحان المال وفرة أو تقتيراً إن نجحت فزت ورب الكعبة.
الفقر ثلاثة أنواع : فقر الإنفاق وفقر الكسل وفقر القدر :
لكن أن تكون فقيراً فقر كسل هذا فقر مذموم وليس قضاء وقدر، الفقر المذموم فقر الكسل، عملك غير متقن، ترجئ الأعمال، لا تهتم لا بالمواعيد ولا بالدوام ولا بالإتقان، إذاً تكون متخلفاً في دنياك، والمتخلف يكون فقيراً بالأعم الأغلب، هذا فقر الكسل مرفوض هذا ليس من أخلاق المؤمن، هناك فقر الكسل صاحبه مذموم، ولا يقول هكذا الله رتب لي هذا كلام فيه دجل اسعَ، من أنتم ؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: كذبتم، المتوكل من ألقى حبة في الأرض ثم توكل على الله، اسعَ هذا فقر الكسل مذموم أما فقر القدر هذا معذور إنسان معه عاهة من لوازم هذه العاهة أنه فقير هذا فقر معذور صاحبه، أما الفقر المحمود فقر الإنفاق يا أبا بكر ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال: الله ورسوله، أنفق كل ماله.
هناك فقر الإنفاق وفقر الكسل وفقر القدر صاحبه معذور، الإنفاق محمود، الكسل مذموم.
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، خذ بيد ولاة المسلمين لما تحب وترضى يا رب العالمين، إنك على ما تشاء قدير، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، لا تأخذنا بالسنين، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين، اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، دمر أعداءك أعداء الدين اجعل تدميرهم في تدبيرهم، اجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين، انصر عبادك المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها، وفي شمالها وجنوبها، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.