- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى :
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر.
وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرِنا الحــق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
العدل بين الأولاد :
أيها الأخوة المؤمنون : ورد في الحديث الصحيح :
((بَاب الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ ، وَإِذَا أَعْطَى بَعْضَ وَلَدِهِ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَعْدِلَ بَيْنَهُمْ ، وَيُعْطِيَ الآخَرِينَ مِثْلَهُ ، وَلا يُشْهَدُ عَلَيْهِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ ، وَهَلْ لِلْوَالِدِ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَطِيَّتِهِ ؟ وَمَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلا يَتَعَدَّى ، وَاشْتَرَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُمَرَ بَعِيرًا ، ثُمَّ أَعْطَاهُ ابْنَ عُمَرَ وَقَالَ: اصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ))
اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ ، اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ ، اعْدِلُوا بَيْنَ أولادِكُمْ ، كررها ثلاث مرات تأكيداً على هذا التوجيه.
((حَدَّثَنِي النُّعْمَانُ ابْنُ بَشِيرٍ : أَنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْ أَبَاهُ بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ مِنْ مَالِهِ لابْنِهَا ، فَالْتَوَى بِهَا سَنَةً ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَقَالَتْ : لا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا وَهَبْتَ لابْنِي ، فَأَخَذَ أَبِي بِيَدِي وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلامٌ ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّ أُمَّ هَذَا بِنْتَ رَوَاحَةَ أَعْجَبَهَا أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى الَّذِي وَهَبْتُ لابْنِهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَقَالَ : أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا ؟ قَالَ : لا ، قَالَ : فَلا تُشْهِدْنِي إِذًا ، فَإِنِّي لا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ))
من أراد أن يكون أولاده في البر له سواء فليعدل بينهم :
أيها الأخوة الكرام : أنا لا أنطلق من خيال ، أنطلق من واقع ، واقع المسلمين مفعم بظلم شديد في معاملة الأولاد ، لسبب أو لآخر ، ولكن هذه الأسباب ليست مقبولة عند الله عز وجل ، قال له : " يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَقَالَ : أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا ؟ قَالَ : لا ، قَالَ : فَلا تُشْهِدْنِي إِذًا ، فَإِنِّي لا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ" هذا الحديث أيها الأخوة ورد بروايات عديدة ، سأذكر لكم الإضافات على الروايات العديدة ، قال عليه الصلاة والسلام في بعض الروايات : " أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء ؟ قال : بلى ، قال : فلا إذاً " إن أردت أن يكون أولادك جميعاً في البر لك سواء لا تفعل هذا ، قال : " أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء ؟ قال : بلى ، قال : فلا إذاً " أي لا تفعل هذا إذاً ، وفي رواية ثالثة :
((عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَال : نَحَلَنِي أَبِي نُحْلا ، ثُمَّ أَتَى بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ فَقَالَ : أَكُلَّ وَلَدِكَ أَعْطَيْتَهُ هَذَا ؟ قَال : لا ، قَالَ : أَلَيْسَ تُرِيدُ مِنْهُمُ الْبِرَّ مِثْلَ مَا تُرِيدُ مِنْ ذَا ؟ قَالَ : بَلَى قَالَ : فَإِنِّي لا أَشْهَدُ))
فإذا أردت أن يكون أولادك جميعاً في البر لك سواء اعدل بينهم ، وكِلْ ما بينهم من تفاوت إلى الله ، أنت عليك أن تعدل ، إنك إن لم تعدل زدت البعيد بعداً ، وزدت العدو عداوة ، وزدت المجافي جفاء ، فإن عدلت بينهم قربت البعيد ، وقربت المجافي ، وقربت المسيء ، وحملتهم على برك جميعاً ، هذه حقيقة أيها الأخوة ، أكثر بيوتات المسلمين مقصرون في تطبيقها .
(( قَالَتِ امْرَأَةُ بَشِيرٍ : انْحَلِ ابْنِي غُلامَكَ ، وَأَشْهِدْ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ ابْنَةَ فُلانٍ سَأَلَتْنِي أَنْ أَنْحَلَ ابْنَهَا غُلامِي ، وَقَالَتْ : أَشْهِدْ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أَلَهُ إِخْوَةٌ ؟ قَالَ: نَعَمْ ، قالَ : أَفَكُلَّهُمْ أَعْطَيْتَ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُ ؟ قَالَ : لا ، قَالَ ، فَلَيْسَ يَصْلُحُ هَذَا ، وَإِنِّي لا أَشْهَدُ إِلا عَلَى حَقٍّ ))
لا يصلح ولا تصلح به الأسرة ، ولا يستقيم به الأمر ، " فَلَيْسَ يَصْلُحُ هَذَا ، وَإِنِّي لا أَشْهَدُ إِلا عَلَى حَقٍّ " إذاً هذا ليس بحق.
كيفية التسوية بين الأولاد :
أيها الأخوة الكرام : شرّاح الحديث قالوا : العمل على هذا عند أهل العلم يستحبون التسوية بين الولد ، حتى قال بعضهم : يسوي بين ولده حتى في القبلة ، وقال بعضهم : يسوي بين ولده في المحل أي في العطاء والعطية ، أي الذكر والأنثى معاً سواء بسواء ، وقال سفيان الثوري : التسوية بين الولد أن يعطي الذكر مثل حظ الأنثيين مثل قسمة الميراث ، وهذا موضوع خلافي ، بعض العلماء يرى أنك إذا وهبت في حياتك يجب أن تسوي بين الذكر والأنثى ، أما إذا تركت الأمر إلى ما بعد مماتك فالقسمة وفق شرع الله عز وجل ، الهبة لها حساب ، والميراث له حساب ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال :
((إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَلَى يَمِينِ الرَّحْمَنِ ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ ، وَمَا وَلُوا قَالَ : مُحَمَّدٌ فِي حَدِيثِهِ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ ))
أيها الأخوة الكرام : رجل له بنتان ، بنت من زوجة يعيش معها ، وبنت من زوجة قد هجرها ، جاءت البنت التي من زوجته التي هجرها في يوم العيد ، فرأت الترحيب بابنته الأخرى والإكرام والدعوة إلى طعام الغداء ، والمبلغ الضخم الذي قُدِم إليها ، وبتوجيه من زوجته الجديدة صرف البنت الذي من زوجته التي هجرها ، صرفها بعنف وكأنه طردها من البيت ، تقول هذه البنت : مضى على هذه الحادثة عشر سنوات ، وأنا لا أنسى هذا الجرح الذي أصابني من أبي .
الأبوة طريق إلى الجنة :
أيها الأخوة الكرام : الأبوّة رسالة ، والأبوّة طريق إلى الجنة ، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، وأنت في البيت هناك طرق إلى الجنة ، إذا كنت أباً مثالياً وإذا سويت بين أولادك في العطية ، إذا عدلت بينهم حتى بالقبل وحتى بالاهتمام ، الأولاد منوعون قد يكون أحدهم أكثر ذكاء ، قد يكون أحدهم أكثر ملاطفة ، قد يكون أحدهم أكثر مرونة ، أنت عليك أن تعدل ، عليك أن تنفذ أمر الله لتقرب البعيد ولتقرب المجافي ، لتعين المسيء على شيطانه ، لا أن تعين الشيطان عليه ، موقف الإنسان إما أنه يعين أخاه على شيطانه ، وإما أن يعين شيطانه على أخيه .
أيها الأخوة الكرام موضوع دقيق جداً : إني نحلت ابني ، قال العلماء : وهبت والهبة كما قلت قبل قليل من المرجح أن يسوي بين أولاده في الهبة .
أيها الأخوة الكرام : ولكن حينما يكون للرجل ولد عاجز فيه عاهة جسمية ، فيخصه بحانوت ليعيش منه ، مثل هذا معه عند الله جواب يوم القيامة ، حينما تفرق في العطية لسبب وجيه تشعر أن الله يقبله منك ، قد يكون عند الرجل ولد فيه عاهة في جسمه تحول بينه وبين كسب الرزق ، فإذا خصّ الأب هذا الابن العاجز بعطاء استثنائي في حياته فهذا عذر يقبله الله عز وجل ، العبرة أن تهيئ لله عز وجل جواباً على كل تصرفاتك ، وأن تشعر بفطرتك أن هذا الجواب مقبول عند الله عز وجل ، في مثل هذه الحالة العلماء فرقوا بين العدل وبين المساواة ، عندك طالب جامعي يحتاج إلى قسط وإلى كتب وإلى نفقات ، وعندك طالب في الصف الأول الابتدائي ، فهل يعقل أن تعطي الاثنين مبلغاً واحداً ؟ فرق بين العدل والمساواة ، العدل أن تعطي كل حاجة حاجته ، هذا ينطبق على العدل تماماً.
من كمال خلق الله أنه فطر النفس البشرية على حب الكمال :
أيها الأخوة الكرام : هذا الموضوع أفاض فيه العلماء شرحاً وتفصيلاً مما لا مجال إلى التوسع فيه على هذا المنبر ، ولكن الإنسان فُطِرَ فطرة ، جُبِلَ جبلة ، بالتعبير الحديث بُرمِجَ برمجة أنه إذا أحسن ترتاح نفسه ، وإذا أساء ينقبض قلبه ، قال تعالى :
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾
فمن كمال خلق الله عز وجل لهذه النفس البشرية أنها فطرها فطرة عالية ، فطرها على حب الكمال ، فإن فعلت الكمال ارتاحت ، وإن لم تفعل الكمال انقبضت ، والعذاب النفسي شيء لا يوصف ، قد يعطى الإنسان كل شيء ويحجب الله عنه رحمته ، فإذا حياته قطعة من الجحيم ، وقد يحرم الإنسان كل شيء ويكسب الله له رحمة في الدنيا ، فإذا هو من أسعد الناس ، أنت حينما تقيم العدل بين الأولاد ، حينما تنفذ أمر الله عز وجل يلقي الله في قلب هذا الإنسان من الراحة والسعادة مالا يوصف.
﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾
أنت لست موكلاً بمصائر العباد ، عليك أن تطيع الله فيما أمر ، وأن تنتهي عما نهى عنه وزجر .
أيها الأخوة الكرام : العلماء استنبطوا من هذه الأحاديث أن الأب يجوز له أن يرجع في هبته لولده ، إن بدا له أنه لم ينصف ، لو أن الإنسان وهب ابنه ثم بدا له أنه لم يكن منصفاً بهذه الهبة له أن يسترجعها ، وهذا حكم فقهي.
العناية بالبنات :
أيها الأخوة الكرام : موضوع آخر من متممات هذا الموضوع : هو العناية بالبنات.
((عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهَا قَالَتْ : دَخَلَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا ، تَسْأَلُ فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا ، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا ، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا ، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ : مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ ، كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ ))
قال العلماء : من ابتلي أي بوجود البنات عنده ، أو بما يصدر عنهن من مشكلة ، أو على العموم من كانت عنده بنات وهذا ابتلاء من الله عز وجل ، أو من كنا بحاجة من هؤلاء البنات إلى مساعدة الأب ، فأحسن إليهن ، والإحسان كما قال بعض العلماء يزيد على العدل ، هذه المرأة التي قسمت التمرة شطرين أعطت كل بنت منهما شطراً ولم تأكل شيئاً ، هذا إحسان ، والأب الذي يتجاوز حدّ العدل إلى الإحسان هذا عند الله في أعلى مقام ، هذا إنسان تجب له الجنة.
أيها الأخوة الكرام : قالوا : إطعام البنت ، وكسوتها ، وتعليمها القرآن ، وتعليمها العلم الشرعي ، والعناية بها ، ومعالجتها ، وتزويجها ، كل هذا من الإحسان ، أي كل عناية تصدر من الأب لابنته تنطوي تحت باب الإحسان ، فأحسن إليهن ، أي بحث لهن عن زوج صالح ، أطعمهن وكساهن ولبى حاجاتهن ، فهذا العمل يرقى عند الله إلى مستوى الإحسان ، وكما قلت قبل قليل : المؤمن الأعمال العادية التي يفعلها معظم الناس هي عند الله عبادات في حقه ، المباحات والعادات التي يفعلها الناس بشكل طبيعي كل يوم ، المؤمن بالذات لما ينطوي عليه من نوايا طيبة ، لما يرجو من رحمة الله تكتب له هذه الأعمال عبادات ، وأنت في بيتك لك طرائق وطرائق إلى الله عز وجل.
وقال بعض العلماء : الإحسان إلى كل بنت بحسب حالها ، فكل بنت تحتاج إلى عناية خاصة ، قد تكون العناية التوفيق بينها وبين زوجها ، وقد تكون العناية أن تمدها ببعض المال ، وقد تكون العناية أن ترشدها إلى ما فيه صلاحها في الدنيا والآخرة ، على كلٍّ الأبوة مسؤولية ، والأبوة رسالة ، والنبي عليه الصلاة والسلام أوصانا بالنساء خيراً ، أوصانا بالمرأة والضعيف اليتيم ، فالنساء خلقن من ضلع ، خلقن من ضعف ، فهذا الذي يرعى ضعفهن، ويرعى شؤونهن له عند الله مقام كبير .
أيها الأخوة الكرام : النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمََ قَالَ :
(( مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ ، كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ ))
عنده بنات ، وفي بعض الروايات بنت واحدة ، لو اعتنيت بها عناية فائقة فربيتها، وعلمتها ، وقومت أخلاقها ، وزوجتها رجلا صالحاً يحفظ لها دينها ، هذه البنت الواحدة كانت ستراً لك من النار ، فكيف إذا كان لك ابنتان ؟ فكيف إذا كنا ثلاث بنات ؟ فكيف إذا كان العدد فوق ذلك ؟
أيها الأخوة الكرام : هكذا تقوم الحياة الرشيدة ، هكذا يقوم المجتمع المسلم ، المرأة نصف المجتمع ، إذا علمت فتاة علمت أسرة ، إذا اعتنيت بفتاة اعتنيت بأسرة في المستقبل .
أيها الأخوة الكرام :
(( عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا ، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلاثَ تَمَرَاتٍ ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً ، وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا ، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا ، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا ! فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ ، أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ ))
النبي الكريم لا ينطق عن الهوى ، مقام النبي لا يليق به أن يجامل ، فرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ ))
التمرة التي من نصيبها استطعمتها ابنتاها فشقت هذه التمرة ، فهذا الذي يأتي بالطعام إلى البيت ، من كسب حلال ، من عمل صحيح ، دخله مشروع ، يقدم الطعام لأولاده ليدخل على أولاده السرور ، هذا عمل عظيم ، اجعل بيتك جنة ، اجعل بيتك روضة من رياض الجنة ، حينما تقيم الإسلام فيه ، حينما تبتغي بتربية بناتك وأولادك وجه الله عز وجل، حينما تقيم الإسلام في هذا البيت ، فيه الصلاة ، والذكر ، وتلاوة القرآن ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، البيت الإسلامي هذا ما نفتقر إليه ، نفتقر إلى بيت إسلامي يقام فيه الإسلام .
مسؤولية كل إنسان عن بيته و عن عمله :
أيها الأخوة الكرام : كلنا جميعاً نملك مملكتين ، تملك مملكة بيتك ، ومملكة عملك، ولا تسأل عما سوى ذلك كي تكون مرتاحاً ، لا يسألك الله إلا عن بيتك الذي أنت قيّم عليه ، لا يسألك الله إلا عن عملك الذي أنت قيّم عليه ، وما سوى ذلك أصلح ، ائمر بالمعروف وانه عن المنكر ، تمنى صلاح المسلمين ، ولكن لن تحاسب إلى على بيتك وإلا في نطاق عملك ، فهاتان المملكتان اللتان أناطهما الله إليك ، وهاتان المملكتان اللتان تحاسب عنهما أقم الإسلام فيما تملك ، يكفك ما لا تملك ، لا تهمل الذي تملكه ، لا تجعل من بيتك بيتاً متفلتاً، لا تجعل من بيتك بيتاً مسيباً ، لا تجعل من بيتك بيتاً طافحاً بالمسلسلات ، وبالأعمال التي لا ترضي الله عز وجل ، لا تجعل تغذية أولادك من محطات غربية بعيدة عن عقائدنا ، وعن مثلنا ، وعن اتجاهاتنا ، وعن مبادئنا ، اجعل تغذية أولادك من الكتاب والسنّة.
أيها الأخوة الكرام : مثل بسيط : هذا الوعاء وعاء الماء له فتحة من أعلاه وصنبور في أسفله ، الذي تعطيه من الأعلى تأخذه من الأسفل ، ما الذي يتغذى به أولادك ؟ بم يتغذون ؟ أية ثقافة يتغذونها ؟
إنسان خطب فتاة ويغلب على ظنه صلاحها ، فلما جلس إليها سألته : هل تشرب؟ تجعل من شربه شرطاً لقبوله الزواج منها ، هذه التغذية ، حينما تتغذى البنت بما لا يرضي الله ، حينما تتغذى بقيم دنيئة ، وبعادات بعيدة عن مبادئنا وعن تراثنا وعن ديننا وعن قيمنا ، فهذا الذي سيحصل .
أيها الأخوة الكرام :
(( مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا ، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا ، وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ ))
بالمناسبة أيها الأخوة :
(( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ))
هو يُطعِم ولكنه ضيّع دينه ، يتوهم الآباء أنهم إذا أطعموا أولادهم ، وألبسوهم الثياب الجديدة ، وأمنوا لهم معيشتهم ، وغرفهم ، وتدفئتهم ، ودراستهم ، فقد انتهى كل شيء ، والحقيقة لم ينته شيء ، يجب أن ترعى دينهم.
﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾
أبواب الجنة مفتحة وسط بيت كل إنسان :
و :
(( لا يَكُونُ لأَحَدِكُمْ ثَلاثُ بَنَاتٍ ، أَوْ ثَلاثُ أَخَوَات ، فَيُحْسِنُ إِلَيْهِنَّ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ ))
هذه الأخت التي فاتها قطار الزواج فكانت عند أخيها ، من يصدق أن هذه الأخت طريق إلى الجنة ، الآن دخلنا بموضوع جديد :
(( لا يَكُونُ لأَحَدِكُمْ ثَلاثُ بَنَاتٍ ، أَوْ ثَلاثُ أَخَوَات....))
كم من فتاة دينة مؤمنة صالحة ، فاتها قطار الزواج لسبب أو لآخر ، وتوفي أبوها وأمها ، بقيت عند أخيها ، فالأخ الذي يكرم أخته ، ويحفظ لها كرامتها ، ويمنع زوجته أن تهينها ، ويحفظ لها حقوقها ، هذه الأخت يمكن أن تكون طريقاً إلى الجنة.
دخلنا في موضوع جديد : موضوع البنت ، وموضوع الأخت :
(( لا يَكُونُ لأَحَدِكُمْ ثَلاثُ بَنَاتٍ ، أَوْ ثَلاثُ أَخَوَات ، فَيُحْسِنُ إِلَيْهِنَّ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ ))
كم من أخت تبكي ليلاً ونهاراً وهي عند أخيها ؟ من شدة ما تقاسي ، من شدة إهانة أخيها ، والأخ لا يبالي ولا يسأل ولا يدقق ولا يحاسب ، هذا ظلم شديد ، الأقدار ساقت هذه الأخت أن تكون عند أخيها ، فلذلك من شدة الظلم الذي ينال الأخوات أحياناً تُدفع المرأة إلى أن تعمل عملاً لا يرضي الله ، أو أن تنخرط مع الرجال ، هذا الفساد سببه ذلك الظلم.
أيها الأخوة الكرام :
(( مَنْ عَالَ ثَلاثَ بَنَاتٍ فَأَدَّبَهُنَّ وَزَوَّجَهُنَّ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ ، فَلَهُ الْجَنَّةُ ، عَنْ سُهَيْلٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ قَالَ : ثَلاثُ أَخَوَاتٍ ، أَوْ ثَلاثُ بَنَاتٍ ، أَوْ بِنْتَانِ أَوْ أُخْتَانِ))
له الجنة ، أبواب الجنة مفتحة وسط بيتك ، ووسط عملك ، ومن علمك الذي تطلبه، من أمرك بالمعروف ، ومن النهي عن المنكر ، أبواب مفتحة لا حصر لها ، الله عز وجل خلقنا للجنة ، خلقنا ليسعدنا ، وجعل لنا وسائل لا تعد ولا تحصى لبلوغ الجنة أحدها البيت .
إيثار الذكر على الأنثى من أقبح العادات في المجتمع :
وفي حديث آخر :
(( مَنْ كَانَتْ لَهُ أُنْثَى ، فَلَمْ يَئِدْهَا ، وَلَمْ يُهِنْهَا ، وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْهَا ، قَالَ : يَعْنِي الذُّكُورَ ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ ))
معنى ذلك أن هناك من العادات المستقبحة أن تؤثر الذكر على الأنثى في العطاء، وكم من بيوتات المسلمين لا يخصون البنات بشيء ، يعطون الذكور فقط ، وهم يتوهمون أنهم إذا أعطوا البنات انتقلت الثروة إلى الغرباء ، زوجها ليس بغريب ، زوجها أقرب الناس إليها، زوجها أقرب إليها منك ، النبي عليه الصلاة والسلام سئل : " من أعظم الرجال حقاً على المرأة ؟ قال : زوجها ، فلما سئل : من أعظم النساء حقاً على الرجل ؟ قال : أمه " أعظم رجل في حياة المرأة زوجها ، وأعظم امرأة في حياة الرجل أمه.
وفي حديث آخر :
(( مَنْ عَالَ ثَلاثَ بَنَاتٍ فَأَدَّبَهُنَّ وَزَوَّجَهُنَّ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ ، فَلَهُ الْجَنَّةُ....))
كل عمل الإنسان في بيته عبادة إذا كان مؤمناً :
كنت أقول دائماً أيها الأخوة : الآخرون أنت لهم وغيرك لهم ، أما أولادك وبناتك فمن لهم غيرك ؟ من لهم غيرك يرعاهن ، ويؤدبهن ، ويعلمهن ، ومن لهم غيرك يسعى لصلاح دنياهن ؟
((أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَفْضَلِ الصَّدَقَةِ ؟ ابْنَتُكَ مَرْدُودَةً إِلَيْكَ ، لَيْسَ لَهَا كَاسِبٌ غَيْرُكَ ))
لذلك الإنسان حينما يتوجه إلى عمله ، دققوا : لديه محل تجاري ، مكتب عيادة، مكتب محاماة ، مكتب هندسي ، معلم ، موظف ، صاحب حرفة... أنت حينما تتوجه إلى عملك ، وكان عملك في الأصل مشروعاً في الإسلام ، وسلكت فيه الطرق المشروعة فلم تكذب ، ولم تحتل ، ولم تغش ، وابتغيت منه كفاية نفسك وأهلك وأولادك وبناتك ، وابتغيت به خدمة المسلمين عامة ، من يصدق أن هذا العمل الذي تمضي فيه ثماني ساعات كل يوم انقلب إلى عبادة ، حتى لو أخذ أهله نزهة يبتغي بها إدخال السرور على قلبهم ، حتى لو ألبس أولاده ثياباً جديدة ، حتى لو أطعمهن طعاماً يحبونه ، كل عمل الإنسان في بيته عبادة إذا كان مؤمناً.
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
((أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَفْضَلِ الصَّدَقَةِ ؟ ابْنَتُكَ مَرْدُودَةً إِلَيْكَ ، لَيْسَ لَهَا كَاسِبٌ غَيْرُكَ ))
مكانة المرأة عند الله عز و جل :
لكن الشرع لم يكلفك أن تكسب حراماً كي تدخل لسرور على أولادك ، هناك آلاف الرجال يتوهمون أنه من أجل أولاده يكسب المال الحرام ، يقبل المال الغير المشروع ، يقبل المال الذي فيه شبهة ، دققوا في قول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ ، كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))
جدته أي مما يجد ، مما يملك من المال الحلال ، من المال الذي كسبه بكد يمينه وعرق جبينه ، من المال الذي لا شبهة فيه ، من المال الذي لا عدوان فيه ، ولا اغتصاب فيه، ولا احتيال فيه ، من المال الحلال .
(( مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ ، كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :
(( مَا مِنْ رَجُلٍ تُدْرِكُ لَهُ ابْنَتَانِ ، فَيُحْسِنُ إِلَيْهِمَا ، مَا صَحِبَتَاهُ أَوْ صَحِبَهُمَا إِلا أَدْخَلَتَاهُ الْجَنَّةَ ))
والآن نعود إلى الأخوات :
(( مَنْ كَانَتْ لَهُ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُمَا مَا صَحِبَتَاهُ دَخَلَ بِهِمَا الْجَنَّةَ.... ))
معنى ذلك أن المرأة مكرمة عند الله.
(( مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَى لأْوَائِهِنَّ وَضَرَّائِهِنَّ وَسَرَّائِهِنَّ ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُنَّ فَقَالَ رَجُلٌ : أَوْ ثِنْتَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَوْ ثِنْتَانِ فَقَالَ : رَجُلٌ أَوْ وَاحِدَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَوْ وَاحِدَةٌ))
لأوائهن ما هو اللأواء ؟ قال : الشدة والحاجة والجوع وتعذر الكسب ، دخل لا يوجد ، أسواق كاسدة ، الدخل قليل جداً ، والعيال كثيرون ، الأب يعاني أحياناً ما يعاني ، يتمزق ، ماذا يفعل ؟ يجب أن يقدم الطعام والشراب والتدفئة والكهرباء والأقساط والألبسة ، وعنده بنات كثر ، وعنده أولاد كثر ، والدخل قليل ، والتجارة كاسدة ، والأسواق باردة ، ولا حيلة بيده ، فهذا الأب الذي ينام مهموماً ، ويستيقظ مهموماً ، لو يدري مقامه في الجنة !
(( مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَى لأْوَائِهِنَّ وَضَرَّائِهِنَّ وَسَرَّائِهِنَّ))
قد تصاب البنت بمرض يقتضي عملية جراحية ، وقد تتزوج فتحتاج إلى مصاريف :
(( مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَى لأْوَائِهِنَّ وَضَرَّائِهِنَّ وَسَرَّائِهِنَّ ))
أحياناً زواج البنت قد يحتاج إلى مصاريف كبيرة جداً.
(( مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَى لأْوَائِهِنَّ وَضَرَّائِهِنَّ وَسَرَّائِهِنَّ ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُنَّ فَقَالَ رَجُلٌ : أَوْ ثِنْتَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَوْ ثِنْتَانِ فَقَالَ : رَجُلٌ أَوْ وَاحِدَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَوْ وَاحِدَةٌ ))
ابنة واحدة صبر على لأوائها وضرائها وسرائها دخل بها الجنة ،
وفي حديث آخر :
(( مَنْ عَالَ ابْنَتَيْنِ أَوْ ثَلاثَ بَنَاتٍ أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلاثَ أَخَوَاتٍ ، حَتَّى يَمُتْنَ أَوْ يَمُوتَ عَنْهُنَّ ، كُنْتُ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ ، وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى ))
كان معه في الجنة ، وفي حديث آخر :
(( مَنْ كُنَّ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ يُؤْوِيهِنَّ وَيَرْحَمُهُنَّ وَيَكْفُلُهُنَّ ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ الْبَتَّةَ ، قَالَ : قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنْ كَانَتِ اثْنَتَيْنِ ؟ قَالَ : وَإِنْ كَانَتِ اثْنَتَيْنِ قَالَ : فَرَأَى بَعْضُ الْقَوْمِ أَنْ لَوْ قَالُوا لَهُ وَاحِدَةً لَقَالَ وَاحِدَةً ))
البتة أي قطعاً ، والنبي الكريم لا ينطق عن الهوى ، ويقول بعض أصحاب رسول الله : " ثلاثة أنا فيهن رجل وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس- من هذه الثلاثة - ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى "
الإنسان الراقي يجلّ البنت ويكرمها لأنها هدية من الله :
أيها الأخوة الكرام : انقلبوا إلى بيوتكم واجعلوها جنة ، ابتغوا رضوان الله ورحمته فيها ، أقيموا الإسلام والصلاة فيها ، واذكروا الله فيها ، دعونا من شيء هجين عن حياتنا ، عن عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا ، وعن ديننا ، هذا البيت الذي يصدح ليلا نهاراً بالغناء ، ويصدح حتى ساعة متأخرة من الليل من محطة فضائية إلى أخرى هذا بيت بعيد عن رحمة الله ، بعيد عن تجلي الله ، بعيد عن رضوان الله.
وفي حديث آخر :
(( لا تُكْرِهُوا الْبَنَاتِ ، فَإِنَّهُنَّ الْمُؤْنِسَاتُ الْغَالِيَاتُ))
الإنسان الراقي يجلّ البنت ويكرمها لأنها هدية من الله عز وجل ، النبي عليه الصلاة والسلام جاءته السيدة فاطمة لما ولدت ضمها وشمها وقال : " ريحانة أشمها ، وعلى الله رزقها "
(( لا تُكْرِهُوا الْبَنَاتِ ، فَإِنَّهُنَّ الْمُؤْنِسَاتُ الْغَالِيَاتُ))
هناك ضبط لكلمة لا تكرهوا البنات ، لا تكرهها على الزواج مما لا ترغب ، لا تكرهها على زواج ليس في صالحها ، كي تتخلص منها :
((فَإِنَّهُنَّ الْمُؤْنِسَاتُ الْغَالِيَاتُ ))
انتظر حتى يأتيها الشاب المناسب المؤمن ، الذي إذا أحبها أكرمها ، والذي إذا لم يحبها لم يظلمها ، الزواج رق ، فلينظر أحدكم أين يضع كريمته ، صار سيدها وآمراً لها وقيّماً عليها.
من يضر في الوصية تجب له النار :
أيها الأخوة : حديث شريف يقصم الظهر :
(( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَالْمَرْأَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً ، ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ ، فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ ، فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ ، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيَّ أَبُو هُرَيْرَةَ ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ ) إِلَى قَوْلِهِ ( ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ))
فيضاران أي يوصلان الضرر إلى وارثيهما بأن يزيدا على الثلث ، أو يقصدا حرمان البنات ، أو حرمان الأقارب ، أو يقر بدين لا أصل فيه ، هذا يفعله معظم الناس ، يوقع سنداً بمليون ليرة لشخص وهمي بالاتفاق ، مبلغ اقتطع من الإرث ، وحرم البنات وحرم الذكور.
(( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَالْمَرْأَة بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً ، ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ ، فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ .....))
قال شرَّاح الحديث : بأن يزيدا على الثلث ، أو يقصدا حرمان القارب ، أو يقرا بدين لا أصل له ، فتجب لهما النار !
لذلك ورد عن ابن عباس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الإضرار في الوصية من الكبائر.
شرع حكيم ، إله عظيم ، إله عادل ، هو الخالق الخبير ، هذا شرعه ومنهجه ونظامه ، لا تتجاوز ولا تقصر.
أيها الأخوة الكرام : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني.
* * *
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قصة عن وأد بنت في الجاهلية :
أيها الأخوة الكرام : قصة مؤثرة جداً :
((عَنِ الْوَضِينِ أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ وَعِبَادَةِ أَوْثَانٍ ، فَكُنَّا نَقْتُلُ الأَوْلَادَ وَكَانَتْ عِنْدِي ابْنَةٌ لِي ، فَلَمَّا أَجَابَتْ وَكَانَتْ مَسْرُورَةً بِدُعَائِي إِذَا دَعَوْتُهَا فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَاتَّبَعَتْنِي ، فَمَرَرْتُ حَتَّى أَتَيْتُ بِئْرًا مِنْ أَهْلِي غَيْرَ بَعِيدٍ ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا فَرَدَّيْتُ بِهَا فِي الْبِئْرِ وَكَانَ آخِرَ عَهْدِي بِهَا أَنْ تَقُولَ : يَا أَبَتَاهُ يَا أَبَتَاهُ فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى وَكَفَ دَمْعُ عَيْنَيْهِ ! فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَحْزَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ : كُفَّ فَإِنَّهُ يَسْأَلُ عَمَّا أَهَمَّهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَعِدْ عَلَيَّ حَدِيثَكَ ، فَأَعَادَهُ فَبَكَى حَتَّى وَكَفَ الدَّمْعُ مِنْ عَيْنَيْهِ عَلَى لِحْيَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَضَعَ عَنِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا عَمِلُوا فَاسْتَأْنِفْ عَمَلَكَ ))
يسأل عما أهمه ، اقترف جريمة ، ابنة كالوردة تضعها في بئر وتهيل عليها التراب ، تقول لك : يا أبتاه يا أبتاه ! فَقَالَ لَهُ : كُفَّ فَإِنَّهُ يَسْأَلُ عَمَّا أَهَمَّهُ ثُمَّ قَالَ : لَهُ أَعِدْ عَلَيَّ حَدِيثَكَ فَأَعَادَهُ فَبَكَى حَتَّى وَكَفَ الدَّمْعُ مِنْ عَيْنَيْهِ عَلَى لِحْيَتِهِ ، الله عز وجل قال :
﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ *بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾
فالظلم يهتز له عرش الرحمن ، ابنة بريئة ، ماذا فعلت حتى قتلتها ؟ لكن هناك تعليقاً آخر :
﴿ إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَضَعَ عَنِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا عَمِلُوا فَاسْتَأْنِفْ عَمَلَكَ ﴾
الله رحيم ، فاستأنف عملك ، الآن دققوا في هذه الآية :
﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾
هذه البنت التي وضعها في البئر وأهال عليها التراب دخلت إلى الجنة ، ليست مكلفة ، ماتت أو قتلت أو وئدت قبل التكليف ، ولكن هذه البنت التي تكبر يطلق لها العنان ، يسمح لها أن تفعل ما تشاء ، أن تدخل إلى أي بيت تشاء ، أن ترتدي وتلبس ما تشاء ، أن تقرأ ما تشاء ، أن تشاهد من المسلسلات ما تشاء ، هذه البنت التي تكبر على معصية ، هذه البنت المفتونة بالدنيا ، المفتونة بالشهوات ، المفتونة بالمعاصي والآثام ، هذه البنت إلى أين مصيرها ؟ إلى النار ، تلك الني وئدت مصيرها إلى الجنة ، وتلك التي أطلقت وسُيبَت وأُرخي لها العنان ، ولم يعلمها أبوها ، ولم يحملها على طاعة الله ، ولم يرعَ دينها ، ولم يرعَ آخرتها، هذا فتنها ، والفتنة أشد من القتل ، دققوا في هذا الكلام : هذا الذي لا يربي ابنته ، هذه البنت التي ترتدي ثياباً ضيقة جداً من أبوها ؟ كيف تركها ؟ كيف سمح لها ؟ من أمها ؟ كيف سمحت لها ؟ أين أخوتها ؟ هذا الذي يدع ابنته تفسد الشباب وتظهر كل مفاتنها في الطريق ، ولا يهتم بل يتباهى بها ، هذا فتنها ، والفتنة أشد من القتل .
من أضاع الصلاة و اتبع الشهوات لقي غياً كبيراً :
أيها الأخوة الكرام : نحتاج إلى بيت إسلامي ، نحتاج إلى تربية إسلامية ، نحتاج إلى قيم إسلامية تحكم بيوتنا ، وعلاقاتنا ، وذهابنا ، ومجيئنا ، وحفلاتنا ، ومآسينا ، وأفراحنا، وتجارتنا ، نحتاج إلى دخل إسلامي ، نحتاج إلى بيت إسلامي ، الله عز وجل قال :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾
أين الاستخلاف ؟ بربكم أين الاستخلاف ؟
﴿ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾
أين التمكين ؟ قولوا بربكم أين التمكين ؟
﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾
أين التطمين ؟ لا استخلاف ولا تمكين ولا تطمين ، لأنه خلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات.
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾
لقد لقي المسلمون ذلك الغي .
رحمة الله إذا تنزلت على قلب إنسان قلبت حياته جنة :
أيها الأخوة الكرام : الصلح الصلح مع الله ، إذا رجع العبد إلى الله نادى مناد في السموات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله ، والله الذي لا إله إلا هو إن السعادة التي تتنزل على بيت المسلم لا توصف ، على بيت منضبط ، على بيت تقام فيه الصلاة ، على بيت يذكر اسم الله فيه ، على بيت طاهر وعفيف ، وعلى بيت يقيم حدود الله ، نريد بيتاً إسلامياً ، كفانا كلاماً ، وكفانا صياحاً ، وكفانا خطباً وقراءةً ، وكفانا مكتبات عامرة ، وأشرطة ومؤتمرات ، نريد بيتاً إسلامياً ، حتى يرحمنا الله ، حتى ينظر إلينا برحمته.
أيها الأخوة الكرام : آن الأوان ، ألم يئن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ؟
إلى متى أنت باللذات مشغول وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
***
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المــقال شنيع
لو كـان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب يـــطيع
***
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
***
هناك شيء اسمه رحمة الله إذا تنزلت على قلب إنسان قلبت حياته جنة ، بظروفه الصعبة ، ودخله المحدود ، بمشكلاته الكثيرة ، قلبت حياته جنة.
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك ، يا رب العالمين ، اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونُبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء ، اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم ، فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين ، اللهم إن نعوذ بك من الفقر إلا إليك ، ومن الخوف إلا منك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء ، مولانا رب العالمين ، اللهم اسقنا الغيث ، ولا تجعلنا من القانطين ، ولا تجعلنا من القانطين ، ولا تجعلنا من القانطين ، ولا تهلكنا بالسنين ، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين ، اللهم انصر الإسلام ، وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير ، والحمد لله رب العالمين ، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، يعظكم لعلكم تذكرون ، أقم الصلاة وقوموا إغلى صلاتكم ، يرحمكم الله .