- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر . وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر . اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين . اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :
أيها الأخوة الكرام ؛ في الخطبة قبل الماضية تحدثت عن مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبينت أن من معاني إحياء ذكرى مولد النبي عليه الصلاة والسلام اقتفاء سنته ، واتباع منهجه ، وتناولت جانباً واحداً من جوانبه صلى الله عليه وسلم ، هذا الجانب هو أن الله سبحانه وتعالى وصفه بأنه داع إلى الله ، قال تعالى :
﴿وداعياإِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً ﴾
ثم تبين لكم من خلال الآيات والأحاديث الصحيحة أن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم ، لقول الله عز وجل :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
فالتواصي بالحق أحد أركان النجاة ، لذلك يُبنى على هذه الآية أن الدعوة إلى الله فرض عين ، لا أقول إن الذي يدعو إلى الله تنفيذاً لهذه الآية هو عالم جمع شتى العلوم ، ولكن تدعو إلى الله في حدود ما تعلمت ، الآية التي استمعت إلى شرحها ، والحديث الذي استُنبط منه الحكم الشرعي ، والموقف البطولي ، والحكم الفقهي الذي وصل إليك من خلال خطبة جمعة ، أو درس فقهي ، أو مطالعة في كتاب معتمد ، هذه الحقيقة التي توصلت إليها يمكن أن تنقلها إلى الناس لقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( بلغوا عني ولو آية ))
((فرب مبلغ أوعى من سامع ))
(( نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ))
أيها الأخوة الكرام ؛ ولكن لو أردنا تطبيق هذه الآية :
﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
أو لو أردنا أن نكون من الدعاة المتخصصين المتبحرين بالعلم ، الذين يملكون الدليل التفصيلي ، والذين يتمكنون من ردِّ الشبه ، والضلالات تنفيذاً لقوله تعالى :
﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
إن كنت داعياً متخصصاً ، أو كنت داعياً متطوعاً تنفيذاً لقول النبي ، فلابد أن تعتمد بعض قواعد الدعوة التي تُستنبط من آيات القرآن الكريم ، ومن أحاديث النبي عليه أتمّ الصلاة والتسليم .
أخلاق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم :
أيها الأخوة الكرام ؛ النبي دعا إلى الله ، وربّى أصحابه ، فكيف كان أصحابه وقد رباهم النبي من خلال الوحي والسنة ؟ قال تعالى :
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً﴾
لقد دعا النبي إلى الله ، وتلا على قومه آيات الله ، وعلمهم الكتاب والحكمة ، وزكى نفوسهم ، حتى صاروا أبطالاً ، رهباناً في الليل ، فرساناً في النهار ، يقومون الليل إلا قليلاً ، ينفقون أموالهم سراً وعلانية ، يدرؤون بالحسنة السيئة ، في صلاتهم خاشعون ، عن اللغو معرضون ، للزكاة فاعلون ، لفروجهم حافظون ، لأماناتهم وعهدهم راعون ، يمشون على الأرض هوناً ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ، يبيتون لربهم سجداً وقياماً ، تائبون ، عابدون ، حامدون ، سائحون ، راكعون ، ساجدون ، آمرون بالمعروف ، ناهون عن المنكر ، حافظون لحدود الله ، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ، إذا قال لهم الناس : إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ، زادهم إيماناً وقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل . هم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، منهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً ، يبلغون رسالات الله ويخشونه ، ولا يخشون أحداً إلا الله ، يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم ، وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيماناً ، وعلى ربهم يتوكلون ، ما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله ، وما ضعفوا ، وما استكانوا ، والله يحب الصابرين . كانوا قوامين لله ، شهداء بالقسط ، أذلة على المؤمنين ، أعزة على الكافرين ، أحبوا الله وأحبهم ، رضي الله عنهم ورضوا عنه . هذه شهادات الله في القرآن الكريم لأصحاب النبي ، الذين رباهم من خلال الوحيين ؛ القرآن المتلو ، والحديث الذي لا ينطق به النبي عن الهوى . هذه نتائج دعوته ، الذي ذكرته قبل قليل آيات من كتاب الله ، جمعتها في وصف أصحاب رسول الله ، فإذا دعوت إلى الله فلتكن هذه هي الأهداف .
أيها الأخوة الكرام ؛ الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم ، شاء أم أبى ؛ لأن الدعوة إلى الله أحد أركان النجاة .
دور الدعاة إلى الله :
أيها الأخوة الكرام ؛ إنما يعانيه المجتمع من فساد ، ومن خلل ، ومن شقاء ، ومن انحراف ، هو بسبب تقصير الدعاة في الدعوة إلى الله ، المسلمون أيها الأخوة من دون دعاة إلى الله جهَّال ، تتخطفهم شياطين الإنس والجن من كل حدب وصوب ، وتعصف بهم الضلالات من كل جانب ، لذلك كان الدعاة إلى الله ، مصابيح الدجى ، وأئمة الهدى ، وحجة الله في أرضه . بهم تمحق الضلالات ، وتنقشع الغشاوات ، هم ركيزة الإيمان ، وغيظ الشيطان ، هم قوام الأمة ، وعماد الدين ، هم أمناء على دين الله ، يدعون الناس إلى الله بلسان صادق ، وجنان ثابت ، وخلق كريم ، أعمالهم تؤكد أقوالهم ، هم أسوة ونبراس ، يصلحون ما فسد ، ويقوّمون ما اعوج ، لا يستخفون من الناس ، ولا يخشون أحداً إلا الله ، ولا يقولون إلا حسناً . ولن يفلح الدعاة إلى الله في دعوتهم إلا إذا اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم الذي عصمه الله عن الخطأ في الأقوال ، والأفعال ، والأحوال ، وأوحى إليه وحياً متلواً هو القرآن الكريم ، وغير متلو ، وألزمنا أن نأخذ منه كل ما أمرنا به ، وأن ندع كل ما نهانا عنه ، وأن نتأسى بمواقفه وسيرته ، لأنه القدوة ، والأسوة الحسنة ، والمثل .
قواعد الدعوة إلى الله :
1 ـ القدوة قبل الدعوة :
أيها الأخوة الكرام ؛ من قواعد الدعوة إلى الله ، وقد اتفقنا وجئنا بالدليل على أن الدعوة إلى الله فرض عين ، من أجل أن تتسع دوائر الحق ، وأن تنكمش دوائر الباطل : القاعدة الأولى : القدوة قبل الدعوة .
كان صلى الله عليه وسلم عابداً متحنثاً ، وقائداً فذاً ، شيَّد أمَّةً من الفُتات المتناثر، كان رجل حرب يضع الخطط ويقود الجيوش ، كان أباً عطوفاً ، وزوجاً تحققت فيه المودة والرحمة والسكن ، كان صديقاً حميماً ، كان قريباً كريماً ، كان جاراً تشغله هموم جيرانه ، كان الناس كلهم من مودته وعطفه ما يجعلهم يفتدونه بأنفسهم ، ومع هذا كله فهو قائم على أعظم دعوة شهدتها الأرض ، الدعوة التي حققت للإنسان وجوده الكامل ، وتغلغلت في كيانه كله ، ورأى الناس الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تتمثل فيه هذه الصفات الكريمة كلها ، فصدقوا تلك المبادئ التي جاء بها كلها ، رأوها متمثلة فيه ، لم يقرؤوها في كتاب جامد ، بل رأوها في بشر متحرك ، تحركت لها نفوسهم ، وهفت لها مشاعرهم ، وحاولوا أن يقتبسوا قبسات من رسول الله صلى الله عليه وسلم كلٍّ بقدر ما يُطيق ، فكان أكبر قدوة للبشرية في تاريخها الطويل ، وكان هادياً ومربياً بسلوكه الشخصي ، قبل أن يكون معلماً بالكلم الطيب الذي ينطق به .
يا أيها الأخوة الكرام ؛ ولأن القدوة هي أعظم وسائل ، أنت أب في البيت ، أن تتمثل المبادئ الصحيحة ، وأن تسلك السلوك القويم ، أبلغ ألف مرة من أن تنصب نفسك معلماً لأولادك ؛ لأن القدوة هي أعظم وسائل التربية ، ذلك لأن دعوة المترف إلى التقشف دعوة ساقطة، ودعوة الكذوب إلى الصدق دعوة مضحكة ، ودعوة المنحرف إلى الاستقامة دعوة مخجلة . لذلك كانت مواقف النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله وفضائله ومكارمه قدوةً صالحة، وأسوة حسنة ، ومثلاً يُحتذى ، وهي ليست للإعجاب السلبي ، ولا للتأمل التجريدي ، ولكنها وُجدت فيه لنحققها في ذوات أنفسنا ، أي في أعياد المولد ، في احتفالات المولد ، إذا وقفنا خطباء وتحدثنا عن شمائل النبي ، هذه الشمائل التي تلفت النظر ، والتي تأخذ بالألباب ، ليست للإعجاب الشخصي ، ولا للتأمل التجريدي ، إنها للتطبيق العملي .
أيها الأخوة الكرام ؛ هذه الشمائل ما وجدت في النبي صلى الله عليه وسلم إلا لتكون مثلاً يُحتذى ، وهي وجدت من أجل أن نحققها في ذوات أنفسها ، كل بقدر ما يستطيع . وقد ورد في وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا معاذ :
(( يا معاذ أوصيك بتقوى الله ، وصدق الحديث ، والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة، وترك الخيانة ، وحفظ الجار ، ورحمة اليتيم ، ولين الكلام ، وبذل السلام ، وحسن العمل ، وقصر الأمل ، ولزوم الإيمان ، والتفقه في القرآن ، وحب الآخرة ، والجزع من الحساب ، وخفض الجناح ، وأنهاك أن تَسُبَّ حكيماً ، أو تكذب صادقاً ، أو تُطيع آثماً ، أو تعصي إماماً عادلاً ، أو تُفسد أرضاً . . وأوصيك ؛ باتقاء الله عند كل حجر وشجر ومدر ، وأن تُحدث لكل ذنب توبة ، السر بالسر ، والعلانية بالعلانية ))
وصية رسول الله لسيدنا معاذ . كل هذه الوصية من ألفها إلى يائها ، جملة وتفصيلاً ، تتعلق بمكارم الأخلاق ، لذلك إذا أردت أن تدعو إلى الله فكن قدوة قبل كل شيء .
سرّ نجاح دعوة النبي صلى الله عليه وسلم :
يا أيها الأخوة الأحباب ؛ يستطيع الإنسان أن يكون عالماً نابغاً في الطب أو العلوم أو الهندسة من دون أن تتطلب هذه العلوم ممن يتعلمها قيداً سلوكياً ؟ ولا يُفسد حقائقها أن يتبع النابغ فيها هوى نفسه ، في حياته الخاصة . أن تكون عالماً في الرياضيات ، في الفيزياء ، في الكيمياء ، في الطب ، في الفلك ، وأن تتفوق ، وأن تنبغ ، وأن تعلو ، وأن يتألق نجمك ، يمكن أن تبلغ قمم هذه العلوم ، من دون قيد سلوكي ، لك أن تفعل ما تشاء في حياتك الخاصة ، إلا العلم الديني - دققوا فيما أقول - فإنك إن كنت من المتدينين المخلصين ، أو من علمائه العاملين ، أو من الداعين إليه ، فلا بد من أن تكون قدوة حسنة لمن تدعوهم إليه ، وإلا ما استمع إليك أحد ، ولو كنت أكثر الناس اطلاعاً وعلماً في دين الله ، ولن ينظر إليك أحد نظرة احترام جديرةً بك ، إلا إذا كان سلوكك وفقاً لقواعد الدين .
قال ملك عمان وقد التقى النبي صلى الله عليه وسلم : والله ما دلني على هذا النبي الأمي إلا أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به ، ولا ينهى عن شيء إلا كان أول تارك له ، وأنه يغلب فلا يبطر ، ويُغلب فلا يضجر ، ويفي بالعهد ، وينجز الوعد .
هذا التطابق بين الأقوال والأفعال هو الذي دلّ ملك عمان على النبي صلى الله عليه وسلم .
أيها الأخوة الأحباب ؛ قال أحد كُتاب السيرة الغربيين الذين أسلموا : " كان محمد ملكاً ، وكان سياسياً ، ومحارباً ، وقائداً ، ومشرِّعاً ، وقاضياً ، وفاتحاً ، وكان مضطهداً ، وتاجراً، وصديقاً ، وابناً ، وأباً ، وزوجاً ، وجاراً ، وقد مارس بالفعل جميع المبادئ التي كان يلقنها للناس ، ولن تجد في القرآن حُكماً ، أو أمراً لم يعمل به النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا كان يمارس بالفعل كل ما كان يدعو إليه بالقول . يضرب على هذا مثلاً يقول : فالمرء مثلاً لن يكون عفواً ، إلا أن يكون له عدو يلقى منه أشدّ الإساءة ثم تدور الدائرة على هذا العدو فيقع في قبضته ، ويصبح تحت رحمته ، ثم يملك القدرة على الانتقام منه ، ثم يعفو عنه . . ثم يقول الكاتب الغربي الذي أسلم وألّف كتاباً في السيرة وقد تُرجم إلى اللغة العربية : " تأمل دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة دخول الظافر المنتصر ، وقد خرَّت جزيرة العرب صريعة تحت قدميه، وأصبحت مكة التي كانت قلعة العدو تحت رحمته ، فلو شاء لقطع رؤوس القوم ، الذين كانوا بالأمس ألد أعدائه ، الذين اتخذوه هزواً ، وأمعنوا في اضطهاده والاستخفاف به ، ولو أنه عاقبهم بذنبهم لكان مُحقاّ ، ولم يكن ملوماً ، ولم تظهر فضيلة العفو قط بصورتها الكاملة في تاريخ أي دين حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم ولولاه لظلت هذه الفضيلة معطلة إلى الأبد " .
كل هذا الكلام تحت بند القدوة قبل الدعوة . قبل أن تتكلم تمثل المبادئ التي تنطلق منها ، قبل أن توجه كن في المستوى الذي يليق بك كموجه ، قبل أن تكون شديداً أباً على أبنائك ، تجنب أن تفعل شيئاً تنهاهم عنه ، قبل أن تكون معلماً لطلابك ، احرص على أن يروك في المستوى الذي ينبغي أن تكون فيه ، القدوة قبل الدعوة .
والذي أراه أن الناس ولا سيما الآباء والأمهات ، والمعلمون والمدرسون ، وأصحاب المراكز القيادية ، لا يستطيعون أن يؤثروا بمن دونهم إلا إذا كانوا قدوة لهم ، وهذا هو سرُّ أن النبي صلى الله عليه وسلم ، نجح في دعوته نجاحاً يكاد يكون أسطورياً ، في ربع قرن قلب وجه الأرض .
2 ـ الإحسان قبل البيان :
أيها الأخوة الكرام ؛ قاعدة ثانية من قواعد الدعوة إلى الله : الإحسان قبل البيان ؛ لقد علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نكون رحماء قبل أن نكون أوصياء ، فمن لا يرحم لا يُرحم . قال الله تعالى في كتابه العزيز :
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾
فالنفوس جُبلت على حُبّ من أحسن إليها ، وبغض من أساء إليها ، هو صلى الله عليه وسلم فتح أقفال القلوب برحمته ورفقه ، حتى لانت له القلوب القاسية ، واستقامت الجوارح العاصية ، وقد قال عليه الصلاة والسلام :
(( إنما بُعثت بمداراة الناس ))
وحرف الجر (الباء) في كلمة المداراة ، يفيد الاستعانة ، أي أنني أستعين على هدايتهم بمداراتهم ، والفرق واضح بين المداراة والمداهنة ، المداراة أن تبذل الدنيا من أجل الدين، بينما المداهنة أن تبذل الدين من أجل الدنيا .
أيها الأخوة الكرام :
((بعث النبي الكريم خيلاً قِبل نجد ، فجاءت برجل من بني حنيفة يُقال له : " ثمامة بن أثال " وكان ثمامة قد أوقع أشدَّ الأذى بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فرُبط هذا الرجل بسارية من سواري المسجد فخرج النبي إليه فقال : ماذا عندك يا ثمامة ؟ قال : عندي خير ، إن تقتلني تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل منه ما تشاء . . فتركه حتى كان الغد ثم قال له : ما عندك يا ثمامة ؟ قال : قلت لك ، إن تنعم تنعم على شاكر ، فتركه حتى كان بعد الغد قال : ما عندك يا ثمامة ؟ قال : عندي ما قلته لك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أطلقوا ثمامة ، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ، يا محمد والله ما كان على وجه الأرض أبغض إليَّ من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحبَّ الوجوه إليّ ، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحبّ الدين إليّ ، والله ما كان بلدٌ أبغض إليّ من بلدك فأصبح بلدك أحبَّ البلاد إلي ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى ؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمره أن يعتمر ، فلما قدم مكة قالوا له صبوت ؟ - أي أسلمت - قال : لا والله ولكن أسلمت مع محمد رسول الله ، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي))
الإحسان قبل البيان ، من لا يرحم لا يُرحم ، يجب أن تفتح القلوب قبل أن تفتح العقول ، يجب أن تكون من الذين تأسر بإحسانك قلوب الناس .
3 ـ الترغيب قبل الترهيب :
أيها الأخوة الكرام ؛ قاعدة ثالثة من قواعد الدعوة إلى الله ؛ الترغيب قبل الترهيب .
لقد علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقدَّم للمدعو الترغيب قبل الترهيب ، والتبشير قبل الإنذار ، مثلاً : ينبغي أن نرغبه في الإخلاص قبل أن نخوفه من الرياء ، ينبغي أن نرغبه في طلب العلم ونشره ، قبل أن نخوفه من الإعراض عنه وكتمانه ، ينبغي أن نرغبه في الصلاة في وقتها ، قبل الترهيب في تركها أو تأخيرها ، لأن تقديم أسلوب الترغيب يكون أنفع وأجدى من تقديم أسلوب الترهيب ، يتَّضح هذا من موقف النبي صلى الله عليه وسلم وحديثه لعدي بن حاتم حينما أسلم .
يروى أن حاتم الطائي يروي عن نفسه فيقول : ما من رجل من العرب كان أشدّ كراهية لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يُذكر مني ، وكنت ملكاً في قومي فالتقيت به فقال لي : لعلك يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم - أي فقر المؤمنين- فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ، ولعله إنما يمنعك من الدخول فيه ، ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم تقول : إنما اتَّبعه ضعفة الناس ، فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها تزور هذا البيت لا تخاف أبداً إلا الله ، ولعلك إنما يمنعك من الدخول فيه أنك ترى أن المُلك والسلطان في غيرهم ، وايم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض في أرض بابل قد فُتحت عليهم ، قال عدي : فلما سمعت بذلك أسلمتُ". قدم البشارة على الإنذار ، قدم الترغيب على الترهيب ، قدم الإيجابيات على السلبيات ، قدم الرجاء على الخوف .
4 ـ التيسير لا التعسير :
أيها الأخوة الكرام ؛ القاعدة الرابعة من قواعد الدعوة إلى الله - ونحن في شهر المولد والنبي صلى الله عليه وسلم كان داعياً إلى الله ، والدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم - القاعدة الرابعة التيسير لا التعسير . لقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نُيسر ولا نُعسر ، وأن نُبشر ولا ننفِّر ، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم عنه صلى الله عليه وسلم قوله :
(( يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا ، سددوا وقاربوا))
قال النووي رحمه الله : لو اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله على " يسروا" لصدق على أن يسَّر مرة وعسَّر كثيراً ، فلما قال : "ولا تعسِّروا " معنى ذلك ينبغي أن نجتنب التعسير في كل الأحوال ، قال ابن مسعود : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام ، كراهة السآمة علينا " .
أي كان يعظنا من حين لآخر ، دون تتابع لئلا نسأم الموعظة ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تكليف الناس ما لا يطيقون ليستمر سيرهم في طريق الإيمان ، فالداعية المتبع لسنة النبي عليه الصلاة والسلام يأخذ نفسه بالعزائم ، ويسمح لمن يدعوهم بالرخص تخفيفاً عليهم وتيسيراً لهم ، لا إذا سئلت تعطي العزيمة وتختار لك الرخصة .
عن أنس رضي الله عنه :
(( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شيخاً يُهادى بين ابنيه ، قال : ما بال هذا؟ قالوا : نذر أن يمشي . . قال : إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني وأمره أن يركب ))
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قائماً في الشمس .
فقال : ما بال هذا ؟ قالوا : نذر ألا يستظل ، ولا يتكلم ، ويصوم فأمره أن يستظل ، ويتكلم ، وأن يصوم ويفطر ، وقال : " عليكم بما تطيقون فإن الله لا يملُّ حتى تملوا ".
وقد قال الإمام علي كرم الله وجهه : " إن للقلوب إقبالاً وإدباراً فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل ، وإن أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض" .
5 ـ التربية لا التعرية :
القاعدة الخامسة ؛ التربية لا التعرية، لقد علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم من خلال أقواله وأفعاله ومواقفه من أصحابه في شتى مستوياتهم وأحوالهم أن الدعوة مهمة تربوية أساسها النفسي الحب الصادق ، والرحمة الواعية ، والشفقة الحانية ، أساسها العقلي : المعرفة الدقيقة ، والعميقة ، والشاملة لطبيعة النفس الإنسانية ، في قوتها وضعفها ، في تألقها وفتورها، في إقبالها وإدبارها .
سرّ موقف النبي الرحيم بحاطب بن بلتعة :
يا أيها الأخوة الكرام ؛ قصة سمعتموها مني كثيراً ، ولكن لا بأس في إعادتها :
لما تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم لفتح مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بذلك ، وقال لهم : إن رسول الله يريد أن يغزوكم فخذوا حذركم ، ثم أرسل الكتاب مع امرأة مسافرة فنزل الوحي على رسول الله يخبره بذلك ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً والزبير والمقداد وقال : انطلقوا حتى تأتوا موضع كذا ، فإن به ظعينة معها كتاب ، فخذوه منها فائتوني به ، فخرجنا حتى أتينا الروضة ، وهو المكان الذي حدده لهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا نحن بالظعينة فقلنا لها : أخرجي الكتاب ، فقالت : ما معي من كتاب ، فقلنا لها : لتُخرِجنَّ الكتاب أو لتلقين الثياب فأخرجته من عقاصها ، أي من ضفائر شعرها ، فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى أُناس من المشركين بمكة ، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال النبي لحاطب : ما هذا يا حاطب ؟ وما حملك على ما صنعت ؟ . . قال حاطب : يا رسول الله ، لا تعجل عليَّ إني كنت امرأ ملصقاً في قريش ، ولم أكن من أنفسها ، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بهم أهلهم ، وأموالهم بمكة فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب أن أتخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتي ، وما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني ، فقال عمر رضي الله عنه : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ، قال صلى الله عليه وسلم : لا يا عمر إنه شهد بدراً ولعل الله اطلع على أهل بدر فغفر لهم " ثم التفت إلى أصحابه ، وقال : "صدقوه ولا تقولوا فيه إلا خيراً "
إنه القلب الكبير ، والصدر الواسع ، والتفهُّم العميق للحظة ضعف طارئة ألمت بهذا الصحابي ، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الموقف الرحيم أن يعينه وينهضه من عثرته فلا يطارده بها ، ولا يدع أحداً يطارده . . وسرّ التفاوت بين موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وموقف عمر رضي الله عنه ، أن عمر نظر إلى الذنب نفسه فإذا هو خيانة عظمى، بينما نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى صاحب الذنب فرآه ضعفاً طارئاً ألمّ به ، أنقذه من ضعفه ، وأنهضه من كبوته ، وأعانه على شيطانه .
أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا ، الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني . .
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مخاطبة العقل و القلب معاً :
أيها الأخوة الكرام ؛ بقيت قاعدة أخيرة ، هي مخاطبة العقل والقلب معاً ،
الإنسان عقل يدرك ، وقلب يحب ، فإذا توجهت إلى عقله وحده لم تفلح ، وإن توجهت إلى قلبه وحده لم تفلح ، لابد من أن تتوجه إلى قلبه وعقله معاً . علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم من خلال سنته وسيرته أن الإنسان عقل يدرك وقلب يحب ، وأن العقل غذاؤه العلم ، وأن القلب غذاؤه الحب ، وأن العقل أمير القلب ، لذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن :
(( أرجحكم عقلاً أشدُّكم لله حبَّاً ))
أيها الأخوة ؛ إذا كان العقل للنفس كالعين تبصر به ، فإن الهدي الرباني نور لهذه العين ، فأنى للعقل أن يرى الحقائق من دون نور يكشفها له ؟ وإذا كان القلب وما ينطوي عليه من حب محركاً للإنسان ، ينتقل ويرقى به فإن العقل مقودٌ يوجه هذه الحركة نحو الهدف ويجنبها الانحراف والهلاك .
لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب العقل في الإنسان فعن أبي أمامة رضي الله عنه أن :
(( فَتًى شَابًّا أَتَى النبي فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ : ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا ؟ فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا : مَهْ مَهْ ، فَقَالَ : ادْنُهْ فَدَنَا مِنْهُ قَرِيباً ، قَالَ : فَجَلَسَ ، قَالَ : أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ ؟ قَالَ: لاَ وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ ، قَالَ : وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لاِبْنَتِكَ ؟ قَالَ : لاَ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ ، قَالَ : وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟ قَالَ : لاَ وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ ، قَالَ : وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ قَالَ: لاَ وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ ، قَالَ : وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ قَالَ: لاَ وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ ، قَالَ وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاَتِهِمْ ، قَالَ : فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ ، وَقَالَ : اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ قَالَ : فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ ))
توجه إلى عقله فخاطبه ، وأحياناً يخاطب القلب .
الأنصار حينما وجدوا على النبي في أنفسهم عقب غزوة حنين وكان قد وزع الغنائم ، قال لهم :" يا معشر الأنصار ، ألم أجدكم ضُلالاً فهداكم الله ، وعالة فأغناكم الله ، وأعداء فألف الله بين قلوبكم ؟ . . أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليُسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم ، أما ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعوا أنتم برسول الله إلى رحالكم ؟ فبكوا حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا : رضينا برسول الله حظاً وقسماً " .
خاطب العقل تارةً ، وخاطب القلب تارةً . والقرآن خاطب العقل والقلب معاً .
أيها الأخوة الكرام ؛ مخاطبة العقل والقلب ، والتيسير لا التعسير ، والترغيب لا التحذير، والإحسان قبل البيان ، والقدوة قبل الدعوة . هذه قواعد الدعوة إلى الله ، فإذا أردت أن تكون داعياً إلى الله ، فهذا فرض عين على كل مسلم . لك أقرباء ، لك أهل ، لا يوجد واحد من الأخوة الحاضرين إلا وله زيارة ، لقاء ، مجلس ، سهرة ، ندوة ، سفر مع أشخاص يحبهم ، لماذا تتحدث عن موضوعات لا تغني ولا تجدي ؟ تحدث عن الله عز وجل فبلغ ولو آية ، وحدث عن رسول الله ولو بحديث واحد تكن بالمعنى الواسع من الدعاة إلى الله عز وجل .
أيها الأخوة الكرام إني داع فأمنوا .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم ارزقنا التأدب ونحن في بيوتك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .