- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى :
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغامـاً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته، ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
المقربون:
أيها الإخوة الكرام؛ يقول الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله:
﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾
وقال تعالى:
﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾
وقال تعالى:
﴿ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً ﴾
وقال تعالى :
﴿ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾
وقال تعالى :
﴿ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ﴾
أرأيتم ـ أيها الإخوة ـ إلى كلمة (المقربين) في كل هذه الآيات إنها درجة من درجات الإيمان، أن تكون مقرباً عند الله عز وجل، أن تتقرب إلى الله، وأن يقربك الله إليه، لابد من سعي حثيث منك أن تتقرب إليه، ولابد من أن يسمح لك من أن تقترب منه.
مقام القرب من الله ـ أيها الإخوة ـ من مقامات الإيمان، ولا معنى أن تؤمن بالله دون أن تتقرب إليه، لا معنى أن تقر بوحدانيته دون أن تتقرب إليه، لا معنى أن تقر بربوبيته دون أن تتقرب إليه، لا معنى أن تؤمن بأن هناك يوماً آخر يُحاسب فيه الإنسان عن أعماله كلها، ثم لا تتقي هذا اليوم.
لا تصح العقيدة إلا إذا صح السلوك :
أيها الإخوة الكرام؛ هذا الانفصام الخطير بين العقيدة والسلوك هو الآفة الكبرى التي يعاني منها المسلمون، الله جل جلاله في كتابه العزيز يلخص القرآن كله بكلمات:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
إذا أيقنت بالتوحيد عليك أن تتحرك إلى القرب من الله عز وجل.
أيها الإخوة الكرام؛ جاء في الصحيحين وغيرهما
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:
((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً))
يعني أية حركة إلى الله، أي عمل صالح تعمله تبتغي القرب من الله، أية كلمة صادقة تلقيها تبتغي رضوان الله منها، أي موقف تبتعد عن المنكر فيه تبتغي رضوان الله، أي حركة نحو الله، تجد الله يرحب بك ويتجلى على قلبك، ويعفو عنك، ويشعرك أنه قبلك، هذا معنى قول الله عز وجل في الحديث القدسي:
((وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ))
إذا دخلت بيتاً من بيوت الله، تطلب رحمة الله، ماذا فعلت أنت تتقرب إلى الله، لابد أن يشعرك الله من خلال هذا الحديث القدسي أنه قبلك، وغفر لك، وتجلى على قلبك.
((وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً))
كيف نتقرب إلى الله؟.
أيها الإخوة الكرام؛ أرجو الله سبحانه وتعالى أن يعينني على توضيح وسائل القرب من الله، لا شك أن القرب من الله ثمرة الإيمان، آمنت به فتقربت إليه آمنت به فأطعته، آمنت به فبذلت من الأعمال الصالحة ما يعينك على الاتصال به، آمنت به فاتقيت أن تعصيه، آمنت به فتقربت إلى أحبابه.
أيها الإخوة الكرام؛ السؤال الكبير بعد هذه المقدمة، كيف نتقرب إلى الله؟.
لا شك أن هناك قواعد يستطيعها كل إنسان، دين الله عز وجل واضح وضوح الشمس، قال عليه الصلاة والسلام :
((قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَـالِكٌ))
وسائل القرب من الله ؟.
هناك وسائل تملكها أنت، بإمكان كل مسلم أن يصل إلى الله عز وجل إذا اتبع هذه الوسائل، فأكبر وسيلة إلى التقرب إلى الله هي طاعته.
رأى سيدنا عمر رضي الله عنه سيدنا سعد بن أبي وقاص، وكان خال رسول الله، وكان عليه الصلاة والسلام يرحب به أشد الترحيب كان إذا دخل سعد على رسول الله يقول:
((هذا خالي، أروني خالاً مثل خالي))
ما فدى النبي صلى الله عليه وسلم أحداً إلا سعد بن أبي وقاص حينما قال:
((ارم سعد ، فداك أبي وأمي))
ومع ذلك قال له سيدنا عمر: يا سعد لا يغرَّنك أنه قد قيل: خال رسول الله، فالخلق كلهم عند الله سواسية، ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعتهم له.
1- الطاعة :
فالفقرة الأولى في هذه الخطبة : الوسيلة الأولى للتقرب إلى الله عز وجل أن تطيعه ، قال تعالى :
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾
لو تتبعت آيات الطاعة ، لوجدت أن القربة الأولى في سلم القربات هي طاعة الله عز وجل ، لكن ينبغي أن تعلم ما أمر الله ؟ وما نهيه ؟ وما حلاله ؟ وما حرامه ، وما الحكم الشرعي في أي شيء ؟.
هناك قاعدة أصولية تقول :
ما لا يُؤدى الواجب إلا به فهو واجب .
أرأيت إلى الوضوء ، أتستطيع أن تصلي بلا وضوء ؟ الجواب : لا ، إذاً الوضوء فرض ، لا يُتوصل إلى الصلاة التي هي فرض إلا بالوضوء فالوضوء فرض .
فإذا كانت طاعة الله واجبة عليك أيها المسلم ، من لوازم هذا الوجوب أن تتعرف إلى أمر الله وإلى نهيه ، من هنا كان طلب العلم فرض عين على كل مسلم، كيف تطيعه ؟ كيف تأتمر بما أمر ؟ وكيف تنتهي عما عنه نهى وزجر ، وكيف تحل الحلال ، وكيف تحرم الحرام إن لم تعرف الأمر والنهي ، والحلال والحرام ، ليس طلب العلم وردة تضعها على صدرك ، إنه قوام حياتك .
((ابن عمر دِينَك دينَك ، إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذين استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين مالوا))
((إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينك))
قضية معرفة الحلال والحرام ، ومعرفة الأمر والنهي ، ومعرفة الحق والباطل ، ومعرفة العقيدة الصحيحة ، والعقيدة الزائغة فرض عين على كل مسلم .
لا تقل أنا مهندس لا علاقة لي بهذه العلوم ، هذه أكذوبة الشيطان ، إن كنت مهندساً ، أو كنت طبيباً ، أو كنت عاملاً ، أو كنت صانعاً ، أو كنت تاجراً ، في أية حرفة كنت ، طلب العلم ، أو ما ينبغي أن يُعلم بالضرورة ـ كما يقول العلماء ـ فرض عين على كل مسلم .
ما معنى أن تؤمن به دون أن تطيعه ؟ ما معنى أن تؤمن به دون أن تتقرب إليه ؟ ما معنى أن تؤمن به دون أن تتصل به ؟ إنه إيمان إبليسي ـ كما قال بعض العلماء ـ إبليس أقر قال :
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾
أيها الإخوة الكرام ؛ تكاد تكون طاعة الله هي أول قربة إلى الله على وجه الإطلاق .
2- الخوف والرجاء :
أيها الإخوة الكرام ؛ ولكن العلماء يصرون على أن هذه القربة ، وهي الطاعة لا تصح ولا تؤتي أكلها في القرب من الله إلا إذا رافقتها حالتان ، حالة الخوف وحالة الرجاء ، وإليكم الأدلة ، قال تعالى :
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً ﴾
أيها الإخوة الكرام ، الطائر إذا أدرك الخطر ، وطار إلى عشه حيث الأمن يطير بجناحين ، والمؤمن إذا خاف الخطر يفرُّ إلى الله يبتغي عنده الأمن والسلامة بجناحي الخوف والرجاء .
أيها الإخوة الكرام ؛ ليس من العسير أن يشتد خوفك ، ولا أن يزداد رجاؤك ، ولكن البطولة أن تجمع بينهما ، أن تخافه بالقدر الذي ترجوه ، وأن ترجوه بالقدر الذي تخافه ، قال تعالى :
﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
أيها الإخوة الكرام ؛ دققوا في هذه الآيات الثلاث :
﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾
﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴾
أرأيتم إلى هذا التوازن ، ينبغي أن تؤمن برحمته ، وأن تؤمن بعقابه ينبغي أن تؤمن بجنته ، وأن تؤمن بناره ، ينبغي أن تؤمن بعطائه ، وأن تؤمن بعقابه .
ورد في الأثر القدسي أن :
(( يا رب أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك فقال : أحب العباد إلي تقي القلب نقي اليدين لا يمشي إلى أحد بسوء ، أحبني ، وأحب من أحبني ، وحببني إلى خلقي ، فقال : يا رب إنك تعلم أني أحبك ، وأحب من يحبك فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال : ذكرهم بآلائي ونعمائي وبلائي ))
ذكرهم بآلائي من أجل أن يعظموني ، وذكرهم بنعمائي من أجل أن يحبوني ، وذكرهم ببلائي من أجل أن يرهبوني .
لابد من أن يجتمع في قلب المؤمن تعظيم لله :
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾
ولابد من أن يكون في قلبه محبة لله عن طريق النظر في نعماء الله ولابد من أن يكون في قلبه خوف من الله .
أيها الإخوة الكرام ؛ إذا قلنا : إن طاعة الله هي أول وسيلة للتقرب منه ، هذه الطاعة لا تكون فعالة ولا مجدية إلا بجناحي الخوف والرجاء ، وأرجو الله سبحانه وتعالى في سلسلة خطب آتية أن يتَّضِح مفهوم الخوف من الله ، ومفهوم الرجاء في رحمته .
الترغيب والترهيب :
أيها الإخوة الكرام ؛ سيدنا الصديق رضي الله عنه ـ كما قال عليه الصلاة والسلام ـ مشيداً بفضله :
((ما ساءني قط ، فاعرفوا له ذلك ))
سيدنا الصديق رضي الله عنه ، قال للفاروق عمر رضي الله عنهما عن الصديق وعن عمر : ألم تر يا عمر إنما أُنزلت آية الرجاء مع آية الشدة ، وآية الشدة مع آية الرجاء ، ليكون المؤمن راغباً راهباً ، لا يرغب رغبة يتمناها على الله وهي ليست له .
أرأيتم إلى أدب النبي عليه الصلاة والسلام حين يدعو الله فيقول :
(( اللهم إني أسألك موجبات رحمتك ...))
فليكن المؤمن راغباً راهباً ، لا يرغب رغبة يتمناها على الله وهي ليست له ، ولا يرهب رهبة يلقي فيها بيديه إلى التهلكة . اليأس القاتل تطرف ، وغلو ، الرجاء الساذج تطرف وغلو ، والتوازن والوسطية أن تجمع بين الرجاء والخوف .
ألم تر يا عمر إنما ذكر الله تعالى أهل النار بأسوأ أعمالهم ، فإن ذكرتها قلت : إني لأرجو أن لا أكون منهم ، وإنما ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم ، وتجاوز عما كان منها من سيئ ، فإذا ذكرتها قلت : أين عملي من عملهم ؟ .
أرادك الله في الدنيا أن تنطلق إليه بجناحي الرجاء والخوف ، فإذا ازداد الرجاء حجب المؤمن ، وإذا ازداد الخوف تجلى الله على قلبه فرفع معنوياته ، والإنسان يربيه الله عز وجل تربية نفسية ، إذا كان راغباً راهباً ، يرجو ويخشى ، فهو في حالة صحية ، أما إذا ازداد رجاؤه ، وقلَّ عمله أدبه الله ، وأما إذا ازداد خوفه حتى أوقعه في اليأس رفعه الله عز وجل .
روى ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه ، قال تعالى :
((وعزتي وجلالي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين ، إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ، وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة))
فكلما اشتد خوفك من الله في الدنيا كان هذا مدعاة لأمنك يوم القيامة يوم يفزع الناس ، قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾
يوم الفزع الأكبر ، يوم ترجف الراجفة ، هذا اليوم الشديد الذي يقوم فيه الناس لرب العالمين ، إذا كنت في الدنيا تحاسب نفسك حساباً عسيراً إذا كنت تخاف من ربك أشد الخوف ، فأن في هذا اليوم آمن .
(( وعزتي وجلالي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين ، إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ، وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة ))
أيها الإخوة الكرام ؛ روى الإمام الترمذي عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ ))
إذا خفت تنطلق في السير ليلاً ، علامة الخوف أن تتحرك بعض علماء النفس أشار إلى قانون ينتظم العلاقة بينك وبين المحيط الخارجي هذا القانون مؤلف من كلمات ثلاث :
إدراك ، انفعال ، سلوك .
مثال :
وأضرب على ذلك مثلاً : لو أن إنساناً كان يتنزه في غابة فرأى أفعى ، إن أدرك أنها أفعى ، وأن لسعتها قاتلة ، يضطرب ، علامة إدراكه الصحيح اضطرابه النفسي ، وإذا اضطرب اضطراباً صحياً يتحرك إما إلى قتلها وإما إلى الهروب منها ، فإذا أدركت اضطرب قلبك ، وإذا اضطرب قلبك تحرك جسمك ، إن لم تكن هناك حركة ليس هناك انفعال ، وإذا ادُعي هذا الانفعال فهو ادعاء كاذب ، وإن لم يكن هناك اضطراب فليس هناك إدراك ، علامة الإدراك الصحيح الانفعال الحقيقي ، علامة الانفعال الحقيقي التحرك ، قال عليه الصلاة والسلام :
(( الندم توبة ))
وقد جاء كلامه موجز ، بمعنى أن الندم لابد من أن يسبقه إدراك ، ولابد من أن يعقبه عمل .
أركان التوبة ؛ علم ، وندم ، وسلوك ، وأنت إن صحَّ إدراكك ، يخشع قلبك ، وإن خشع قلبك تحركت إلى طاعة الله عزو جل ، فلذلك هذا الإنسان المسلم عواطفه إسلامية ، فكره إسلامي مطالعاته إسلامية ، يتمنى للمسلمين في بقاع العالم أن ينتصروا ، ولا يتحرك ، ولا يلتزم ، ولا يقف عند حدود الله ، ولا يأتمر بما أمر الله ولا ينتهي عما نهى عنه الله ، هذا المسلم يُشك في إسلامه ، ويُشك في إيمانه ، ويُشك في معرفته ، لأن المعرفة الصحيحة لابد من أن يعقبها عمل .
أيها الإخوة الكرام ؛ أرأيتم لو أن إنساناً قال لآخر : على كتفك عقرب ، فهذا الذي خُوطب على كتفه عقرب التفت إلى القائل مبتسماً ، وشكره على هذه الملاحظة القيمة ، وتمنى أن يمكنه الله من أن يفعل معه فعلاً طيباً نظير هذه الملاحظة ، هل توقنون أنه سمع ما قال له ، لو أنه سمع ما قال ، أو فهم ما معنى عقرب ، لخرج من جلده خوفاً ، ولذعر ، ولنفضه عن كتفه أما أن يبقى هادئاً ، ويثني على القائل ، فهذا دليل أنه ما عرف الحقيقة ، ولا استوعب ، علامة الإدراك الانفعال ، علامة الانفعال السلوك .
نصيحة :
فلذلك ـ أيها الأخ الكريم ـ تبصر في سلوكك اليومي ، ما لم يكن هناك انضباط ، وائتمار ، وانتهاء ، وفعل للخير ، وترك للشر ، وفعل للطاعات ، وترك للمعاصي ، ما لم يكن هناك هذا السلوك فعليك أن تعيد النظر بإيمانك ؛ لأنه عندئذ لا يجدي .
(( مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ ))
وروى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ))
كل هذه النماذج السبعة فيها حركة ، ذكر الله ففاضت عيناه ، تصدق بيمينه ولم تعلم شماله ما أنفقت يمينه ، دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله رب العالمين ، اجتمعت مع فلان على طاعة ، فلما عصى الله تركته ، اجتمعا عليه ، وافترقا عليه ، رجل قلبه معلق بالمساجد ، شاب نشأ في طاعة الله ، إمام عادل هؤلاء السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله ، يوم لا ظل إلا ظله .
مخاوف الإنسان المؤمن :
أيها الإخوة الكرام ؛ الحقيقة التي ينبغي أن تكون واضحة لنا جميعاً هي أن المؤمن ، وكل فقرة من هذه الفقرات عليها أدلة مطولة تأتي في خطب قادمة إن شاء الله .
المؤمن الحق يخاف أن يعصي الله عز وجل ، ويخاف أن يرتكب ما نهى الله عنه ، بل إن المؤمن الحق يخاف الصغائر ومحقرات الأعمال ، وهذه من لوازم الإيمان ، والمؤمن الحق يخاف من الرياء في عمله أو في مقاله أو في حاله ، والمؤمن الحق يخاف النفاق على نفسه ، والمؤمن الحق يخاف أن يكون مقصراً في عهده مع الله ، والمؤمن الحق يخاف من عدم قبول العمل من قِبَل الله عز وجل ، المؤمن الحق يخاف أن يزيغ قلبه عن الهدى بعد إذ هداه الله ، والمؤمن الحق يخاف سوء العاقبة ، والمؤمن الحق يخاف مناقشة الحساب ، والمؤمن الحق يخاف من موقف السؤال عن كل الأعمال ، والمؤمن الحق يخاف مقام رب العالمين .
كل هذه المخاوف التي تزيد عن عشرة عليها أدلة من الكتاب والسنة .
المؤمن الحق يخاف أن يعصي الله ، قال تعالى مخاطباً النبي صلى الله عليه وسلم :
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
والمؤمن الحق لا يصرُّ على الذنب ، قال تعالى :
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾
والمؤمن الحق لا يصرُّ على ذنب ارتكبه ، وقاف عند كتاب الله يرجع إلى الحق .
(( بل أتوب إلى الله يا رسول الله ))
والمؤمن الحق كما قال عليه الصلاة والسلام :
(( ارحموا تُرحموا ، واغفروا يُغفر لكم ، ويل لأقماع القول ، ويل للمصرين ، الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون من هم أقماع القول ؟ قال : هؤلاء الذين يستمعون إلى المواعظ ولا يتعظون ، ويذكرون فلا يتذكرون ))
تهاوناً ، أو تكاسلاً ، أو تكبراً ، أو استهزاءً .
قال عليه الصلاة والسلام يصف المرابين وآكلي المال الحارم :
(( إِنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ ))
وقال عليه الصلاة والسلام :
(( من غصب رجلاً أرضاً ظلماً لقي الله وهو عليه غضبان ))
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ))
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾
علامة إيمانك الخوف الشديد من الله ، وكلما ازداد إيمانك ازداد خوفك إذا كان هناك مؤشراً للخوف ، ومؤشراً للإيمان ، إن هذين المؤشرين يتحركان معك ، أنت تخاف الله بقدر معرفتك له ، إنما يخشى الله من عباده العلماء ، وكلما أدركت الخطر ازداد خوفك ، لذلك لا تعجب من عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما يقول :
( ليت أم عمر لم تلد عمر ليتها كانت عقيمة )
لم يقل هذا تباهياً ، ولا فخراً ، ولا استعراضاً لإيمانه ، ولكنه قالها عن خوف حقيقي .
الجراثيم في الجسم كيف أنهم يحتاطون ويبالغون في تنظيف الخضار والفواكه ؟ ازداد علمهم في فعل الجراثيم ، وفي آثار التلوث ، فازداد حرصهم على النظافة ، أنت تخاف الله بقدر معرفتك له ، ولو عرفت الله المعرفة الكاملة لخفت منه الخوف الأمثل ، فإذا قلَّ خوفك يعني ذلك أن معرفتك قلت .
أيها الإخوة الكرام ؛ أربع حق على الله ألاّ يدخلهم الجنة ، وألاّ يذيقهم نعيمها ؛ مدمن خمر ، وآكل الربا ، وآكل مال اليتيم بغير حق ، والعاق لوالديه .
روى الطبراني عن سهل بن سعد قال :
(( لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين نزل قفراً من الأرض ليس فيها شيء ـ دققوا في هذه الطريقة في التعليم ، هذه الطريقة العملية ـ نزل في أرض قفر ليس فيها شيء ، فقال عليه الصلاة والسلام اجمعوا من وجد شيئاً فليأت به - اجمعوا كل شيء من هذه الأرض - من وجد عظماً أو سناً فليأت به ، قال سهل : فما كان إلا ساعة حتى جعلناه ركاماً - عود ، قشة ، عظم ، أي شيء ، الصحابة جمعوا ركاماً خلال ساعة من هذه الأشياء ، كومة كبيرة - فقال عليه الصلاة السلام : أترون هذا فكذلك تُجمع الذنوب على الرجل يوم القيامة ، كما جمعتم فليتق الله رجل فلا يذنب ذنباً صغيراً ولا كبيراً فإنها محصاة عليه ، وتلا قوله تعالى : ]وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا[ ))
أيها الإخوة الكرام ؛ نحن في زمن هدنة ، وإن السير بنا لسريع ، وإن الدنيا دار ابتلاء وانقطاع ، إنها دار عمل ، إنها دار توبة ، إنها دار تطهير ، إنها دار الصلح مع الله ، إنها دار الإقبال على الله ، وكل هذه الأشياء بأيديكم ما دام القلب ينبض ، وما دام في العمر فسحة ، فبيدك أن تتوب ، والله سبحانه وتعالى يحب التوابين ، ويحب المتطهرين ، وإذا رجع العبد إلى الله نادى مناد في السماوات والأرض أن هنؤوا فلاناً فقد اصطلح مع الله .
اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، والحمد لله رب العالمين .
***
الخطبة الثانية :
التوبة :
أيها الإخوة الكرام ؛ في القرآن الكريم آيتان ، الأولى :
﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾
والثانية تابوا فتاب الله عليهم :
﴿ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
بين الآيتين مفارقة ، تاب الله عليهم ليتوبوا ، واللام التعليل ، والآية الثانية تابوا فتاب الله عليهم ، لعل من بعض تفسيرات هذه الآية ، من بعض ، و(من) للتبعيض : أن الإنسان إذا شرد عن منهج الله يسوق الله له من الشدائد ما يحمله على التوبة ، فالتوبة التي تسبق توبة العبد هي الشدائد التي تساق إلى الإنسان كي يتوب ، تاب عليهم ليتوبوا ، سمي الفعل بغايته ، ساق لهم من الشدائد ليحملهم بها على التوبة ، أما إذا تابوا ، تابوا فتاب عليهم ، بمعنى أنهم حينما تابوا قبل توبتهم ، ولا شك أن التائب ـ أيها الإخوة ـ يشعره الله ، يلقي في روعه ، بل يلقي في كل إحساسه أن الله قبله ، وأن الماضي قد انتهى ، وأن هذا العبد فُتحت له مع الله صفحة جديدة .
((إذا رجع العبد إلى الله نادى مناد في السماوات والأرض أن هنؤوا فلاناً فقد اصطلح مع الله))
ألا يكفينا ـ أيها الإخوة ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد ، والظمآن الوارد ، والعقيم الوالد))
عن عبد الله بن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
(( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلِكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ ثُمَّ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِيَ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ ))
إذا رجعت إلى الله يفرح الله ؛ لأنه سيرحمك ، ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام في بيعة الرضوان حينما وضع يده على يده الأخرى وقال : هذه عن عثمان ، فإنه في حاجة الله ورسوله .
خلقنا ليرحمنا ، الله جل جلاله قال في كتابه الكريم :
﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ﴾
وقال في الحديث القدسي :
((... يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا...))
إذاً الله جل جلاله خلقنا ليرحمنا :
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
والعبادة معرفة وطاعة وسعادة ، الطاعة هي السبب ، والمعرفة هي الأصل ، والسعادة هي الهدف .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ، ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت ، لك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك اللهم هب لنا علاً صالحاً يقربنا إليك .
اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا رضنا ، وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ، ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين .
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين .
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك .
اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين .
اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً ، وسائر بلاد المسلمين .
اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء .
اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب .
اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شر خلقك ونبتلى بحمد من أعطى وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء .
اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين .
اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .