- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى :
الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا , وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ، ولا اعتصامي ، ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا لرُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر , ما اتَّصَلَت عين بنظر ، وما سمعت أذنٌ بِخَبر .
اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين .
التوحيد والعبادة :
ما من موضوع أخطر في الدين من موضوع التوحيد ، فما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، بل إن دعوة الأنبياء جميعاً ، بل إن دعوة الرسل جميعاً ، بل إن مضمون وحي السماء إلى الأرض يتلخص بكلمتين التوحيد والعبادة ، وأما الدليل فقوله تعالى :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
فحوى دعوة الأنبياء جميعاً ، وفحوى دعوة الرسل جميعاً ، والفحوى الذي ينبغي أن يكون مضمون كل الدعوات إلى الله عز وجل ، لا يزيد عن كلمتين توحيد الله وعبادته ، وإذا قرأتم القرآن الكريم ، فما من نبي جاء إلى قومه إلا قال :
﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾
هذه الآية تكررت على لسان كل الأنبياء ، إذاً بادئاً ذي بدء ، التوحيد أصل الدين .
يا أيها الإخوة الكرام ؛ التوحيد يمثل الجانب الإعتقادي في الدين , والعبادة تمثل الجانب السلوكي ، وإذا قرن الله عز وجل العمل الصالح بالإيمان ، أي قرن العبادة بالتوحيد .
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
إذا وردت كلمة العمل الصالح مع كلمة الإيمان , في أكثر من مائتي مرة , فالإيمان هو التوحيد والعمل الصالح , هو العبادة لذلك قال العلماء التوحيد نهاية العلم والتقوى نهاية العمل ، الصورة المثلى للعلم هو أن توحد الله ، وما لم توحد الله عز وجل فهناك نقص خطير في إدراكك ، نقص خطير ونقص مهلك ، وإذا تألق الإنسان في اختصاص ضيق فهذا يمثل ذكاءه الجزئي ، أما ذكاءه الشمولي لا يتبدى إلا بالتوحيد .
ما من إنسان فيه ذرة من عقل يستطيع أن ينكر أن لهذا الكون خالقاً عظيما .
فالأقدام تدل على المسير ، والماء يدل على الغدير ، و البعر يدل على البعير ، أفسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ألا تدلان على الحكيم الخبير .
قضية الإيمان بخالق الكون قضية مقطوع بها ، لا ينكرها حتى أشد الناس بعداً عن الله عز وجل .
﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾
لكن أين القضية الخطيرة حتى أهل الدنيا الغارقون في دنياهم المعرضون عن ربهم لأن سألتهم .
﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾
إذاً الإيمان بالله خالقاً ليست قضية تحتاج إلى بحث ، ولكن الإيمان بالله فعالاً :
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ﴾
﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ﴾
﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾
القضية ليست بأن تؤمن بأن لهذا الكون خالقاً ، هذه قضية مبثوث بها , لكن تفاوت المؤمنين في الإيمان بأن الله هو الفعّال ، هو الرزاق ، هو المعز ، هو المذل ، هو المعطي ، هو المانع ، هو القابض ، هو الباسط ، هو المسعد ، هو المشقي ، هو الذي يضحك ، هو الذي يبكي ، هو الذي يرفع ، هو الذي يخفض ، هو الذي يطمئن ، هو الذي يقلق ، أن تؤمن أن الله هو الفعال .
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾
هنا المشكلة ، لذلك قال الله جل جلاله :
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾
أنواع الشرك :
والإنسان أيها الإخوة ؛ حينما يضعف إيمانه يتراوح بين الشرك الجلي , والشرك الخفي .
والشرك أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ، وأدناه أن تحب على جور ، وأن تبغض على عدل ، تحب فلاناً وليس كما يريد الله عز وجل ، لقد أشركته مع الله , وتبغض من نصحك , ولو كان منصفاً في نصيحته ، قال رسول الله :
(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي ، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله ))
إذا نجا معظم الناس من الكفر بأن الله هو الخالق , فأن معظمهم لا يتفلتون من الوقوع في الشرك الخفي ، أهل الكفر والفجور وقعوا في الشرك الجلي ، لكن المؤمنين المقصرين وقعوا في الشرك الخفي .
أيها الإخوة الكرام ؛ الإنسان حينما يتوهم أن هناك قوى عديدة تتحكم في وجوده وتتحكم في سلامة وجوده , وتتحكم في كمال وجوده , وتتحكم في استمرار وجوده , وأن هذه القوى تتفاوت في رغباتها , وإراداتها بل إن هذه القوى تتناقض في أوامرها عندئذ يضيع الإنسان ، من يرضي ومن يغضب ، إلى من يسعى وعن من يدير ظهره ، هذا الضياع , وتلك الحيرة وصفها الله جل جلاله في القرآن الكريم فقال :
﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
إنسان بين مجموعة قوى متناقضة في أوامرها , متناقضة في رغباتها , متناقضة فيما تدعو إليه , وفيما تريد وأنت فيما يبدو لك تحت سيطرتهم جميعاً ، فماذا تفعل من ترضي ، من تغضب ، من تطيع ، من تعصي , من ترجو , من لا ترجو ، هذا هو الضياع الذي يعيش فيه معظم الذين قصروا في إيمانهم فوقعوا في الشرك الخفي وهم لا يشعرون .
حقيقة أن لا إله إلا الله :
أيها الإخوة الكرام ؛ الإنسان بنص القرآن الكريم مأمور أن يعبد الله ، بل إن عبادة الله عز وجل هي علة وجوده على هذه الأرض والدليل قوله تعالى :
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
كيف يعبد الإنسان ربه إذا رأى أن جهة قوية تتحكم به ، إذا رأى أن مصيره بيد فلان ورزقه بيد فلان , واستقراره بيد فلان , وأمنه بيد فلان , فكيف يعبد الله عز وجل .
لذلك ربنا جل جلاله ما أمرنا أن نعبده إلا بعد أن طمأننا إن أمرك أيها الإنسان كله راجع إليه ، قال تعالى :
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾
متى أمرك أن تعبده ، بعد أن طمأنك أن الأمر كله راجع إليه ، أمر صحتك ، أمر قلبك دسامات قلبك ، أمر شراينك ، أمر ضغطك ، أمر الكبد ، أمر الكليتين أمر الأمعاء , أمر الدماغ , أمر سيلان الدم في الأوعية , أمر زوجتك أمر أولادك ، أمر مجتمعك ، أمر من حولك أمر من فوقك أمر من تحتك ، إذا أيقنت أن الأمر كله بيده وما عليك إلا أن تطيعه هذا الذي عليك .
﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾
أدِّ الذي عليك وطلب من الله الذي لك ، لا تحشر أنفك في موضوعات لا تعنيك ولست قادراً على تغييرها إنها بيد الله وحده ، يغيرها لك ولصالحك إذا استقمت على أمره .
كن لي كما أريد أكن لك كما تريد ، أنت تريد وأنا أريد ، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد .
أيها الإخوة الكرام ؛ ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن الأمر كله راجع إليه ، ولو أنه فرضاً وجدلاً سلم أمرك لإنسان , وهذا الإنسان قوي كيف يأمرك أن تعبده وحده لك الحجة عليه ، تقول يا رب مصيري بيده كيف لا أرضيه , وأمره يتناقض مع أمرك ، قال لك لا .
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
على التحقيق ما من إله إلا الله ، هذه كلمة التوحيد ، لا إله إلا الله ، لا مسيّر , لا مدبّر لا معطي , لا مانع , لا خافض , لا رافع , لا قابض , لا باسط إلا الله .
أيها الإخوة الكرام ؛ الآن سؤال :
كيف نوحد وكيف نصل إلى عقيدة التوحيد التي فيها خلاص الإنسان من كل شر ؟
الحقيقة لله عز وجل ثلاث أنواع من الآيات ، له آيات كونية ، وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد ، هذه الوحدة في دنيا المخلوقات أما تدل على إله واحد ، نظام الزوجية في المخلوقات جميعاً إلا يدل على إله واحد .
دواء يخترعه طبيب في كندا يستعمل في أستراليا يعطي المفعول نفسه ، هذا الذي خلق الإنسان في أمريكا هو الذي خلقه في أستراليا , وحدة النظم وحدة الخلق , وحدة البنى إلا تدل على إله واحد على نظام واحد على مدبر واحد على خالق واحد على مصمم واحد على عقل واحد هو العقل الأول الذي صمم المخلوقات .
أيها الإخوة الكرام ؛ الكون بسماواته وأرضه والأرض بما فيها وما فوقها وما عليها من جبال , من وديان , من أنهار , من بحيرات , من بحار , من أسماك , من أطيار , من نباتات ، كل شيء تفكر فيه ترى فيه أن لهذا الكون إله واحداً .
أيها الإخوة الكرام ؛ لله آيات أخرى هي الآيات التكوينية ، يعني أفعاله ، إذا دققت في أفعاله لا ترى مع الله إله آخر ، أحيانا عامة الناس يشهدون فعل الله العادل فيقولون ، الله كبير ، الإنسان يرى الله في كل شيء , يرى عدالته , يرى عقابه الأليم , يرى إكرامه الجزيل , يرى أن الله سبحانه وتعالى بيده الأمر كله ، فإذا تأملت في خلقه عرفت أنه واحد , وإذا تأملت في أفعاله عرف أنه واحد ، وأنت في أعلى درجات القوة تخسر كل شيء , وأنت في أدنى درجات الضعف تربح كل شيء ، إذا كان الله معك فمن عليك وإذا كان الله عليك فمن معك :
" ما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي ، أعرف ذلك من نيته فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً ، وما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه وقطعت أسباب السماء بين يديه "
إذاً إذا تأملت في الكون تتعرف أن الله واحد وإذا تأملت في أفعاله تعرف انه واحد ، نقال تعالى :
﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
إذا تأملت في خلقه عرفته إله واحداً ، واحداً في ذاته واحداً في صفاته واحداً في أفعاله ، وإذا نظرت إلى أفعاله عرفت أن أفعاله تصدر عن إله واحد لا شريك له .
الآن الآيات الثالثة ، آياته الكونية خلقه ، وآياته التكوينية أفعاله ، وآياته القرآنية كلامه ، أقرأ القرآن الكريم من دفته إلى دفته إن صح التعبير , من (الم) في البقرة إلى ( قل أعوذ برب الناس) ، ما من آية إلا وتنطق بالتوحيد ، إذاً الكون يدل على وحدانيته , والأفعال تدل على وحدانيته والقرآن يدل على وحدانيته ، فإذا أردت أن تعرف وحدانيته فاسلك سبيل هذه الآيات الثلاث .
أيها الإخوة الكرام ؛ هناك نقطة مهمة جداً جداً ، أنت مخير أيها الإنسان ، لكن خيارُك حيال التوحيد ليس خيار قبول أو رفض ، أن تؤمن بان لهذا الكون إله واحداً أو أن لا تؤمن ، لا بل خيارك مع التوحيد خيار , وقت وليس خيار قبول أو رفض ، هل من إنسان وقع في شر الشرك كفرعون ، ماذا قال فرعون ؟
﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
ومع ذلك ماذا قال حين أدركه الغرق قال فرعون عند الغرق :
﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾
فإذا كان أشد الناس شركاً , وأشدهم كفراً , وأشدهم كبراً وعلواً في الأرض ، حينما أدركه الغرق قال :
﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾
فخيار الإنسان مع التوحيد خيار قبول أو رفض أم خيار وقت ؟ بل خيار وقت ، إما أن يوحد الآن فينجو وإما أن يأتي التوحيد بعد فوات الأوان عند الموت ، حينما يشعر الإنسان بدنو أجله حينما يؤخذ إلى المشفى إسعافاً ، حينما يشعر أن حياته قد انتهت عندئذ يؤمن بأنه لا إله إلا الله ، هذا الإيمان لا ينفعه يزيده ألماً .
فيا أيها الأخوة الكرام ؛ خياركم مع التوحيد ليس خيار قبول أو رفض إنما هو خيار وقت فقط .
أخطار الشرك :
لنستعرض وإياكم أيها الإخوة أخطار الشرك :
الشرك شقاء في الدنيا ، بكل ما في هذه الكلمة من معان ، وهلاك في الآخرة إلى أبد الآبدين ، وقد تطالبني بالدليل دقق في قوله تعالى :
﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾
هذا الذي يسقط من السماء إلى الأرض ماذا حل به في الأرض انتهى هلاك مدمر ، أول أخطار الشرك أن الإنسان ابتعد عن الحقيقة في الكون حقيقة أزلية أبدية صارخة ، المشرك ابتعد عن الحقيقة التي هي كالشمس في رابعة النهار ، وهل بعد هذا العمى من عمى ، وهل بعد عمى القلب من عمى ، والدليل :
﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً ﴾
أيها الإخوة الكرام ؛ من لوازم الشرك إذا اعتقد الإنسان أن فلان بيده أمره وفلان يعطيه أمراً يناقض أمر الله عز وجل إذاً لا بد من أن يقع في المعاصي والموبقات لابد من أن يكون عدوانياً لابد من أن يأخذ ما ليس له لابد من أن يعتدي على أعراض الناس ، لذلك قال تعالى :
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً ﴾
أولاً : ضل ضلالاً بعيداً .
ثانيا : افترى إثماً عظيماً .
ثالثاً : قال تعالى :
﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾
ماذا بقي للمشرك من الآخرة لاشيء ، والحقيقة ما من ظلم للنفس أشد من أن تشرك ، قال تعلى :
﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾
عظيم جداً الشرك بالله .
من أخطار الشرك الخوف ، الرعب الذي يملأ القلب ، والدليل ، قال تعالى :
﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ﴾
هذا قانون الرعب ، ما من إنسان ينخلع قلبه لخطر داهم إلا وراء هذا الخوف الشديد شرك بالله عز وجل :
﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ﴾
والأخطر من هذا كله أن المشرك يُحبط عمله ، ومعنى يُحبط عمله أنه لا يحقق الهدف المرجو من عمله ، لأنه خالف في عمله منهج الله عز وجل ، خالف تعليمات الصانع ، أما إذا أتقن القوانين الأرضية ونجح في عمله إحباط العمل بهذا المعنى أنه لا ثواب له في الآخرة ، أراد به غير الله , فإحباط العمل إما عدم نجاح العمل , أو إما عدم قبول العمل ، إذا كان محكماً وفق القوانين الأرضية فالعمل ينجح لكن لا يقبل ، أما إذا كان على خلاف منهج الله عز وجل فالعمل لا ينجح أصلاً .
فيا أيها الإخوة الكرام ؛ قال تعالى :
﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾
وهل تصدقون أيها الإخوة ؛ أن أحد أكبر أسباب العذاب النفسي هو الشرك ، قال تعالى :
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
من المعذبين ، أحد أسباب العذاب النفسي هو الشرك ، وهل تصدقون أيضاً أن المشرك لم يقل عنه الله إنه نَجِس قال هو نَجَس ، وفرق كبير بين النَجِس بكسر الجيم والنَجَس بفتحها ، النَجِس صفة تتعلق بالأشياء , لكن النَجَس عين النجاسة ، لذلك قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾
تحدثنا عن أخطار الشرك :
- مخالفة للحقيقة الناصعة .
- إثم وعدوان .
- خوف شديد .
- الحرمان من دخول الجنة .
- إحباط العمل .
- العذاب النفسي .
هذا بعض ما في القرآن الكريم من أخطار الشرك .
أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وصلوا ما بينكم وبين ربكم تسعدوا ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .
والحمد لله رب العالمين
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم .
اللهمَّ اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَّنا فيمن توليت ، وبارِك اللهمَّ لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرَّ ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ولا يعزُّ من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت .
اللهمَّ أعطنا ولا تحرمنا ، وأكرمنا ولا تُهِنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وارض عنا، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين اللهمَّ اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمَّن سواك . اللهمَّ استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنَّا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخيا ، وسائر بلاد المسلمين ، اللهمَّ لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك، اللهمَّ يا أكرم الأكرمين أعطنا سؤلنا ، واغفر لنا ذنوبنا وارحمنا إنك أرحم الراحمين . اللهمَّ إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك ، ومن الخوف إلا منك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء مولانا رب العالمين ، اللهمَّ بفضلك ورحمتك أعلي كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعزَّ المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى إنه على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .