- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا لرُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر ، أو سمعت أذنٌ بِخَبر . اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ، ومن تبعه إلى يوم الدّين ، اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم ، ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر ، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير ، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير ، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدْنا علمًا ، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه ، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
الإسلام عقيدة و عمل :
أيها الأخوة المؤمنون ، الإسلام في جوهره عقيدة وعمل ، عقيدة وشريعة ، توحيدٌ وعبادة ، جانبٌ اعتقادي ، وجانبٌ سُلوكي ، فإذا فسدَت العقيدة فسدَ كلّ شيءٍ ، لذلك هؤلاء الذين ضلّوا ، وتاهوا ، وحاروا ، ولم يهْتَدوا إلى الحقّ ، نَدْعوهم إلى الإيمان بالله عز وجل ، فإذا آمنوا نُطالبهم بالعمل لأنَّ الإيمان من دون عمل كالشّجر بلا ثمر .
أيها الأخوة الأكارم ، إذا آمنَّا بالله عز وجل ، وآمنّا بِوُجوده ، وآمنّا بِكَماله ، وآمنّا بِوَحدانيّته ، ولم نتحرّك ، ولم نلْتزم ، ولم ننْفق ، ماذا فعلنا ؟ هو مَوجود ، آمنّا أم لم نؤمن ، هو واحد ، وحَّدْنا أم لم نُوحِّد ، هو كامل ، سبّحنا أم لم نُسبّح ، إذا آمنّا بالله عز وجل انتقلنا إلى لوازم الإيمان ؛ إنَّه العمل .
يا أيها الأخوة الأكارم ، المؤمن ما لمْ ينْطلق في إيمانه من عملٍ ، من الْتِزامٍ ، من إنفاقٍ ، من بَذْلٍ ، من تَضْحيَة ، من كفّ نفسه عن الهوى ، عندئذٍ لا قيمة لإيمانه ، لأنّ الإيمان كما تعلمون قضيّة وقتٍ فقط ، إن لم تؤمن الآن فلا بدّ أن تؤمن بعد فوات الأوان ، فقضيّة الإيمان ليْسَت أن تؤمن ، أو ألا تؤمن ، قضيّة الإيمان متى ينبغي أن تؤمن ؟ لأنَّه لا بدّ من أن تؤمن .
الإنفاق في سبيل الله :
يا أيها الأخوة الأكارم ، موضوع الخطبة اليوم حول الإنفاق في سبيل الله إذا امتلأْت عقيدةً صحيحة ، وامتلأتْ مشاعركَ بِتَقدير الإسلام والمسلمين ، ولمْ تبْذِل وفْق هذه العقيدة شيئًا يؤكِّد إيمانك فلا جَدْوى من إيمانك .
أيها الأخوة الأكارم ، الله سبحانه وتعالى بادئ ذي بدء وصفَ المتّقين بقوله : ممّا رزقناهم ينفقون ، قال تعالى :
﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
وهذه من أوْسَع آيات الإنفاق ، ينبغي أن تنفق كلّ شيءٍ منَحَك الله إيّاه ، أن تنفقَ من وقتك ، أن تنفق من جاهك ، أن تنفق من علمك ، أن تنفق من خبرتك ، أن تنفق من أيّة ميزةٍ امْتازك الله بها ، ولكن الإنفاق أحيانًا ينصرفُ إلى بذْل المال ، لأنّ المال رمْز القيمة في الحياة ، كلّ الجهود البشريّة تُتَرْجمُ إلى قيمة نقْدِيّة ، فَجُهْدك وعملك وتعبك وكدّك وعرق جبينك يُتَرْجمُ إلى مالٍ تقبضُه ، فإذا أنْفقْت هذا المال فقد أنفقْتَ من جُهْدك ، وأنفقْت من عرقك ، وأنْفقْت من سعْيِكَ ، وأنفقْت من خِبْرتك ، وأنفقْت من علمك .
يا أيها الأخوة الأكارم ، إلى القرآن الكريم ، يقول الله عز وجل في القرآن الكريم :
﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾
كلّكم يعلم أنّ المعرضين ، والكفار ، يُخاطبون بأُصول الشريعة ، يُخاطبون بالإيمان بالله ، والإيمان بكتابه ، وبرسوله ، ولكنّ المؤمنين يُخاطبون بفُروع الشريعة ، وهذه الآيات تتعلّق بِفُروع الشريعة ، قل لعبادي الذين آمنوا بي ، والعباد لها معنيان ؛ العبْد يُجْمعُ على عِباد ، ويُجْمَعُ على عبيد ، فإذا كان عبْدًا لله بِمَعنى أنَّه مفتقرٌ إليه فجَمْعُ هذا العبْد عبيد ، وإذا كان عبدًا لله بِمَعنى أنّه عرفهُ ، وأقرّ بِرُبوبيّته ، واختار طاعته ، فَجَمْعُ هذا العبْد عباد ، فالعبوديّة نوعان ؛ عبوديّة قهْرٍ ، وعبودية معرفة ، فعُبوديّة المعرفة تُجمعُ على هذا الجمع عِباد، قال تعالى :
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ﴾
وعبوديّة الافتقار والقهْر تُجْمعُ على عبيد ، قل لعبادي الذين آمنوا بي ، وعرفوني ، الذين اعتقدوا اعْتِقادًا صحيحًا بِوُجودي ، ووَحْدانيّتي ، وكمالي قلْ لهؤلاء حصْرًا ، قال تعالى :
﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ ﴾
هذا هو الأمر الأوّل ، وكلّ أمْرٍ في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، والفعل المضارع مع لام الأمر بِمَثابة فعْل الأمر . ويقول الله عز وجل في آية أخرى :
﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾
والتّهلكة هنا ألا تنفق ، إن لم تنفق كنتَ من الأخسرين أعمالاً ، الذين ضلّ سَعْيُهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعًا . قد تُفهم هذه الآية فهمًا آخر ، إن أنفقْت كلّ ما تملك من دون تَبْصِرَة ، من دون تُؤَدَةٍ ، من دون دراسةٍ ، ربّما أهْلكتَ نفسك ، وإن لم تنفق تهلكُ نفسكَ ، قال تعالى :
﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾
كل هذا لِعَدم إنفاقكم ، في الآية الأولى أمْرٌ بالإنفاق ، أما الآية الثانيَة فتَوجيهٌ لِمَغَبَّة عدم الإنفاق ، ولِنَتائج عدم الإنفاق .
شيءٌ آخر ، هذا الذي تنفقُهُ يجب أن يكون مالاً ، والمال أيُّ شيءٍ يُنتفَعُ به ، شيءٌ له قيمة ، وشيءٌ يُنتفعُ به ، شيءٌ ينفعُ الناس ، لهذا قال الله عز وجل :
﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾
فالأمْرُ بالإنفاق ، وبيانُ مغبَّة عدم الإنفاق ، ويجبُ أن يكون الإنفاق من نوع المال الذي يُنتَفَعُ به ، ويجبُ أن تنفقَ شيئًا مُحَبَّبًا إليك ، حتى يُحبّك الله عز وجل ، هذه هي الفقرة الأولى من فقَر هذه الخطبة .
للإنفاق أهداف و غايات عدة :
الفقرة الثانيَة أنّ هذا الإنفاق له أهداف ، وله غايات نبيلة ، من أهدافهِ ، ومن غاياته ما يتّضح من خلال قوله تعالى :
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾
فالمؤمن الذي ينفق يطَهِّرُ نفسهُ من مرض الشّح ، قال تعالى :
﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
والذي تعطيه المال تُطَهِّرُهُ من مرض الحِقد ، وهذا المال حينما تنفق منه تُطَهِّرُهُ، وتُحَصِّنُهُ من التَّلَف ، ومن تعلّق حقّ الغير به ، إذًا المال يطْهر ، والمنفق يطهر ، والمنفق عليه يطهر ، هذا من الشّح ، وهذا من الحقد ، وهذا من التّلَف ، قال تعالى :
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾
المنفق تزْكو نفسهُ لأنَّه رأى عملهُ الطيّب أمامه ، شعر بِقيمتِهِ الإنسانيّة ، شعرَ بِعَطفهِ على الفقراء ، وشعر بإيجابيّته في المجتمع ، وشعر بأنَّهُ عضْوٌ نافع ، وشعر بأنّ آلاف الدّموع قد مسحها ، شعر بأنّه قد حقّق إنسانيّته ، وشعر بِمَآس كثيرة أُزيحَتْ عن طريقه ، زكَتْ نفسُهُ ، وامتلأَ قلبهُ ثقةً برِضا الله ، المنفق تزْكو نفسهُ ، والمنفق عليه يشْعر أنّ هذا الدِّين قد حرصَ على سعادته ، وأنّ هذا الدِّين قد اهتمّ به ، وأنَّه ليس وحده في الحياة ، وأنّ حوله إخوةً كرامًا يتألّمون لألمه ، ويحْرصون على نفعِهِ ، ويُقدِّمون له يد العَوْن ، زَكَتْ نفسُهُ ، وشعر بأهمِّيتِهِ ، وشعر بقيمته في مجتمعهِ ، هذا هو المعنى الآخر ؛ المنفقُ عليه تزكو نفسهُ ، والمنفِقُ تزكو نفسهُ ، والمال الذي تنفق منه في سبيل الله يزْكو على الإنفاق ، ويزداد إما بالقوانين التي سنَّها الله عز وجل ، وإما بِعِنايَةٍ خاصّة غير خاضعةٍ للقوانين ، فالأغنياء إذا دفعوا من أموالهم للفقراء صار بيَدِ الفقراء ما يُسمَّى بالتعريف العلمي قوّة شِرائيّة ، هذه القوّة الشّرائيّة تعود على الأغنياء بالنَّفْع ، هذا بِحَسب القوانين الأرضيّة ، ولكن هناك زكاة للمال ، أيْ تنْمِيَةً له لا بِحَسب القوانين الأرضيّة التي سنَّها الله عز وجل ، ولكن بِقَوانين العناية الخاصّة التي لا تخضَعُ لهذه القوانين ، فالذي ينفق مالهُ يزْكو هذا المال بِطَريقة نعرفُ أسبابها ، وبِطَريقةٍ لا نعرفُ أسبابها .
أيها الأخوة الأكارم ، شيءٌ آخر من أهداف إنفاق المال ، قال تعالى :
﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾
يثبّتُ مركزهُ عند الله ، ويُحقّق مرتبةً عالِيَةً عند الله ، يُحَسِّنُ علاقته بالله ، يُحَقّق مكانةً عند الله عاليَة ، هذا تثْبيت ، والإنسان أحيانًا يستخدم هذه العبارة في علاقاته اليوميّة ، يقول لك : فلان ثبَّت وضْعهُ ، وركَّزَ وضْعهُ ، احْتلّ مكانة جيّدة عند فلان بِعَمَلِهِ ، فأنت إذا أنفقْت من مالك ثبَّتّ مرتبتكَ عند الله ، ثبَّتّ مكانتك عند الله ، هذا من أهداف الإنفاق ، ولكن يجبُ أن تعلمَ أيّها الأخ الكريم علْمَ اليقين أنّك إذا أنْفقْت من مالك ، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يأخذ منك مالك ، قال تعالى :
﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾
ألَمْ تقرأ قول النبي عليه الصلاة والسلام أنّ الصّدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير ؟ ألم تقرأ الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا بْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي ؟ قَالَ : يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ، يَا بْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي ؟ قَالَ : يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ، يَا بْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي ؟ قَالَ : يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ : اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ))
فإذا أنفقتَ أيها الأخ الكريم ، أنت ماذا تفعل ؟ تُقْرضُ الله قرضًا حسنًا ، ليس في القرآن آيةٌ تستثير مشاعر المؤمن كقوله تعالى :
﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾
كأنّ ربّ العِزّة يقول لك : يا عبدي أقْرضني بِمُساعدة أخيك ، أقرضني بِخِدمة أخيك ، أقرضني بالإنفاق على أخيك ، أقرضني بِمَسح هذه الدّمعة من على خدّ أخيك ، أقرضني بِتَيْسير أمور المسلمين ، ألا تكفينا هذه الآية لِتَبعث فينا كلّ عوامل الإنفاق ؟
أيّ شيء ينفقه الإنسان يعلمه الله :
أيها الأخوة الكرام ، الإنسان أحيانًا إذا قدَّم هديّة لِجِهةٍ أو لأخرى يحْرصُ حرصًا كبيرًا جدًّا ، وربّما أكبر حرصٍ هو هذا الحِرْص ، على أن يعلم هذا الذي يقدّم له الهديّة أنَّها هديّة منه ، لذلك يحتالون بِوَضْع البطاقات حتى على باقات الزهور ، حتى على الهدايا ، يقول لك : تقْدِمَة من فلان ، إلى ماذا يهدف المهدي ؟ يهدف أن يعْلمَ المُهْدَى إليه أنّ هذا من فلان ، ربّنا عز وجل في آيات كثيرة يُطمئِنُ المؤمنين ، ويقول لهم : إنّ أيَّ شيءٍ تنفقونه سِرًّا أو علانيَّة، ليلاً أو نهارًا ، بإيصال وبلا إيصال ، كلّه في علمي ، قال تعالى :
﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾
من هذه لاسْتِغراق أفراد النوع ، بمعنى أيّ نفقةٍ مهما رأَيْتها ضئيلةً ، وفي آية ثانية قوله تعالى :
﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾
آية ثالثة ، وهي قوله تعالى :
﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾
آية رابعة ، قوله تعالى :
﴿وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
فالله يعلم ، ولكنّ الشيء الذي لا يُصدّق هو أنَّك إذا أنفقْتَ مالكَ تقرُّبًا إلى الله عز وجل ، وتثبيتًا لمكانتك عند الله ، ورغبةً في تطهير نفسك ، وفي تزكيَة قلبك ، الشيء الذي لا يُصدّق أنّك تفعلُ كلّ هذا ابتغاء مرضاة الله ، والله سبحانه وتعالى يُضاعف لك هذه النّفقَة أضعافًا كثيرة ، والله الذي لا إله إلا هو لو أيْقنَ الناس بهذه الآية ، لو تعاملوا معها تعاملاً واقعيًا، هناك من يقرأُ القرآن تبرّكًا ، هناك من يقرأُ القرآن من دون تدبّر ، هناك من يقرأُ القرآن من دون أن يكون واقعًيا في تعامله مع هذه الآيات ، يقرأ ، ولكن أنت إذا أيْقَنْت أنَّك إن أنفقْتَ هذه الصّدقة ، أو هذا المال ، سيُضاعفهُ الله لك أضعافًا كثيرة بِدَافع حبّك لذاتك ، وبِدافِعِ حبّك للمال ، تنطلق وتنفق ، قد يؤخّر الله التّعويض لِيَمتحِنَ إيمانك ، ولكنّ التعويض حقّ ، اسْتمِعوا إلى قول الله عز وجل :
﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾
من شيءٍ ، أيّ شيءٍ ، من لاستغراق الأفراد والجزئيّات ، قال تعالى :
﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾
قال تعالى :
﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾
آيات كثيرة تُطَمْئنُ المؤمن ، إذا أنفقْت يا عبدي فأنا أعلم ، وإذا أنفقْتَ فأنا أُعوّض، أعلم وأُعوِّض .
حالات خاصّة يتضاعفُ بها أجر الإنفاق :
ولكن هناك حالات خاصّة يتضاعفُ بها أجر الإنفاق ، قال تعالى :
﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾
حينما تنفق ، وتكون وحيدًا في الإنفاق ، والناس ينْهونك عن الإنفاق شيء ، وحينما يكثر الإنفاق شيءٌ آخر ، وحينما تنفق في السّراء ، وحينما تنفق في الضّراء شيء آخر ، حينما تكون في ضائقة ، وتقتطعُ من مالك القليل شيئًا تنفقهُ على المساكين ، هذا الدّرهم ربّما سبق ألف درهم ، إما لأنّ الدراهم في يدك قليلة ، وإما لِعُلُوّ إخلاصك لله عز وجل ، نسْبَةُ المُنْفق إلى المال ، والإخلاص فيه يضاعف أجر المنفق ، قال تعالى :
﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾
قال تعالى :
﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلَانِيَةً﴾
يا أيها الأخوة الأكارم ، إنفاق المال يتْبَعُهُ خيرٌ عميم ، لا في الدنيا فقط بل في الدنيا والآخرة ، لأنّك إن أنفقْت المال في الدنيا وحدها ، ضاعفَ الله لك أموالك أضعافًا كثيرة، لكنّك إذا ابْتَغَيْتَ بهذا الإنفاق وجْه الله عز وجل ، ابْتَغَيْتَ بهذا الإنفاق رِضا الله عز وجل ، ابْتَغَيْتَ بهذا الإنفاق الدار الآخرة ، فإنّ الدنيا والآخرة مجال إكرام الله لك ، لذلك قال تعالى :
﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾
الإخلاص في الإنفاق :
سألَ بعضهم : كمثل حبّة أنبتَت سبْع سنابل ، في كلّ سنبلة مئة حبّة ، أي سبعُمئة، إذاً ما معنى قوله تعالى والله يُضاعف لِمَن يشاء ؟ ما الذي يجعلُ الأجر مُضاعفًا ؟ قال العلماء : الإخلاص في الإنفاق ، الإنسان أحيانًا قد تزلّ قدمهُ إلى إنفاقٍ يجعلهُ بين الناس محسنًا كبيرًا ، وقد تزلّ قدمُه إلى إنفاقٍ يتألّق اسمهُ بين الناس ، وقد يُكتبُ على رُخامةٍ اسمهُ ، واسمُ أبيه ، وأنّه قدّم هذا في سبيل الله تعالى ، قد يكون له حظّ نفيسٍ من هذا ، كلّما ارْتَفَع مستوى الإخلاص ارْتَفَعَ أجْرُ الإنفاق ، وهذا هو معنى قول الله تعالى : والله يضاعف لمن يشاء.
يا أيها الأخوة الأكارم ، موضوع خطير هو الإخلاص ، لأنّ الله عز وجل :
﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾
من الظاهر عبادة ، ومن الداخل إخلاص ، الأعمال الظاهرة هي العبادة ، وعبادة القلب هي الإخلاص ، فلذلك ربّنا سبحانه وتعالى يقول :
﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
وقال تعالى :
﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾
وقال تعالى :
﴿وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ﴾
وقال تعالى :
﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
وقال تعالى :
﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ﴾
آيات كثيرة يُبيّن فيها ربّنا عز وجل الإخلاص في سبيل الله .
المسارعة إلى الإنفاق :
شيءٌ آخر : الإنسان أحيانًا ينْوي أن ينفق ، ويقول : سأُنفق إن شاء الله ثمّ تأتي ظروفٌ قاهرة تصرفُه عن هذه النَّفَقة ، تنفقُ أحيانًا ، وأحيانًا تقول : سأُنفق ، ربّنا سبحانه وتعالى ينْصحنا ويقول لنا : إذا أردْت أن تنفق فسارِع إلى الإنفاق ، لأنّه قد يعرضُ لك شيءٌ يصْرفك عن الإنفاق ، قد تنشأ لك حاجة ، ضيَّعْتَ هذا الخير الكثير ، يقول الله عز وجل :
﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
ويقول الله عز وجل في آية واضحة جدًّا ، قال تعالى :
﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾
الإنسان إذا أشْرَف على الموت قد يسْخو ، ولكن هذا المال الذي ينفقُه وهو على فراش الموت له أجرٌ غير الأجر الذي ينالهُ من الله عز وجل حينما ينفقُ مالهُ وهو صحيح ، وهو قويّ ، وهو غنيّ ، وهو يخشى الفقْر ويأْمُل الغِنَى ، لذلك قال تعالى :
﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾
لهذا قال عليه الصلاة والسلام : " درهم تنفقه في حياتك خير من مئة ألف درهم ينفق بعد مماك " في حياتك وأنت صحيح شحيح ، ويقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه ابن عباس :
(( اغتنم خمساً قبل خمس : حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك ))
علامة إيمان المؤمن حُزْنه حينما لا يجدُ ما ينفق :
علامة الإيمان أنَّه إن لمْ يُتَحْ لك أن تنفق يدخُل في قلبك الحزْن ، حُزْن المؤمن حينما لا يجدُ ما ينفق هو علامة إيمانه ، يقول الله عز وجل :
﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴾
لذلك قال بعضهم : إذا أردْت أن تعرف ما إذا كنت من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة ؛ ما الذي يفرحُك أن تأخذ المال أو أن تعْطِيَهُ ؟ فإذا أفْرحَكَ أخْذ المال فأنت من أهل الدنيا ، وإن كان أفْرحَكَ إعطاءُ المال فأنت من أهل الآخرة ، لكن هناك تحفّظ قليل ، إذا فرِحْت بأخْذِ المال من أجل إنفاقه فهذا فرَحٌ مَشْروع ، إن فرحْت بِقَبْض المال من أجل أن تنفقهُ في سبيل الله ومن أجل أن تصْرفهُ في وجوه الخير فهذا فرَحٌ مَشروع .
مصارف الزكاة :
يا أيها الأخوة الأكارم ، قال تعالى :
﴿قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾
وقال تعالى :
﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾
ليس الفقير الذي تردّهُ اللّقمة واللّقمتان ، ولكنّ الفقير هو الذي لا يجدُ حاجتهُ ،
ما دام دَخْلُ هذا الإنسان أقلّ من حاجته فهذا في نصّ القرآن فقير ، والمسكين هو الذي لا حيلةَ له في كَسْب المال ، الفقير لهُ دخل ، ولكنّ دخلهُ أقلّ من إنفاقه ، وأقلّ من حاجاته الأساسيّة ، لكنّ المسكين هو الذي لا حيلة له في كسْب المال ، قد يكون عاجزًا ، وقد يكون ضعيفًا ، ولكنّ العلماء يقولون : الفقراء والمساكين إذا اجْتمعا افترقَا ، وإن تفرّقا اجتمعا ، إن ذكر الله الفقراء وحدهم فهم الفقراء والمساكين ، والمساكين شيءٌ آخر ، الفقراء يحْسبهم الجاهل أغنياء من التّعفّف ، قال تعالى :
﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾
يكفي أنْ يقِلّ دخْلهُ عن حاجاته الأساسيّة ، يكفي أن يضربَ كفًّا بكَف في منتصف الشّهر ، ماذا يفعل ؟ كيف يُسدّد بقيّة المصروف ؟ كيف يغطّي بقيّة مصروف الشّهر ؟ هذا الذي له دَخل ، وهو صحيح ، وهو ذو مظهر مقبول ، أما المساكين فهم الذين لا يجدون حيلةً في كسب المال .
والعاملين عليها ، هم الذين يعملون على جِباية الزكاة ، والمؤلّفة قلوبهم ، وحول المؤلّفة قلوبهم خلافٌ بين العلماء ، وفي الرِّقاب ، في عتْق العبيد ، والغارمين ؛ مَنْ عليه دَين لا يستطيعُ تأديَتهُ ، وفي سبيل الله ، وهناك شيءٌ آخر وهو أنّ الأقربين أوْلى بالمعروف ، وقد وجَّه بعض العلماء الأقربين أيْ قرابة النَّسَب ، وقرابة الإيمان ، وقرابة الفقْر ، أيْ الأقرب إلى الفقر ، أو الأقربُ نسبًا ، أو الأقربُ إلى الإيمان هو أولى بمعونتك ، فإذا تساوى عاملان رجَّحت بالعامل الثاني ، فإذا تساوى رجلان بِعَامِلَين رجّحْت بالعامل الثالث ، الأقرب نسبًا ، فإذا تساويَا في القرابة ، فالأقربُ إيمانًا ، فإذا تساويَا في الإيمان فالأشدّ فقْرًا ، فالأقربون أولى بالمعروف .
أيها الأخوة المؤمنون ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزَنَ عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا ، وسيتخطَّى غيرنا إلينا ، فلْنتَّخِذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنَّى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
سلبيات الإنفاق :
أيها الأخوة الأكارم ، إيجابيات الإنفاق ذكرتها في الخطبة الأولى ، أما سَلبيّات الإنفاق ، ما الذي يبطلُ الإنفاق ؟ قال تعالى :
﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
فالمنّ والأذى يُبْطلُ أجْر الإنفاق ، لقد أعْطَيْتُك ، إنّ هذا اللّحم الذي على كتِفَيك هو من خيري !! ذهب أجرك كلّه ، فالمنّ والأذى يُبطل الإنفاق . قال تعالى :
﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ﴾
بالاعتدال ، وِفْق قواعد الشّرع ، قال تعالى :
﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾
الشيءُ الذي تكرهُه لا تنفقُ فيه ، لأنّ الله لن يتقبّلهُ ، أنْفِق مِمَّا تحبّ ، ومِمّا تراه متألِّقًا في عيْنِك . قال تعالى :
﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾
تنفق ثمّ تحسّ أنَّك خسرْتَ خسارةً كبيرة بهذا الإنفاق ، تشْعر أنَّك قد دفعْتَ شيئًا ليْتَكَ لمْ تدْفعْهُ ، هذا التَّأفّف ، وهذه الحَسْرة على إنفاق المال يُبْطِلُ أجْر الإنفاق .
قال تعالى :
﴿وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾
إذا جاءهُ من هو في حاجّة ماسّة لا يُعطيه ، لأنّه إذا أعطاه بقي هذا بينه وبينه ، ولكنّه إذا كان في حَفلٍ كبير ، وظهرَتْ التبرّعات ، تجد شيئًا آخر يدفعُه إلى الإنفاق ؛ السُّمْعة وكلام الناس عنه ، لذا قال تعالى :
﴿وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾
هذا الإنفاق ليس له أجرٌ إطلاقًا . قال تعالى :
﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾
ينفق وهو كاره ، ويأتي الصلاة وهو كسول ، إنَّه منافق .
شيءٌ آخر ، قال تعالى :
﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾
قال تعالى :
﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾
الأذى والفسْق ، والنفاق ، والمراءاة ، والشيء الذي لا تحبّه ، والإسراف والتقتير ، والمنّ ، والأذى ؛ هذه كلّها تُحْبِطُ الإنفاق ، فلْيَكُن الأخ الكريم على علْمٍ بما يبْطِل نفقتهُ ، وصدقته ، زكاة ماله .
النهي عن كنز الذهب و الفضة :
شيءٌ آخر ، هؤلاء الذين يكنزون الذّهب والفضّة ، قال تعالى :
﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾
العلماء قالوا : أيُّ مبلغٍ من المال بلغَ النِّصاب ولم وتنفق منه فهو كنزٌ ، وتنطبقُ على صاحبهِ هذه الآية ، وأيّ مبلغٍ مهما كان كبيرًا ، ولو كان المبلغُ فلكيًّا ، إذا أُدِّيَت زكاته فليس بِكَنز ، المال الذي تؤدَّى زكاته ليس بِكَنز مهما كان كثيرًا ، والمال الذي لا تُؤدَّى زكاتهُ هو كنزٌ مهما كان قليلاً هذه واحدة .
النهي عن اتخاذ الإنفاق وسيلة للضّغط على المؤمنين لأن هذا سُلوك الكفار :
أحيانًا بعض الناس يقولون : ما لي وللإنفاق ؟ هذا الفقير له ربّ يتولى أمره ، لسْتُ أرْحَم به من الله عز وجل !! لو شاء الله لأعطاهُ !! هو ربّ الجميع ، ولا يكفي العباد إلا ربّ العباد ، يتفلْسَفُ !! هذا الإنسان تنطبقُ عليه الآية الكريمة ، قال تعالى :
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
آيةٌ واضحة تمامًا ، إذا انْطَلَقْت في التفكير من هذه الفِكرة ، وهي أنّ الله عز وجل هو ربّ العباد ، ولا يكفي العباد إلا ربّهم ، وما لي وللإنفاق ، له ربّ ولا ينسى أحدًا !! هذا الكلام يلتقي مع كلام الكفار ، الانطلاق من هذا المنطلق يُشبهُ انطلاق الكفار في مبدئهم ، وهؤلاء الذين إن رأى ابنهُ استقام على أمر الله ، وغضّ بصرهُ ، والْتَزَمَ أوامر الله عز وجل ورفضَ أن يكون على شاكلته في الانحراف والفِسْق والفُجور يمْنَعُهُ المال ، قال تعالى :
﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا﴾
أي يتَّخذ عدم الإنفاق تَضْييقًا على المؤمن ، لعلّه يدعُ إيمانه ، لعلّه يدعُ سيرته الحميدة ، لعلّه يدعُ المؤمنين ، وينْضمّ إلى الكفار ، هذا الذي يتَّخذ عدم الإنفاق وسيلةً للضّغط على المؤمنين ، ربّما وقفَ هذا المنفق ذليلاً فقيرًا معدومًا أمام هذا الذي حرمهُ ، لا تتَّخذ عدم الإنفاق وسيلة للضّغط على المؤمنين ، فهذا سُلوك الكفار . ويقول الله عز وجل وكأنّه يَعْجَب:
﴿وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ﴾
ماذا تخْسر لو أنفقتَ مِمَّا أعطاك الله جزءاً لرِعايَة الأيتام والفقراء والمساكين ؟
الإنفاق في سبيل الشيطان :
نحن بدأنا بالموضوعات السلبيّة بالترتيب التالي ، هناك أشياء تبطِلُ الإنفاق ، هناك من يمْتنِعُ عن الإنفاق ، ينْفق ويؤذي ، فالإنفاق باطل ، إلا أنّ الأخْطَر من هذا كلّه أن تنفقَ المال في سبيل الشيطان ، قال تعالى :
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ﴾
قال تعالى :
﴿مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾
أيْ إن لمْ تنفق ، أو أنْفقْتَ في سبيل الشيطان ربّما دُمِّرَ المال كلّه .
الإنفاق في سبيل الله طاعة له :
أيها الأخوة الأكارم ، النبي عليه الصلاة والسلام بادئ ذي بدء كان يُوَزِّعُ لحْمَ شاة على الفقراء ، ولم يبق من لحم الشاة إلا كتفها ، فَخَشِيَت السيّدة عائشة أن يعطي هذا الكتف ، ويصبحَ بيتُ رسول الله بلا لحْم ، فقالت : يا رسول الله لمْ يبْقَ إلا كتفها ؟! فأجاب النبي إجابةً هي دُستور ، قال : يا عائشة ! بل بقِيَت كلّها إلا كتفها . وسيّدنا عمر قياسًا على هذا أمْسكَ تفّاحةً ، وخاطبَ نفسهُ ، فقال : أكلْتُها ذهبَتْ ، أطْعمتها بقيَتْ .
شيءٌ آخر هو أنّ النبي عليه الصلاة والسلام يقول فيما رواه مسلم عن مطرف عن أبيه قال :
((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ "ألهاكم التكاثر" قال : يقول ابن آدم : مالي مالي! وهل لك يا بن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ؟ أو لبست فأبليت ؟ أو تصدقت فأمضيت ؟))
كلّ إنسان يأكل ويشرب ، وعنده سلّة مهملات ، وبقايا الطعام والشراب ، القشور ، إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت . وما سِوى ذلك تُحاسب عليه ولا تنتفعُ به ، لذلك روح الميّت تُرَفْرفُ فوق النّعش ، وتُخاطب أهله ، يقول : يا أهلي ، يا ولدي ، لا تلْعبنّ بكم الدنيا كما لعبَتْ بي ، جمعْتُ المال ممّا حلّ وحرم ، فأنفقْتُهُ في حِلِّه ، وفي غير حِلِّه ، فالهناء لكم ، والتَّبِعَة لي .
أنْدَمُ الناس رجلٌ دخل ورثتُه الجنّة بِماله ، ترك لهم مالاً عريضًا فأنفقوه في طاعة الله فدخلوا به الجنّة ، ودخل هو بِمَاله النار ، كسبَهُ من حرام ، أهلكُ الناس رجلٌ تركَ أهلهُ بِخَير، وترك لهم مالاً وفيرًا ، وقدِمَ على الله بِشَرّ ، والذي تعرفونه أيضًا ما ورد في بعض الآثار أنّ الله عز وجل يخاطب رجلين يوم القيامة ، يقول لأحدهما : " عبدي أعطيْتُكَ مالاً فماذا صنعْتَ فيه ؟ يقول : ربّ لمْ أنفق منه شيئًا مخافة الفقر على أولادي من بعدي ، فيقول الله عز وجل : ألَمْ تعلم أنِّي أنا الرزاق ذو القوّة المتين ، إنّ الذي خشيتهُ على أولادك من بعدك قد أنْزلْتُهُ بهم ، أصبحوا فقراء لا كما توقَّعْتَ ، ويقول للرجل الآخر : عبدي أعطيْتُكَ مالاً فماذا صنعْتَ فيه ؟ يقول : يا ربّ أنفقْتُهُ على كلّ محتاجٍ ومسكين لثِقَتي أنّك خيرٌ حافظًا وأنت أرحمُ الراحمين، فيقول الله عز وجل : أنا الحافظ لأولادك من بعدك" .
وسيّدنا ابن عوف كما تعلمون ، قالتْ مرَّةً السيّدة عائشة ؛ وقد نقِلَ له هذا الكلام : أخْشى أن يؤخِّرَه مالهُ عن اللّحوق بأصحابه !
أيْ أنّ السيّدة عائشة تخشى أن يدخل عبد الرحمن بن عوف الجنّة حبْوًا أي زحفًا ، فلمّا بلغهُ هذا قال : والله لأدخلنّها خببًا ، أيْ هرْوَلةً ، وماذا أصْنَعُ إذا كنتُ أنفقُ مئةً في الصباح فيُؤتيني الله ألفًا في المساء ؟ عبدي أنفق أُنْفِق عليك ، أنْفِقْ بلالاً ولا تخش من ذي العرش إقلالاً .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .