- الخطب
- /
- ٠3الخطب الإذاعية
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين... يا رب أنت غنى كل فقير، وعز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فحاشا يا رب أن نفتقر في غناك، وأن نضل في هداك، وأن نذل في عزك، وأن نضام في سلطانك.
الحمد لله الذي كتب البلاء على عباده المؤمنين، أحمده سبحانه إذ جعل أشد الناس بلاء الأنبياء والمرسلين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وعد الصابرين أفضل ما أعده لعباده المتقين.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، خيرته من خلقه، قدوة الصابرين، وإمام الشاكرين.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين.
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات، إلى جنات القربات.
مقدمة
نحن المسلمين في أمس الحاجة إلى إيجاد مدخل جديد للتنمية الأخلاقية، يقوم على منح بعض الثوابت الأخلاقية الإسلامية معاني جديدة أو اهتمامات خاصة ببعض مدلولاتها، بغية التخفيف من وطأة التخلُّف الذي يجتاح حياة المسلمين، فالتقوى في حياتنا المعاصرة بحاجة إلى إثراء مفرداتها كي تتناول بعض الفروض الحضارية، مثل: الإسراع إلى العمل، وإتقان العمل، وتطوير العمل، والمحافظة على الوقت، وحسـن إدارة الوقت، والعمل المؤسساتي، وترسيخ مفهوم فريق العمل، والالتزام بالمواعيد، وحسن التصرّف بالإمكانات المتاحة، وترشيد الاستهلاك، والتعاون، والانتماء للمجموع... ومن المستجدات قضايا المرور التي أصبحت خسائرها البشرية والمادية تفوق أية خسائر أخرى، في جميع أنحاء العالم، وكل هذه القيم والقضايا المعاصرة لها أصول ثابتة في القرآن والسنة، لأن الله حينما قال:
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾
هذا الدين العظيم تام عدداً وكامل نوعاً.
ويمكن من خلال التربية المركزة أن نجعل المواطن يشعر بحلاوة الإيمان، وحلاوة الالتزام من خلال القيام بهذه الأعمال، وتنفيذ تلك التوجيهات التي تقتضيها طبيعة العصر، كما يشعر تماماً عندما يضع صَدَقة في يد فقير، أو عندما يقوم الليل ليصلي والناس نيام!.
والإنسان المتديّن الذي فهم الإسلام عبادة شعائرية ليس غير.. صلاة وصياما وذكرا وتسبيحا ينبغي أن يكون حريصاً على هذه العبادة، ولكنه ينبغي أن يفهم أن هناك فروضاً حضارية ومستجدة أساسية تعد محورية في أخلاق المسلم، وهي مستندة إلى أصول ثابتة في ديننا الحنيف، وأن الإسلام دين الفطرة، وأن الشريعة مصلحة كلها.
وبمناسبة يوم المرور العالمي، ومع توسع المواطنين في اقتناء المركبات في بلدنا الطيب، وضيق الطرقات بل والتقصير في تطويرها، فسوف نسقط كثيراً من النصوص الدينية الثابتة والصحيحة على واقع بلدنا المروري لأن الإسلام هو الحياة ففي توجيهاته حل حاسم لمشكلاتنا المتنوعة وما أكثرها، فمنهجه شمولي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، فآداب المرور من صلب السلوك الإسلامي.
ولعل أعمق وأسبق فهم ووعي مروري في التاريخ الإسلامي نقل عن سيدنا عمر رضي الله عنه:
والله لو تعثرت بغلة في العراق ـ هو في المدينة ـ لحاسبني الله عنها لم لم تصلح لها الطريق يا عمر.
وبناء على هذا كان الله بعون المسؤولين عن الطرقات ومنظمي المرور.
إنّ حوادث المرور ليست قدراً محتوماً ـ كما يتوهم بعضهم ـ لابد من وقوع، هذا تصور مرفوض في الفكر الديني، وفي العقيدة الإسلامية الصحيحة، فلابد من حركة وقائية استباقية.
حجم المشكلة
الحوادث على الطرق هي ثاني أهم أسباب وفيات ـ فلذات أكبادنا ـ الأحداث والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين خمسة أعوام وتسعة وعشرين عاماً في جميع أنحاء العالم، وثالث أهم أسباب وفيات أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والأربعة والأربعين عاماً. وتتسبب حوادث المرور في مقتل مليون ونصف المليون من البشر سنويا وفي إصابة أو عجز ما يناهز خمسين مليون شخص آخرين، ومعدل الوفيات في العالم ثلاثة آلاف ومئتان وأربعون شخصاً في اليوم الواحد، معظمهم من البالغين، وتشير التقديرات إلى أن عدد الوفيات الناجمة عن حوادث المرور سيرتفع بنسبة ثمانين بالمئة في البلدان النامية ونحن منها بحلول عام ألفين وعشرين وذلك ما لم تتخذ إجراءات فورية من أجل تحسين السلامة على الطرق.
وإلى جانب المعاناة التي تسببها الإصابات الناجمة عن حوادث المرور، فإن التكلفة المترتبة عليها تقدر بنحو خمسمئة وثمانية عشر ملياراً من الدولارات سنويا على المستوى العالمي، نصيب الدول الفقيرة منها مئة مليار دولار وهذا يزيد عن كل المساعدات الممنوحة لها.
هذه إحصاءات دقيقة مستمدة من تقرير منظمة الصحة العالمية.
ولقد بلغ عدد حوادث المرور في العالم العربي خلال عام ألفين فقط نصف مليون حادث أسفرت عن مقتل إثنين وستين ألف إنسان.
أما في بلدنا سورية فتشير التقارير إلى أن ضحايا حوادث المرور قتيل كل أربع ساعات على مدى العام، وستة وثلاثون جريحاً يومياً، وقد ارتفعت نسبة وفيات الحوادث المرورية في سورية إلى الضعف ما بين عام ألفين وواحد، وعام ألفين وستة.
والغالبية العظمى من تلك الوفيات والإصابات في البلدان ذات الدخل المنخفض وسجلت أكبر المعدلات في إفريقيا والشرق الأوسط، ومعظم الوفيات من الشباب الذين تقل أعمارهم عن خمسة وعشرين عاماً، وأن عدد ضحايا حوادث الطرق قد يفوق ضحايا فيروس الإيدز أو الجلطة الدماغية، ففي أمريكا مثلاً يموت كل عام ثلاثة وأربعون ألف شخص في حوادث الطرق، أي أن عدد الذين يموتون كل أربعة وعشرين يوماً هناك يعادل عدد الذين قتلوا في هجمات الحادي عشر من أيلول، والتي قامت بعدها الدنيا ولم تقعد.
والكثيرون الذين يذهبون ضحايا حوادث الطرق.. يموتون ويتركون وراءهم المعاناة والألم لأسرهم وأقربائهم، والثكالى واليتامى، أو يصابون بعاهات قلبت حياتهم إلى جحيم لا يطاق، وحياة من يلوذ بهم إلى مآسٍٍ وأحزان، هذه حقائق مرة ولكنها أفضل ألف مرة من الوهم المريح.
سبل العلاج
ولتقليل حجم الخسائر البشرية دعت منظمة الصحة العالمية إلى توجيه اهتمام خاص لخمسة من عوامل الخطر المحددة وهي: أحزمة الأمان، ومقاعد السلامة الخاصة بالأطفال، والتي يستهان بها في الوطن العربي، والكحول، والخوذ لمستخدمي الدراجات، والسرعة المفرطة وغير الملائمة، والهياكل الأساسية للمركبات والدراجات، واستخدام الضوء النهاري.
ولعل تجنب الخمرة التي حرمها الله والتي وصفها النبي الكريم بأنها أم الخبائث من الأسباب المهمة لتقليل نسبة الحوادث، وتوجيه السائقين إلى تفادي الأمور التالية: السرعة، الإهمال، وعدم الانتباه، قيادة المركبة برعونة وطيش، عدم تطبيق القواعد المرورية، عدم توافر شروط المتانة والأمان في المركبة، القيادة في المناطق الوعرة، أجواء الأمطار والثلوج والضباب والغبار، وكذلك أهمية الإرشادات حول عبور المشاة للطرق بشكل آمن.
وهناك اقتراح وهو أن تضع الدول خططاً لتقريب المسافة بين المواطن وعمله أو مدرسته، وجمع ساعات الدوام للموظفين في فترة واحدة، ومن باب الاقتراحات الواجب دراستها، ابتكار آلية تعمل على توقيف عمل الهواتف المحمولة طوال فترة تشغيل محرك السيارة.
وبحسب منظمة الصحة فإن أحزمة المقاعد إذا استخدمت بالطريقة الصحيحة تقلل الموت في الحوادث بنسبة 61%، فيما يقلل استخدام مقاعد السلامة للأطفال الموت بنسبة 35%، كما أن ارتداء "خوذة الرأس" عند قيادة الدرجات الهوائية والبخارية يقلل الموت أو إصابات الدماغ الخطيرة بنسبة 45%، فيما أن تقليل السرعة بمقدار كيلومتر واحد يقلل عدد الحوادث بنسبة 2%..
والآن إلى التوجيهات الدينية التي وردت في ديننا العظيم.
لا تطلق لمركبتك العنان
يرى الفقهاء أن الإنسان المسلم ينبغي أن يتمتع بصفتين؛ الضبط والعدالة، الأولى صفة عقلية، والثانية صفة نفسية أخلاقية، والعدالة تسقط، في حالات كثيرة؛ منها ما ورد في الحديث الشريف:
(( من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته، وحرمت غيبته))
فالظلم والكذب والإخلاف يسقط العدالة، أما السلوكيات التي تجرح العدالة فهي كثيرة منها من أطلق لفرسه العنان، ويقاس على إطلاق العنان إلى الفرس ـ اليوم ـ السرعة الزائدة، فأطول مدة يمكن أن توفرها في أكبر مسافة في سورية عن طريق السرعة الزائدة هي نصف ساعة، وأطول مدة يمكن أن توفرها في أطول مسافة في المدينة هي خمس دقائق، وفي هذه النصف ساعة، وتلك الخمس دقائق يقتل فيها في كل عام ألفان وسبعمئة وستة وخمسون مواطناً، ويجرح خمسة عشر ألفاً وستمئة وثمانية وستون مواطناً، جراح معظمهم خطيرة، وقد قال الله عز وجل:
﴿مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ﴾
وقال تعالى:
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا... وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً، وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ﴾
إطلاق العنان للمركبة كي تسير بسرعة هذا حكمها الشرعي؛ جرح عدالة الإنسان، فقد بعض حقوقه المدنية.
لا ترفعوا أصواتكم
ومن السلوكيات الخاطئة في الشارع تلك الأصوات المزعجة لأبواق السيارات التي يتفاخر بها أصحابها، فتجد صاحب المركبة يقف أسفل البيت، وينادي زوجته ببوق مركبته من في الطابق العلوي، بدلا من أن يصعد إليه، يريح نفسه ويتعب الآخرين باستخدام آلة التنبيه... فيأتي الإسلام ويرد للشارع آدابه المفقودة. يقول الله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * ﴾
وينبغي أن نفهم الآية على نحو موسع، نعم.. إن الآية تتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنها تنظم وتهذب سلوكيات الناس في الطريق، إن من حق الناس عليك ألا تزعجهم فمنهم النائم... ومنهم الطالب الذي يدرس... ومنهم المريض... ومنهم الذي يصلي... واعلم أن الشارع ليس ملكك وحدك. وإذا كنت تقود مركبة عامة صغيرة أو كبيرة، فلا تسمع الركاب من خلال المسجلة ما لا يقبل عند كل الناس، فصوت المسجلة ليس ملكك وحدك.
افسحوا يفسح الله لكم
ومن السلوكيات الخاطئة في الطريق.. أنك تجد سائق السيارة لا يسمح للسيارة التي خلفه أن تتجاوزه.. وإذا سألته ما السبب لم يجب، والأدهى من ذلك أن هذا التصرف أصبح عملاً لا شعورياً من كثرة ما تعوّد عليه السائقون ولكن الإسلام يعلمك السلوك الصحيح في هذه المواقف، يقول الله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ﴾
ومرة ثانية ينبغي أن نفهم الآية بمعناها الواسع، افسحوا ليس في المجالس فقط، ولكن في الطرق.. افسحوا يفسح الله لكم.. ومن السلوك الشاذ أنك تضيّق الطريق على الناس، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " ثلاث يصفينّ لك ود أخيك “.. منها “ وأن تفسح له في المجلس “ويقاس عليها أن تفسح له في الطريق.
إماطة الأذى عن الطريق صدقة
هل من السلوك السوي إلقاء الفوارغ والمخلفات من نافدة السيارة في الشارع ؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(( إماطة الأذى عن الطريق صدقة))
فما بالنا بمن يلقي الأذى في الطريق.. !! يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(( الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ))
ومعنى ذلك أن إماطة الأذى عن الطريق جزء من الإيمان، فكيف بالذي يلقي الأذى في الطريق.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث رواه البخاري ومسلم:
((إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ))
آداب الجلوس والمرور في الطرقات
الطرقات هي بمثابة شرايين الجسم تنبض فيها الروح، فكيف إذا تفشى في هذه الشرايين داء ? فالسرعة هي الداء العضال، هي الداء الذي لا يستهان به، السرعة تحصد المئات لا بل الآلاف من الأرواح البريئة سنوياً، ويكاد عدد ضحاياه يتجاوز أعداد ضحايا الحروب والأمراض بين البشر مجتمعة.
فالسيارة أداة قتل خطيرة، وفي الوقت نفسه هي وسيلة نقل رائعة، إذن لابد من استعمالها الاستعمال الرشيد، حيث يستعملها بعض الناس بصورة تهدد بها أرواح الآخرين، فكثرت الحوادث بصورة خطيرة، وأصبح المصابون بها ما بين كسير وجريح ومقتول، ثم يترتب على هذه الحوادث خسائر مادية ومعنوية ومعاناة أسرية واجتماعية، وعلينا أن نفهم أن الطرقات وجدت لمصلحة البشر، ولتقريب المسافات، وتسهيل التواصل بين الناس، وقوانين السير في مجمل بلدان العال، وضعت لتنظم استعمال هذه الطرقات، وذلك ليس عبثا، إنما لدفع الأخطار عن سالكيها وتجنيبهم شر حوادثها، إن كل ما صنعه الإنسان لرفاهيته وتقدمه، يوجب المحافظة عليه بحسن استعماله، لأنه إذا أخطأنا أوأسأنا استخدام الطرقات فسيكون الطريق سلاحا ذا حدين ويشكل بالتالي خطرا محدقا على حياتنا يمكننا تفاديه بالانتباه والتروي واليقظة والوقاية. فالتقيد بأنظمة السير جزء من الدين لأنه يحقق بعضاً من مقاصده، الشريعة مصلحة كلها.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(( إياكم والجلوس بالطرقات، فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه: غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ))
وهذا الحديث الشريف الذي رواه البخاري ومسلم ينسحب على من يمشي في الطريق، وعلى من يقود مركبته في الطريق.. الإسلام يضع لنا منهجا.. فيا أيها المؤمن طبق هذا المنهج في جلوسك في الطريق، وفي سيرك فيه ماشياً، وفي قيادة مركبتك فيه.
الحركة الرفيقة
هناك من الناس صنف لا يراعي الآداب العامة، فتجده بعدما يدخل مكاناً.. سواء كان بيتا أو مصعدا، أو سيارة.. يغلق الباب بشدة، فتارة يكسر الزجاج، وتارة يفزع الناس..
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(( ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه ))
أيها الأخ المواطن، أيها الأخ المؤمن، بالله عليك.. لم لا تجعل من هذا الحديث منهجاً لك في حياتك، فهو طريقك إلى السلوك اللطيف، فالمؤمن يتخلق بالكمال الإلهي، ومن أسماء الله الحسنى أنه لطيف.
الهاتف المحمول
يؤكد خبراء الصحة العالمية أن استعمال السائقين للمحمول أثناء القيادة، حتى ولو كان عن طريق سماعات الأذن، يضاعف احتمالات وقوع الحوادث أربعة أضعاف مقارنة بمن لا يستخدمه أثناء القيادة.. أي بنسبة400 %
وحينما يستخدم السائق الهاتف المحمول في أثناء القيادة يمكن أن يسبب حادثاً مروعاً، أو يزهق نفساً بريئة، ويمكن أن يمضي بقية عمره على كرسي متحرك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( من بات على سطح ليس بمحجور، فقد برئت منه الذمة، ومن رمى بليل، فقد برئت منه الذمة، ومن ركب البحر في ارتجاجه، فقد برئت منه الذمة ))
ويقاس على ذلك استخدام المحمول في القيادة.
عدم إيذاء المواطنين في طرقاتهم
والأحاديث المروية حول نفس المعنى في إماطة الأذى عن الطريق ـ سواء كانت قاذورات، أو عوائق نباتية، أو مادية مثل الحجر وغيره، ومن المستجدات كالسيارات ـ كثيرة منها الأحاديث التالية:
ويميط الأذى عن الطريق صدقة.
بينما الرجل يمشي بطريق وجد غصن شوك فأخره فشكر الله له فغفر له.
لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين.
ويقاس على ذلك:
المرور بطريق ممنوع، والطلب من الآخرين الرجوع.
الوقوف بمنتصف الطريق لشراء سلعة، أو قضاء حاجة.
الوقوف في رتل ثان بحيث يحبس السائق سيارة، ويضيق طريقاً.
الوقوف المتقدم على الإشارة بحيث لا يراها فيعيق مرور المشاة، ويعرقل سير المركبات.
وهناك مئات الحالات تحمل على هذه الأحاديث.
أيها الإخوة المؤمنون؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيِّس مَن دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
والحمد لله رب العالمين
***
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، واشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
في الخطبة الأولى أسقطت مضامين كثيرة من النصوص الدينية على واقعنا المروري لأنها تحتمل ذلك، فالعبرة في النصوص التشريعية بعموم القصد لا بخصوص السبب، وسوف أعكس الآية في الخطبة الثانية، فأسقط ظاهرة مرورية متكررة على أخطر قضية في الدين ألا وهي الاستقامة على أمر الله، مواطن يقود مركبته ووصل بها إلى تقاطع طريقين، والإشارة المرورية حمراء، وشرطي المرور واقف يراقب المركبات، وشرطي آخر على دراجة نارية لملاحقة المخالفين، وضابط مروري في سيارته ليمنع التواطؤ بين طرفين، وسائق المركبة مواطن من الدرجة الثانية لا يستطيع إيقاف ولا إلغاء العقوبة إذا خالف قوانين السير، ذلك لأن علم واضع قانون السير يطوله من خلال الشرطي الذي يراقب المركبات، وقدرة واضع قانون السير تطوله من خلال شرطي الدراجة، والضابط يمنع التواطؤ... في مثل هذه الحالة لا يمكن لهذا المواطن أن يخالف الإشارة الحمراء أو أن يتجاوزها، لأن علم واضع القانون يطوله بعلمه ويطوله بقدرته، بينما ـ وأنا لا أقر ذلك ـ يمكن لهذا المواطن أن يتجاوز الإشارة الحمراء بعد منتصف الليل، لأن علم واضع قانون السير لا يطوله، ويمكن لهذا المواطن أن يتجاوز الإشارة الحمراء في وضح النهار إذا كان أقوى من واضع القانون، لأن قدرة واضع القانون عندئذ لا تطوله.
ماذا نستنبط... أنت كإنسان لا يمكن أن تخالف قانوناً وضعه بشر إذا كنت موقناً أن علم واضع القانون يطولك، وأن قدرته تطولك.
والآن إلى الآية الكريمة:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
في الآية ملمحان؛ الأول أن علة خلق السماوات والأرض أن نعلم، وقبل أن نتساءل ما الذي ينبغي أن نتعلمه، نشير إلى أن الله جـل جـلاله أودع في الإنسان قوة إدراكية، وأن طلب العلم هو الحاجة العليا في الإنسان، ولكن ما الذي ينبغي أن نعلم من أجل أن نستقيم على أمر الله؟ ينبغي أن نعلم أن الله عليم وقدير؛ لقد اختار الله من بين أسمائه الحسنى التسعة والتسعين اسم القدير، واسم العليم، أي حينما يوقن الإنسان أن علم الله يطوله، وأن قدرته تطوله، عندئذ يستقيم على أمره، ولا يمكن أن يعصيه، هي كلمات ثلاث؛ الله يعلم وسيحاسب وسيعاقب، ورأس الحكمة مخافة الله، وإذا استقام على أمره سلم وسعد في الدنيا والآخرة، وعندئذ يكون قد حقق الهدف من وجوده، قال تعالى: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً.
ليس هناك مِن مرحلةٍ في تاريخِ أمِّتنا نحنُ في أَمَسِّ الحاجةِ فيها إلى التعاونِ والتكاتفِ والتناصرِ والتضامنِ كهذه المرحلة الدقيقة التي تمرُّ بها أمّتُنا العربيةُ والإسلاميةُ، ولاسيما في ظلِّ النظامِ العالميِّ الجديدِ، وفي ظلّ غيابِ التوازن الدوليِّ، وتحَكُّمِ القُطبِ الواحد، وازدواجيةِ المعايير، وسيطرةِ الاحتكاراتِ الكبرى، والتطوراتِ الهائلةِ في وسائل الاتصالاتِ والمعلوماتيةِ، وازديادِ الهُوِّةِ بين الدول الغنية المتقدِّمة والدول الفقيرة النامية، وانفجارِ الحروبِ الإقليميةِ والمحليةِ، والصراعاتِ القبليةِ والدينيةِ والعِرْقيةِ في مناطق متعددة من العالم... إضافة إلى نهجِ العَولمة الثقافيةِ والاقتصاديةِ.