مقدمة :

الدكتور بلال:
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على سيد الكائنات، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
 أخوتي أخواتي أينما كنتم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحن معاً في حلقة جديدة من برنامجنا: "ويتفكرون"، نبحر فيها مع آيات الله عز وجل في الكون، وفي الآفاق، وفي الأنفس، نستضيف في هذه الحلقات المباركة فضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور راتب :
 عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الدكتور بلال:
 أستاذنا الفاضل التفكر بنعم الله عز وجل من أعظم أنواع العبادة كما ورد عن بعض السلف، واليوم سيدي نتفكر بنعمتين من نعم الله، نبدأ بالنعمة الأولى وهي نعمة العين، قال تعالى:

﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ* وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ﴾

[سورة البلد: 8-9]

نبدأ سيدي بالإشارة لماذا قال عينين؟ لماذا هما عينان؟

الحكمة من خلق عينين للإنسان :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 الإنسان بعين واحدة يرى بعدين؛ يرى الطول والعرض فقط، أما بالعين الثانية فيرى الأبعاد الثلاثة، ارسم مربعاً وارسم بداخله مربعاً آخر منحرفاً عنه قليلاً ثم صل بين الزوايا الأربع تحصل على شكل يشبه الكعبة، فبالعينين يوجد بعد ثالث، بعين واحدة طول وعرض، بعينين بعد ثالث العمق، أنت ترى الشيء بعين واحدة، أما المسافة بينك وبينه فأنا ضربت مثلاً؛ أمسك إبرة وخيطاً وأغمض إحدى العينين ثم حاول أن تدخل الخيط في الإبرة، ترى بينهما عشرة سنتمتر، أما بالعينين فيأتي مكانه، فالبعد الثالث مهم جداً، أنت راكب مركبتك يوجد مسافة أمامك تكشف هذه المسافة العين الثانية، من تفاضل وصول النور إلى العينين هذا التفاضل يسبب البعد الثالث وهو العمق.
الدكتور بلال:
 أستاذنا الفاضل لو تابعنا في هذه الآية الكونية المذهلة العين، سيدي ترى الأشياء بأحجامها الحقيقية بخلاف المصورات.

رؤية العين الأشياء بأحجامها الحقيقية :

الدكتور راتب :
 والله هذا السؤال ليس له جواب كيف نرى الشيء بحجمه الحقيقي؟ انظر إلى جبل قاسيون في الشام تراه كاملاً بحجمه الحقيقي، صوره على آلة تصوير ثمانية سنتمتر بثلاثة سنتمتر مهما كبرتها، هذه من الحقائق التي لم تكشف حتى الآن، كيف نتمتع بأن نرى الأشياء بحجمها الحقيقي؟
الدكتور بلال:
 أستاذنا الفاضل أيضاً في الألوان، الدقة أحياناً في تميز اللون؟

تمييز العين السليمة بين الألوان :

الدكتور راتب :
 قالوا: إن اللون الأخضر لو درجناه ثمانمئة ألف درجة، العين السليمة تدرك الفرق بين درجتين، أذكر مرة أني اختلفت مع نجار بموازاة المسكة بطرف الباب، قال: لا، بالضبط، فجاء بالمتر بالضبط نفس المسافة، لما أصررت، أحضر البيكار ووضعه في مكان وقفله فظهر أن هناك فرقاً تقريباً واحد من عشرين من المليمتر.
الدكتور بلال:
 هذه العين السليمة ميزت، أستاذنا الفاضل أيضاً الشبكية تلتقط الصور.

التقاط الصور بالشبكية :

الدكتور راتب :
 مساحتها مليمتر وثلاثة أعشار، فيها مليون وثلاثمئة ألف مستقبل ضوئي، بأضخم آلة تصوير احترافية فيها بالمليمتر المربع عشرة آلاف مستقبل ضوئي، وثمنها بالملايين، من أجل الرؤية الدقيقة جداً لو درجنا اللون الأخضر أو أي لون آخر ثمانمئة ألف درجة العين السليمة تفرق بين درجتين، لهذا قال تعالى:

﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴾

[ سورة البلد: 8 ]

الدكتور بلال:
 يعاتبنا جلّ جلاله، أيضاً سيدي القرنية.

القرنية و القزحية من آيات الله الدالة على عظمته :

الدكتور راتب :
 أي شيء بالجسم من دون استثناء يتغذى بالشعريات، لو أن القرنية تتغذى بالشعريات لرأينا ضمن شبكة دائماً، إلا هذه الطبقة القرنية الأولى يأتي الغذاء إلى أول خلية، تأخذ الخلية غذاءها وغذاء جارتها، وينتقل عبر الحلول كي تكون الرؤية صافية، وإلا نحن أمام شبكة أوعية دموية، والماء بالعين يتجمد بدرجة صفر، هذا شيء طبيعي، لو شخص ذهب إلى شمال الأرض فنلندا مثلاً، الحرارة هناك تقدر بستين تحت الصفر، يجب أن يتجمد ماء العين ويفقد البصر، يوجد بماء العين مادة مضادة للتجمد، صنعة من؟ حكمة من؟ علم من؟ رحمة من؟
الدكتور بلال:
 أستاذنا الفاضل أيضاً من طبقات العين، نحن فقط نأخذ نتفاً كما يقال، القزحية وفيها الحدقة، كيف تنقبض؟الدكتور راتب :
 أنا لا أفهم القزحية؛ الضوء الشديد يجعلها تضيق، والخفيف يجعلها تتسع، إذا الإنسان انتقل فجأة من مكان منير إلى مكان مظلم لا يرى شيئاً، إلى أن تستعيد العين قدرتها على توسيع القزحية، توسع الحدقة بالضوء، تضيق بالظلام، تتسع آلياً.
الدكتور بلال:
 أستاذنا الفاضل قال تعالى:

﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ* وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ﴾

[سورة البلد: 8-9]

 أيضاً اللسان ينطق الحروف..

إعجاز الله عز وجل في اللسان :

الدكتور راتب :
 الحرف الواحد يحتاج تقريباً إلى أربع وعشرين عضلة، إذا كلمة من خمسة حروف، وجملة من عشر كلمات.الدكتور بلال:
 كم عضلة استخدمنا منذ بداية اللقاء؟
الدكتور راتب :
 ومحاضرة ساعة، شيء لا يصدق، الحقيقة الإنسان أكبر آية دالة على عظمة الله عز وجل، قال تعالى:

﴿ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾

[ سورة الذاريات: 21 ]

 والله لا أبالغ لو أمضينا كل أعمارنا في التدقيق في إعجاز الله في خلق الإنسان ما انتهينا.
الدكتور بلال:

﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾

[ سورة البلد: 10 ]

 ماذا تقول في النجدين؟ بعضهم قال: طريق الخير والشر..

النجدان آية من آيات الله الدالة على عظمته :

الدكتور راتب :
 هناك تفاسير كثيرة، أنا أرى أن أوجه تفسير الثديان.
الدكتور بلال:
 هذا تفسير ابن عباس..
الدكتور راتب :
 هذا الحليب يأتي معقماً، ساخناً في الشتاء، بارداً في الصيف، فيه كل حاجات الطفل، هذا الحليب يتبدل كل فترة بسيطة بحسب نمو الطفل، من غير الممكن أن يكون هناك إرضاع صناعي يقترب من الإرضاع الطبيعي، حتى أنه يوجد بحث علمي عن أن الإرضاع الطبيعي له علاقة بالذكاء، فالذي لا يرضع من ثدي أمه مستوى ذكائه أقل..
الدكتور بلال:
 أستاذنا الفاضل وأيضاً الطفل الصغير كيف منذ ولادته يرضع فوراً؟
الدكتور راتب :
 أنا أقول لك كلمة دقيقة: نحن في حياتنا النفسية أو الجسمية عندنا منعكسات، الإنسان حينما يكون أحد إلى جانبه معه دخينة مشتعلة تمس يده هذا ليس خاضعاً للدماغ إطلاقاً، منعكس شرطي، يأخذ الأمر من النخاع الشوكي، أما آلية المص فمعقدة جداً، الآن ولد يضع شفتيه على حلمة ثدي أمه، ويحكم الإغلاق، ويسحب الحليب، انظر عملية معقدة، يضع شفتيه على حلمة ثدي أمه، ويحكم الإغلاق، ويسحب الحليب، هذا منعكس.الدكتور بلال:
 قال تعالى:

﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً ﴾

[سورة النحل: 78]

الدكتور راتب :
 من آيات الله الدالة على عظمته.
الدكتور بلال:
 أستاذنا الفاضل تحدثنا عن العينين واللسان والشفتين والنجدين، نختم بالحديث عن الأذنين، أيضاً للإنسان أذنان، لماذا يوجد للإنسان أذنان؟

الحكمة من خلق أذنين للإنسان :

الدكتور راتب :
 يمشي بالطريق، وراءه سيارة على يمينه أطلقت بوقها، البوق يصل إلى الأذن الأولى قبل الأذن الثانية، الصوت وصل إلى الأذن اليمين قبل اليسار، التفاضل واحد على ألف وستمئة وعشرين جزءاً من الثانية، بهذا التفاضل يعلم أن السيارة من على اليمين يتجه نحو اليسار، إعجاز بالخلق مذهل، أنا أقسم بالله لو أمضينا كل أعمارنا في التفكر بخلق الإنسان لا ننتهي، والإنسان من آيات الله الدالة على عظمته.
الدكتور بلال:
 أذكر مرة - أفيد المشاهدين بما سمعته منكم – أن كتاب علم الأحياء في مرحلة دراسية معينة كان باعثاً لكم على معرفة الله.
الدكتور راتب :
 كان ثمانمئة صفحة بالشهادة الثانوية، والله أنا أقرأ وأبكي، شيء لا يصدق، عندنا تعظيم شمولي، وتعظيم موضعي، التعظيم الموضعي قوي جداً، الشمولي الله عظيم، لكن هذه الكلمة لها معان واسعة جداً وعمومية، أما التفاصيل فتتعرف على الله بدقة بالغة.

خاتمة و توديع :

الدكتور بلال:
 جزاكم الله خيراً، وأحسن إليكم، وبارك بكم، وأنتم أخوتي المشاهدين الشكر موصول إليكم لحسن متابعتكم لما تفضل به شيخنا جزاه الله خيراً، نسأل الله تعالى دائماً لكم الخيرات والطاعات والبركات، وأن نلقاكم دائماً وأنتم في أحسن حال، نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.