وضع داكن
26-04-2025
Logo
خطبة جمعة : 1206 - أمريكا - ولاية مينيسوتا - جامع الإسراء - التفكر بحقيقة الإنسان بين العطاء والتصديق من جهة والأخذ والتكذيب من جهة.
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضللْ فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً -صلى الله عليه وسلم- رسول الله، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغرِّ الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهمّ علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.

تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف و تكريم:


أيها الإخوة الكرام؛ هناك أسئلة كثيرة ينبغي أن يطرحها الإنسان على نفسه في تأملاته، من أنت أيها الإنسان؟ أنت المخلوق الأول لأنك في عالم الأزل قبلت حمل الأمانة، فلما قبِلت حمل الأمانة سخر الله لك ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه؛ تسخير تعريف وتسخر تكريم، الموقف الكامل من تسخير التعريف أن تؤمن، الموقف الكامل من تسخير التكريم أن تشكر، فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك، وعندئذ تتوقف جميع المعالجات الإلهية، قال تعالى: 

﴿ مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنتُمْ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)﴾

[ سورة النساء ]

ضمانة من الله، هذا كفرد، أما كأمة: 

﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)﴾

[ سورة الأنفال ]

الأمة التي تطبق منهج النبي هي في مأمن من عذاب الله ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾  
إخوننا الكرام؛ الآن السؤال الدقيق: الإنسان هو المخلوق الأول والمكلّف والمكرّم، الأول لأنه قَبِل حمل الأمانة، والمكرّم: 

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىٓ ءَادَمَ وَحَمَلْنَٰهُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍۢ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)﴾

[ سورة الإسراء ]


نماذج الناس عند الله:


شيء آخر؛ دققوا حينما قال تعالى: 

﴿ وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1) وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2) وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلْأُنثَىٰٓ (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ (4)﴾

[ سورة الليل ]

سبع مليارات ومئتا مليون كل واحد يتحرك لهدف، لكن الله جلت حكمته جمع هذه الأهداف كلها في حقلين اثنين فقط، الأول: 

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ (6)﴾

[ سورة الليل ]

صدق أنه مخلوق للجنة، وبناءً على هذا التصديق اتقى أن يعصي الله وبنى حياته على العطاء، أعطى واتقى وصدق بالحسنى؛ هؤلاء الناجون، هؤلاء السعداء، هؤلاء السالمون في الدنيا والآخرة، لما صدق بالحسنى اتقى أن يعصي الله، ولما اتقى أن يعصي الله بنى حياته على العطاء؛ لذلك على رأس الهرم البشري تقف زمرتان كبيرتان: الأقوياء والأنبياء، الأقوياء ملكوا الرقاب، والأنبياء ملكوا القلوب، الأقوياء عاش الناس لهم، والأنبياء عاشوا للناس، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأقوياء يمدحون في حضرتهم، والأنبياء يمدحون في غيبتهم، والناس جميعاً تَبَع لقوي أو نبي، فالبطولة أن تكون من أتباع الأنبياء، تبني حياتك على العطاء، ﴿وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ* وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ* وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلْأُنثَىٰٓ* إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ﴾ أول زمرة: أعطى واتقى وصدّق بالحسنى، المكافأة الإلهية في الدنيا قبل الآخرة: 

﴿ فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلْيُسْرَىٰ (7)﴾

[ سورة الليل ]

حياته ميسرة، زواجه ناجح، أولاده أبرار، سمعته طيبة، نجاحاته متتابعة، أي إذا أعطى أدهش، الطرف الآخر: 

﴿ وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ (8) وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ (9)﴾

[ سورة الليل ]

لأنه كذب بالحسنى وهي الجنة، آمن بالدنيا فاستغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ، أعطى واتقى وصدق بالحسنى، بخل واستغنى وكذب بالحسنى، إذاً هؤلاء البشر على اختلاف مللهم، ونِحَلهم، وأعراقهم، وأنسابهم، وطوائفهم، واتجاهاتهم، وتياراتهم، هم عند الله نموذجان: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ*وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ* وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ*وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ﴾ ، الآن الرد الإلهي الأول: ﴿ فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلْيُسْرَىٰ﴾ ، الرد الإلهي الثاني: 

﴿ فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلْعُسْرَىٰ (10)﴾

[ سورة الليل ]

في بيته غير سعيد، في عمله يوجد منافسة تحطمه، متشائم دائماً، بعيد عن التفاؤل، ليس مرتاحاً في بيته ولا مع من حوله، فحياة المؤمن عكس حياة غير المؤمن. 

﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ۚ لَّا يَسْتَوُۥنَ (18)﴾

[ سورة السجدة ]

﴿ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ(21)﴾

[ سورة الجاثية ]

أي مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يستوي من استقام على أمره، ومن خرج عن أمره.

﴿ أَفَمَن وَعَدْنَٰهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَٰقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَٰهُ مَتَٰعَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ(61)﴾

[ سورة القصص ]

مسافة كبيرة جداً بين أن تكون مؤمناً مطمئناً، سعيداً، موفقاً، ناجحاً، في سعادة كبيرة، وبين أن يكون الإنسان شارداً عن الله؛ لذلك قالوا: في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة، ماذا قال تعالى؟ 

﴿ وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ(6)﴾

[ سورة محمد ]

ذاقوا طعمها، لذلك قال بعض العارفين: 

فـلو شاهدت عيناك من حسننــا        الذي رأوه لما وليت عنــا لغـيرنــا

ولو سمعت أذناك حسن خطابنا        خلعت عنك ثياب العجب وجئتنــــا

ولو ذقت مـن طعم المحبـة ذرة        عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــا

ولو نسمت من قربنا لك نسمـة         لمــــت غريباً واشتيـاقاً لقربنـــــــا

فما حبنا سهل وكل من ادعــى        سهولته قلنا له قـــــد جهلتنــــــــــــا

[ علي بن محمد بن وفا ]


تعريف الإنسان وأركان نجاته:


أيها الإخوة الكرام؛ الآن الإنسان من هو؟ ما قرأت تعريفاً رائعاً جامعاً مانعاً للإنسان كتعريف الإمام الجليل الحسن البصري، قال: "الإنسان هو بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه" ، فأنت زمن، أو رأس مالك هو الزمن، أو أثمن شيء تملكه هو الزمن، ولأنك زمن أقسم الله لك بمطلق الزمن، فقال لك: 

﴿ وَالْعَصْرِ (1)﴾

[ سورة العصر  ]

جواب القسم قال تعالى:

﴿ إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ (2)﴾

[ سورة العصر  ]

يا ربِّ لِمَ الخسارة؟ قال: لأن مُضي الزمن وحده يستهلكك فقط، سبت أحد اثنين ثلاثاء أربعاء خميس جمعة انتهى الأسبوع الأول، ثم الثاني فالثالث فالرابع انتهى الشهر الأول، أربعة شهور فصل، أربعة فصول سنة، عشر سنوات عقد، حياتك بضعة عقود، إذا جاء أجلُه يُنادى: "أن عبدي رجعوا وتركوك- ترك البيت والمركبة والثريات واللقاءات والسهرات المختلطة- وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبق لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت"، فالذكاء والعقل والتفوق والتوفيق أن تعرف الله، وكما ورد في الأثر: (ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإنْ فِتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء) ، إذاً: 

﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ لَفِى خُسْرٍ (2) إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ (3)﴾

[ سورة العصر  ]

رحمة الله في (إلا)، ما بعد إلا سماها الإمام الشافعي (أركان النجاة) : ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ هذه المنجيات؛ بحث عن الحقيقة حتى آمن، وعمل وفقها فاستقام، وتقرّب بالعمل الصالح فارتقى، وصبر على البحث عنها، والاستقامة والعمل الصالح هذه أركان النجاة عند الإمام الشافعي ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ ، هذه سورة العصر لو تدبرها الناس لكفتهم، فيها ملخص الملخص، لذلك قال تعالى: 

﴿ أَلْهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ (1)﴾

[ سورة التكاثر ]

يوجد حالة اسمها كسب الرزق، وهناك حالة ثانية الجمع.

﴿ أَلْهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ (1) حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ (2)﴾

[ سورة التكاثر ]

أي القبر نهاية كل إنسان، مهما تكن مساحة بيتك، نوع الأثاث، دخلك الفلكي، المكانة، المنصب، الثروة، هذا كله سوف ينتهي، لذلك البطولة أن نعيش هذه اللحظة "أن عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبق لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت"، فلا يكفي من حين لآخر أن نسمع كلمة الحق، لا بد من سماع دوري من أجل الهدف التراكمي، القناعات عندما تزداد يتعدل السلوك، أشبّه الشهوة بكيلو غرام في كفة وهذه الخطبة خمسة غرام، لا يكفي خطبة واحدة، يجب أن تتجمع الخطب حتى تصبح كيلو غرام تدخل في الصراع، إذا صاروا كيليين مشيت، فلا بد من تراكم القناعات، هذا التراكم ينتج عنه استقامة وعمل صالح، لذلك قال: 

﴿ أَلْهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ (1) حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3)﴾

[ سورة التكاثر ]

كل البطولة أن تعرف الحقيقة في الوقت المناسب، أما كل إنسان مهما يكن بعيداً عن الله لا بد من أن يعرفها بعد فوات الأوان، هل هناك أكفر من فرعون؟ الذي قال: 

﴿ فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلْأَعْلَىٰ (24)﴾

[ سورة النازعات ]

والذي قال: 

﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِى فَأَوْقِدْ لِى يَٰهَٰمَٰنُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّى صَرْحًا لَّعَلِّىٓ أَطَّلِعُ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّى لَأَظُنُّهُۥ مِنَ ٱلْكَٰذِبِينَ (38)﴾

[ سورة القصص ]

فرعون نفسه عندما أدركه الغرق قال: 

﴿ وَجَٰوَزْنَا بِبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُۥ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ ءَامَنتُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱلَّذِىٓ ءَامَنَتْ بِهِۦ بَنُوٓاْ إِسْرَٰٓءِيلَ وَأَنَا۠ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ (90)﴾

[ سورة يونس ]

متى جاء إيمانه؟ بعد فوات الأوان، لذلك جميع البشر من دون استثناء سوف يؤمنون بالحقائق التي جاء بها الأنبياء ولكن بعد فوات الأوان، من هنا الآية تقول:

﴿  هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِىَ بَعْضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِىٓ إِيمَٰنِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ ٱنتَظِرُوٓاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ (158)﴾

[ سورة الأنعام ]


ما هي رسالة المسلم إلى الغرب؟


إخوننا الكرام؛ النقطة الدقيقة -هذه خاصة بالإخوان المقيمين في هذه البلاد- الآية تقول: 

﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ ۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيم (5)﴾

[ سورة الممتحنة ]

هذا الإنسان المقيم يجد مسلماً قدم تصريحاً كاذباً يعتقد بصحة دينه وبخطأ دين المسلم، المسلم في بلده إذا أخطأ يُشار إلى اسمه بالذات فقط، فلان أخطأ، أما المسلم في بلاد الغرب إذا أخطأ فيُشار إلى دينه، فأنتم على ثغرة من ثغر هذا الدين فلا يؤتينَّ من قِبلكم، أي خطأ من إنسان مقيم في بلاد الغرب هذا الخطأ ينسحب إلى دينه، أما الخطأ في بلادكم الأصلية فيبقى على اسمك فقط، أيها الأخوة الكرام؛ فنحن هنا شئنا أم أبينا رُسُل، ينبغي أن تحمل رسالة من بلاد المسلمين إلى الغرب عن استقامة المؤمن، طهر المؤمن، عفاف المؤمن، صدق المؤمن، أمانة المؤمن، رسالة من بلاد الإسلام، بلاد الوحيين إلى بلاد الغرب، وإن عدت إلى بلادك احمل رسالة أخرى؛ القانون فوق الجميع، تكافؤ الفرص، إلى آخره..، هنا يوجد ميزات أيضاً، فبطولتك ألا تنقل سيئات الفريقين بل أن تنقل حسنات الفريقين، وأنا كاجتهاد شخصي مني لا أرى مشكلة تفوق موضوع الأولاد في هذه البلاد، كنت أقول لهم سابقاً في رحلات كثيرة إلى أمريكا: لو بلغت منصباً ككلينتون، وثروة كأوناسيس، وعلماً كأنشتاين، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس، أقسم لي أخ كريم مقيم في ألمانيا حضر إلى الشام لسبب بسيط أن ابنته تقول لهم: "أنتم"، "بابا من نحن؟" تجيب: أنتم، ذهب إلى المدرسة تقول المعلمة: أنتم متخلفون وهذه كلمتي، فأخذ قراراً أن يعود إلى بلده، قال لي: والله دخلي سينزل إلى العُشر، لعل ابنته بعد خمس سنوات تقول: نحن، فرق كبير بين أنتم وبين نحن، مسافة كبيرة، فأنا أعتقد لا يوجد شيء يفوق العناية بالأولاد هنا، ابنك استمرارك.

﴿ فَقُلْنَا يَٰٓـَٔادَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰٓ (117)﴾

[ سورة طه ]

باللغة العربية ينبغي أن تكون الجملة (فتشقيا)، استنبط العلماء أن شقاء الزوج شقاء حكمي لزوجته، وأنا أقيس عليها أن شقاء الأولاد شقاء حكمي لآبائهم، فأنت لا تكتمل سعادتك إلا بصلاح أولادك. 

أصل الدين معرفة الله:


إخوننا الكرام؛ الحقيقة يوجد موضوعات كثيرة جداً، وأرجو الله -سبحانه وتعالى- أن يمكنني في المستقبل أن أطرح بعض هذه الموضوعات، لكن الدين قوام الحياة، الدين ليس وردة توضع على الصدر، لا، الدين هواء تستنشقه، علاقتك مع الدين علاقة مع الهواء، إن لم تستنشق هذا الدين العظيم فهناك موت محقق، والآية تقول: ﴿أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ۚ لَّا يَسْتَوُۥنَ﴾
أيها الإخوة الكرام؛ أصل الدين معرفة الله، لكن هذه المعرفة تحتاج إلى تفكر، والآية تقول: 

﴿ إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٍ لِّأُوْلِى ٱلْأَلْبَٰبِ (190) ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَٰطِلًا سُبْحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ (191)﴾

[ سورة آل عمران ]

هذا التفكر يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله، لذلك التفكر طريق معرفة الله -عزَّ وجلَّ-، وأصل هذا الدين معرفة الله، مثل بسيط: الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة؛ أي يدخل في جوف الشمس مليون وثلاثمئة ألف أرض، وبينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، وفي برج العقرب نجم صغير اسمه (قلب العقرب) يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، ما هذا؟! هذا الكون.
إخوننا الكرام؛ بين الأرض وأقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية، الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كم، في الدقيقة ضرب ستين، في الساعة ضرب ستين، في اليوم ضرب أربع وعشرين، في العام ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، في أربع سنوات ضرب أربع، لو هناك طريق لذلك النجم ومعنا مركبة أرضية متى نصل إليه؟ بعد خمسين مليون عام، أقرب نجم ملتهب للأرض عدا الشمس! متى نصل إلى نجم القطب؟ أربعة آلاف سنة ضوئية، متى نصل إلى مجرة المرأة المسلسلة؟ مليونا سنة ضوئية، متى نصل إلى أحدث مجرة تبعد عنا أربعة وعشرين ألف مليون سنة ضوئية؟ هذا الرقم من دائرة المعارف الأمريكية، هذا الإله العظيم يعصى؟! وحينما قال تعالى: 

﴿ فَلَآ أُقْسِمُ بِمَوَٰقِعِ ٱلنُّجُومِ (75) وَإِنَّهُۥ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)﴾

[ سورة الواقعة ]

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا.

الملف مدقق

 والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور