- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (023) سورة المؤمنون
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيُّها الأخوة الكرام، الآيات التالية من سورة المؤمنون تتحدَّث عن أهل الدنيا، وكيف أنَّهم يتوهَّمون أنَّ دُنياهم دليل رِضاء الله عنهم، فيقول الله عز وجل:
﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ (56)﴾
أيُّها الأخ الكريم لا تتَّخِذ مِقياسًا لِمَكانتِكَ عند الله لا ينطبق على القرآن فإذا كنتَ غَنِيًّا فلا يعني أنّ الله تعالى يُحبُّك، وإن كنتَ فقيرًا فلا يعني أنَّ الله تعالى يبْغضك، فالفقْر والغِنى لا علاقة له بالقُرْب من الله تعالى، إذا كنتَ قَوِيًّا فليس معنى هذا أنّ الله يُحِبُّك، وإن كنتَ ضعيفًا ليس معنى هذا أنَّ الله يُحِبُّك، وكذا الأمر إن كنت وسيمًا أو ذَميمًا، فهذه الحُظوظ لا علاقة لها بالقُرْب من الله أو البُعْد عنه، فالعلامة المُمَيِّزة مدى انْطِباق السُّلوك على الشَّرع، قال تعالى:
﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(13)﴾
يُمْكن أن تقول: لأنَّني أفعل ما أمر الله، وأنْتَهي عمَّا نهى عنه وزَجَر أرْجو الله أن أكون مُقرَّبًا ؛ فهذا مِقياسٌ صحيح، لذا لا تتَّخِذ مقياسًا لا يُقرّ به القرآن، والله عز وجل ما أقرَّ أهل الحُظوظ على حُظوظهم، وما اعْتَمَد الصِّحة والقوَّة ولا المال ولا الذَّكاء في التَّرْجيح بين خلْقِهِ، اِعْتَمد العِلم والعَمَل، قال تعالى:
﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ(9)﴾
وقال تعالى:
﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ(132)﴾
فدائِمًا اِسْتَخدم المِقْياس القرآني لأنَّ الإنسان يتوَهَّم ويقول: أرى كثيرًا مِن الناس ؛ إما لِقُوَّتِهم وغِناهم، يقولون: لولا أنَّ الله راضٍ عنَّا لما أعْطانا أعطى قارون وهو لا يحبه و أعطى فرعون وهو لا يحبه، ماذا أعطى الأنبياء ؟ قال تعالى:
﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(14)﴾
اِبْحَث عن شيء يرفعُكَ عند الله إذا قلتَ: هذا مِن فضل الله عليّ قال تعالى:
﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ (56) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ(57)﴾
فالله عز وجل إذا وصف المؤمنين ما الهدف ؟ هناك هدفان ؛ هذا الوصف هدفٌ و مقياسٌ، هدف تجعله نصبَ عينيك و مقياس تقيسُ به إيمانَك، قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57)﴾
إذا أردتَ أن تعرف ما لكَ عند الله فانظر ما للهِ عندك، هل أنتَ حريصٌ على إرضائه أم أنَّه لا تُبالي أكان عملُك في رضاه أم في سخَطِه ؟! فالله تعالى قال:
﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57)﴾
يخاف خوفًا حقيقِيًّا لذا قال عليه الصلاة والسلام:
((رأس الحِكمة مخافة الله))
وإذا رَمَزْنا لِمَعرفة الله تعالى بِمُؤشِّر، فَمُؤشِّر الخوف يتحرَّك مع مؤشِّر المعرفة، فكلمَّا زادَتْ معْرفتك بالله ازْداد خَوْفُك، فالطَّبيب الذي يُعالِج الأمراض الهَضْمِيَّة كلّ يوم، ويرى الانتانات والاخْتِلاطات والالْتِهابات والْتِهاب المعِدَة بِسَبب الطَّعام المُلوَّث تَجِدهُ يُبالِغُ في تَنظيف الطَّعام ؛ لأنّه لمَّا ازْداد عِلْمُهُ ازْدادَتْ خَشْيتُهُ، والقضِيَّة تنطلِقُ مِن حُبِّ الإنسان لِذاتِهِ فكُلَّما ازْداد عِلْمُكَ ازْدادَتْ خشْيتك، قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58)﴾
هناك علاقة بينهما، فهو لماذا يخاف الله تعالى ؟ لأنه آمَنَ بالله تعالى متى خافَهُ ؟ بعدما عرفهُ، فلا خَوْف من دون معرفة، فالطِّفْل الصغير قد يمرّ عليه صاحب رتْبة عالِيَة جدًّا، فيتعامَل معه وكأنَّه شخص عاديّ أما لو كان مكان الطِّفل جُندِيّ لرَجَف، فالطِّفل لمْ يعْبأ لِعَدم وُجود الإدراك فكلمَّا ازْداد الإدْراك ازْداد الخوف، وهذه قاعِدة، لذا قالوا: هناك قانون التعامل مع المُحيط ؛ إدْراك وانفعال وسُلوك، فإذا صحَّ الإدْراك كان الانْفِعال، وإذا صحَّ الانْفِعال صحَّ السُّلوك، أوْضَحُ مثلٍ ؛ أن يكون المرء يمْشي في البسْتان فإذا به يَجِدُ أفْعى، فإذا كان راشِدًا يعْلم ما معنى أفْعى ؟ وما معنى لدْغَةُ الأفعى ؟ وما معنى أنَّها غدَّارة ؟! فإذا كان إدْراكُهُ صحيحًا لِخَطر هذا الحَيوان ينْفَعِلُ ويضْطرب ويخاف ويصيحُ، ويتحرَّك، فإمَّا أن يقْتُلها أو يهْرُبَ منها، فالإدْراك الصحيح يعْقِبُهُ الانفِعال الصحيح، والانْفِعال الصَّحيح يعْقِبُهُ السُّلوك الصَّحيح، فإذا أعدم الانْفِعال كان دليل عدم الإدْراك، فلو أنَّك قلتَ لأحَدِهِم: على كَتفِكَ عقْرب ! وبَقِيَ هادِئًا ومُرْتاح !! فهذا يعني أنَّه لم يُدرك ما قلتَ له !! لأنَّه لو فَهمَ الموقف لانْفَعَل وصاح، أردْتُ مِن كلامي هذه العلاقة، قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58)﴾
فلأنَّهم آمنوا بآياتِ ربِّهم أصْبَحوا من خَشْيَة ربِّهم مُشْفِقون.
قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59)﴾
لا يرى مع الله تعالى أحدًا، مع أنَّ الله تعالى يقول:
﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ(106)﴾
فَهُوَ يؤْمِنُ أنَّ الله تعالى خلق الكَون، ولكنَّه يرى زَيدا وعُبَيدا أقْوِياء في نَظَرِهِ، غضَبُهم مُخيف، ورِضاهُم مُسْعِدٌ، ويُطيعُهم، ويعْصي الله تعالى وهذا هو الشِّرْك.
قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾
ينْفِقُ المال، وهو خائِفٌ، خائِفٌ مِن ماذا ؟! خائِف مِن أن لا يُقْبل ! لأنَّ الناقِدَ بصير، والله عز وجل مُطَّلِعُ على خبايا النّفس وباطِنِها، قال تعالى:
﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ(18)﴾
فالنوايا كلُّها عند الله، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ))
لذلك المؤمن يخاف أن لا يُقْبَلَ عملُهُ، ولماذا لا يُقْبلُ عملُهُ ؟! إن لم يكن خالِصًا لله عز وجل، لأنّ الله تعالى طيِّبٌ ولا يقبَلُ إلا طيِّبًا، وإنَّ الله تعالى أغْنى الأغنياء عن الشِّرْك، والله سبحانه وتعالى لا يقْبل العمل المُشْترك، والقلبُ المُشترك لا يُقْبِلُ عليه ! القلبُ المُشْتَرَكُ بين حُبِّ اله وبين حُبِّ الدنيا لا يُقْبِلُ عليه الله تعالى، وكذا العمل المشْترك، قال تعالى:
﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)﴾
وإذا قال الواحِد: هذا فوق طاقَتِنا !! فهذا تَزَمُّت، وهذا الكلام فوق طاقة البشر، والحياة مُعَقَّدَة وصَعْبَة، اِسْمَعْ الرَدَّ الإلهي، يقول سبحانه وتعالى:
﴿وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62)﴾
يقول لك: فلانٌ هكذا أفْتى ! قلتُ مرَّةً لِوَاحِدٍ: عندَكَ بيت تَوَدُّ أن تبيعَهُ وخرَجْتَ مِن بيتِك، ووجَدْتَ دلاَّلاً، وعرَضْتَ عليه البيت، فقال لك: ثلاثة ملايين، هل تعْمَل معه عقْدًا رأسًا ؟! لا، بل تسأل ثانيًا وثالثًا وحتَّى العاشِر ؛ لماذا مِن أجل الدنيا لا تثِقُ بالواحِدِ، وإذا كان أوَّل إنسان أفْتى لك بِفتوى فيها رُخْصة ترتاح له ؟ وتقول: كلامُهُ حقّ !! إذا مات صاحبُ المبْلغ تؤْخَذُ أعلى ضريبة منه دون النَّظر إلى دُيونِهِ، فالناس سحَبوا أموالهم !! خوفًا مِن الضرائب فلِمَ لمْ تسْحَبوا أموالكم خوفًا من الله ؟!! قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾
يتصَّدق ويخاف من الرِّياء والنِّفاق، لأذلك المؤمن يتحرَّى الإخلاص دِرهم تُنفِقُهُ بإخلاص خير مِن مائة درْهمٍ تُنْفقُهُ في الرِّياء.
قال تعالى:
﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62)﴾
معنى هذا أنَّك لسْتَ مرْجِعًا إن كنت تُطيق هذا الشَّرْع أو لا تُطيقُهُ فالمرجِعُ هو الصانِع، تمامًا إذا اشْتَرَيْتَ آلةً فأنت تُصَدِّقُ صانِعَها وليس مُسْتَعْمِلَها ! فالشَّركة هي المرجع في أخْذ رأيِها هل هذه الآلة تُطيق كذا أم لا ؟ لذا لا تقل غضّ البصَر صَعْب وإنفاق المال لا أُطيقه ؛ هذا كلام لا دليل له، فأيُّ إنسان يعُدّ نفسه مرجِعًا في قبول هذا الحق أم لا، فهو جاهِل، فالمرجع هو الله تعالى، قال تعالى:
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ لَبَتْ(286)﴾
لكنَّ هؤلاء الذين يدَّعون هذه الدَّعوة قال عنهم تعالى:
﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63)﴾
لمَّا الإنسان يأكل الرِّبا فهو يُدافِعُ عنه، ولمَّا يحبّ الاخْتِلاط يُهاجِم الحِجاب، ولمَّا يحبّ التَّفلُّت يُهاِجم الانْضِباط، فالإنسان أحْيانًا ينطلق مِن مُناقشَتِهِ لا مِن الحقيقة، ولا يهْدِفُ إليها، ولكن مِن واقِعِهِ ودِفاعًا عنه لذلك هؤلاء الذين يُكابرون قلوبهم مُنْغَمِسَة في الدنيا، قال تعالى:
﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63)﴾
ثمَّ قال تعالى:
﴿حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ (67)﴾
المُلَخَّص إذًا أنَّه إذا كان الإنسان غارِقًا في حُبِّ الدنيا، وله أعمال خسيسة فهذا يُعارِض الحق ويرْفُضُهُ، وحين يُحاسِبُهُ الله يعْرِفُ ما إذا كان على الصَّواب أو الخطأ.