- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (023) سورة المؤمنون
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيُّها الأخوة الكرام، قال تعالى:
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)﴾
وقال تعالى بعد ذلك:
﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) ﴾
أيها الأخوة: هناك حقيقة منطقية دقيقة وخطيرة، أضع لكم مثلا تمهيديا لهذه الآيات، الله جل جلاله يقول: الذين، إعراب الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع صفة، وفي علم المنطق الصفة قيد، نقول كلمة إنسان التي تشمل خمسة آلاف مليون، و الآن أصف هذا الإنسان بأنه مسلم، ضاقت الدائرة من خمسة آلاف مليون إلى ألف مائتي مليون ثم أضع صفة ثانية، إنسان مسلم عربي، ضاقت هذه الدائرة إلى مائتي مليون، أضع صفة رابعة، إنسانٌ مسلمٌ عربيٌ مثقّف، ضاقت إلى خمسين مليون، أضعُ صفةُ جديدة، إنسانٌ مسلم عربيٌ طبيب، إلى مائتي ألف، أضع صفة جديدة، إنسان مسلم عربي طبيب سوري، إلى خمسين ألف، وأضع صفة أخرى، اختصاص قلب، إلى خمسة، وصفة جديدة مقيم في دمشق، إلى واحد، الصفة قيد و كلما كثرت الصفات ضاقت الدائرة، لو احتجنا موظفا معه دكتوراه في العلوم و خادم عسكرية و عمره أقل من أربعين سنة، ويتقن اللغة الإنجليزية و الفرنسية، من خمسة عشر مليون لا يُجد خمسة، فكلما كثرت الصفات تضيق الدائرة حتى لا يتوهم الواحد أنه فالح لأنه مؤمن، والله عز وجل قال :
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) ﴾
خرج الذين لا يخشعون في صلاتهم،
﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)﴾
ضاقت الدائرة، لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، و لا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، وآفات اللسان كثيرة جدا، وهي محبطة للعمل، قال عليه الصلاة والسلام:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ:
(( الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سُخْطِ اللَّهِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا فَيَهْوِي بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ سَبْعِينَ خَرِيفًا ))
وقال عليه الصلاة والسلام:
((عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ قَالَ لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ قَالَ ثُمَّ تَلَا ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾ حَتَّى بَلَغَ ﴿ يَعْمَلُونَ ﴾ ثُمَّ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ ثُمَّ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ قُلْتُ بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ))
قد أفلح ليس كل المؤمنين "قال تعالى:
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)﴾
فما تلف مال في بّرٍَ أو بحر إلا بحبس الزكاة، قال تعالى:
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(103)﴾
تطهر الفقير من الحقد و الغني من الشح و المال من تعلُّق حق الغير به و تزكيهم، أي تنمي مال الفقير لأخذه للزكاة، وتنمي مال الغني بوجود قدرة شرائية بيد الفقير يشتري من الغني مرة ثانية، و تُنمِّي المال بالعِناية الإلهية المُباشرة، قال تعالى:
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(103)﴾
قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)﴾
العَيْنُ تزْني و زِناها النَّظر، و الأذن تزني وزناها السمع، و اليد تزني و زناها اللمس، فالزنا له معنى واسع، أيُّ متعة أجنبية لا تحل لك ولو بنظرة في الطريق.
﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) ﴾
الآن كل انحرافات الجِنس التي تفيض الكتب في الحديث عن تفاصيلها، أجملها القرآن الكريم في كلمة واحدة، قال تعالى:
﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) ﴾
الدين كله حياء، دقِّق كيف أن الله تعالى عبَّر عن كل انحرافات الجنس ـ لواط وزنا المحارم و سحاق ـ كل هذا الانحراف عبَّر الله تعالى عنه بقوله:
﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) ﴾
قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)﴾
قال عليه الصلاة والسلام:
((مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَالَ لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ ))
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ))
وقال: من عامل الناس فلم يظلمهم وحدَّثهم فلم يكذبهم و وعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملتْ مروءته وظهرت عدالته و وجبت أخوته و حرمت غيبته"و قال ذاك جعفر بن أبي طالب للنجاشي: حتى بعث الله فينا رجلا نعرف صدقه وأمانته "
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ ))
الإسلام بناء بُني على هذه الخمس، لما سيدنا جعفر بن أبي طالب بيَّن للنجاشي حقيقة الدين.
(("... فَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ وَنُسِيءُ الْجِوَارَ يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ قَالَ فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَشَقُّوا عَلَيْنَا وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ..." ))
سيدنا جعفر الصحابي الجليل أحد أركان الإسلام عرَّف الإسلام بقيم أخلاقية، إذًا بُني الإسلام على خمسة أركان و ليست هي الإسلام.
قال تعالى:
﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)﴾
المحافظة على الصلاة ليس أداؤها في وقتها فحسب، بل في الاستقامة قبلها، إن لم تحافظ على استقامتك فأنت محجوب عن الله عز وجل، قال تعالى:
﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) ﴾
فحتى لا يتوهم الإنسان أنه مؤمن لا ينقصه شيء، الله عز وجل وصف صفات المؤمنين وكل صفة تضيِّق الدائرة إلى أن تصبح الدائرة ضيِّقة جدا، هؤلاء بالذات.
﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)﴾
قال تعالى:
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا(19)إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا(20)وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا(21)﴾
شديد الخوف ترتعد فرائسه لأي خبر و إذا مسه الشر.قال تعالى:
﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ(22)﴾
الترتيب نفسه، ليس كل مصَلٍ يصلي، إنَّما أتَقَبَّل الصَّلاة مِمَّن تواضَع لِعَظَمتي، وكفَّ شَهواتِهِ عن مَحَارِمِي، ولم يُصِرَّ على معْصِيَتي وأطْعَمَ الجائِع، وكسَى العريان، ورَحِمَ المُصاب، وآوَى الغريب ؛ كُلّ ذلك لي، وعِزَّتي وجَلالي إنّ نورَ وَجْهِهِ لأضْوَءُ عندي من نور الشَّمس على أنْ أجْعَلَ لهُ الجَهالَةَ حِلْمًا، والظُّلْمة نورًا، يدْعوني فَألَبِّيهِ ويسْألني فأُعْطيه، ويُقْسُمُ عليَّ فأبرّه، أكلأه بِقُرْبي وأسْتَحْفِظُهُ ملائِكَتي، مثَلُهُ عندي كَمَثل الفِرْدَوْس لا يُمَسُّ ثمرُها، ولا يتغيَّرُ حالها، قال تعالى:
﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا(19)إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا(20)وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا(21)إِلَّا الْمُصَلِّينَ(22)﴾
قال تعالى:
﴿أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ(35)﴾
الصِّفَةُ قَيْدٌ في اللُّغَة، وكلَّما جاءَتْ صِفَة ضاقَت دائرة الشُّمول، فهذه الآية في مَطْلَعِ سورة المؤمنون دقيقة جدًّا، ليس كُلُّ المؤمنين مفلحي بل الذين هم في صلاتهم خاشِعون، ولذلك قالوا: الخُشوع في الصَّلاة ليس مِن فضائِلِها، بل مِن فرائِضِها، قال تعالى:
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) ﴾
﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) ﴾
نرْجو الله سبحانه وتعالى أن تنطَبِقَ علينا كلّ هذه الصِّفات حتَّى نسْتَحِقَّ هذا الوَعْد الإلهي.