- أسماء الله الحسنى
- /
- ٠2أسماء الله الحسنى 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: (الحق):
أيها الأخوة الأكارم، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم "الحق".
ورود اسم الحق في القرآن الكريم و السنة الشريفة :
هذا الاسم العظيم كثير التداول، ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى:
﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾
وفي قوله تعالى:
﴿ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾
وفي قوله تعالى:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا قام إلى الصلاة في جوف الليل قال:
(( اللهم أنت الحقُّ، وَوَعْدُكَ الحقُّ، ولقاؤكَ حَقٌّ، وقَولك حَقٌّ، والجنَّةُ حَقٌّ ، والنَّارُ حَقٌّ، والنَّبيُّونَ حَقٌّ، ومحمدٌ حَقٌّ، والساعةُ حَقٌّ ))
تداول كلمة حق تداولاً كثيراً:
أيها الأخوة، كلمة حق متداولة تداولاً كثيراً جداً، قال تعالى:
﴿ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾
قال علماء التفسير: أي أن خلق السماوات والأرض، أي أن "الحق" لابس خلق السماوات والأرض، خلقتا بالحق، وسوف يتضح المعنى بدقة من آيات أخرى، لأن الله عز وجل حينما وصف كتابه الكريم بأنه:
﴿ مَثَانِيَ ﴾
من معاني هذه الكلمة أن كل آية تنثني على أختها، فتفصلها، الآية الأولى:
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾
"الحق" نقيض الباطل:
الآن ما هو "الحق" قال: هو نقيض الباطل، لماذا ؟ قال: لقوله تعالى:
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ﴾
خلقها بالحق، وما خلقها باطلاً.
﴿ ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ﴾
لو فرضنا إنساناً بنى بناء على الشاقول، هذا البناء على الشاقول يعني أنه سوف يبقى، يعني بناء ثابتاً، بناء لا ينهار.
هذا هو "الحق" الشيء الثابت، الشيء الموجود، والثابت.
ولو أشاد إنسان بناء بلا شاقول، الجدار مائل، هذا البناء باطل لأنه سينهار.
﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾
"الحق" هو الشيء الموجود والثابت، أما الباطل قد يكون موجوداً إلى حين، الشرق الذي رفع شعار لا إله، بقي سبعين عاماً ثم انهار، لأن الله سبحانه وتعالى كان يقول:
﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾
زهوق صيغة مبالغة، يعني أكبر باطل، معه قنابل نووية بعدد مخيف، انهار، ومليون باطل ينهار، مليون فكر منحرف، مليون عقيدة منحرفة، ومليون فرقة ضالة تنهار،
﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾
فإذا بني البناء على الشاقول فهو بناء حق، لأنه موجود وسيستمر، أما إذا بني من دون شاقول هذا البناء باطل، لأنه الآن موجود ولكن سوف ينهار.
"الحق" نقيض الباطل.
"الحق" الشيء الموجود والثابت:
شيء آخر: معك جهاز كهربائي (مروحة)، توجهت بهذه المروحة من أجل أن تعمل إلى مأخذ كهربائي، وضعت فيها القابس فما دارت، هذا المأخذ باطل، هو مأخذ على الشبكية لكن ما فيه كهرباء، توجهت إلى مأخذ آخر وضعت المقبس فدارت المروحة، نقول هذا المأخذ حق، واضح تمام ؟.
"الحق" الشيء الموجود والثابت، والباطل قد يكون موجوداً إلى حين لكن لابدّ من أن ينتهي، لابدّ من أن يعدم.
"الحق" الشيء الهادف المرتبط بأهداف نبيلة:
الآن الآية الثانية:
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
أنتم تعلمون حينما يقام معرض لأسبوعين، معظم الأجنحة إن كان الوقت صيفاً من القماش، أو من ورق مقوى، من مواد رخيصة جداً، قضية أسبوعين، لكن حينما نبني جامعة، قد يستغرق بناءها عشر سنوات، هذا البناء وجد ليبقى، وله هدف كبير، هدفه الكبير إنشاء قادة للأمة، نشر العلم، تخريج علماء، أطباء، علماء نفس، علماء اجتماع، علماء تربية، علماء فلك، علماء رياضيات، علماء فيزياء، علماء كيمياء، تخريج مدرسين، موجهين، اختصاصين، خبراء في المعامل، هذا البناء له هدف كبير، له هدف عظيم، له هدف نبيل، أما السيرك ما أهدافه البعيدة ؟ يعمل قوة يمتع الإنسان، هذا البناء أسبوعين.
فصار "الحق" الشيء الهادف، مرتبط بأهداف نبيلة، والعابث شيء ليس له هدف.
أحياناً إنسان (يوجد تحريم بالموضوع) يلعب النرد للساعة الثالثة بالليل، يا ترى تَعَلّم ؟ ازداد علماً ؟ ازداد قرباً ؟ ارتقى مستواه ؟ ارتقى دخله ؟ ارتقى علمه ؟ ارتقت وظيفته ؟ مضيعة للوقت، نقول لعب النرد شيء عابث.
أما أن تعكف على كتاب فتقرأه، كتاب أساسي في الدين، نقول شيء هادف، حينما تأتي إلى مسجد لتحضر درس علم نقول شيء هادف، مقدس، أما حينما ينطلق الإنسان إلى ملهى، شيء عابث، يستمع إلى مغنية، ويرى راقصة، هناك فرق كبير.
فصار "الحق" الشيء الثابت، نقيضه الباطل، و "الحق" الشيء الهادف نقيضه العابث، "الحق" ليس عابثاً، وليس باطلاً، ثلاث آيات أعيدها على مسامعكم، الآية الأولى:
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾
يعني الحق لابس خلق السماوات والأرض.
الآية الثانية التي تفسر "الحق"
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ﴾
الباطل الشيء الزائل
﴿ ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ﴾
الآية الثالثة:
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
معاني الحق في اللغة:
1 ـ الشيء المستقر و الموجود و الثابت:
أيها الأخوة، "الحق" في اللغة اسم فاعل، فعله حق يحق حقاً، يقال: حققت الشيء، أحقه حقاً، إذا تيقنت أنه موجود، "الحق" الشيء المستقر، والموجود، والثابت.
2 ـ المطابقة:
"الحق" بمعنى المطابقة، كلامه حق يعني طابق الواقع، إنسان ارتكب عملاً جئنا بشاهد شهد، نقول شهادته حق، لأنها مطابقة للواقع.
3 ـ الشيء الذي لا يزول و هو خلاف الظلم:
"الحق" الشيء الثابت، و "الحق" الذي لا يزول، و "الحق" هو العدل، و "الحق" خلاف الظلم، والاعتقاد بالحق الشيء المطابق للواقع، مثلاً:
شخص قال: أعتقد أن البعث، والثواب، والعقاب، والجنة، والنار حق لأن البعث سيكون، والثواب سيكون، والعقاب سيكون، والجنة ستكون، والنار ستكون.
4 ـ الإسلام:
"الحق" في القرآن الكريم له استعمالات كثيرة، "الحق" هو الإسلام لأنه دين الواحد الديان.
5 ـ العدل:
و "الحق" هو العدل.
﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾
6 ـ الحكمة و الصدق و الحساب و الجزاء:
و "الحق" هو الحكمة، العمل الحكيم عمل حق، والصدق، والوحي، والقرآن، والحقيقة، وأيضاً الحساب والجزاء:
﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾
7 ـ الله سبحانه وتعالى متصف بالوجود الدائم لا شيء قبله ولا شيء بعده:
الآن الله عز وجل هو "الحق"، "الحق" هو الله سبحانه وتعالى، لأنه متصف بالوجود الدائم، لا شيء قبله، ولا شيء بعده.
﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ﴾
هو الباقي على الدوام إلى أبد الآبدين.
8 ـ المتصف بالوجود الدائم وبالحياة والقيومية:
"الحق" هو المتصف بالوجود الدائم، وبالحياة والقيومية.
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾
والبقاء، فلا يلحقه زوال، ولا فناء، وكل أوصاف "الحق" كاملة جامعة للكمال والجمال والعظمة والجلال، قال تعالى:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ﴾
بربكم كم ملة وكم اتجاه وكم طائفة ظهرت في الأرض ؟ كلها تلاشت والإسلام باقٍ كالطود الشامخ، لأن الإسلام حق، وأي فرقة ضالة باطلة،
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ﴾
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾
9 ـ "الحق" هو الذي يحق الحق بكلماته:
و "الحق" هو الذي يحق الحق بكلماته، كلام الله حاسم، لذلك قال تعالى:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
القلب السليم، هو القلب الذي لا يقبل خبراً يتناقض مع وحي الله.
إذاً يحق "الحق" بكلماته، ويقول "الحق"، إذاً وعده وعد حق، ودينه حق، وكتابه حق، وما أخبر عنه حق، وما أمر به حق.
﴿ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾
وفي قوله تعالى:
﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ﴾
وفي قوله تعالى:
﴿ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾
يعني هنيئاً لمن كان مع "الحق"، والويل لمن كان مع الباطل، هنيئاً لمن كان مع الثابت، والدائم، والباقي، والكامل، و "الحق" نقيض اللعب، والكامل.
من كان مع الحق كان في قمة النجاح و التألق و الفلاح:
أيها الأخوة، الملخص أن الله سبحانه وتعالى هو "الحق"، وكلامه هو "الحق" ووعده هو "الحق"، ووعيده هو "الحق"، وأفعاله هو "الحق".
الإنسان حينما يكون مع "الحق" في قمة النجاح، في قمة التألق، في قمة الفلاح، في قمة الفوز، في قمة العقل، في قمة الذكاء، صار "الحق" الشيء الموجود، والباطل الشيء المفقود، "الحق" الشيء الموجود، والباطل الشيء المعدوم.
في هذا المأخذ ليس هناك كهرباء، وضعنا قابس المروحة لم تدر، معناها باطل، في مأخذ آخر هذا حق.
أيها الأخوة، كتوضيح "الحق" الشيء الموجود، واعتقاد وجود، واعتراف بوجوده، هو ما يعنيه "الحق"، والشيء المعدوم حينما يتوهم الإنسان شيئاً غير موجود ولا يطابق الواقع، يعني للتوضيح:
ما هو العلم ؟ بتعريف مختصر الوصف المطابق للواقع، كل شيء خلاف الواقع جهل.
أنا راكب مركبتي، تألق ضوء أحمر في لوحة البيانات، إذا فهمت هذا التألق فهماً تزيينياً هذا فهم باطل، هو الحقيقة تألق تحذيري، أن الزيت نقص في المحرك، إن فهمت هذا التألق فهماً تزيينياً هذا فهم باطل، أما إذا فهمت هذا التألق فهماً تحذيرياً هذا فهم حق أوقفت المركبة فوراً، أضفت الزيت، تابعت الرحلة، حققت الهدف، فإذا فهمته فهماً تزيينياً احترق المحرك، وتعطلت المركبة، وألغي الهدف، ودفعت مبلغاً كبيراً جداً لإصلاح المحرك.
العاقل من كان فهمه للأحداث فهماً حقيقياً لا فهماً موهوماً:
البطولة أن يكون فهمك للأحداث فهماً حقيقياً لا أن يكون فهماً موهوماً، وأنا في بداية كل درس أقول: اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، أنتم لا تتصوروا الجاهل لا يملك أية معلومات، معه معلومات كثيرة جداً لكن كلها غلط، تصوراته عن الكون، والحياة وما بعد الموت، كلها أشياء غير صحيحة، تصوره عن المرأة غير صحيح، عن الزواج يقول الزواج قيد، خليك حر، الإنسان أحياناً يكون معه مئات بل ملايين التصورات الخاطئة وهذا الخطأ في تصوراته سوف يهلكه.
مثلاً: لو شخص توهم أن هذا الأستاذ، قبل الامتحان بيومين تقدم له هدية ثمينة يعطيك الأسئلة، أمضى العام الدراسي كله مرتاحاً، هذا التوهم باطل، فلما طرق بابه قبل الامتحان بيومين، ومعه هدية ثمينة، وطلب منه الأسئلة، صفعه صفعتين، وركله بقدمه، ورسب طبعاً، لأنه توهمَ توهماً باطلاً، أما لو علم أن الأستاذ نزيه، ولم يحابِ أحداً، هذا العلم هو الحق.
توهم أن القاضي ينحاز بهدية أخرى، هذا وهم باطل، أخطر شيء بالحياة أن تعيش الباطل.
الجاهل من توهم أن الشيطان أجبره على عمل ما و هو لا علاقة له:
أيها الأخوة، مثلاً كلما زلت قدم إنسان يقول: الله يلعن الشيطان، الشيطان ما دخله، اسمع الآية:
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ ﴾
أنا ليس لي سلطة عليكم:
﴿ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾
شخص ذهب إلى مركز شرطة ليشتكي على إنسان، يرتدي ثياباً بيضاء جميلة جداً، غالية جداً، ووسائل رائعة، وقع في حفرة مياه سوداء آسنة، قال له: تشتكي على من ؟ قال له: على فلان، قال له: هل دفعك ؟ قال له: لا والله حرام ما دفعني، هل شهر عليك مسدساً، وقال لك انزل بها ؟ لا والله، قال له: هل أمسكك وأنزلك بها ؟ قال له: لا والله، لمَ تشتكي عليه ؟ قال لي: انزل، هذا يحتاج إلى مستشفى مجانين.
وكل إنسان يظن أن الشيطان أجبره على عمل يكون واهماً، وجاهلاً.
﴿ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ﴾
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ:
الآن عندنا ملمح لطيف جداً في قوله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾
عندنا آيتان:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾
الآية الثانية:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً ﴾
ما وجدت مثلاً يوضح هاتين الآيتين كهذا المثل: نحن في دمشق، أحد التجار له مبلغ كبير جداً في حلب، واستحقاقه يوم السبت، الساعة الواحدة، ركب قطار حلب سيرتكب أخطاء كثيرة، ركب بعربة من الدرجة الثالثة وبطاقته من الدرجة الأولى، هذا غلط مع هذا الغلط القطار في اتجاهه إلى حلب، ركب مع شباب غير منضبطين، أزعجوه كثيراً بمزاحهم، وصياحهم، ونزاعهم، انزعج كثيراً، هذا خطأ أيضاً، لكن القطار في طريقه إلى حلب، كان جائعاً تلوى من الجوع، ولم يعلم أنه في عربة مطعم، هذا أيضاً خطأ ثالث ، ركب بعكس اتجاه القطار، أصيب بالدوار هذه غلطة رابعة، لكن القطار باتجاه حلب وسيكون في الساعة الثانية عشرة، وسيأخذ المبلغ، أما هناك خطأ لا يحتمل، خطأ لا يغفر أنه ركب قطار درعا، المتجه نحو الجنوب، هنا لا يوجد مليونا ليرة.
الأحمق من اتجه إلى إنسان ضعيف لا يملك شيئاً و لم يتجه إلى الخالق سبحانه: ما هو الشرك ؟ أن تتجه إلى معدوم، إلى ضعيف، إلى محكوم من قبل الله عزّ وجل، حينما تتجه إلى الله، الله عنده كل الخير، عنده التوفيق، عنده السعادة، عنده الأمن، عنده التيسير لأمورك، عنده الحفظ، عنده التأييد، عنده النصر، عنده كل شيء وإذا اتجهت إلى غيره لا يوجد عنده شيء.
﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ﴾
أحمق إنسان، أغبى إنسان، من يتجه إلى إنسان آخر.
(( لو كنتُ متخذا من أُمَّتي خليلا لاتَّخذتُ أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي ))
العاقل من يفهم الأحداث فهماًً توحيدياً لا فهماً أرضياً:
أحياناً نحن نمر بأحداث خطيرة، وتقلبات سريعة، واختناقات، وانعطافات وظروف دقيقة، البطولة لا أن تطلع على الأخبار، أن تفهمها، لا أن تفهمها فهماً أرضياً أن تفهمها فهماًً توحيدياً.
أذكر أنه قبل عشرين سنة، نشبت حرباً أهلية في بلد عربي، واستمرت عشر سنوات، وأودت بحياة مئتي ألف، وانتهت ولم ينتصر أحد، هناك تفسير لهذه الحرب الأهلية تفسير دولي: أن هذا البلد نما نمواً مالياً كبيراً جداً، حتى نافس المراكز المالية العالمية فالعالم الغربي هو الذي حطمه، هذا تفسير دولي، هناك تفسير آخر، تفسير طائفي: أنه في نزاع طائفي قديم من عام ألف و تسعمئة و ستين، هذا النزاع الطائفي من حين لآخر يرتفع فينشأ الخلاف، هذا تفسير طائفي، وهناك تفسير عربي أنه ساحة صراع بين القوى العربية المتنازعة، هذا تفسير ثالث، وهناك تفسير رابع، تفسير نسواني: أنه هذا البلد حكمته عين، لكن هناك تفسير قرآني:
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾
بطولتك أن تفهم الحدث فهماً توحيدياً، الزلزال حتماً اضطراب القشرة الأرضية لكن الزلزال فضلاً عن هذا التفسير القريب العلمي هو علاج إلهي، وعقاب إلهي.
﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾
فالبطولة أن نفهم الأمور فهماً صحيحاً.