- ندوات تلفزيونية / ٠01برنامج ويتفكرون - قناة ندى
- /
- ٠2ويتفكرون 2
مقدمة :
الدكتور بلال:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أخوتي أخواتي أينما كنتم أسعد الله أوقاتكم بالخيرات والمسرات والبركات والطاعات، بتحية الإسلام نحييكم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، معاً في حلقة جديدة من برنامجنا: "ويتفكرون"، نبحر فيها متفكرين بآيات الله الكونية والتكوينية والقرآنية، رحبوا معي في بدايتها بفضيلة شيخنا الدكتور محمد راتب النابلسي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور راتب :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الدكتور بلال:
سيدي في هذه الحلقة الختامية لهذا الموسم الثاني اللطيف من برنامج ويتفكرون نلخص ما أتينا عليه، ونضيف له، ونجمع بين خيوطه كما يقال.
سيدي الله عز وجل خلق الإنسان وأعطاه الكون الذي يدل على وجود الله ووحدانيته وكماله، وأعطاه العقل الذي تحدثنا عن مبادئه التي تتوافق مع الكون، أعطاه كوناً وعقلاً، وأعطاه فطرةً وشهوة، كيف نوازن بين هذه الأمور ونصل بينها؟
الموازنة بين العقل و الكون و الفطرة و الشهوة :
الدكتور راتب :
أولاً: الشهوة قوة محركة، كالمحرك في السيارة، والعقل كالمقود، والشرع كالطريق، فالبطولة أن نندفع بقوة شهوتنا الحيادية، وبقيادة المنهج الإلهي، المرأة يوجد زواج، المال يوجد عمل، هناك دافع للمرأة بالزواج، دافع للمال بالعمل، أنا أنطلق بقوة الشهوة بأن أصرفها وفق منهج الله كما سمح لي.
الدكتور بلال:
بقيادة العقل.
الدكتور راتب :
بقيادة العقل، فالشهوة قوة محركة لكن حيادية، كالبنزين في المركبة، إذا وضع في المستودع المحكم في السيارة، وسال في الأنابيب المحكمة، وانفجر في الوقت المناسب، والمكان المناسب، ولّد حركة نافعة قد تقلك إلى مكان جميل في العيد، صفيحة البنزين نفسها إن صبت على المركبة، وأصابتها الشرارة، أحرقت المركبة ومن فيها، فإما مادة دافعة أو مادة مدمرة، هذه الشهوات، المؤمن يتحرك مع شهواته وفق منهج الله، إذاً قوة دافعة، يتزوج، السعادة الزوجية للمؤمن لا توصف لأنها وفق منهج الله، ينجب أولاد يملؤون البيت فرحة، له عمل شريف، يرقى به، ويفتخر به، له دخل حلال، له إنفاق حلال، حياته كلها وفق منهج الله معها طمأنينة ومعها سعادة، فلذلك المؤمن من نوع آخر، من نوع يسعد في الدنيا أضعاف ما يتوهم الآخرون أنهم يسعدون بها.
الدكتور بلال:
إذاً سيدي الذي تحدثنا عنه حتى الآن الكون، العقل، الفطرة، الشهوة، وطبعاً المنهج، الذي قلتم هو الطريق الذي يسير عليه، بقي مقوم ربما لم نأت عليه كثيراً في حديثنا وهو حرية الاختيار.
حرية الاختيار :
الدكتور راتب :
والله أنا أقول: لو ألغي الاختيار ألغي الدين كله، ألغيت الجنة والنار، ألغي الخير والشر، ألغي كل شيء، الدليل قال تعالى:
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا ﴾
فالإنسان ما لم يؤمن بأنه حر في اختياره ألغي الدين كله، أو بتعبير آخر أصبح الدين تمثيلية سمجة، ممكن مدير مدرسة بأول العالم الدراسي يقول للطلاب: استمعوا إلى أسماء الناجحين آخر العام والراسبين، فيم الدراسة؟ ليس لها معنى إطلاقاً، أما هناك اختيار وهناك تثمين للعمل، إذا ألغي الاختيار ألغي الدين كله، والدليل قال تعالى:
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
فالمؤمن يكافأ على حسن اختياره، وغير المؤمن يعاقب على سوء اختياره.
الدكتور بلال:
قال تعالى:
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾
هو الإنسان؟
الدكتور راتب :
تعود على الإنسان، فاستبقوا الخيرات هو الإنسان.
الدكتور بلال:
أما فلا معنى لاستبقوا الخيرات.
الدكتور راتب :
أبداً.
الدكتور بلال:
وحرية الاختيار سيدي هي التي تعطي للعمل قيمة؟
الدكتور راتب :
تثمن العمل، عفواً لو إنسان يحتاج إلى خبز، وإنسان معه ربطة خبز، أمسك مسدسه وقال له: أعطني إياها، يعطه إياها رأساً، الذي أعطاه هذه الربطة هل يحس أنه عمل عملاً صالحاً؟
الدكتور بلال:
تحت التهديد والإجبار.
الدكتور راتب :
أما حينما يقدم ربطة خبز لبيت فقير، يسعد بها، فإذا ألغي الاختيار ألغي الدين، تلغى السعادة، يلغى كل شيء، لذلك الآيات كثيرة:
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
الدكتور بلال:
أستاذنا الفاضل هناك من يقول: إن الله قدر عليك ذلك، بعض الناس ترتكب المعاصي وتقول: إن الله قدر عليه ذلك.
الإنسان مخير :
الدكتور راتب :
والله هذا الكلام أجاب عنه سيدنا عمر، رأى شارب خمر، قال: أقيموا عليه الحد، فقال: والله يا أمير المؤمنين إن الله قدر عليَّ ذلك- كما يقول بعضهم- فقال رضي الله عنه عملاق الإسلام: أقيموا عليه الحد مرتين، مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال له: ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار.
الدكتور بلال:
أستاذنا الفاضل هذه حرية الاختيار، والإنسان مخير.
الدكتور راتب :
لكنه مسير لما اختار، أما كونه ولداً من فلان وفلانة فليس من اختياره، لم يستشر، ولد في دمشق أو في واشنطن، ليس باختياره، ولد من أبوين غير مسلمين، ليس من اختياره، مكان الولادة والأب والأم والبلد والمكان والزمان والظروف هذه ليست باختياره، أما أنا مؤمن والله بكل خلية في جسمي، وبكل قطرة في دمي أن أنسب مكان لأي إنسان مكان ولادته، وأمه وأبوه، وذكر أو أنثى، وخصائصه، هذه متى يعرفها؟ يوم القيامة، قال تعالى:
﴿ وآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الحَمْدُ لِلَّه رَبّ العالَمِينَ ﴾
الدكتور بلال:
رضا مطلق.
الدكتور راتب :
لأن الله عز وجل يكشف له الحكمة عندما جعله ابن موظف، ما جعله ابن مليونير مثلاً، يكون يعلم بالضبط، لأن الله عز وجل علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون، الله وحده يعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
الدكتور بلال:
إذاً هو مسير في بعض الأمور التي ليس لها علاقة بالتكليف، ثم هو مخير فيما كلف به، ثم هو مسير لما اختار، بعد أن يختار فالتكليف تخيير.
سيدي آخر شيء في المقومات الزمن، الله عز وجل أعطاه حياةً دنيا يعيشها.
الزمن مقوم آخر من مقومات التكليف :
الدكتور راتب :
أنا أعتقد أن الإنسان بضعة أيام، هذا تعريف الإمام حسن البصري، الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه. فهو زمن، ولأنه زمن أقسم الله له بمطلق الزمن، فقال تعالى:
﴿ وَالْعَصْرِ ﴾
واو القسم، جواب القسم:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
المعنى أن مضي الزمن وحده يستهلك الإنسان، مؤمن غير مؤمن، صالح غير صالح طالح موضوع ثان، مضي الزمن وحده، فالإنسان بضعة أيام، هذا الزمن الذي سينقضي البطولة والذكاء أن تستهلك هذا الوقت استثماراً لا استهلاكاً، انظر إنسان استيقظ صباحاً ذهب للعمل، رجع تناول طعام الغذاء، نام ساعتين، استيقظ، سهر على فيلم، يوم وراء يوم، جاء يوم القيامة مفلساً، أما البطولة فأن تعرف سرّ وجودك وغاية وجودك، هناك طلب علم، ومعرفة منهج الله، و استقامة على أمره، وإحسان إلى خلقه، ومجالسة العلماء، هناك أعمال تجعلك أسعد الناس، وأنا والله أقول للمؤمن: إن لم تقل ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني عندك مشكلة مع إيمانك، أنت مع الخالق، مع الرحيم، مع الغني، مع اللطيف، مع المقتدر، مع الجبار، مع المعطي، أنت مع الذات الكاملة.
إعادة سريعة لمقومات التكليف :
الدكتور بلال:
جزاكم الله خيراً وأحسن إليكم.
إذاً هو كون ناطق بوجود الله، وبوحدانيته، وبكماله، عقل متفق في مبادئه مع قوانين الكون، فطرة..
الدكتور راتب :
سليمة.
الدكتور بلال:
وشهوة هي محرك.
الدكتور راتب :
وحيادية، حرية مثمنة لعملك.
الدكتور بلال:
وشرع هو الطريق الذي نسير عليه.
الدكتور راتب :
هو اختار و لكن يا ترى هو صح أم غلط عندنا مقياس.
الدكتور بلال:
الشرع هو المقياس، والزمن الذي وهبه الله للإنسان هو حياته، جزاكم الله خيراً سيدي سعدنا جداً بهذه الحلقات بصحبتكم، وأحسن إليكم، إذاً هو كون ناطق بوجود الله، وبوحدانيته، وبكماله، عقل متفق في مبادئه، مع قوانين الكون، الفطرة..
الدكتور راتب :
بارك الله بكم، والله أنا سعيد بكم.
خاتمة و توديع :
الدكتور بلال:
شكر الله لكم كل الشكر، وأنتم أخوتي المشاهدون في ختام هذه الحلقات الطيبات التي سعدنا كل السعادة فيها بوجودكم معنا، نسأل الله تعالى لكم كل خير، نستودعكم الله على أمل بلقاء متجدد دائماً إلى الملتقى نستودعكم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.