- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى :
الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ، ولا اعتصامي ، ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا برُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر ، وما سمعت أذنٌ بِخَبر .
اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين ، اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر ، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير ، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير .
الغاية من وجود الإنسان
أيها الإخوة المؤمنون ؛ كلمة العبادة تدور على جميع الألسنة ، وللناس في فهمها مذاهب شتَّى ، بعضهم يفهم العبادة الطاعة ، وبعضهم يفهمها التقوى ، وبعضهم يفهمها أشياء وأشياء ، ولكنَّ الذي نريد أن نعرف ؛ ماذا أراد الله بها ؟ لماذا ؟ لأنَّ آيةً قرآنيّة واحدة تجعل العبادة هي الهدف الأكبر من خلق الله تعالى ، ماذا خلق الله ؟ ولماذا خلق الله ؟ قال تعالى :
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾
وفي سورة أخرى يقول الله عز وجل :
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾
مختلف ، هذا يسْعى لِجَمع المال ، وذاك يسْعى للقوَّة ، وهذا يسْعى للاستمتاع بمباهج الدنيا ، وهذا يسْعى لإنشاء البساتين ، وهذا يسعى لإشادة الأبنيَة ، وهذا يسعى لِمَجْد علمي ، وهذا يسعى لِنَسبِهِ ، قال تعالى : إنَّ سعيكم لشتَّى .." أيّ سعْيٍ يريده الله عز وجل ؟ أيّ سعْيٍ يُباركه الله عز وجل ؟ أيّ سعْيٍ خلقنا الله لأجله ؟ أيّ سعْيٍ يُسْعِدنا في الدنيا والآخرة ؟ أيّ سعْيٍ صحيح ؟ وأيّ سعيٍ حقّ ؟ أيّ سعيٍ هذا ؟ إنَّ سعيكم لشتّى ؛ سعْيُكم مختلف ، متباعد ، متنوّع ، متناقض ، قد ينتهي سعْيُكم إلى طريق مسدود ، وقد ينتهي سعيكم إلى الموت ، قد يكون الموت حاسمًا لِسَعيِكُم ، قد تضيِّعون الموت ما جمعتموه في الدنيا بأكْملها ، قد تكون مكتسباتكم كلّها لا شيء عند الموت ، قال تعالى :
﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾
قد يكون السعي الحثيث لِجَمع الدرهم والدينار أو لِبُلوغ السلطان ، قد يكون هذا السعي سبب شقاء الإنسان في الآخرة ، قال تعالى :
﴿مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ﴾
قال تعالى :
﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾
شيءٌ خطير أن يسعى الإنسان في طريق مسدود ، أو في طريق ينتهي بالشقاء ، أو في طريق ينتهي بالخسارة المبينة ، قال تعالى :
﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾
قال تعالى :
﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾
إنَّ سعيكم لشتَّى ، أيُّ سعْي صحيح ؟ أيّ سعْيٍ مجْد ؟ أيّ سعْيٍ يُسْعد ؟ أيّ سعْيٍ يُغني ؟ الله سبحانه وتعالى :
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾
عبادة الله وحده هي السعي المجدي ، هي السعي المُسْعِد ، هي السَّعي ذو الطريق الممدود ، هي السعي الذي يُسْعدك إلى أبد الآبدين ، ما هي العبادة ؟ في صورة أخرى ، قال تعالى :
﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
في الآية الأولى :
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾
وفي الآية الثانية :
﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
إذًا كأنَّ العبادة تطابق الرحمة ، فهو تعالى خلقَنَا لِيَرْحمنا ، خلقنا لِنَسْعد به ، وننْعُمَ بِقُربِهِ ، خلقَنا لِجَنَّة عرضها السماوات والأرض خلقنا لِجَنَّة فيها ما لا عينٌ رأَت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، خلقنا لِحَياة أبديّة لا تنقضي ، لا قلق فيها ، ولا حزن فيها ، ولا مرض فيها ، ولا كبَرَ فيها ، ولا جوع فيها ، ولا عطش فيها ، ولا حرَّ فيها ، ولا قرّ فيها ، ولا شيئًا ممَّا في الدنيا من متاعب ، خلقنا لِنَعبدَهُ .
العبادة تبدأ بالمعرفة وتمر بالطاعة وتنتهي بالرحمة .
فما هي العبادة ؟
العبادة ، تبدأ بِمَعرفة الله عز وجل ، وتمرّ بِطاعَتِهِ ، وتنتهي بِرَحمته ، تبدأ بِمَعرفته ، وتمرّ بطاعته ، وتنتهي بِرَحمته ، يعني تعرفهُ فتُطيعُهُ فتَسْعَدَ بِقُربِهِ ، جاء رجلٌ إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال : يا رسول الله جئتكَ لتُعَلِّمني من غرائب العلم ، قال : فماذا صنعْت في رأس العلم ؟ قال : وما رأس العلم ؟ قال : هل عرفْتَ الربّ ؟ حتى إنَّ بعض المفسّرين قال : وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون أيْ لِيَعْرفونني ، إن عرفْته عبدْتهُ ، إن عرفته أطعتهُ وأقبلْت عليه ، إن عرفْتهُ سعِدْت بقُربهِ وتقلَّبْت في رحمته ، قال تعالى :
﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ * وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾
لماذا نعبد الله عز وجل ؟.
سؤال دقيق ، لماذا نعبد الله عز وجل ؟ ما هي المسوِّغات ؟ ما هي الأسباب ؟ وما هي الدوافع ؟ ما هي الأهداف ؟ خلقنا لِنَعبدهُ ، نعرفه فَنُطيعهُ فَنُقْبِلُ عليه ، نعرفه فَنُطيعهُ فَنَسْعدَ بقربِهِ ، الله سبحانه وتعالى في تِسْع آيات من كتاب الله أجاب عن هذا السؤال ؛ لماذا نعبدهُ ؟
1- لأنه خالق .
قال تعالى :
﴿ أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾
ألا يستحقّ الخالق أن تعبده ؟ الذي خلقك من نطفة ، ولم تكن من قبل شيئًا ! قال تعالى
﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً﴾
خلقك من عدم ، كنتَ لا شيء فأصبحت به شيئًا ، الخالق ألا يستحقّ العبادة ؟ هل يستحقّ مع الخالق أحد العبادة ؟ قال تعالى :
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾
خلق العالمين جميعًا ، خلق الخلْق جميعًا ، خلق السماوات والأرض وما بينهما ، وما فيهنّ ، وما تحت الأرض ، وما فوق الأرض ، وما في السماء ، وما بين السماء والأرض ، هذا أكبر سبب ، وأكبر مُسوِّغٍ ، وأكبر حقيقة وراء العبادة ، قال تعالى :
﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾
قال تعالى :
﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾
قال تعالى :
﴿أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ﴾
هذا مُسوِّغ .
2- لأنه مربي .
جوابٌ آخر ، قال تعالى :
﴿اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾
خلقَ ، ولكنَّه الآن يُربِّي ، يعني يُمِدُّك بالغذاء والهواء ، ويُمِدُّك بالماء العذب الفرات ، يمدُّك بألوان الفواكه والخضار ، وبألوان المحاصيل ، يمدُّك بِبَنين ومال ، جعل لك جبالاً ، وأنهارًا ، وسماءً ، وأرضًا ، وبحارًا ، وأطيارًا ، وأسماكًا كلّه من أجلك ، ومن أجل أن تسْعد به ، وهذا مسوِّغٌ آخر ، قال تعالى :
﴿اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾
ألا يستحقّ الرب العبادة ؟ هذا الذي خلقنا ، خلقنا خالق ، أنْعمَ علينا ، وأمدَّنا بكلّ ما نحتاج ، يربّينا ، ويربّي أجسامنا ، ويربّي نفوسنا ، يربّي أولادنا ، الله سبحانه وتعالى هو الربّ ، والحمد لله ربّ العالمين .
3- لأنه مسير .
مسوِّغ ثالث ، ومبرِّرٌ ثالث ، وسبب ثالث ، قال تعالى :
﴿اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾
هو المسيّر ، بيَدِهِ ملكوت السماوات والأرض ، كلّ شيءٍ يتحرّك بأمره ، وبقدرتِهِ ، وبِتَوفيقه ، وبِمَشيئتِهِ ، وبإرادته ، قال تعالى :
﴿اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ﴾
ويؤكِّدهُ في قول آخر :
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾
كلُّهُ ؛ أمْرُ صِحَّتك بكُلّ تفاصيلها إليه ، أمر زواجك بِكُلّ جزئيّاته إليه ، أمْر أولادك ، أمْر رزقك ، أمر عملك ، أمر كسْبك ، أمْر دَخلِكَ ، أمْر المتاعب التي تُعانيها ، أمْر المخاوِف التي تخاف منها ، قال تعالى :
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾
إذًا فاعْبُدْهُ وتوكَّل عليه ، فإذا عبَدْتَ غيرهُ فقد أخْطأْتَ خطأً كبيرًا ، قال تعالى :
﴿يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾
أن تتَّجِه إلى مخلوق وليس بيَدِهِ شيء ، لا يملك لك ، ولا لنفسه نفعًا ولا ضرًّا ، لا يملك لك ولا لنفسه نفعًا ولا ضرًّا ، قال تعالى :
﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾
هذا رسول الله فما قولك فيمن دونه ؟
4- لأنه بثّ في قلبك الطمأنينة.
مُسوِّغٌ رابع ، قال تعالى :
﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾
ماذا تفعل هذه الأموال التي معك لو لم يخلق الله هذه الفواكه والخضار ؟ ماذا تفعل بهذه البيوت لو أصبح ماؤُنا غورًا ؟ ماذا نفعل بِحَياتنا لو أنَّ هذا الماء لم يُخزِّنْهُ الله لنا سنةً بأكملها ؟ قال تعالى :
﴿وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾
ماذا نفعل إذا قلَّتْ نِسبة الأكسجين في الهواء فاخْتنَقْنا ؟! ، قال تعالى :
﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾
من يبثّ في قلبك الطمأنينة ؟ الله عز وجل ، من يُيَسِّر لك رزقك ؟ الله سبحانه وتعالى .
5- لأنه المميت.
سبب آخر ، قال تعالى :
﴿وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾
قال تعالى :
﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾
رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ولو بقُوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت ، ليس لك إلا الله ، قال تعالى :
﴿وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ﴾
هذا الذي يستحقّ العبادة ، إذا جاء ملك الموت فأنت في قبضته ، ومعه ، ولا شيء معك إلا هو .
6- لأن الحكم له .
قال تعالى :
﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾
في كلّ قضيّة الحكم لله ، لذلك أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ، قال تعالى :
﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾
ما دام الحُكم بيَدِ الله وحده ، لا بيَدِ جِهةٍ أخرى ، لذلك أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ، قال تعالى :
﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً﴾
لأنَّه خالق ، ولأنّه ربّ ، ولأنه إله ، ولأنه يرجع الأمر إليه ، ولأنه أطعمنا من جوع وآمنا من خوف ، لأنّه يتوفانا ، ولأنّ الحكم بيدِهِ وحده ، لأنّه ربّ السماوات والأرض وما بينهما ، هذه هي المسوّغات ، وهذه هي الأسباب وهذه هي القضايا الكبرى التي تدفعنا للعبادة .
الدعوة الكبرى هي العبادة الشاملة
شيءٌ آخر ، هل تعلم يا أخي المؤمن أنّ دَعْوَةَ الأنبياء جميعًا هي عبادة الله عز وجل ، قال تعالى :
﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾
وقال تعالى :
﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾
قال تعالى :
﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾
قال تعالى :
﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾
قال تعالى :
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾
الأنبياء جميعًا ، دعوة الأنبياء جميعًا ، ودَعوة الرسل جميعًا فَحْواها ؛ ما لكم من إله غيره ، اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ، لا إله إلا أنا فاعبدون ، وليس هذا في الدّين الإسلامي فحَسْب بل في كلّ الأديان ، وفي كلّ الرسالات ، وفي كلّ الدَّعَوات ، الدَّعوة الكبرى أن تعبد الله وحده ، ولكن يا إخوة الإيمان ليس كلّ عبادة عبادةً ، كما أنَّه ليس كُلُّ مُصلٍّ يُصلّي ، وما كلّ من يعبدُ الله يعبده ، ليست كلّ عبادةٍ عبادةً .
الآية الأولى :
﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً﴾
بعض العلماء ميَّز العبادة عن الطاعة بأنّ العبادة شاملة ، إن لم تعبد الله في كلّ ما أمرك به حصْرًا فأنت لا تعبدهُ ، أن تأخذ ما يروق لك ، وتدع ما لا يروق ، أن تطبّق من أمر الله ما تحتملهُ ، وأن تقول هذا يصْعب عليّ ، فأنت لسْتَ عابدًا لله عز وجل ، والدليل
﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً﴾
يجب أن تكون العبادة شاملةً بِكُل أوامرها ، أنا أتزوّج لأنّ هذه سنّة ، والله أمرنا به وهذا يعود عليك بالخير في الدنيا ، وأنا أقْصر في الصلاة ، طبْعًا هذه سنّة ، ولكنّ البطولة أن تطبّق أمْر الله كلّه ، وفي كلّ ما أمرك به .
الشيء الآخر في العبادة ، قال تعالى :
﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ﴾
يجب أن تكون العبادة خالصةً من الشِّرك ، ومن الرياء ، ومن النفاق ، ومن أن تظهر أمام الناس بِمَظهر العالم ، من أن تُدَغْدِغَ أسماعك ثناء الآخرين ! لا ، اعْبُدِ الله مخلصًا له الدّين ، قال تعالى :
﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾
قال بعضهم الموت ، وقال بعضهم : أطِع الله عز وجل إلى أن ترى الحقائق رؤيا ، الإنسان يسْتيْقِن إذا رأى ، قال تعالى :
﴿قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾
إلى أن تنقلب من مرتبة مُدافعة التَّدَنِّي ، إلى متابعة التَّرقّي ، ومن التطبيق الأعمى ، إلى أن تكون على بصيرة ، قال تعالى :
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾
قال تعالى :
﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾
اُعْبدهُ ، وأطِعْهُ إلى أن تتَّضِح لك الحقائق ، إلى أن ترى الخير خيرًا ، والشرّ شرًّا ، إلى أن ترى حقيقة الصلاة ، حقيقة الزكاة ، حقيقة الصيام ، حقيقة غضّ البصر ، حقيقة النظام الإسلامي ، قال تعالى :
﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾
قال تعالى :
﴿ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾
يجب أن تكون مخلصًا ، ويجب أن تكون العبادة شاملة ، ويجب أن تنتهي بك العبادة إلى الرؤيا ، ويجب أن تكون بعد العبادة شاكرًا ، وفي آية واحدة في كتاب الله ، قال تعالى
﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾
أيْ إن كنتَ في أرْض لا تستطيع أن تعبد الله فيها ، تَحَوَّل عنها ، لا مُبَرِّرَ لك ، ولا شيء يُقْنعُكَ أن تتحوَّل عن عبادة الله ، قال تعالى :
﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾
هكذا يريد الله العبادة ، يريدها شاملة ، يريدها خالصة ، يريدها مع رؤية واضحة ، يريدها مع الشكر ، يريدك أن تؤثر الله على كلّ شيء ، على مصالحك ، أنت في بلد لك مصالح ، ولك علاقات ، ولك ميزان ، ولك مكانة ، إن اسْتحالَت عليك العبادة في بلد ما تحوّل عنها إلى بلد آخر ، لذلك عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه ، عن الرسول صلى الله عليه وسلم :
((أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" قالوا: يا رسول الله ولم؟ قال "لا تراءى نارهما))
إن تحوَّلْت إلى بلدٍ يُعْصى الله فيه جهارًا ، ولا تستطيع أن تعبد الله ، والفجور والفسوق والعِصْيان على قارعة الطريق ، إن أقمْت في هذا البلد لأنَّ مصالحكَ مؤمَّنة ، ودخْلكَ كبير والحاجات ميسَّرة ، وضربْت عرض الطريق بِعِبادة الله عز وجل فأنت من الخاسرين ، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه ، عن الرسول صلى الله عليه وسلم :
((أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" قالوا: يا رسول الله ولم؟ قال "لا تراءى نارهما))
أقِم في بلدٍ تعبد الله فيه ، تصلّي فيه ، وتقيم أمْر الله تعالى ، قال تعالى :
﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ﴾
ماذا يفعل أهل الدنيا ؟ وماذا يعبدون ؟ قال تعالى :
﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً﴾
وقال تعالى :
﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾
وقال تعالى : :
﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾
لا قوّة معه ، ولا رزق معه ، ولا نفْع معه ، ولا ضرّ معه ، ومع ذلك تعبدهُ !! إنِّي والإنس والجن في نبإ عظيم أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويُشْكر سواي ، خيري إلى العباد نازل ، وشرّهم إليّ صاعد ، أتحبّب إليهم بِنِعَمي وأنا الغني عنهم ، ويتبغَّضون إليّ بالمعاصي وهم أفْقر شيءٍ إليّ ، ؟ قال تعالى :
﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً﴾
وقال تعالى :
﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾
وقال تعالى :
﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾
قال تعالى :
﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ﴾
قال تعالى :
﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً﴾
لا يسمعك إذا ناديْتهُ ، وإن سمه لا يستجيب لك ، ولا يستطيع أن يستجيب لك ، لمَ تعبد ما لا يسمع ، ولا يبصر ، ولا يغني عنك شيئًا ؟ قال تعالى :
﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ﴾
قال تعالى :
﴿قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ﴾
هذه آية تنطبق على عبّاد الأصنام ، وتنطبق على البشر الذين يصنعُ شيئًا من صُنع أيديهم ثمّ يعظِّمونه من دون الله .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ ما علاقة الذين يعبدون الله بالذين لا يعبدون الله ؟! في آيتين تتحدَّد العلاقة ، قال تعالى :
﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً﴾
إن لم يعبدوا الله فاعتزِلوهم ، وإلا انْجرفتم معهم ، وأصابكم ما سيُصيبهم ، وقال تعالى :
﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾
لا بدّ من أن تكون بينك وبينهم بعْدٌ شاسع .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزِنوا أعمالكم قبل أن توزَنَ عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا ، فلْنتَّخِذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنَّى على الله الأماني .
والحمد لله رب العالمين
***
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين ، وأشهد أنّ سيّدنا محمدًا عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم ، اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين .
عبادة الله ونتائجها
أيها الإخوة المؤمنون ؛ لا بدّ من أن تعتزل الذي يعبد غير الله ، لا بدّ من أن تُقِم بينك وبينه هوّة كبيرة ، لا بدّ من حجاب حاجز بينك وبينه ، وإلا انجرفْت معه ، وهذا الذي يقع فيه معظم المسلمين ، إن كان لك صاحب مشرك يعبد غير الله فلا تصْحبهُ فإنَّ به ضررًا كبيرًا ، الله سبحانه وتعالى يصف عبادة مَرَضِيَّة ، قال تعالى :
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾
تعبد الله ما دامت الأمور على ما يُرام ، فإن كان فيها ما يُقْلقك تركْت العبادة !! هذه حالة مرضِيَّة يقع فيها ضِعاف الناس ، قال تعالى :
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾
يجب أن تعبد الهأ في الرّخاء ، وأن تعبده في الشدّة ، وأن تعبده في الفقر وفي الغِنى ، وأن تعبدهُ في الصّحة والمرض ، وأن تعبده في إقبال الدنيا وفي إدبارها ، وأن تعبدهُ وأنت شابّ وكذا كهل وكبير في سنّ ، وأن تعبده وأنت غير متزوّج وأنت متزوّج ، وأن تعبده وأنت موظّف صغير وأنت موظّف كبير ، يجب أن تعبده في كلّ حالات ، أما هؤلاء الضِّعاف ، قال تعالى :
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾
نتائج العبادة ، وهي آخر فقرة في هذه الخطبة ، قال تعالى :
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾
طمأنينة ما بعدها طمأنينة ، وتمكين في الأرض ما بعده من تمكين ، واسْتِخلاف في الأرض ما بعده اسْتِخلاف ، كلّ هذا ثمنه يعْبدونني ، لذا العبادة هي كلّ شيء ، قال تعالى :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
الدعاء :
اللهمّ اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيْت ، وتولَّنا فيمن تولّيْت ، وبارك اللّهم لنا فيما أعْطيت ، وقنا واصْرف عنَّا شرّ ما قضَيْت فإنَّك تقضي ولا يُقضى عليك ، إنَّه لا يذلّ من واليْت ، ولا يعزّ من عادَيْت ، تباركْت ربّنا وتعاليْت ، ولك الحمد على ما قضيْت نستغفرك اللهمّ ونتوب إليك ، اللهمّ هب لنا عملاً صالحًا يقرّبنا إليك ، اللهمّ أعطنا ولا تحرمنا ، وأكرمنا ولا تهنّا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وارضَ عنَّا ، وأصْلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصْلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصْلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا ، واجْعل الحياة زادًا لنا من كلّ خير ، واجعل الموت راحةً لنا من كلّ شرّ ، مولانا ربّ العالمين ، اللهمّ اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمَّن سواك ، اللهمّ لا تؤمنَّا مكرك ، ولا تهتِك عنَّا سترَك ، ولا تنسنا ذكرك ، يا رب العالمين ، اللهمّ إنَّا نعوذ بك من عُضال الداء ومن شماتة العداء ، ومن السَّلْب بعد العطاء ، يا أكرم الأكرمين ، نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الذلّ إلا لك ، ومن الفقر إلا إليك ، اللهمّ بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحقّ والدِّين وانصر الإسلام وأعزّ المسلمين ، وخُذ بيَدِ وُلاتهم إلى ما تحبّ وترضى إنَّه على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .