وضع داكن
24-04-2025
Logo
الدرس : 60 - سورة النساء - تفسير الآيات 136-141 الإيمان درجات
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
 الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.

الإيمان درجات :


 أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الستين من دروس سورة النساء ومع الآية السادسة والثلاثين بعد المئة، وهي قوله تعالى: 

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا(136)﴾

[ سورة النساء  ]

 أيها الإخوة، في الآية ملمحٌ لطيفٌ، وهو أن الله يخاطب الذين آمنوا ويأمرهم أن يؤمنوا، معنى ذلك أن الإيمان درجات، وأن من درجاته أنه لا ينجّي، من بعض درجات الإيمان أنه لا ينجي صاحبه، الحد الأدنى المُنجّي للإيمان أنْ يحملك على طاعة الله، ومهما يكن إيمانك واضحاً في ذهنك ولم تستقم على أمر الله فإيمانك هذا لا ينجّي، لأنه قد قيل: "كفى بالمرء علماً أن يطيع الله أو أن يخشاه، وكفى به جهلاً أن يعصيه"، فحينما يعصي الإنسان ربه فهو لا يعرفه، لو كان الله عز وجل عنده عظيماً لما عصاه، وحينما يقول الله عز وجل: 

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا(41)﴾

[  سورة الأحزاب ]

 لو أردت أن تضع تحت كلمة إشارة إلى أنها أهم كلمة في الآية، تحت أي كلمة تضع خطاً؟ ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ تحت كلمة "كثيراً" ، لأن المنافق يذكر الله، بدليل قوله تعالى: 

﴿ إِنَّ ٱلْمُنَٰفِقِينَ يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَٰدِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوٓاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلً ا(142)﴾

[  سورة النساء ]

 فالأمر مُنصَبّ على الذكر الكثير.

الإيمان المنجي هو الإيمان الذي يحمل صاحبه على طاعة الله:


 الآن: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ﴾ يعني أنت مؤمن، ولكن إيمانك لا يكفي، لا بد أن تجدد إيمانك، وعلامة الإيمان المنجي هو الإيمان الذي يحمل صاحبه على طاعة الله، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

(( الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ. ))

[ أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة  ]

 التوحيد يأتي على قمة درجات الإيمان، التوحيد ألا ترى مع الله أحداً، ألا ترى إلا الله، أن ترى الفعل فعل الله، التوحيد يعني أن تؤمن أنه لا معطي ولا مانع، ولا نافع ولا ضار، ولا معز ولا مُذِلّ إلا الله، التوحيد أن تتجه كل طاقاتك إلى الله عز وجل، التوحيد مريح لأن علاقتك بواحد، إن أرضيته انتهى الأمر، إن أطعته انتهى الأمر، هو الذي: 

﴿ وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُۥ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى(7)﴾

[ سورة طه ]

 يعلم الذي تُسِرّه، ويعلم الذي يخفى عنك، وإذا كانت علاقتك بالله متينة فلا تحتاج لا إلى أن تكون قلقاً، ولا إلى وثيقة، ولا إلى مستند، الله يعلم: 

﴿ ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَٰلَٰتِ ٱللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُۥ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبًا (6)﴾

[  سورة النساء ]


أهمية التوحيد :


 ما من مستوى في الإيمان يحتاجه المسلمون اليوم كالتوحيد، من دون توحيد الإنسان قلق، هناك أقوياء كُثر، وقساة ولا يرحمون، ويتربصون بالمؤمنين، ومعهم قوة تُرى بالعين المجردة، لكن الموحد يرى يد الله فوق أيديهم، الموحد يرى أن كل أفعالهم تستوعبها خطة الله عز وجل، يرى أن كل طغيانهم سمح الله به لحكمة بالغة. 

﴿ وَوُضِعَ ٱلْكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلْكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحْصَىٰهَا ۚ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)﴾

[  سورة الكهف ]

 الظالم سوط الله ينتقم به ثم ينتقم منه، وأنا أقول لكم أيها الإخوة: إن أحد أكبر أسباب الأمراض الكثيرة هو الشدة النفسية، والشدة النفسية أساسها الشرك، أن ترى إنساناً أقوى منك، ولا يحبك، ويريد أن يدمرك، المعاني الثلاثة كافية لإصابة الإنسان بأمراض مستعصية، أما إذا رأيت هذا الإنسان القوي بيد الله، كما قال أحد الأنبياء: 

﴿ مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ (55)إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(56)﴾

[  سورة هود  ]

 أيها الإخوة، لا يُعقل ولا يُقبل أن يُسلِمك الله لغيره، كيف يأمرك أن تعبده وأمرك ليس بيده بل بيد غيره، الله عز وجل طمأنك قال: 

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[  سورة هود  ]

 الأمر كله، وهذا الذي يجري بالعالم الإسلامي، بنظر توحيدي سهل قبوله، أما بنظر شركي لا يُحتمل، ما من مرحلة المسلمون في أمس الحاجة إلى التوحيد كهذه المرحلة.

حق الله على العباد وحق العباد على الله:


 قال تعالى: 

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ(213)﴾

[ سورة الشعراء ]

 الإنسان لا يعلم، وإذا علم لا يرحم، وإذا رحم لا يستمر، أما حينما تؤمن أن الله بيده كل شيء، وأن علاقتك معه، فيكفي أن ترضيه، ويكفي أن تطيعه، والباقي عليه، المؤمن يتمتع بحالة أمن عجيبة جداً، يتمتع بمشاعر أمنية لو وُزِّعت على أهل بلد لكفتهم، أنا عليّ أن أطيعه وعلى الله الباقي. 

﴿ بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ(66)﴾

[  سورة الزمر ]

 ما كلفني إلا أن أطيعه، فإذا أطعته يتولى هو تدبير شؤوني، وقد قال بعضهم: دبِّر ألا تدبر، لك عليه حق، حقه عليك أن تعبده، فإذا عبدته حقك عليه ألا يعذبك. عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: 

((  كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ -كان عليه الصلاة والسلام مربيّاً- قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ ـ جيد ـ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً -أي أن الله عز وجل أنشأ لك حقاً عليه- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ، قَالَ: لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا. ))

[ متفق عليه عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ]


أثمن نعمة على وجه الأرض نعمة الأمن :


 أنت لك حق على خالق السماوات والأرض، أنشأ لك حقاً على ذاته العلية ألا يعذبك، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً، لذلك المؤمن المصدق لما في القرآن الكريم يتمتع بحالة من الأمن لا يعرفها إلا من ذاقها، وهذا مصداق قوله تعالى: 

﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰنًا ۚ فَأَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(81) ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ(82)﴾

[  سورة الأنعام  ]

 أي الذين آمنوا وحدهم ﴿وَلَمْ يَلْبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ والله أيها الإخوة، أكاد أقول لكم: ما من نعمة على وجه الأرض أثمن من الأمن، قد يكون معك مال ولست آمناً، وقد تكون صحيحاً ولست آمناً، قال بعض العلماء: أنت من خوف الفقر في فقر، ومن خوف المرض في مرض، وتوقُّع المصيبة مصيبة أكبر منها، فهذه النعمة نعمة خاصة بالمؤمنين: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِاللَّهِ﴾ آمِن بالله كي تشعر أن الأمر بيد الله، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ) التوحيد مريح، التوحيد ليس معه قلق، والتوحيد ليس معه خوف، والتوحيد ليس معه اضطراب، أمرك بيد واحد، والواحد مقتدر ويعلم، وحكيم، ورحيم، ومحب.

مستوى الإيمان :


 الأمر بيد الإله، وهو رحيم، إذا كانت لك قضية في دائرة، وأُبلغت أن الأمر بيد فلان، وفلان يخاف الله، ولا يظلم أحداً، ترتاح، وحقك يصلك، فهذه قضية: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ﴾ دائماً الإنسان لا يرضى عن رزقه لكن يرضى عن عقله، وعن مستوى إيمانه، البطولة ألا ترضى عن مستوى إيمانك، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( إنَّ الإيمانَ ليَخلَقُ في جوفِ أحدِكم كما يَخْلَقُ الثوبُ ، فاسأَلوا اللهَ أن يُجدِّدَ الإيمانَ في قلوبِكم. ))

[ أخرجه الطبراني ]

 أن ترى يد الله وحدها تعمل.

﴿ ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَٰنًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ(173) فَٱنقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍۢ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوٓءٌ وَٱتَّبَعُواْ رِضْوَٰنَ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ(174)﴾

[ سورة آل عمران ]


لا ينبغي أن تقر أعيننا إلا بإيمان مؤدّاه الاستقامة على أمر الله :


 كلمة: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ﴾ الإيمان درجات كثيرة جداً، لكن أهم شيء أنه إذا كنت في درجة لا يقودك إيمانك إلى طاعة الله ينبغي أن تشمّر وتجدّد إيمانك، لا ينبغي أن تقرّ عينك إلا بإيمان مؤدّاه الاستقامة على أمر الله: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِاللَّهِ﴾ آمِن بأن الله موجود. مرة في ندوة إعلامية طالبت الإخوة المشاهدين أن يستمعوا إلى الأخبار، وأن يستمعوا إلى تحليلاتها، وليقبلوا بعض التحليلات، وليرفضوا بعضها الآخر، لكن قلت لهم: لا تنسَوا لثانية واحدة أن الله موجود. 

﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِۦ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا(10)﴾

[  سورة الفتح ]

 في زحمة المِحن الإسلامية ينسى المسلمون أن الأمر بيد الله، يقعون في شرك خفي، يرون أن الأمر بيد وحيد القرن، فمَن رضي عنه سلِم، ومن لم يرضَ عنه عُطِب وأُهلِك، هذا التفكير وحده يحطّم الإنسان، الله عز وجل خلقك ولا يمكن أن يُسلِمَك لأحد: 

﴿ مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56)﴾

[  سورة هود  ]


القرآن فيه كليات والنبي عليه الصلاة والسلام بيَّن التفصيلات :


 الله عز وجل ألزم نفسه بالاستقامة إلزاماً ذاتياً، قال لك: أنا لا أظلمك: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ﴾ إذاً دعوة إلى تجديد الإيمان، دعوة إلى البحث عن مستوى في الإيمان يحملك على طاعة الواحد الديان، دعوة إلى التفكر في خلق السماوات والأرض، وإلى النظر في أفعال الله، وإلى تدبر آياته القرآنية، أما الإيمان بالرسول فهو الذي تولى شرح هذا القرآن. 

﴿ بِٱلْبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(44)﴾

[  سورة النحل ]

 هذا القرآن فيه كليات من شرحه لنا؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم، من بيَّن تفاصيل العبادات؟ من بيَّن تفاصيل المعاملات؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يعقل أن تكتفي بالقرآن، القرآن فيه كليّات والنبي عليه الصلاة والسلام بيَّن التفصيلات، فينبغي أن تؤمن بالله الذي أوجدك من عدم، أن تؤمن بالله الواحد الكامل، وأن تؤمن بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، وأن تؤمن بهذا الإنسان المعصوم الذي أنزل عليه القرآن وأمره أن يبين أحكامه: ﴿ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ﴾ هذا منهج.

شريعة نبينا عليه الصلاة والسلام خاتمة الشرائع وهي لكل البشر إلى يوم القيامة:


 قال تعالى: 

﴿ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ ۖ ثُمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ(1)﴾

[  سورة الأنعام ]

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلۡكِتَٰبَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ (1)﴾

[  سورة الكهف ]

 الكون في كفة والقرآن في كفة ثانية، ﴿وَٱلۡكِتَٰبِ﴾ أي القرآن ﴿ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ﴾ وهذه الألف واللام هي ألف ولام العهد: ﴿وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ﴾ نؤمن بهذا القرآن، وبأن الله أنزل كتباً أخرى على أنبياء سابقين، و"ال" الثانية هي "ال" الجنس والكتاب هو وحي الله لأنبيائه. 

﴿ ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍۢ مِّن رُّسُلِهِۦ ۚ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ(285)﴾

[  سورة البقرة ]

 الدين واحد والشرائع متعددة، لكن شريعة نبينا عليه الصلاة والسلام خاتمة الشرائع، وهي لكل البشر إلى يوم القيامة: ﴿وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِه﴾ أي وملائكته أنهم يكتبون كل أفعالنا ﴿وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا﴾ .

الإيمان بالله واليوم الآخر:


 إخوتنا الكرام، أكثر ركنَين متلازمين من أركان الإيمان في القرآن هما الإيمان بالله واليوم الآخر، والإيمان بالله وحده لا يكفي، الإيمان بالله واليوم الآخر أي هناك حساب ودفع ثمن وعقاب، وهناك جنة ونار، أؤكد لكم أيها الإخوة، أنه لمجرد أن تؤمن باليوم الآخر الإيمان الصحيح ينبغي أن تنعكس كل مقاييسك، علامة أنك مؤمن باليوم الآخر أن تبني حياتك على العطاء لا على الأخذ، تبني حياتك على بذل الجهد لا على استغلال جهد الآخرين.
 إنْ لم تؤمن أن هذه الدنيا دار ابتلاء لا دار استواء، ومنزل ترَح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي.  
ما لم تؤمن أن الأمر بيد الله، وأن هذه الدنيا ممر، وليست بمقر، وأن هذه الدنيا دار عمل وليست دار أمل، وأن هذه الدنيا دار تكليف، وليست دار تشريف، أنت حينما تؤمن بحقيقة الدنيا وبحقيقة الآخرة تنعكس كل المقاييس. 
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ﴾ أي جميع الكتب "ال" الجنس ﴿ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا﴾ إنسان يعيش للدنيا فقط، هذا من أكبر ضُلَّال الأرض، لأن في الحياة قوياً وضعيفاً، وغنياً وفقيراً، وصحيحاً ومريضاً، وطويل العمر وقصير العمر، ووسيماً ودميماً، لو أنه ليس هناك آخرة فما ذنب الدميم؟ وما ذنب الفقير؟ وما ذنب الضعيف؟ وما ذنب المريض؟ وما ذنب قصير العمر؟ لا بد من دار أخرى تُسوّى فيها الحسابات.

أكبر عزاء للمستضعفين في الأرض أن الحسابات كلها تسوى يوم القيامة:


 لا تبتعدوا كثيراً دولة قوية عملاقة، معها سلاح فتّاك مدمِّر، لا تستطيع دولة في الأرض أن تقول لها: لا، وتستغل قوتها لسلب ثروات الآخرين، ونهب ممتلكاتهم، وبناء مجدها على أنقاضهم، وتنتهي الحياة، ولا شيء بعد الحياة؟ هذا لا يقبله عاقل، بالمناسبة أيها الإخوة عند علماء العقيدة الإيمان باليوم الآخر إيمان إخباري، أي أن الله أخبرنا، لكن عند بعض العلماء، -وأنا أقدره- يقول: الإيمان باليوم الآخر إيمان عقلي، لأن العقل البشري لا يصدق أن تكون في الدنيا هذه الفتن وتلك الحروب، وهذه المنازعات، وهذا الظلم، وهذا القهر، وهذا القتل، وهذا التهديد، وهذا الكبر، وتنتهي الحياة هكذا، ماذا يقول هذا الفقير: لمَ لمْ أكن غنياً يا رب؟ لمَ لمْ أكن قوياً؟ لمَ لمْ أكن وسيماً؟ لمَ لمْ أكن طويل العمر؟ لذلك أيها الإخوة أن تنتهي الحياة الدنيا من دون يوم آخر هذا لا يقبله عقل سليم، لذلك أكبر عزاء للمستضعفين في الأرض، أكبر عزاء لمن فاتته الدنيا وكان مؤمناً مستقيماً أن الحسابات كلها تُسوّى يوم القيامة: 

﴿ وَهُوَ ٱلَّذِى يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ۚ وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلْأَعْلَىٰ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ(27)﴾

[ سورة الروم ]

﴿ إِنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ (15)﴾

[ سورة طه ]

 يعيد الخلق كي يجازي كل إنسان بعمله، قال تعالى: 

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚ وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ۗ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلً ا (77)﴾

[ سورة النساء ]

﴿ وَنَضَعُ ٱلْمَوَٰزِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْـًٔا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍۢ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ (47)﴾

[  سورة الأنبياء ]


لمجرد أن تؤمن بالله واليوم الآخر تنعكس كل الموازين:


 تركيز على كلمة "واليوم الآخر"، إذا آمنت باليوم الآخر ينبغي أن تنعكس كل موازينك، ترى الذكاء في العطاء لا في الأخذ، الذكاء في التعب لا في الراحة، الذكاء في خدمة الآخرين لا في استغلال جهودهم، ترى الذكاء في أن ترحم الناس لا أن يرحموك، لمجرد أن تؤمن بالله واليوم الآخر تنعكس كل الموازين، قال تعالى: 

﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ٱزۡدَادُواْ كُفۡرًا لَّمۡ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغۡفِرَ لَهُمۡ وَلَا لِيَهۡدِيَهُمۡ سَبِيلَۢا(137)﴾

[ سورة النساء  ]

 بعضهم آمن بموسى وكفر بعيسى كاليهود، وبعضهم آمن بعيسى، وكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ٱزۡدَادُواْ كُفۡرًا﴾ حينما كانوا منافقين. 

﴿ إِنَّ ٱلْمُنَٰفِقِينَ فِى ٱلدَّرْكِ ٱلْأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا(145)﴾

[ سورة النساء ]

 لأن الكافر واضح تحترز منه، والمسلم واضح، أما المنافق فـكما قال الشاعر: 

يعطيك من طرف اللسان حلاوةً        ويروغُ منكَ كما يروغُ الثّعلبُ 

[ صالح بن عبد القدوس ]

﴿ثُمَّ ٱزۡدَادُواْ كُفۡرًا لَّمۡ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغۡفِرَ لَهُمۡ وَلَا لِيَهۡدِيَهُمۡ سَبِيلَۢا﴾ بالمناسبة: النفاق أيها الإخوة نوعان؛ نفاق ضعف أمام الشهوات، ونفاق ضعف أمام الشُّبُهات، هذا المنافق يُرجى له الخير في المستقبل، هذا نفاق الضعف، لكن نفاق الكفر هو في الأصل كافر، كافر في أشد أنواع الكفر، لكنه ذكي، مصالحه مع المسلمين فقلّد أهل الإيمان تقليداً دقيقاً، فأرضى المسلمين وحقق مصالحه معهم، فنال من ذات المؤمنين، هم ما عرفوه أنه منافق، وكان في الأصل كافراً، لذلك لأنه نال ميزتين معاً هو يوم القيامة في الدرك الأسفل من النار، في أسوأ درجات النار.

النفاق نوعان؛ نفاق ضعف ونفاق كفر وهو الأخطر:


 قال: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ٱزۡدَادُواْ كُفۡرًا لَّمۡ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغۡفِرَ لَهُمۡ وَلَا لِيَهۡدِيَهُمۡ سَبِيلَۢا﴾ هؤلاء منافقو الكفر، وليسوا منافقي الضعف، منافقو الضعف في عقيدتهم ضعف، أو ضعفٌ أمام شهواتهم، هؤلاء يُرجى لهم أن يحسن إسلامهم، ولكن الكافر إذا نافق هو في الأصل كافر، لكن أراد أن يستفيد من مِيزات المؤمنين فأظهر الإيمان وأبطن الكفر، هؤلاء أساساً لا يتوبون: ﴿لَّمۡ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغۡفِرَ لَهُمۡ وَلَا لِيَهۡدِيَهُمۡ سَبِيلَۢا﴾ .

﴿ بَشِّرِ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ بِأَنَّ لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمًا(138)﴾

[ سورة النساء  ]

 أيها الإخوة، من منا يصدق أنه لمجرد أن تعتز بكافر، أو أن تستعين بكافر، أو أن تستنجد بكافر، أو أن توالي كافراً، أو أن تحب كافراً، فمثل هذا الإنسان محكوم عليه بالنفاق مئة بالمئة، قال تعالى: 

﴿ بَشِّرِ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ بِأَنَّ لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمًا(138) ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ أَيَبۡتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلۡعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلۡعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا(139)﴾

[ سورة النساء ]


أشد وعيد في القرآن هو وعيد قتل المؤمن عمداً :


 أنت فيما تسمع وفيما ترى كم عدد هؤلاء الذين يعتمدون على الكفار، ويعتزون بهم، ويستنجدون بهم، ويوالونهم، ويعادون إخوانهم المؤمنين؟ لا يعدون ولا يُحصَون: ﴿بَشِّرِ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ بِأَنَّ لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمًا*ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ﴾ ولاؤه للكافر، محبته للكافر، قدوته الكافر، استعانته بالكافر، فكيف إذا أعان كافراً على مسلم؟ كيف إذا أعان كافراً على قتل مسلم؟ هيّأ له السُّبُل، أعطاه الأرض والأجواء وهيّأ له كل ما يحتاج ليُقتَل المسلم؟ وهل تعلمون أن في القرآن وعيداً أشد من وعيد قتل المؤمن: 

﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمًا(93)﴾

[  سورة النساء ]

 في جهنم، عذاب استثنائي، لو قرأت هذا الوعيد لا تجد في القرآن كله وعيداً أشد من وعيد قتل المؤمن عمداً، فالذي يُسهّل قتل المؤمن، يقدم له الأرض، يقدم له الإمكانات، يقدم له المياه الإقليمية، يقدم له الأجواء، من أجل أن يشعر بالطمأنينة، هو اعتز بالكافر، واطمأنّ إليه ﴿بَشِّرِ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ بِأَنَّ لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمًا*ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ أَيَبۡتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلۡعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلۡعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ .

لو طبّق المؤمنون الآية التالية لكنا في حال أفضل من هذه الحال:


 أيها الإخوة، بقيت آية، لكن والله الذي لا إله إلا هو لو أن المؤمنين طبقوها لكنا في حال غير هذا الحال، قال تعالى: 

﴿ وَقَدۡ نَزَّلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أَنۡ إِذَا سَمِعۡتُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ يُكۡفَرُ بِهَا وَيُسۡتَهۡزَأُ بِهَا فَلَا تَقۡعُدُواْ مَعَهُمۡ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيۡرِهِۦٓ إِنَّكُمۡ إِذًا مِّثۡلُهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا(140)﴾

[ سورة النساء  ]

 أي إنسان كافر بأصل الصلاة لا يصلي ويسخر ممن يصلي، قد يزور أقرباءه المؤمنين، يرحبون به، ويكرمونه، ويستقبلونه، ويودعونه، ولا يعبؤون بأنه لا يصلي، بل ينكرها أصلاً، لو أن كل إنسان خالف منهج الله عز وجل فقاطعه مَن حوله، الآن فتاة سافرة تبرز كل مفاتنها في الطريق لو طافت على كل بيوت أقربائها تُستقبَل! ويُرحَّب بها! ويُثنى على ذكائها! وتُسأل عن دراستها في الجامعة! وأين وصلتِ؟ حسناً هذه حينما يُرحَّب بها في كل مكان لماذا تستقيم على أمر الله؟ لو كل إنسان خرج على منهج الله نقاطعه، انظر إلى الآية ودقتها: ﴿وَقَدۡ نَزَّلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أَنۡ إِذَا سَمِعۡتُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ يُكۡفَرُ بِهَا وَيُسۡتَهۡزَأُ بِهَا فَلَا تَقۡعُدُواْ مَعَهُمۡ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيۡرِهِۦ﴾ .

التساهل في العلاقات سبّب تساهلاً في التوبة:


 تارك صلاة، قد يكون شارب خمر، قد يكون له أعمال من دون ذلك، وقد يكون ماله حرام، أينما ذهب يُستقبَل، ويُكرَّم، ويُرحَّب به، وكأن أمور الدين لا تعنينا إطلاقاً، يعنينا هذه العلاقات العائلية، وعلاقات النسب، وعلاقات العمل، أما إذا المؤمن الصادق رأى إنساناً منحرفاً، عقيدته فاسدة، أو سلوكه غير مستوٍ، بقي معه في حدود علاقات العمل، ولم يزد عليها أبداً. بالمناسبة: لا يجوز أن تقيم علاقة حميمة مع كافر، علاقة عمل يجوز، من دون ودّ، تؤدي واجبك، تسلّم عليه، تأخذ التعليمات، تنفذها فقط، أما أن تقيم علاقة حميمة مع إنسان ينكر عليك أصل دينك، ينكر عليك شريعة ربك، لا يعبأ بما تعتقد به أنت، فهذا التساهل في العلاقات سبّب تساهلاً في التوبة.
 هؤلاء الصحابة الذين تخلّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا صادقين، وجاء الأمر بمقاطعتهم، لو كان كل المسلمين كذلك إنسان يجاهر بالمعصية جِهاراً، لا يصوم، ويأكل أمام الناس، وقد يزور أخته التي ترحّب به أشد الترحيب، وكأنه ولي، أما إذا قاطعته أخته وأخوه، ولم يُدعَ إلى طعام، ولم يُبجَّل، ولم يُحترَم، يراجع نفسه.
 يقسم بالله رجل كان غارقاً في شرب الخمر، اشترى الخمر ووضعه في محفظته واستوقف سيارة عامة، فلما وقفت له ورأى السائق أن في جعبته خمراً، أوقف المركبة وقال له: انزل، يقول هذا الإنسان: سبب توبتي هذا السائق، شعر بمهانة كبيرة جداً، فإذا أمر كل واحد منا بالمعروف ونهى عن المنكر، وهذه هي الفريضة السادسة، ذكرت قبل قليل قد تأتي ابنة أخيك وتزورك، وثيابها فاضحة، ولا تعبأ بهذا أبداً، ولا تسأل إلا عن دراستها، وعن أبيها، وعن أحوالها المعيشية، وانتهى الأمر، مثل هؤلاء الناس سوف يُحاسَبون عند الله، وقد أمر الله عز وجل الملائكة بإهلاك قرية، فقال بعض الملائكة: يا رب إن فيها رجلاً صالحاً، قال: به فابدؤوا، عجيب! قالوا: ولمَ؟ قال: لأن وجهه لم يكن يتمعّر لمنكرٍ رآه، ما تأثر. 

﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍۢ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ(117)﴾

[  سورة هود ]

 مصلحون لا يهلكون، أما صالحون يهلكون، صالح ولا يعبأ بالناس! لو أنت أقمت علاقاتك مع الناس على أساس إيماني؛ تستقبل مؤمناً، ترحب به ولو كان فقيراً، تحترمه، تدعوه إلى غداء، والإنسان الذي ليس فيه دين، ويستهزئ بالدين طبعاً كحكم شرعي إذا كان الإنسان مقصراً في الدين فلك أن تكرمه، مقصراً ليس مستهزئاً، المقصر شيء والمستهزئ شيء، المقصر تستجلبه أما المستهزئ فينبغي أن تقاطعه.

المؤمن معه حجة قوية دائماً :


 قال تعالى: ﴿وَقَدۡ نَزَّلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أَنۡ إِذَا سَمِعۡتُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ يُكۡفَرُ بِهَا وَيُسۡتَهۡزَأُ بِهَا فَلَا تَقۡعُدُواْ مَعَهُمۡ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيۡرِهِۦٓ إِنَّكُمۡ إِذًا مِّثۡلُهُمۡۗ﴾ تجلس في سهرة يُستهزَأ فيها بكتاب الله، يُستهزأ فيها بحديث رسول الله، أو تطرح أفكاراً غير صحيحة، وتبقى ساكتاً؟ لا، أنا أتكلم، وآتي بالحجة. 

﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِۦ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍۢ مَّن نَّشَآءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ(83)﴾

[  سورة الأنعام ]

 ليس هناك مؤمن ليس معه حجة، أما أن أسكت وأستمع إلى المنكر، إلى الكفر البُواح! ولتحقيق مصالحي مع هؤلاء أبقى صامتاً، هذا يقع كل يوم، مدير شركة، مدير مؤسسة، الموظف جالسٌ أمامه وهو يتكلم كلاماً غير مقبول، خلاف القرآن، خلاف السنة، بالعكس يقول له: هذا صحيح، يبتغي عنده العِزة، يبتغي عنده تأمين مصالحه، هذه آية دقيقة جداً.
 أنا أذكر دائماً قصة مشهورة مع أنها بسيطة جداً، وأعدتها عليكم كثيراً، سائق سيارة على خط دمشق بيروت، جاءه شاب وشابة يريدان الركوب إلى دمشق، فصعدا المركبة، قال له الشاب: سيأتي بعد قليل رجل ومعه محفظة، فانتظر قليلاً، قال له: حسناً، جاء بعد ربع ساعة رجل عمره سبعون سنة يحمل محفظة على رأسه، فجاء هذا الشاب، وضرب هذا الرجل على رأسه لتأخره في الحضور، السائق لم ينتبه، انطلق بمركبته، وصل إلى مسافة لا بأس بها في طريقه إلى الشام، تقول له زوجته: لماذا ضربت أباك؟ توقف، وقال له: هذا أبوك؟ انزل وهذه الأجرة، موقف بسيط جداً، أنت أركبت شخصاً يضرب أباه، هناك خطر على المركبة. فإذا أمرنا كلنا بالمعروف، ونهينا عن المنكر، ولم نُعِن كافراً، ولم نبتسم له، ولا رحبنا فيه، ولا استقبلناه، ولا دعوناه، وكان معنا حجة قوية، وأدلينا بحجتنا لكنّا في حال غير هذا الحال. أساساً حينما قال الله عز وجل:

﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ ۗ وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَٰبِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ(110)﴾

[ سورة آل عمران ]

 هذه الخيرية لها علة قال: ﴿تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ﴾ فإذا فقدنا علة الخيرية فقدنا الخيرية. 

هان أمر الله علينا فهنّا على الله لذلك فقدت أمتنا خيريتها:


 نحن الآن أيها الإخوة والله أمة -والله أستحي أن أقول هذا الكلام- لا يعبأ الله بها أبداً، لأن أمرَ الله هان عليها فهُنّا على الله، الذي ترونه لا يُحتمل، تُؤخَذ الأرض، تُهدَم البيوت، يُقتَل الشباب، تُردَم الآبار، تُقتلَع الأشجار، كل يوم قتل عشوائي، هان أمر الله على المسلمين فهانوا على الله، أين قوله تعالى:

﴿ ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمۡ فَإِن كَانَ لَكُمۡ فَتۡحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوٓاْ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡ وَإِن كَانَ لِلۡكَٰفِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوٓاْ أَلَمۡ نَسۡتَحۡوِذۡ عَلَيۡكُمۡ وَنَمۡنَعۡكُم مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ فَٱللَّهُ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَلَن يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ سَبِيلً ا(141)﴾

[ سورة النساء  ]

 والله لهم علينا ألف سبيل وسيبل، أين قوله تعالى:

﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْـًٔا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ(55)﴾

[  سورة النور ]

 والله لسنا مستخلفين، أين قوله تعالى ﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ﴾ والله لسنا مُمكَّنين، أين قوله تعالى: ﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ والله لسنا آمنين، كل يوم تهديد، لا نرتاح يومين وفي اليوم الثالث تهديد، واعتبروا بما جرى، وبما فعلنا بغيركم، اعتبروا، أين؟ هان أمر الله علينا فهُنَّا على الله ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ﴾ لو عندنا إيمان قوي أي إنسان خرج عن منهج الله يُقاطَع.

إن أردت تقوى الله عز وجل فعليك بمصاحبة المؤمنين:


 إخواننا الكرام، كل الناس كانوا يؤدّون الفجر في المسجد، إذا تخلف إنسان يأتون إلى بيته، عنده مشكلة، مريض، تجد المسجد يتسع لعشرة آلاف، صباحاً فيه سبعة أو ثمانية مصلِّين فقط. فيا أيها الإخوة، هذه الآيات: ﴿وَقَدۡ نَزَّلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أَنۡ إِذَا سَمِعۡتُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ يُكۡفَرُ بِهَا وَيُسۡتَهۡزَأُ بِهَا فَلَا تَقۡعُدُواْ مَعَهُمۡ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيۡرِهِۦٓ إِنَّكُمۡ إِذًا مِّثۡلُهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ لذلك عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: 

(( لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِناً وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ. ))

[ أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان  ]

 لذلك إن أردت تقوى الله عز وجل فالله يأمرك ويقول: 

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ(119)﴾

[  سورة التوبة ]

 صاحِب المؤمنين، لا تصاحب مَن لا يرى لك من الفضل مثل ما ترى له، صاحِب مؤمناً، مُرْ بالمعروف وانهَ عن المنكر، لا تكن وسيطاً لمعصية، لا تنصح بشيء لا يرضي الله عز وجل، اضبط لسانك، لأن الله عز وجل يقول: 

﴿ مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُۥ نَصِيبٌ مِّنْهَا ۖ وَمَن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُۥ كِفْلٌ مِّنْهَا ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ مُّقِيتًا(85)﴾

[ سورة النساء ]


الله عز وجل بيّن في آيات كثيرة عداوة الكفار للمؤمنين:


 أي توجيه لك انتهى إلى معصية تتحمل أنت الوزر نفسه، من هنا قال تعالى: 

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحِلُّواْ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ وَلَا ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلَا ٱلْهَدْىَ وَلَا ٱلْقَلَٰٓئِدَ وَلَآ ءَآمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَٰنًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ ۘ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْإِثْمِ وَٱلْعُدْوَٰنِ ۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ(2)﴾

[  سورة المائدة ]

 الله عز وجل في آيات كثيرة بيّن عداوة الكفار للمؤمنين، وما لم تصدق الله عز وجل لا يمكن أن تكون عند الله مُقرَّباً، فإذا وثقت بكافر، بإنسان لا يصلي، لا تشاركه، لأنه ولو أعطاك من طرف اللسان حلاوة سوف يطعنك في الظهر، لا تطمئن إلا للمؤمن، يقول الله عز وجل: ﴿ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمۡ﴾ يتابعك، ينتظر أن تقع، يفرح إذا وقعت.

﴿ إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ۖ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَآ أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ(50)﴾

[ سورة التوبة ]


﴿ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْـًٔا ۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ(120)﴾

[  سورة آل عمران ]

 المنافقون كما قال تعالى:

﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَٰحِشَةُ فِى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْآخِرَةِ ۚ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(19)﴾

[ سورة النور ]

﴿ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمۡ فَإِن كَانَ لَكُمۡ فَتۡحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوٓاْ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡ﴾ يريدون الغنائم: ﴿وَإِن كَانَ لِلۡكَٰفِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوٓاْ أَلَمۡ نَسۡتَحۡوِذۡ عَلَيۡكُمۡ وَنَمۡنَعۡكُم مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ فَٱللَّهُ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَلَن يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ سَبِيلًا﴾ .

المؤمن مظنة صلاح وصدق وأمانة وورع:


 أيها الإخوة آية دقيقة جداً هنا مناسبة ذكرها، قال تعالى:

﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ ۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ(5)﴾

[  سورة الممتحنة ]

 إذا رأى الكافر مؤمناً يُخلِف وعده يحتقره ويعتزّ بكفره، إذا رأى مؤمناً يكذب يحتقره ويعتز بكفره، إذا رأى مؤمناً أمره فُرُطاً يحتقره ويعتز بكفره، فالمؤمن حينما يقع في خطأ شنيع أمام غير مؤمن، غير المؤمن يتشبث بكفره، ما الذي أعانه على كفره؟ ما الذي جعله يتشبث بكفره؟ هذا المؤمن: ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ مرة طُلب من الحُجاج أو من طالبي الحج أن يقدموا تصريحاً أنهم لم يحجوا من قبل، حينما تُقدَّم عشرات الألوف من التصريحات الكاذبة، كيف يقول هذا الذي يدير شؤون الحج؟ حاج! قدِّم تصريحاً أنك لم تحج من قبل، فأنت حينما تكذب -لا سمح الله- حينما لا تتقن عملك، حينما تخطئ، حينما تعتدي، وأنت محسوب على المؤمنين، يأتي هذا الطرف الثاني فيحتقر كل هذا الدين، وأنا أقول لكم هذه الكلمة: هناك إنسان داعية، وهناك إنسان مُنفِّر، عمله عكس الداعية، لأن المؤمن مظنّة صلاح، مظنّة صدق، مظنّة أمانة، مظنة ورَع، مظنة عِفة، هذا المؤمن، فإذا وجدنا مؤمناً يفعل خلاف ذلك، ما كل إنسان يفرّق بين الدين وأهل الدين، عوام الناس يخلطون بين الدين وأهل الدين، فهم يحكمون على الدين من خلال الديّنين، القضية خطيرة جداً، أنت على ثغرة من ثُغر الإسلام فلا يُؤتَينَّ من قِبَلك، كل مؤمن ينبغي أن يكون سفيراً للمؤمنين، فالمؤمن حينما يخطئ مع غير المؤمن فغير المؤمن يتشبث بكفره، ويعتز بكفره، هذا الذي جرى مِن نهبٍ وسلبٍ عقب نهاية الحرب ماذا كان انطباعه عند العالم الغربي، هؤلاء المسلمون! نحن عندهم مسلمون بالمناسبة، كل شيء دُمِّر، كل شيء سُرِق، هكذا المسلم! أنت لا تفكر أن تقرأ كتاباً لإنسان تحتقره، تقرأ كتاباً لدين إنسان تحتقره.
 فلذلك قضية الإسلام قضية كبيرة، أنا ذكرت في الخطبة الإذاعية اليوم، قلت والله، وأكدت هذا بالأيمان: إن الصحابة الكرام لو فهموا الإسلام كما نفهمه نحن الآن والله الذي لا إله إلا هو ما خرج الإسلام من مكة، إلى المدينة لا يصل، فكيف وصل إلى أطراف الدنيا؟ بالأخلاق، بالقيم، بالمبادئ، بالصدق، بالأمانة، بالعفة، فقضية الدين قضية كبيرة، أن يصلي أحدنا ليس هذا هو الدين، الصلاة فرض، لكن أصل الدين العفة، والأمانة، والصدق، والوعد الصادق، والرحمة، والعدل، والإنصاف، إذا تمثلت هذه بالمؤمن استطاع أن ينشر هذا الدين. 
﴿ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمۡ ﴾ أي ينتظرون أن تسقطوا ﴿فَإِن كَانَ لَكُمۡ فَتۡحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوٓاْ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُم وَإِن كَانَ لِلۡكَٰفِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوٓاْ أَلَمۡ نَسۡتَحۡوِذۡ عَلَيۡكُمۡ وَنَمۡنَعۡكُم مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ فَٱللَّهُ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَلَن يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ سَبِيلًا﴾.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور