الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
العطاء الدنيوي ينقضي بفناء الدنيا:
أيها الإخوة الكرام؛ لا زلنا في اسم المعطي، ولو تساءلنا: ماذا يعطينا الله عز وجل؟ يعطينا نعماً دنيوية، يعطينا الصحة، يعطينا القوة، يعطينا المال، يعطينا الجمال، ويعطينا نعماً إيمانية، يعطينا السكينة، يعطينا الأمن، يعطينا الرضا، يعطينا السعادة، يعطينا نعماً لا تُعدّ ولا تحصى، لكن نعم الله عز وجل ما كان منها في الدنيا تنقضي بانقضاء الدنيا.
الرضا بالعطاء والمنع هو رضا بالقضاء والقدر:
لذلك يقول الله عز وجل:
﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)﴾
جاء الجواب مع الردع:
﴿ كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17)﴾
أي يا عبادي، ليس عطائي إكراماً في الدنيا، ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء، وحرماني دواء، فلذلك الله يعطي الصحة، والذكاء، والقوة، والجمال، والمال هذه للكثيرين من خَلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين، يعطيك نعماً إيمانية، يعطيك الرضا، أنت راضٍ عن الله، راضٍ عن نفسك، بمعنى قبلت قضاء الله وقدره، راضٍ عمّا نزل بك من مِحنٍ، ليقينك القطعي أن هناك حكمة بالغة.
فلذلك أيها الإخوة؛ حينما نؤمن أن كل شيء بقضاء من الله وقدر، وأن الإيمان بالقدر يُذهب الهمّ والحزن، وأن الإيمان بالقدر نظام التوحيد،
(( فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ. ))
[ أحمد: الهيثمي: مجمع الزوائد: رجاله ثقات ]
(( وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ، وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ. ))
ولا ينبغي للمؤمن أن يقول: لو، ليس في قاموس المؤمن كلمة لو، لو لم أَسِرْ في هذا الطريق لم يقع الحادث، هذا طريق مسدود، ((لَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ، وَما شاء فَعَلَ، فإنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ)) .
ذكر الله لك أكبر من ذكرك له:
الله عز وجل حينما يقول:
﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾
مِن أدق معاني هذه الآية أن ذِكركَ لله عز وجل، وأن الله يذكرك، لكن ذكر الله لك أكبر من ذكرك له، أنت إذا ذكرته أديت واجب العبودية، لكنه إذا ذكرك أعطاك الأمن، والأمن نعمة خاصة بالمؤمنين.
﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)﴾
أما المؤمنون:
﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)﴾
إذاً ذكر الله لك أكبر من ذكرك له، إن ذكرك منحك الحكمة.
﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)﴾
ذكر الله لك يمنحك السكينة، سعادة ما بعدها سعادة، لا يعرفها إلا من ذاقها، إذا ذكرك الله عز وجل أعطاك الرضا، فلذلك يعطي الله عز وجل نِعماً دنيوية، ويعطي نعماً أخروية، أو يعطي نعماً إيمانية، النعم الإيمانية تسعد بها إلى أبد الآبدين، والنعم الدنيوية تنقضي بانقضاء الدنيا، فلذلك ليس عطائي إكراماً، ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء، وحرماني دواء.
الله عز وجل لا يتعامل مع التمنيات:
الآن قال تعالى:
﴿ كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)﴾
ومن أراد الآخرة:
﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)﴾
إنسان يختار الغناء ويموت، وتبقى أغانيه تُذاع في الإذاعات إلى يوم القيامة، إنسان يختار القرآن ويموت، وتبقى تلاوته تُذاع في الإذاعات إلى يوم القيامة: ﴿كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ﴾ إنسان بنى مسجداً، إنسان بنى ملهى، الإنسان مخير، اختر ما شئت، وافعل ما شئت، لكن كل شيء بحسابه، كلمة: ﴿كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ أي الله عز وجل لا يتعامل مع التمنيات، قال تعالى:
﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)﴾
التمنيات بضائع الحمقى، الله عز وجل يتعامل مع الصدق.
الآية التالية أصل في العقيدة:
﴿وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾ علامة إرادتها صادقاً أن يسعى لها سعيها، ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾ فلذلك هذه الآية أصل في العقيدة، الله عز وجل منحك حرية الاختيار، وقال لك: عبدي اطلب تُعْطَ، إن أردت الدنيا تأخذ الدنيا:
﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200)﴾
إن أردت الآخرة تأتك الدنيا وهي راغمة، لذلك أقول دائماً: من آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً، ومن آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً.
عطاء الله عطاء أبدي مستمر:
الآية الكريمة:
﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)﴾
أيها الإخوة؛ أيّ عطاء ينتهي بالموت ليس في كرم الله عطاء، لكن عطاء الله عطاء أبدي مستمر، فلذلك: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ وقال علماء التفسير: كل مؤمن بقدر إيمانه، وإخلاصه، واستقامته، وعمله الصالح له من هذه الآية نصيب.
﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)﴾
كل مؤمن بحسب إيمانه، واستقامته، وإخلاصه له من هذه الآية نصيب﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ أما العطاء الأبدي السرمدي الذي خُلِقنا من أجله:
﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)﴾
كلنا ننتقل من بيت إلى قبر، والبيت معتنى فيه جداً، فيه زوجة وأولاد، وغرف ضيوف، وغرف جلوس، مطبخ، حمام، مركبة واقفة عند الباب، هناك نزهات، توقف القلب وُضع في القبر، ماذا في القبر؟ الذكاء والتوفيق والعقل أن تعيش المستقبل، لا أن تعيش الماضي، ولا أن تعيش الحاضر، الذي يعيش الماضي غبي، لأنه ما مضى فات، والمُؤَمّل غيب، ولك الساعة التي أنت فيها، والذي يعيش المستقبل هو أعقل العقلاء، ماذا في المستقبل؟ يوجد مغادرة الدنيا، ماذا أعددنا لهذه الساعة؟ فلذلك الجنة عطاء غير محدود، ما هي الخسارة؟
﴿ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)﴾
إنسان باع بيته، وباع معمله، وباع بيت المصيف، وباع بيتاً على البحر، وباع كل أدواته ومركباته، وهذا المبلغ بطريقة أو بأخرى فَقَده، يشعر بخسارة لا تُحتمل، الآخرة الخسارة فيها أشدّ، خُلقت للأبد فخسرت الأبد، من أجل سنوات معدودة أمضاها الإنسان في المعاصي والآثام.
المعنى التوحيدي في العطاء والمنع:
كن مع الله تر الله معك واترك الكل وحاذر طمعــــــك
هناك معنى توحيدي بالعطاء.
وإذا أعطــاك من يمنعـــــه ثم من يعطي إذا ما منعـك؟
يدخل التوحيد في معنى العطاء، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، علاقتك مع الله، فهذا هو التوحيد، الله وحده هو الرافع والخافض، والمعز والمذل، والمانع والمعطي، ولا إله إلا الله، وهذا الدين لا يقوم إلا على التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، ونهاية العلم التوحيد، ونهاية العمل التقوى.
الخلق كلهم عند الله سواسية:
الآن يوجد معنى جديد؛ ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، هذا معنى قوله تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)﴾
المصائب والحرمان والمتاعب نِعَمٌ باطنة، لأن الله عز وجل يقول:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)﴾
حينما يؤمن الإنسان ويشكر تنتهي كل المعالجات، لأنه حقق الهدف من وجوده، إذاً:
وإذا أعطــاك من يمنعـــــه ثم من يعطي إذا ما منعـك؟
لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعك، علاقتك مع الله عز وجل، فلذلك سيدنا سعد بن أبي وقاص إذا دخل على النبي عليه الصلاة والسلام كان يداعبه، لأنه يحبه حباً جماً،
(( فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَقْبَلَ سَعْدٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا خَالِي، فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ. ))
وفدّاه بأبيه وأمه،
(( عن سعد بن أبي وقاص: لقد جمعَ لي رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يومَ أُحدٍ أبويه فقال: ارمِ سعدٌ فِداك أبي وأُمِّي. ))
وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له عمر كلمة توحيد، قال له: يا سعد، لا يغرنك أنه قد قيل: خال رسول الله، فالخلق كلهم عند الله سواسية، ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعتهم له، هذا المعنى يدفعنا إلى الله دفعاً، كلنا عباده، وتجري علينا مقاييس واحدة، ونقيّم بقيمٍ واحدة.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾
الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين:
الآن أحياناً تأتي المصيبة تكون سبب الهداية، حينما تُكشف لك حكمتها تذوب كالشمعة محبة لله، هذا معنى قوله تعالى:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)﴾
يجب أن تؤمن إيماناً قطعياً أن المصائب نِعَمٌ، وأن الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين، وأن المصائب تعني أنك ضمن العناية المشددة، وأن المصائب تعني أنك ضمن رحمة الله، لذلك:
﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)﴾
مما تقتضيه رحمة الله، ﴿وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ .
وصدقوا أيها الإخوة؛ لو دخلت إلى مسجد عدد كبير جداً من رواد المسجد اصطلحوا مع الله عقب تدبير حكيم، عقب شبح مصيبة، عقب تهديد، عقب خطورة على الرزق، خطورة على المنصب، فالإنسان ليس له إلا الله، وحينما قال الله عز وجل:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)﴾
العطاء من صفات الأنبياء والمؤمنين:
أي الإنسان شحيح، وحريص على ما في يديه، لكنه إذا اتصل بالله عز وجل أصبح سخياً، كما أنه يتلقى من الله عطاء، يتقرب إلى الله بكمال مشتق من كماله يُعطي، لذلك الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، لذلك المؤمن يبني حياته على العطاء، كيف؟
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)﴾
بنى حياته على العطاء، بالتعبير المعاصر بنى استراتيجيته على العطاء، العطاء سمة عميقة من سماته، يعطي من وقته، يعطي من ماله، يعطي من خبرته، يعطي من عضلاته، يعطي كل شيء في سبيل مرضاة الله عز وجل، لذلك قال الله تعالى:
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)﴾
فأيّ عمل صالح هو في حقيقته قرض لله عز وجل.
الآن إذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء، أحياناً:
﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)﴾
في آية ثانية:
﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)﴾
إلى حكمتها، فإذا كشف الله لك الحكمة فيما ساقه إليك عاد المنع عين العطاء، ومن أدق الأحاديث الشريفة:
(( عن محمود بن لبيد وأبي سعيد الخدري: إنَّ اللهَ تعالى لَيحمي عبدَه المؤمنَ من الدنيا وهو يُحبُّه، كما تحمون مريضَكم الطعامَ والشرابَ تخافون عليه. ))
في رواية أخرى: ((إن الله ليحمي صفيه من الدنيا كما يحمي الراعي الشفيق غنمه من مراتع الهلكة)) فأنت حينما تؤمن أنك بعين الله، وبعنايته، وبرعايته، وبحكمته، وأن الذي ساقه إليك محض محبة، ومحض حكمة، ومحض خير ترضى عن الله.
كان أحدهم يطوف حول الكعبة قال: يا رب، هل أنت راضٍ عني؟ كان وراءه الإمام الشافعي، قال له: يا هذا، هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك؟ قال له: سبحان الله! مَن أنت يرحمك الله؟ قال له: أنا محمد بن إدريس، قال له: كيف أرضى عن الله وأنا أتمنى رضاه؟ هذا الكلام ما فهمه، قال له: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله، والدليل:
﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119)﴾
يجب أن ترضى عن الله، يجب أن ترضى عن قضائه وعن قدره، وعن حكمته، جعلك إنساناً ذا دخل محدود، يا رب لك الحمد، دخل غير محدود، يا رب لك الحمد، تتمتع بصحة جيدة، يا رب لك الحمد، فيك بعض الأمراض، يا رب لك الحمد، زوجة صالحة جداً، يا رب لك الحمد، زوجة متعبة، يا رب لك الحمد،
(( عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ. ))
الإنسان بين يدي ربه مستسلم:
الآن أحياناً يمضي الإنسانُ سنوات طويلة في الدراسة في بلد أجنبي، ولا دخل له، والده فقير، يشتغل بمطعم، يشتغل حارساً، ويدرس في النهار، وضعه المنظور مؤلم جداً، لكن هذا مستقبله مشرق جداً، حينما ينال الشهادة، ويعود إلى بلده، ويُعيّن بمنصب رفيع، وله دخل وفير، وله مكانة اجتماعية، ينسى كل التعب الذي تعبه، فلذلك:
﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)﴾
أحياناً يقول الطبيب للمريض: تحمّلنا قليلاً، يوجد آلام، لكن إن شاء الله هناك شفاء مع الآلام، فالإنسان بين يدي ربه مستسلم، ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ هذه الآية لرسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكن تنسحب على كل مؤمن بقدر إيمانه واستقامته وإخلاصه، ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ .
الآن:
(( عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، قَالَ: فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، قَالَ سَلْمَانُ: قُمْ الْآنَ فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ سَلْمَانُ. ))
أنت تتلقى من الله العطاء، لكن ينبغي أن تتخلق بهذا الكمال الإلهي، أن تعطي، لذلك كان عليه الصلاة والسلام يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، المؤمن كريم، الكرم أحد أساسيات إيمانه، لأنه أيقن أن الدنيا ممر للآخرة، وأن ثمن الآخرة العمل الصالح، وأن حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، فبقدر تضحياتك ترقى عند الله، والله أنا ألتقي مع بعض الأشخاص يرسل من ماله الشيء الوفير للحق، للدعوة، لنشر الحق، لإطعام الفقراء والمساكين، والله أقول له كلمة: أنت تعمل بذكاء وبعقل، لأنك آمنت بالآخرة، وتعمل الآن أنت لها،
((فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ)) إن لله عملاً بالليل لا يقبله في النهار، وإن لله عملاً بالنهار لا يقبله في الليل، الله عز وجل يحاسبك على زوجتك،
(( عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ خُوَيْلَةُ بِنْتُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْأَوْقَصِ السُّلَمِيَّةُ، وَكَانَتْ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، قَالَتْ: فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَذَاذَةَ هَيْئَتِهَا، فَقَالَ لِي: يَا عَائِشَةُ، مَا أَبَذَّ هَيْئَةَ خُوَيْلَةَ! قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، امْرَأَةٌ لَا زَوْجَ لَهَا، يَصُومُ النَّهَارَ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ، فَهِيَ كَمَنْ لَا زَوْجَ لَهَا، فَتَرَكَتْ نَفْسَهَا، وَأَضَاعَتْهَا، قَالَتْ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَجَاءَهُ، فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ، أَرَغْبَةً عَنْ سُنَّتِي؟ قَالَ: فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنْ سُنَّتَكَ أَطْلُبُ، قَالَ: فَإِنِّي أَنَامُ وَأُصَلِّي، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَنْكِحُ النِّسَاءَ، فَاتَّقِ اللَّهَ يَا عُثْمَانُ، فَإِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَصَلِّ وَنَمْ. ))
التقى النبي بزوجها وقال له:
(( عن أبي موسى الأشعري: دخَلتِ امرأةُ عثمانَ بنِ مظعونٍ على نساءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فرأَيْنَها سيِّئةَ الهيئةِ فقُلْنَ: ما لكِ؟ ما في قريشٍ رجلٌ أغنى مِن بعلِك! قالت: ما لنا منه شيءٌ؟ أمَّا نهارُه فصائمٌ وأما ليلُه فقائمٌ قال: فدخلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فذكَرْنَ ذلك له فلقيه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: يا عثمانُ أمَا لك فيَّ أسوةٌ؟ قال: وما ذاك يا رسولَ اللهِ فداك أبي وأمِّي؟ قال: أمَّا أنتَ فتقومُ اللَّيلَ وتصومُ النَّهارَ، وإنَّ لأهلِكَ عليك حقًّا، وإنَّ لجسدِك عليك حقًّا صَلِّ ونَمْ وصُمْ وأفطِرْ، قال: فأتَتْهم المرأةُ بعدَ ذلك عطِرةً كأنَّها عروسٌ فقُلْنَ لها: مَهْ، قالت: أصابنا ما أصاب النَّاسَ. ))
[ صحيح ابن حبان: حسن لغيره ]
حقوق العباد مبنية على المشاححة، وحقوق الله مبنية على المسامحة، فالزوجة لها حق، والابن له حق، وأنت كطبيب هذا المريض له حق عندك، يجب أن تنصحه، وأنت كمحامٍ هذا الموكل له حق عندك، وأنت كمدرس هذا الطالب له حق عندك، ((فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ)) .
لابد أن يكون العطاء لله والمنع لله:
لكن بالنهاية يوجد عندنا معنى دقيق جداً: من أحبّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان، المؤمن عطاؤه وفق مبادئه، يعطي لله، ويمنع لله، يرضى بحسب مبادئه، يرضى ويغضب، يرضى لله، ويغضب لله، يصل لله، ويقطع لله، ليس عنده عمل عشوائي، لا يوجد عنده عادات وتقاليد مسيطرة عليه، يتحرك وفق مبادئ، ووفق قيم،
(( عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ. ))
[ أبو داود سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح ]
صار الموضوع الله عز وجل يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال والقوة للكثيرين من خَلقه، ويعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين، ويعطي الحكمة بقدر، ويعطي الرضا بقدر، ويعطي الشعور بالفوز بقدر، الله يوجد عنده عطاءات دنيوية، وعطاءات أخروية، أو عطاءات إيمانية، وعطاؤه غير محدود.
وإذا أعطاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منعك؟
العطاء متعلق بالتوحيد، كل هذه المعاني الأولى متعلقة باسم الله المعطي، لكن ينبغي أن تتخلق بخلق العطاء، النبي عليه الصلاة والسلام سأله أحد رؤساء القبائل: لمن هذا الوادي من الغنم؟ قال له: هو لك، قال: أتهزأ بي؟ قال له: لا والله، هو لك، فقال: أشهد أنك رسول الله تعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وأنت إذا أعطيت أعطاك الله، أنفقْ أنفِق عليك،
(( عن أبي هريرة : أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم دخل على بلالٍ وعنده صُبْرَةٌ من تَمْرٍ، فقال: ما هذا يا بلالُ؟ قال: شيءٌ ادَّخَرْتُهُ لِغَدٍ، فقال: أَمَا تَخْشَى أن تَرَى له غَدًا بُخَارًا في نارِ جهنمَ يومَ القيامةِ؟! أَنْفِقْ بلالُ ! ولا تَخْشَ من ذِي العرشِ إِقْلالًا. ))
[ هداية الرواة: خلاصة حكم المحدث: صحيح بمجموع طرقه ]
والصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير، وباكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها، والله عز وجل يُسترضى بالصدقة، هذه خبرة عند المؤمنين، الله عز وجل حينما ترجو منه شيئاً، وتتوسل لهذا الرجاء بصدقة تنفقها على نية التوفيق، أو تحقيق ما تصبو إليه، فالله عز وجل يُسترضى.
إذاً كما أن الله أعطاك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد ينبغي أن تبني حياتك على العطاء، والناس كما تعلمون على اختلاف مللهم ونحلهم وانتماءاتهم وأعراقهم وأنسابهم وطوائفهم لا يزيدون عن رجلين؛ رجل عرف الله فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، وبنى حياته على العطاء فسعِد وسلم في الدنيا والآخرة، ورجل غفل عن الله، وتفلت من منهجه، وأساء إلى خلقه، فشقي وهلك في الدنيا والآخرة، والآية:
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)﴾
المكافأة الإلهية لمن أعطى واتقى ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ .
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)﴾
الملف مدقق