وضع داكن
27-09-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 011 أ - اسم الله المعطي 1
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 

المعطي اسم من أسماء الله الحسنى:


أيها الإخوة الكرام؛ مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى وهو اسم المعطي، ولم يرد هذا الاسم في القرآن الكريم، بل ورد في السنة،

(( ففي صحيح البخاري عَنْ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَاللَّهُ الْمُعْطِي، وَأَنَا الْقَاسِمُ، وَلَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ. ))

[ متفق عليه ]

 

أعظمُ عطاءٍ من اللهِ هو العلمُ:


أول ملمح في الحديث كرامة العلم أعظم كرامة، قال تعالى:

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)﴾

[ سورة النساء ]

لأن الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان قوة إدراكية، وما لم يبحث عن الحقيقة، وما لم يطلب العلم فقد هبط من مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به، لذلك كرامة العلم أعظم كرامة عند الله، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم. 

﴿ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)﴾

[ سورة الزمر ]

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)﴾

[ سورة الأنعام ]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)﴾

[ سورة المجادلة ]

فالله سبحانه وتعالى اعتمد في القرآن الكريم العلم والعمل كقيمتين مرجِّحتين بين خلقه، فبطولة الإنسان أن تأتي مقاييس التفوق عنده كما هي في القرآن، الناس في الدنيا يُعَظِّمون الأغنياء والأقوياء، لكن القرآن الكريم بيّن لنا أن رتبة العلم أعلى الرتب: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ .
 

العلمُ بالله وبخَلق الله وبأمرِ الله:


كما تعلمون هناك علم بخلقه، وعلم بأمره، وعلم به، العلم بخلقه وبأمره يحتاجان إلى مُدَارسة، أي إلى كتاب، وإلى معلّم، وإلى شهادة، وإلى امتحان، هذه مدارسة، لكن العلم به يحتاج إلى مجاهدة.
على كلٍّ في الملمح الأول من الحديث الشريف: ((مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)) والبطولة لا أن يكون طلب العلم بأوقاتك الهامشية، يجب أن يكون طلب العلم جزءاً من خطتك في الحياة، لأن هناك إنساناُ بحسب فراغه يطلب العلم، أما يوجد عنده أشياء أساسية لا يعلو عليها شيء، أما المؤمن فطلب العلم جزء أساسي من حياته، ولا يعلو عليه شيء، كما قال سيدنا علي رضي الله عنه: يا بني، العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تُنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، يا بني، مات خزان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة.
 إذاً في الإنسان حاجات سفلى، وهناك حاجات عليا، الحاجة العليا الكبيرة طلب العلم، فما لم يطلب الإنسان العلم لا يرقى إلى مستوى إنسانيته، والإنسان من دون علم وُصِف في القرآن الكريم بأنه: 

﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)﴾

[ سورة الفرقان  ]

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)﴾

[ سورة الجمعة ]

﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)﴾

[ سورة الأعراف ]

بل أبلغ من ذلك: 

﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)﴾

[  سورة المنافقون  ]

لذلك الذي يرقى بالإنسان إلى مستوى إنسانيته، وإلى مستوى يليق به هو طلب العلم. 
 

الماء من عطاء الله:


إلا أن الحديث فيه ملمح ثانٍ، وهو موضوع درسنا: ((وَاللهُ المُعْطِي وَأَنَا القَاسِمُ)) الملمح الثاني: الأصل أن هذا الماء من عطاء الله، نحن وضعناه في خزانات، سُقناه إلى البيوت بأنابيب، وزّعناه بقوارير، هذا عمل ثانوي، عمل لا يُعدّ من صلب الماء، الماء منحة من الله عز وجل، فكل شيء الأصل أنه عطاء من الله، نحن تفنننا بعرضه، بتعليبه، بتغليفه، بوصوله، أما الأصل أن الله هو المعطي، ((وَاللهُ المُعْطِي وَأَنَا القَاسِمُ)) .
 

الله عز وجل يمنع ليعطي ويخفض ليرفع:


الآن دائماً وأبداً يوجد بالأسماء الحسنى أسماء يجب أن تلفظ معاً، هناك اسم الضار، الأولى أن يلفظ اسم الضار مع اسم النافع، تقول: ضار نافع، معط مانع، معز مذل، لماذا؟ قال: لأن الله سبحانه وتعالى يمنع ليعطي، ويأخذ ليعطي، ويخفض ليرفع، ويُذِلّ ليُعز، لأن الإنسان أحياناً حمل الأمانة لكنه قصّر في حملها، تأتي المعالجة، الفرق واضح جداً بين من يُعيّن موظفاً، ويعطيه مدة ستة أشهر ليمتحنه، مهمة صاحب المؤسسة أن يحسب على هذا الموظف أخطاءه، لكن لا يوجد رحمة، فإذا كانت بحجم لا يُحتمل ألغى عقده، أما لو أن هذا الموظف ابنه يُتابعه، كل خطأ يوقفه عنده، ويعطيه التوجيه، رحمة الأب تقتضي المتابعة، لأن الله رب العالمين فإذا الإنسان أخطأ يتابعه.
أنا أتصور لو أن الله سبحانه وتعالى لم يُربِّ عباده، معظمهم إلى النار، لكن هذا بمرض، هذا بقلق، هذا بشبح مصيبة، هذا بمرض معين، بضيق معين، فالله عز وجل يسوقنا إلى بابه سوقاً، وهذا من نِعم الله عز وجل، فهو معطٍ ومانع، خافض ورافع، مُعز ومُذل، ورد في الأثر: إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، لا تستقيم لأحَدٍ، لحكمة بالغةٍ بالغة أرادها الله، ومنزل تَرحٍ لا منزل فرح، يوجد أحزان، يوجد آلام، يوجد فراق الأحبة، يوجد أمراض تصيب الأولاد أحياناً، منزل ترح لا منزل فرح فمن عرفها، أي مَن عرف حقيقة الدنيا، لم يفرح لرخاء، لأنه مؤقّت، ولم يحزن لشقاء، لأنه مؤقّت، الموت ينهي كل شيء، الموت ينهي قوة القوي، وغنى الغني، وذكاء الذكي، وصحة الصحيح، والموت يُنهي كل شيء لذلك من عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى.

﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)﴾

[  سورة المؤمنين  ]

قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا-دققوا-لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عِوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي، في بعض الأحاديث القدسية يقول الله عز وجل:

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا بْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يَا بْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي؟ يَا بْنَ آدَمَ، اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي؟ ))

[ صحيح مسلم ]

الله عز وجل حينما أخذ من الإنسان بعض صحته ليعوِّضه أضعافاً مضاعفة من القرب والسكينة، ((أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟)) فهذه فكرة دقيقة جداً، الله عز وجل يأخذ ليعطي، يمنع ليعطي، يخفض ليرفع، يضرّ لينفع، هذه الأسماء الأَولى أن تذكر مَثْنى مَثْنَى، إذاً هو المعطي والمانع، يمنع ليعطي، يأخذ ليعطي.
 

من عطاء الله نعمة الإيجاد:


شيء آخر؛ الله عز وجل ما الذي أعطانا إياه؟ النعم الكبرى الصارخة، أعطانا نعمة الإيجاد، أوجدنا.

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)﴾

[ سورة الإنسان ]

أنت موجود، لك كيان، لك اسم، تستمتع بالحياة، لك زوجة، لك أولاد، لك بيت، لك مكانة، عندك قناعات، لذلك نعمة الإيجاد النعمة الأولى، وأنا أحياناً لما أتصفح كتاباً، وأطّلع على تاريخ تأليفه، فإذا كان تاريخ التأليف قبل ولادتي أتّخذ موعظة كبيرة، أنا في هذا التاريخ أين كنت؟ ليس لي اسم بالأرض كلها. 
 

من عطاء الله نعمةُ الإمداد:


أنت منحك الله نعمة الإيجاد، لا يكفي الإيجاد، أعطاك جهاز تنفس لكن يوجد هواء، لو لم يكن هناك هواء، أعطاك جهاز هضم، هناك ماء، هناك طعام، هناك لحوم، هناك خضراوات، هناك محاصيل، بحاجة إلى طرف آخر خلق المرأة من أجلك، وخلقك من أجلها، أعطاك النصف الآخر، أنجبت أولاداً ملؤوا البيت فرحة، فمنحك نعمة الإيجاد، ومنحك نعمة الإمداد.
 

من عطاء الله نعمةُ الهدى والرشاد:


أحياناً يُشقّ الطريق، بعد حين توضع الشاخصات، هنا منحدر زلق، وهنا تقاطع خطر، وهنا الطريق ضيقة، هذه الشاخصات هداية للسائقين، فبعد أن منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، منحك نعمة الهدى والرشاد، هذه نعم كبرى، فضلاً عن نِعَمٌ لا تُعدّ ولا تحصى.
 

من عطاء الله تسخير الكون تسخير تعريف وتكريم:


أيها الأخوة؛ لكن الكون أكبر ثابت في الإيمان، هذا الكون بنص القرآن الكريم سُخِّر للإنسان تسخير تعريف وتكريم، الدليل:

﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)﴾

[ سورة الجاثية ]

بالمناسبة المُسخَّر له أكرم من المُسخَّر، الإنسان سُخِّر له ما في الكون، فهو المُسخَّر له أكرم عند الله من المُسخَّر، وهذه حقيقة أولى، الإنسان هو المخلوق الأول. 

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)﴾

[ سورة الأحزاب ]

لأنه قَبِل حمل الأمانة كان المخلوق الأول رتبةً، لذلك قال سيدنا علي: رُكِّب الملَك من عقل بلا شهوة، ورُكّب الحيوان من شهوة بلا عقل، ورُكّب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سَمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان، هذا الكلام خطير جداً تؤكده الآية الكريمة: 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)﴾

[  سورة البينة  ]

على الإطلاق، لمجرد أنك إنسان في الأصل أنت فوق المخلوقات جميعاً: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ بالمقابل: وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان. 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)﴾

[  سورة البينة  ]

بين أن تكون أرقى من الملائكة، وبين أن يكون الإنسان الذي كفر بربه دون أحقر حيوان، فلذلك أعطانا هذا الكون، وسخّره لنا تسخير تعريف وتكريم. 
 

موقف المؤمن من تسخير التعريف والتكريم:


لو أن إنساناً قدّم لك جهازاً متطوراً جداً، وهناك قفزة نوعية بخصائصه، وهو من اختراعه، وقدمه لك هدية، يجب أن ينتابك شعوران، شعور التعظيم له على هذا الإنجاز العلمي الكبير، وشعور الامتنان لأنه قدّمه لك مجاناً، ولأن الله سبحانه وتعالى سخّر للإنسان: ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ تسخير تعريف وتكريم، ردّ فعل التعريف أن تؤمن، وردّ فعل التكريم أن تشكر، فلمجرد أنك آمنت، وشكرت فقد حققت الهدف من وجودك، وإذا حُقِق الهدف من الوجود تتوقف كل أنواع المعالجة، الآية: 

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)﴾

[ سورة النساء ]

أنت إذا آمنت بهذا الإله العظيم، والرب الكريم، والمسيّر الحكيم، صاحب الأسماء الحسنى، والصفات الفضلى، إنك إن آمنت ثم أيقنت أنه منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد حققت الهدف من وجودك، لذلك تتوقف عندها جميع أنواع المعالجات، والآية دقيقة جداً: ﴿مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ﴾

(( عن أبي ذر الغفاري عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أنَّهُ قالَ: يا عِبَادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ؛ ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ؛ ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يا عِبَادِي، إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ. وفي روايةٍ: إنِّي حَرَّمْتُ علَى نَفْسِي الظُّلْمَ وعلَى عِبَادِي، فلا تَظَالَمُوا.))

[  صحيح مسلم ]

ذلك لأن عطائي كلام، وأخذي كلام، كن فيكون، زل فيزول، الآن الدقة البالغة في الحديث: ((فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ)) لا تعتب على أحد. 

﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)﴾

[ سورة الشورى ]

ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود، إلا بما كسبت أيديكم، وما يعفو الله أكثر.
 

الله تعالى أعطى الإنسان الخلق الكامل:

 

1 – العينان:

النقطة الأخيرة في هذا اللقاء:

﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49)﴾

[ سورة طه ]

فرعون سأل سيدنا موسى: 

﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)﴾

[ سورة طه ]

ما معنى قول النبي؟

(( عن ابن عمر: أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ. ))

[ صحيح الجامع: حسن ]

ما قال: أعطوه أجراً، أجره الذي يُعادل جهده، أجره الذي يحقق له كرامته، بالمقابل: ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ أعطاه الخلق الكامل.

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)﴾

[ سورة التين ]

أعطاه عينين، لماذا أعطاه عينين ولم تكن عيناً واحدة؟ بالعينين تدرك البُعد الثالث، بعين واحدة تدرك بُعدين، الطول والعرض، بالعين الثانية تدرك البعد الثالث، أنت ترى الطول والعرض والعمق، والدليل أنك بعينٍ واحدة لا تستطيع أن تضم إبرة، يأتي الخيط بعيداً عن الإبرة عشرة سنتيمتر، بالعينين معًا تعرف المسافة.

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8)﴾

[ سورة البلد ]

العين جعل فيها مادة مضادة للتجمد، بالميلمتر المربع في شبكية العين يوجد مئة مليون مستقبل ضوئي، عصية ومخروط، بالميلمتر مربع بشبكية العين فيها مئة مليون من أجل صورة دقيقة جداً، من أجل أن تميز بين ثمانية ملايين لون، واللون الواحد لو دُرِّج ثمانمئة ألف درجة لفرقت العين البشرية بين درجتين، لذلك: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ . 

2 – الشَّعر:

أعطاك شَعراً، يوجد بالرأس تقريباً بالشكل المتوسط ثلاثمئة ألف شعرة، لكل شعرة وريد، وشريان، وعصب، وعضلة، وغدة دهنية، وغدة صبغية، والحكمة البالغة أنه ليس في الشعر أعصابُ حسٍّ، لو كان هناك أعصاب حس لكانت عملية حلاقة الشعر تحتاج إلى مستشفى، إلى تخدير كامل. 

3 – الأذنان:

الآن الأذنان؛ لمَ لمْ تكن أذناً واحدة؟ بالأذن الواحدة لا يمكن أن تعرف جهة الصوت، بالأذنين تعرف الجهة، هناك صوت بوق مركبة من اليمين، دخل هذا الصوت إلى هذه الأذن قبل هذه، الفرق الزمني واحد على ألف وستمئة وعشرين جزءاً من الثانية، فأنت أدركت أن المركبة على اليمين، فأعطاك الدماغ أمرًا بالانحراف نحو اليسار، آلية معقدة جداً:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9)﴾

[ سورة البلد ]

﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى*قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ﴾ هدانا إليه. 

4 – القدَمانِ وآلية التوازن:

لو أن الإنسان ليس عنده قنوات توازن في الأذن يحتاج إلى قَدَم مساحتها 70 سنتمتر حتى يقف، يحتاج إلى قاعدة ارتكاز واسعة جداً، أما لأنه يوجد بالأذن جهاز توازن فيمكن عند الميل أن يصحح الميل، ولولا هذا الجهاز لا يوجد راكب دراجة إطلاقاً، ولا مشى إنسان على الأرض، القدمان لطيفتان بحجم معقول جداً، وأنت واقف، إذاً التوازن من آيات الله الدالة على عظمته. 

5 – أعصاب الحس في الأسنان:

الان وضع الله عز وجل في لبّ السن عصب حسي، ليس له فائدة، إذا بدأ النخر، ووصل إليه لا تنام الليل، تسارع إلى الطبيب، ولولا هذا العصب لخسر الإنسان كل أسنانه، العصب الحسي جهاز إنذار مبكر بالإنسان. 

6 – آلية اجتماع اللعاب في أثناء النوم:

أنت نائم غارق في النوم يجتمع اللعاب في فمك، تذهب رسالة إلى الدماغ، اللعاب زاد عن حده، يأتي أمر من الدماغ وأنت نائم، يفتح البلعوم لسان المزمار يغلق القصبة الهوائية، يفتح المريء تبلع ريقك، وأنت نائم: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ . 

7 – البروستات:

البروستات تقع بين مجرى البول ومجرى ماء الحياة، عند الالتقاء، فهذه أولاً إذا كان هناك موضوع لقاء زوجي تفرز مادة مُطهّرة، ومادة مُغذّية، ومادة مُعَطّرة، هذه البروستات موضعها في مكان حرج عند ملتقى ماء الحياة مع بول الإنسان، الآن يوجد موضوع حمل يجب أن يكون المجرى طاهراً، مادة مطهرة، ومغذية، ومعطرة: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ .
 

التفكر في خلق السماوات والأرض:


الموضوع طويل جداً، موضوع أن نكتشف عظمة خلق الإنسان، هذا من التفكر في خلق السماوات والأرض، قال تعالى:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾

[ سورة آل عمران ]

 إنّ جزءًا من الإيمان أن تتفكر في خلق السماوات والأرض، المعلومات موجودة، لكن لا تقرأ هذه المعلومات قراءة إيمانية، ندرسها في كلية الطب، لكن لا تقرأ قراءة إيمانية، لو فكر الإنسان بجسمه، فكر بحواسه الخمس، فكر بأجهزته، فكر بجهاز الدوران، بالقلب، جهاز الأعصاب، جهاز الهضم، هناك آيات دالة على عظمة الله عز وجل: ﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى*قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ .

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور