الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى القدير:
أيها الإخوة الكرام؛ مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم القدير، ونحن حينما نقول ونقرأ الآية الكريمة:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾
الإنسان في الأصل ضعيف وهذا الضعف لصالحه:
إذاً أسماء الله عز وجل كلها حسنى، وصفاته كلها فضلى، والإنسان في أصل فطرته مفطور على حبّ القدير، هناك ضَعف في أصل خلق الإنسان، هذا الضعف لصالحه، هذا الضعف الذي في أصل خلق الإنسان أحد أسباب تدينه، حتى الذين يؤمنون بديانات أرضية ليس لها أصل عند الله سبحانه وتعالى هم يلبون حاجة في نفوسهم أتت من ضعفهم، فالضعيف يحتاج إلى قوي:
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)﴾
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)﴾
فالإنسان دون أن يشعر يتجه إلى قوي يلوذ به، إلى قوي يحميه، إلى قوي يدافع عنه، إلى قوي يلجأ إليه، فالإنسان حينما يتجه إلى الإله الحقيقي خالق السماوات والأرض يُكَمِّل ضعفه الذي أراده الله باعثاً إلى معرفة الله، وطاعته، وقطف ثمار عبوديته لله عز وجل، فالإنسان ضعيف، وهذا الاسم:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)﴾
الإنسان مفطور إلى الاتجاه إلى القوي:
بالمناسبة أيها الإخوة؛ طبيعة النفس تقتضي أنها لا تتجه إلا لمن توقن أنه يعلم، يسمع، يرى.
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)﴾
أي الله عز وجل إن تكلمت فهو يسمع، وإن تحركت فهو يرى، وإن أضمرت فهو يعلم، يسمعك إذا دعوته، ويراك إذا توجهت إليه، ويعلم سرك وجهرك، وفضلا ًعن ذلك الإنسان لا يتجه إلى جهة إلا إذا أيقن أنها تسمعه، وأنها قادرة على أن تلبيه، الإنسان بحاجة إلى مبلغ لا يذهب إلى إنسان فقير، مضيعة للوقت، يذهب إلى من يتوهم أن عنده هذا المبلغ.
إذاً أنت تدعو من؟ تدعو من يسمعك، وتدعو من هو قادر على حلّ مشكلتك، وتدعو من يحبك، القوي الذي يعاديك لا تتجه إليه، تتجه لقوي يريد أن يرحمك، فلمجرد أن تدعو الله عز وجل-دقق-لمجرد أن تدعو الله عز وجل أنت مؤمن بوجوده، ومؤمن بسمعه وبصره وعلمه، ومؤمن بقدرته، ومؤمن برحمته، لذلك قال تعالى:
﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)﴾
(( عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: الدُّعاءُ هو العبادةُ ثمَّ قرأ {وَقال رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ} . ))
[ الترمذي: إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما ]
في رواية أخرى: الدعاء مخ العبادة، الدعاء هو العبادة، فلمجرد أن تدعو الله من أعماق قلبك، وأنت موقن بأنه يعلم، ويسمع، ويرى، وهو قادر على أن يلبّيك، وهو يُحبّ أن يلبيك، يحبك ويرحمك فأنت مؤمن، لذلك بعض الأسماء أحياناً أقرب إلى الإنسان من بعض الأسماء الأخرى، أنت إنسان ضعيف، مفتقر، ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعً﴾ شديد الجزع، حريص على ما في يديه: ﴿وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾ ضعفك، وهلعك، وشدة خوفك، وحرصك على ما في يديك، هذه الصفات التي هي صفات ضعف في أصل خلقك هي لصالحك.
مِن هنا يأتي اسم القدير، إنك تعتز بقوي.
اجعل لربك كل عـزك يستقر ويثبــت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك مـيت
أنت كمؤمن حينما تعتز بالله أنت أقوى الأقوياء، ورد في بعض الآثار: إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، وإذا أردت أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدي الله أوثق منك بما في يديك، وإذا أردت أن تكون أكرم الناس فاتق الله.
إخوتنا الكرام؛ لا يجتمع مرض نفسي مع الإيمان، لأن الله موجود، كل شيء بيده، تصور شاباً سيق للخدمة الإلزامية، ووالده قائد الجيش، ويوجد بالجيش عريف، ومساعد، وملازم، وملازم أول، ونقيب، ورائد، ومقدم، وعقيد، وعميد، كل هذه الرتب مهما علت في قبضة أبيه، فإذا هدده عريف وبكى، معنى هذا أنه غبي جداً.
الإيمان بأن الله قويٌّ يبعث على الطمأنينة والثبات والنصر:
حينما يؤمن الإنسان بالله أيّ قوي هو في قبضة الله، كل ما حولك بيد الله، كل مَن حولك بيد الله، كل مَن فوقك بيد الله، كل مَن تحتك بيد الله، لا يمكن أن يُقبَل خوف، وفزع، وهلع، وانهيار مع الإيمان بالله، بل إن الإيمان بالله أصل في الصحة النفسية، التماسك، والقوة، والمعنويات المرتفعة، ومواجهة الأخطار بثبات، ورباطة جأش يحتاج إلى إيمان، أي القصص التي يرويها القرآن هي لمن؟ هي لنا:
﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)﴾
بالمنظور الأرضي باحتمالات النجاة صفر، فرعون بجبروته، بقوته، بأسلحته، بحقده، بطغيانه، وراء فئة وشرذمة قليلة جداً مُستضعفة خائفة، وصلت إلى البحر، وهو مِن ورائهم.
﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)﴾
الله عز وجل يريدك أن تثق به، يريدك أن تكون مطمئناً لقدرته ورعايته، فلذلك من صفات المؤمن أنه واثق من نصر الله عز وجل، النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذهب إلى الطائف وكذبه أهلها، واستخفّوا به، واستهزؤوا به، وأغروا صبيانهم أن ينالوه بالأذى، وسال الدم من قدمه، الآن قفل راجعاً إلى مكة، يقول له زيد: يا رسول الله! كيف ترجع إلى مكة وقد أخرجتك؟ أنا أتصور إذا كان هناك خط بياني للدعوة وصل الخط إلى النهاية الصغرى، أي مكة أخرجته، وكذبته، وكفرت بدعوته، واستهزأت به، فلما لجأ إلى أهل الطائف فعلوا أشنع من فعل أهل مكة، ليس له أحد، فقال كلمة لا تُنسى، قال: يا زيد إن الله ناصر نبيه، ثقة الإنسان بالله مبعثها معرفته.
ولما انتقل من مكة إلى المدينة مهاجراً، ووضِعت مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، مكافأة على من يقتله، أو من يقبض عليه، وهذا الرقم مئة ناقة رقم فلكي في مقاييس ذلك العصر، تبعه سراقة ليُلقي القبض عليه، أو ليقتله ويأخذ المئة ناقة، فقال له النبي الكريم بكل بساطه: يا سراقة! كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟ ماذا يقول؟! أنت ملاحق، مهدور دمك، تقول: كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى؟! أي إنك سوف تصل إلى المدينة سالماً، وسوف تؤسس دولة، وسوف تُنشِئ جيشاً، وسوف تحارب أقوى دولة في العالم، وسوف تنتصر عليها، وسوف تأتيك غنائم كسرى إلى المدينة، ولك يا سراقه سوار كسرى.
والآن أيها الإخوة؛ العالم الإسلامي خطه البياني في النهاية الصغرى، في الحضيض، اصطلح العالم كله على محاربته، وأي عمل عنيف على سطح الأرض يُنسَب إلى المسلمين، والعالم شرقاً وغرباً يحارب المسلمين، والإعلام بكل قوته يحارب المسلمين، والمؤمن الصادق لا تضعُف معنوياته أبداً، إن الله ناصر هذا الدين، إن الله لا يتخلى عن المؤمنين، وأخطر شيء في حياة الأمة أن يُهزم الإنسان من الداخل:
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾
أوهام لا أساس لها من الصحة تتناقض مع الإيمان بالله:
إخوتنا الكرام؛ أي إذا توهم الإنسان توهماً أن الله لا يعلم ما يجري هذا يُناقض إيمانه بالله، لأن الله عز وجل يقول:
﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)﴾
وإذا توهم أن الله لا يقدِر أن يُدمر أعداءه هو واهم، وهذا يناقض إيمانه بالله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ وإذا توهم أن الله لا يعنيه ما يجري في الأرض فهو واهم، لأن الله عز وجل يقول:
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)﴾
وإذا توهم أن هؤلاء أعداء المسلمين يفعلون شيئاً ما أراده الله فهو واهم، لقول الله عز وجل:
﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59)﴾
يجب أن تؤمن أن الله يعلم، وهو قادر، ويعنيه ما يجري في الأرض، وهؤلاء أعداؤه لا يستطيعون أن يتحركوا إلا بإذنه، ولن يتفلتوا من قبضته، إذاً هناك حكمة بالغة فيما يجري، ولصالح المسلمين، ولكن هذه نعمة باطنة، وليست نعمة ظاهرة، قال تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)﴾
إذاً كلمة قدير تملأ النفس طمأنينة، تملأ النفس ثقة بنصر الله عز وجل.
ورودُ اسم القدير في الكتاب والسنة:
هذا الاسم أيها الإخوة؛ ورد في القراَن وفي السنة معاً، في القرآن ورد في قوله تعالى في سورة الروم:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54)﴾
ورد أيضاً في ثلاثين موضعاً في القرآن الكريم كقوله تعالى:
﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)﴾
أي يوجد ثلاثون آية في القراَن ورد فيها: ﴿إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ وآية واحدة وردت: ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ .
وفي الحديث الشريف في قوله عليه الصلاة والسلام:
(( عن المغيرة بن شعبة رضي اللّه عنه: لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ. ))
وهذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد: ((اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ)) .
كن مع الله ترَ الله مـعك واترك الكل وحاذر طمعـك
وإذا أعطاك من يمنـعــه ثم من يعطي إذا ما منعـك؟
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)﴾
شيء آخر؛ في ثلاثين موضعاً في القرآن الكريم ورد اسم القدير، من هذه المواضع مثلاً:
﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7)﴾
إذاً هذا الاسم ورد في القراَن وفي السنة.
اشتقاق اسم القدير في اللغة العربية:
القدير من أي فعل اشتُق؟ إما من التقدير، وإما من القدرة، أي الإنسان أحياناً يكون عالماً، إذاً عنده تقدير دقيق، وأحياناً يكون قوياً، عنده قدرة، وأنت أحياناً تلتقي مع إنسان بأعلى درجات العلم، لكنه لا يملك أن يُنفِّذ ما يطمح إليه، وقد تجد إنساناً آخر في أعلى درجات القوة، ولكن لا يعلم ماذا يفعل، قوي لا يعلم، وعالم لا يقدر، تماماً كما ذكرت من قبل، أحياناً الإنسان يُقدِّر إنساناً ولا يحبه، وقد يُحبّ إنساناً ولا يُقَدّره، يكون أباً، تكون أماً أحياناً بأعلى درجات الحب، لكن لم يتح لها أن تكون مثقفة ثقافة عالية، لها ابن يحمل أعلى شهادة، يُحبّ أمه حباً لا حدود له، لكن في ميزان العلم لا وزن لها، وأحياناً يلتقي مع إنسان عالم كبير لكنه لئيم، يُقَدّر علمه، ولا يحبه، لكن الذات الإلهية بقدر ما تُعَظّمها بقدر ما تحبها.
﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)﴾
﴿ذِي الْجَلَالِ﴾ تُعَظّمه، ﴿وَالْإِكْرَامِ﴾ تحبه، هذه أسماء الله الحسنى، والآن الله عز وجل قدير من التقدير، أي علم دقيق جداً، وقدير من القدرة، فبقدر ما تطمئن إلى علمه تطمئن إلى قدرته، وبالعكس، وبقدر ما تطمئن إلى قدرته تطمئن إلى علمه، فإذاً اسم القدير مأخوذ من التقدير، أو من القدرة.
بالتقريب، طبيب يتفقد مرضاه، وقف عند مريض، قرأ اللائحة الطبيّة، رأى الضغط مرتفعاً، وهو طبيب، أعطى أمراً، وأمره نافذ، أن يوقفوا الملح في الطعام، الأمر سلطة، وقراءة التقرير علم، علِم أن الضغط مرتفع، والضغط المرتفع خطر، أعطى أمراً بمنعه من تناول الملح في وجباته الرئيسية.
اسم القدير يدور مع الإنسان في جميع حياته:
الله عز وجل يقول لك: قضاء وقدر، القضاء علم، والقدر تقدير، ما يُرجِع هذا الإنسان إلى الصواب، وهذا الاسم يدور مع الإنسان في كل شؤون حياته، الله عز وجل عَلِم من هذا الإنسان كِبْراً، هيأ له معالجة حكيمة، وضعه بموقف وقد أُهين به، حينما يهان يتألم أشدّ الألم، ثم يلقي في روعه أن هذه الإهانة بسبب الكبر الذي يظهر منك، فصار الله عز وجل قديراً يعلم بدقة، وقديراً يملك القدرة كي يعيده إلى الصواب.
أنت حينما تتعامل مع الله بهذا المعنى يعلم وسيحاسب، قدير من العلم، وقدير من القدرة، لكن كما تعلمون قدير على وزن فعيل، وفعيل صيغة مبالغة، الله عز وجل قادر وقدير ومقتدر، قادر من فعل قدر، صيغة مبالغته قدير، أما مقتدر من فعل اقتدر، ونحن عندنا قاعدة في اللغة: الزيادة في المبنى تقابل زيادة في المعنى، فقدر غير اقتدر، أي كتب غير اكتتب، كتب رسالة لمرة واحدة، كتب فهو كاتب، أما إذا قلت: اكتتب، اتّخذ الكتابة حرفة له، أي كاتب عريق، بين كتب واكتتب يوجد فرق كبير.
فالله عز وجل قدير من صيغة مبالغة من قادر، قادر قدير، غافر غفير غفور غفّار، صيغ المبالغة كثيرة جداً، فاعول فاروق، فعِل حَذِر، لو عدتم إلى كتب اللغة لرأيتم لصيغ المبالغة صيغاً عديدة، منها فَعِل، فلان حذِر، فلان فاروق، يُفرّق بين المتناقضات، لذلك قادر اسم فاعل، قدير صيغة مبالغة لاسم الفاعل، مُقتدِر من اقتدر، وفعل خماسي فيه حروف زائدة، والزيادة في المبنى دليل الزيادة في المعنى.
أيها الإخوة؛ الله عز وجل مع عباده يعلم أحوالهم ويعالجهم، أحياناً كما يقول العوام: العين بصيرة واليد قصيرة، هذا شأن الإنسان، وأحياناً قد يكون الإنسان قديراً لكنه جاهل، قدير جاهل، مُتعلِّم ضعيف، لكن الله قدير، قدير بعلمه، وقدير بقوته، لذلك أنت إذا لُذت به أنت في مأمن، وأنت في راحة، وأنت في طمأنينة، والله عز وجل قال:
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)﴾
وبالمناسبة من باب التعليق اللغوي، لو أن الله قال: تطمئن القلوب بذكر الله، ما المعنى؟ أي أنها تطمئن بذكر الله وبغير ذكر الله، أما حينما يقول: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ يعني لا تطمئن إلا بذكر الله، ومستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تطمئن إلا إذا كنت مع الله، لأن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال والقوة لكل الناس، لكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين، الأمن نعمة يختصّ بها المؤمن:
﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)﴾
معية الله لها نوعان؛ عامة وخاصة:
إذاً أيها الإخوة؛ القدير من القدرة، والقدير من العلم، من التقدير، قدير من التقدير، قدير من القدرة، هو يعلم، وقادر على أن يعطيك سؤلك، لذلك الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ ، وهذا الاسم العظيم من أقرب الأسماء إلى الإنسان، أنت ضعيف وهو قدير، أنت فقير وهو غني، أنت لا تعلم وهو يعلم، يا رب أنا لا أعلم لكنك تعلم، أنا ضعيف لكنك قوي، أنا فقير لكنك غني، والإنسان المؤمن يقوى بمن يعبده، ضعيف لكنك مع القوي.
أيها الإخوة الكرام؛ معية الله لها نوعان، معية عامة:
﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)﴾
هناك معية خاصة معية المؤمنين، وهو معكم بعلمه، لكن الله مع المؤمنين، معهم ناصراً وحافظاً، ومؤيداً وموفقاً، إذا قال الله عز وجل:
﴿ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)﴾
أي معهم بحفظه، وتأييده، ونصره، وتوفيقه.
الملف مدقق