وضع داكن
20-10-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 021 أ - اسم الله القاهر 1
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

  من أسماء الله الحسنى القاهر:


أيها الإخوة الأكارم؛ مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، وهو اسم القاهر، وقد سمّى الله نفسه القاهر، مراداً به العلميّة، ودالاً على كمال الوصفيّة، وقد ورد هذا الاسم في موضعين فقط في القرآن الكريم، ولم يرِد في السنة، قال تعالى:

﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)﴾

[ سورة الأنعام ]

وقال تعالى:

﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61)﴾

[ سورة الأنعام ]

 

أسماء الله كلها حسنى:


أيها الإخوة؛ الله جلّ جلاله له أسماء جلال، وله أسماء كمال، والإنسان يحب القوي، يحب أن يكون مع القوي، يحب أن يكون تابعاً لقوي، يحب أن يعتز بالقوي، يحب أن يلجأ إلى القوي، الله عز وجل أسماؤه الله كلها حسنى، وصفاته كلها فضلى.

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾

[ سورة الأعراف ]

نحن في حياتنا اليومية قد نجد صديقاً طيباً جداً، لكنه ضعيف، نُعجب بطيبه، ولا يعجبنا ضعفه، وقد نجد صديقاً أو نجد إنساناً قوياً لكنه ليس بطيب، لا تعجبنا قوته مع خبثه، ولا يعجبنا طيب هذا الإنسان مع ضعفه، متى نُعجَب بإنسان؟ إذا كان في الوقت نفسه من القوة بحيث لا يستطيع أحد أن ينال منه، ومن الطيب والكمال بحيث تتعلق النفوس به، هذا هو الكمال المطلق؛ أن تكون قوياً، وأن تكون كاملاً.

﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)﴾

[ سورة التغابن  ]

هناك إنسان له الملك، لكن ليس له الحمد، هناك إنسان له الحمد، لكن ليس له الملك.
 

إذا كان الله معك كنتَ أقوى الناس:


لذلك الكمال البشري يتعلق بالكمال الإلهي، أي أجمل شيء بحياة المؤمن أنه مع القوي، وأنه مع الغني، وأنه مع العليم، وأنه مع الرحيم، وانتماء المؤمن إلى الله عز وجل انتماء حقيقي.
كيف أن الإنسان أحياناً يكون ابن ملِك، كيف يشعر في بلد طويل عريض؟ في بلد فيه مؤسسات؟ فيه وزارات؟ فيه جيش؟ فيه شرطة؟ ابن الملك يشعر باعتزاز، يشعر أن قوته من قوة الملك، يشعر أن كرامته من كرامة الملك.
صدقوا أيها الإخوة، هذا شعور المؤمن.

اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت          فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت

[ عبد الرحمن الوكيل ]

* * *

لابد من أن تُحِب، من طبيعة البشر أن يُحِب البشر، ولكن البطولة من تُحِب؟ من توالي؟ من تُعظِّم؟ المؤمن يحب الله، ويتعامل مع الخلق جميعاً، لكن قلبه لله عز وجل، سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنَّهُ أَخِي وَصَاحِبِي، وَقَدْ اتَّخَذَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا. ))

[ متفق عليه، واللفظ لمسلم ]

يعتز بالله.
 

صفة القهر صفة كمال مطلق لله تعالى:


الله عز وجل قاهر، لكنه كامل، لا يقهر إلا الظالمين، أحياناً تلتقي بقوي يقهر الطيبين، ينتقم من المؤمنين، الله عز وجل كامل كمالاً مطلقاً، لا إله إلا أنت الحليم الكريم، لا إله إلا أنت القوي الوحيد، لا معبود بحق إلا الله، لا معطي ولا مانع، ولا معز ولا مذل إلا الله، هو قوي لكنه رحيم، قوي لكنه عدل، قوي لكنه عليم، قوي لكنه عليم، قوي لكنه حكيم، القوة مطلوبة مع الكمال، والذي نلاحظه أحياناً أن العالم الإسلامي معه وحي، معه حق، معه قرآن، معه تعليمات الصانع، لكنه ضعيف، لذلك انصرف الناس عن المسلمين لأنهم ضِعاف، وقد يقول قائل: ولو استعجلنا ما نصيبك من هذا الاسم؟ يجب أن تكون قوياً، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)﴾

[ سورة الشورى ]

ما منا واحد إلا ويعتز بالبطل صلاح الدين الأيوبي، حينما انتصر على سبعة وعشرين جيشاً من جيوش الفرنجة، ودخل القدس، وقام خطيب القدس يقول بعض الآيات الكريمة التي تُبيّن أنه قد انتهى عهد الظالمين.
أيها الإخوة؛ الإنسان يُحب الله، لأن الله كامل وقوي، قاهر، كماله يمنعه أن يقهر الطيبين، بالمناسبة حيثما جاءت على مع لفظ الجلالة تعني الإلزام الذاتي، قال:

﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾

[ سورة هود ]

﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)﴾

[ سورة هود ]

حيثما جاءت على مع لفظ الجلالة فتعني أن الله عز وجل ألزم نفسه بهذا الكمال.
 

معنى القاهر في اللغة:


أيها الإخوة؛ القاهر في اللغة اسم فاعل مِن قهر يقهر قهراً، وقهرت الشيء غلبته، وعلوت عليه مع إذلاله بالاضطرار، تقول: أخذتهم قهراً، أي من غير رضاهم، وأُقهِر الرجل إذا وجدته مقهوراً، أو صار أمره إلى ذلّ، وإلى صَغَار، وعند الترمذي من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شأن يأجوج ومأجوج،

(( عنِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في السَّدِّ قالَ: يحفِرونَهُ كلَّ يومٍ، حتَّى إذا كادوا يخرقونَهُ قالَ الَّذي علَيهِم: ارجعوا فستخرقونَهُ غدًا، قال: فيعيدُهُ اللَّهُ كأشدِّ ما كانَ، حتَّى إذا بلغَ مدَّتَهُم وأرادَ اللَّهُ أن يبعثَهُم على النَّاسِ. قالَ الَّذي علَيهِم: ارجعوا فستَخرقونَهُ غدًا إن شاءَ اللَّهُ واستَثنى، قالَ: فيرجعونَ فيجدونَهُ كَهَيئتِهِ حينَ ترَكوهُ فيخرقونَهُ، ويخرُجونَ على النَّاسِ، فيستقونَ المياهَ، ويفرُّ النَّاسُ مِنهم، فيرمونَ بسِهامِهِم إلى السَّماءِ فترجعُ مخضَّبةً بالدِّماءِ، فيقولونَ: قَهَرنا مَن في الأرضِ وعلَونا مَن في السَّماءِ، قسوةً وعلوًّا، فَيبعثُ اللَّهُ عليهم نَغفًا في أقفائِهِم فيَهْلِكونَ، قال: فوالَّذي نَفسُ محمَّدٍ بيدِهِ إنَّ دوابَّ الأرضِ تَسمنُ وتبطرُ وتشكُرُ شَكَرًا مِن لحومِهِم. ))

[ صحيح الترمذي  ]

النقطة الدقيقة جداً في هذا الاسم أن الله كامل، لا يقهر إلا الظالمين، إلا المنحرفين، إلا المتغطرسين، أي الإنسان حينما يرى غطرسة لا تُحتمل، وعلواً في الأرض لا يحتمل، وسفكاً في الدماء لا يُحتمل، وانتهاكاً للحرمات لا يُحتمل، مثل هذا الإنسان إذا رأى قوة بطشت، وأنهت هذا الظلم، أنهت هذا العدوان، أنهت هذا الطغيان يرتاح أشدّ الراحة، هذا معنى اسم القاهر الذي هو من أسماء الله الحسنى.
 

الله تعالى يقهر أكبر قوة مهما عتت وعلت وبغت:


هذا المعنى أيضاً يلتقي مع اسم القهّار، القهّار صيغة مبالغة، القاهر اسم فاعل من قهر، بينما القهّار صيغة مبالغة لاسم الفاعل، وقد بينت كثيراً أن صيغة المبالغة إن جاءت مع أسماء الله الحسنى فتعني شيئاً آخر، تعني أن الله يقهر أكبر قوة مهما عتت وعلت وبغت، هناك قوى في الشرق كانت تملك من القنابل النووية ما تستطيع أن تبيد القارات الخمس خمس مرات، وقد قهرها الله عز وجل، وأصبحت في الوحل، فلذلك يقول الله عز وجل:

﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)﴾

[ سورة الإسراء ]

القهّار يقهر أكبر قوة تظنها لا تقهر، لذلك قالوا: عرفت الله من نقض العزائم، وفي حالات كثيرة ترى إنساناً متغطرساً جباراً، يتلذذ بقتل الأبرياء، وانتهاك الحرمات، يتلذذ بهدم البيوت، لا يموت، يوجد صورة أخيرة لهذا الذي هدم سبعين ألف بيت بغزة بشكل قميء زري نُقِلت في الإنترنت، بقي ثلاث سنوات لم يمت بعد، طريح فراش، لذلك سبحان من قهر عباده بالموت.
 

القاهر سبحانه وتعالى هو الغالب على جميع الخلائق:


أيها الإخوة؛ القاهر سبحانه وتعالى هو الغالب على جميع الخلائق، وهو يعلو في قهره وقوته، فلا غالب ولا مُنازع، بل كل شيء تحت قهره وسلطانه.

﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91)﴾

[ سورة المؤمنون ]

هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، المتفرد بالقوة والجلال، القاهر فوق عباده، وهناك أسماء كثيرة تقترب من هذا الاسم، قاهر ومنتقم، لذلك كن مع الله فأنت قوي.

كن مع الله تر الله معك            واترك الكل وحاذر طمعــك

وإذا أعطاك من يمنعه؟            ثـم من يعطي إذا ما منعك؟

[ عبد الغني النابلسي ]

* * *

أيضاً والله عز وجل حينما قال عن نفسه: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ أي هو الذي قهر كل شيء، وخضع لجلاله كل شيء، وذلّ لعظمته وكبريائه كل شيء.
 

الله تعالى لا ينازعه أحد في جبروته وقهره:


لذلك أي إنسان-دققوا-يُنازع الله كبرياءه وعظمته يقصمه الله،

(( عن أبي هريرة: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما ألقيته في النار.))

[ مختصر المقاصد: صحيح  ]

وفي ضوء هذا الاسم أيها الإخوة؛ أمة قوية جداً، تملك من الأسلحة ما لا يوصف، تفردت بقيادة العالم، لا تنطوي على كمال إطلاقاً، تُخطط لبناء مجدها على أنقاض الشعوب، بناء رخائها على إفقار الشعوب، بناء عزّها على إذلال الشعوب، بناء غِناها على إفقار الشعوب، أن تنجح خططها على المدى البعيد، وصدقوا ولا أبالغ هذا لا يتناقض مع عدل الله فحسب، بل مع وجوده، ((الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ)) .
 

من لوازم القاهر العلوُّ والغلبة:


يستحيل أن يكون لهذا العالم إلا إله واحد، لأنه الله: ﴿الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ له العلو والغلبة، فلو فرضنا وجود إلهين اثنين مختلفين، ومتضادين، وأراد أحدهما شيئاً خالفه الآخر فلابد عند التنازع من غالب وخاسر، فالذي لا تنفُذ إرادته هو المغلوب العاجز، والذي نفذت إرادته هو القاهر القادر، ولم تدّع جهة أخرى أنها خلقت السماوات والأرض؟ ولم تدّعِ جهة أخرى أنها قهرت عبادها، لذلك وهو وحده ﴿الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ .
قال بعض العلماء: القاهر أي المُذلل، المستعبد لخلقه، العالي عليهم، وإنما قال: ﴿فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ لأنه وصف تعالى نفسه بقهره إياهم، ومن صفة كل قاهر شيئاً أن يكون مستعلياً عليه، فمعنى الكلام إذاً والله الغالب عباده، المُذِلّ لهم إذا طغوا، وبغوا، وفسدوا، العالي عليهم بتذليله لهم، وخلقه إياهم، فهو فوقهم بقهره إياهم، وهم دونه.
تخضع للقوي لكنه عادل، تخضع للقوي لكنه رحيم، تخضع للقوي لكنه يسمعك، لذلك أنت تدعو من؟ تدعو جهة موجودة، تؤمن بوجودها حتماً، وتدعو جهة تسمعك، فإن سكت تعلم ما في نفسك، فإن تحركت رأتك، ساكت يعلم، متحرك يرى، ناطق يسمع، تدعو جهة موجودة، إن تكلمت سمعتك، إن أسررت علِمت ما في نفسك، إن تحركت رأتك، تدعو جهة تقدر على تلبية طلبك، ولو بدا لك مستحيلاً، تدعو جهة تحب أن ترحمك، هذا هو الله عز وجل، فلذلك الحياة مع الإيمان بالله حياة رائعة فيها عز، فيها قوة، فيها راحة، فيها استسلام، فيها رضا، فيها طاعة.

اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت          فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت

[ عبد الرحمن الوكيل ]

* * *

 

نصيب المؤمن من اسم القاهر:


أيها الإخوة؛ الآن أنت ما نصيبك من هذا الاسم؟ هو قاهر، ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ الاستسلام، والخنوع، والتماوت، والتضعضع، ليس من صفات المؤمن، ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ واللهُ معك، استعن بالله ولا تعجز، أي الخضوع، والقلق، والخوف، والاستسلام، والتطامن ليس هذا من صفات المؤمن، أنت عبد القاهر، أنت عبد القوي، أنت عبد الغني، لذلك إذا توهمت أن الله لا ينصرك، ولا يدافع عنك، وأنت المؤمن، وأنت المستقيم فقد وقعت في سوء ظنّ كبير، الله لا يتخلى عن عباده المؤمنين، بل إن الله لا يعذب عباده المحبين، الدليل:

﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)﴾

[ سورة المائدة ]

لم يقبل دعواهم، بل ردّ عليهم: ﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾ الإمام الشافعي رحمه الله تعالى استنبط من هذه الآية أن الله لا يُعَذّب أحبابه، أنت مع القوي، بربكم هذه القصص التي وردت في القرآن عن الأنبياء هي لمن؟ لهم؟ ماتوا وانتهوا، هي لنا، أي أنت ما هي المصيبة التي تفوق حدّ الخيال؟
 

قصص تؤكد قهر الله وغلبته:

 

1 ـ سيدنا يونس في بطن الحوت قصة وقانون:

أحيانا يكون دخلُ الإنسان قليلاً، عنده مرض، عنده مشكلة في بيته، عنده مشكلة بعمله، عنده ابن معاق، أما أن يجد نفسه فجأة في بطن حوت، وزنه مئة وخمسون طنًّا! وجبته المعتدلة بين الوجبتين أربعة أطنان، وكل الإنسان وزنه عبارة عن سبعين كيلو غرام، لقمة واحدة، وجد نفسه في بطن حوت، في ظلمة بطن الحوت، وفي ظلمة البحر، وفي ظلمة الليل:

﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)﴾

[ سورة الأنبياء ]

القصة انتهت، إياك، ثم إياك، ثم إياك أن تتوهم أن هذه القصة وقعت ولن تقع مرة ثانية، أبداً، هذه وقعت وتقع كل يوم، الدليل التعقيب الذي جاء بعدها: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ التعقيب الذي جاء بعدها قلَبها من قصة إلى قانون: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ هذه القصة لنا. 

2 ـ سيدنا موسى مع فرعون:

سيدنا موسى مع أتباعه حينما كانوا في اتجاه البحر، وراءهم فرعون بجبروته، بقوته، بأسلحته، بحقده، ولكل عصر فرعون.

﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)﴾

[ سورة الشعراء ]

تعلّموا أيها الإخوة؛ من الأنبياء العظام ثقتَهم بالواحد الديان، تعلموا منهم اعتزازهم بالله عز وجل، ﴿قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ . 

3 ـ النبي عليه الصلاة والسلام في غار حراء:

في الغار وقعت عينهم على عين الصديق، قال: يا رسول الله لقد رأونا؟ قال:

(( عن أبي بكر الصديق قلتُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونحن في الغارِ: لو أنَّ أحدَهم ينظرُ إلى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنا تحتَ قَدَمَيْهِ، فقال: يا أبا بكرٍ ما ظَنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثُهُما ))

[ صحيح البخاري  ]

ألم تقرأ قوله تعالى:

﴿ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198)﴾

[ سورة الأعراف  ]

4 ـ النبي عليه الصلاة والسلام مطارد مهدور دمه:

ذهب إلى الطائف، ودعا أهلها، كذبوه، وسخروا منه، وأغروا صبيانهم بإيذائه، وسال الدم الشريف من قدمه، وعاد إلى مكة، مكة أخرجته، مكة كفرت به، مكة تخلت عنه، لم يبقَ له أحد، إن صح التعبير أن للدعوة الإسلامية نهاية صغرى هي في الطائف، الخط البياني هبط إلى النهاية الصغرى في الطائف، الآن يعود النبي إلى مكة، يسأله زيد: يا رسول الله كيف ترجع إليها وقد أخرجتك؟ ليس لك أحد فيها، والله قال قولة تملأ القلب طمأنينة، قال: إن الله ناصر نبيه، ثقته بالله عجيبة.
هو في الهجرة هُدر دمه، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، انتهى، يتبعه سراقة، يقول له: يا سراقة-دقق كلام نبي-كيف بك إذا لبست سوار كسرى؟ معنى هذا الكلام إنني سأصل، سأصل سالماً، وسأؤسس دولة، وسأنشئ جيشاً، وسأحارب أكبر دولة، وسأنتصر عليها، وستأتيني غنائمها، ولك يا سراقة سوار كسرى، وفي عهد عمر جاءت كنوز كسرى، وسأل عمر عن سراقة، أعطاه سوار كسرى، وألبسه وقال: بَخٍ بخٍ، أعيرابي من بني مدلج يلبس سوار كسرى!
 

التطامن واليأس أخطر شيء في حياتنا:


أخطر شيء بحياتنا اليأس، أخطر شيء بحياتنا التطامن، أن تقول: انتهينا، ما انتهينا، أنت مع الله، والله عز وجل لا يتخلى عن عباده.

﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)﴾

[ سورة محمد ]

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾

[ سورة آل عمران ]

 لذلك أفضل حالة أن تكون مع القوي، وأن تعتز بالقوي، وأن تعتز بالقاهر، وأن تعتز بالقهّار، وأن تستمد قوتك منه، وأن تشعر بعزة وكرامة: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ .

﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)﴾

[ سورة آل عمران  ]

 لو أن الله عز وجل سَلّم الأرض للأقوياء فقط الكفار ليئس المؤمنون، ولو سلمها للمؤمنين لنافق جميع الناس لهم: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا﴾ .
 مرة بيد الأقوياء الكفار، مرة بيد المؤمنين، حكم نصيبنا في هذه الحياة أننا في عصر القوة مع الطرف الآخر، فلنصبر، ولنحتسب، والله عز وجل لن يضيعنا.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور