الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى الخلّاق:
أيها الإخوة الكرام؛ مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى والاسم اليوم الخلّاق، هذا الاسم العظيم ورد مطلقاً يفيد المدح والثناء على الله عز وجل، مراداً به العلمية، دالاً على كمال الوصفية، فقد ورد في قوله تعالى:
﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86)﴾
وفي قوله أيضاً:
﴿ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81)﴾
الخلّاق المبدع كماً ونوعاً:
الخلّاق من حيث الصياغة اللغوية اسم مبالغة لاسم الفاعل، تقول: غافر وغفّار، خالق وخلّاق، الله عز وجل خالق لكن خلّاق فيها معنى الكم:
﴿ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47)﴾
وفيها معنى النوع، الكم في قوله تعالى:
﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133)﴾
يخلق مليارات، مليارات المليارات، هذا الكم، أما النوع:
﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)﴾
الإتقان.
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)﴾
أي الخلّاق المبدع كماً ونوعاً.
من لوازم الخلّاق كمالُ الخَلقِ والتصرُّفِ:
لكن أيها الإخوة؛ معنى الخالق حتى نفهم الخلّاق، معنى الخالق أي أن الله سبحانه وتعالى خلق من لا شيء كل شيء على غير مثال سابق، لكن الله جلّ في علاه سمح للإنسان أن يُعطى هذا الاسم، الدليل قال الله عز وجل:
﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)﴾
الإنسان أحياناً يصنع طاولة، يصنع شيئاً من كل شيء، وعلى مثال سابق، صنعة الإنسان يصنع شيئاً من كل شيء، المواد الأولية كلها يأخذها من الأرض، والفكرة يراها بعينه، الإنسان إذا صنع شيئاً يصنع شيئاً من كل شيء، وعلى مثال سابق، بينما خالق السماوات والأرض يصنع كل شيء من لا شيء، وعلى غير مثال سابق، الإنسان حينما يوازن لأن الله سمح لهذا الإنسان الذي يصنع شيئاً من كل شيء أن يُسمى مجازاً خالقاً، وتأتي الآية الكريمة: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ أي الله عز وجل أودع في الإنسان كلية بحجم البيضة، صغيرة، تعمل بصمت بلا ضجيج، بلا تكلفة، تعمل ليلاً نهاراً، وأنت نائم، وأنت تمشي، وأنت تتحرك، وأنت مسافر، وأنت مقيم، وكل كلية فيها عشرة أضعاف حاجتك، عشرة احتياطات، فالكليتان فيهما عشرون احتياطاً، أما الكلية الصناعية كحجم الطاولة، يجب أن تستلقي على السرير ثماني ساعات، وأن تدفع مبالغ طائلة، وأن تتعطل ثلاث مرات في الأسبوع، وأن تتألم، هذه كلية صناعية، وتلك كلية طبيعية، آلة التصوير، فيها بكل ميليمتر عشرة آلاف مستقبل ضوئي، بينما العين بالميليمتر هناك مئة مليون مستقبل ضوئي، ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ .
الله تعالى ليعرفنا بذاته العلية سمح لذاته العلية أن توازن مع صنعة خلقه:
الله عز وجل ليُعَرّفنا بذاته العلية سمح لذاته العلية أن تُوازَن مع صنعة خلقه قال:
﴿ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)﴾
أحياناً يصنع الإنسان حاسوباً، يقرأ مئات ملايين الحروف في الثانية، لدرجة أنك إذا أعطيته الأمر رأيت النتيجة، الله قال: ﴿وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾ أي لا يوجد زمن بين المقدمة والنتيجة، إذاً أن يوازي الإنسان صنعة الواحد الدّيّان بين أن ترى وردة طبيعية فواحة الرائحة، تُحِسّ أنها تأخذ بالألباب، وبين أن ترى وردة صُنِعت من مادة بترولية تمجّها نفسك بعد حين، بين أن ترى امرأة في محل بيع ألبسة مجسداً لامرأة وبين أن ترى امرأة حقيقية هي ابنتك مثلاً، مسافة كبيرة جداً بين امرأة مصنوعة من مادة صناعية وبين إنسانة تتحرك فيها حياة، فيها فكر، فيها مشاعر، فيها روح، فيها فهم، فيها علم، لذلك: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ .
الإنسان صنع طاولة، هذه الطاولة جامدة، تبقى هكذا إلى أبد الآبدين، لكن ما صنع شيئاً، صنع ذكراً وأنثى، وهذه الطاولات تتوالد، هذا شيء معجز، خلق ذكراً، وخلق أنثى، وخلق ميلاً متبادلاً بينهما، ومن هذا الميل المتبادل ينتج أطفالاً، هذا شيء عظيم.
الموازنة بين صنعة الله المتقنة وصنعة الإنسان:
نظام الزوجية مُطبق في كل شيء، مُطبق في النبات.
﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3)﴾
تصور لو لم يكن هناك بذور، الله خلق مليارات الأطنان من القمح، استهلكوا، ما الحل؟ النبات فيه بذرة، والبذرة بالقوة شجرة، لو أكلت حبة تين كلها بذور، كل بذرة شجرة، هذا التوالد، أحياناً يكون بالسمكة في مبيض، فيه ملايين البيوض، وكل بيضة سمكة، بالتوالد:
﴿ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)﴾
لذلك أيها الإخوة؛ الفكر البشري حينما يمشي في طريق الموازنة بين صنعة الواحد الدّيّان وبين صنعة الإنسان يرى عظمة الله عز وجل، لأنهم قالوا قديماً: وبضدها تتميز الأشياء، فلذلك الله عز وجل خلق كل شيء من لا شيء، بينما الإنسان خلق شيئاً من كل شيء، والله عز وجل خلق كل شيء من لا شيء من دون مثال سابق، أما أي شيء صنعه الإنسان وفق مثال سابق، الغواصة تقليد للسمكة، والطائرة تقليد للطائر، إن أعظم طائرة صنعها الإنسان لا ترقى إلى مستوى الطير، الطائر أحياناً يطير ستاً وثمانين ساعة بلا توقف، الحديث عن الطيور حديث لا ينتهي، قد تقطع الطيور رحلة تزيد عن سبعة عشر ألف كيلو متر، كيف تهتدي؟ لا أحد يعلم حتى الآن، بالتضاريس تهتدي في الليل، كلما وضعت نظرية لاهتداء الطيور في هذه الرحلة الطويلة العلم يراها عاجزة عن تفسير بعض حالات الطيران.
إذاً الله عز وجل أمرنا أن نوازن بين صنعته المتقنة وبين صنعة الإنسان، لا يوجد إنسان يقدر أن ينزع سناً من إنسان إلا بألم، يقول لك: صار هناك مادة مخدرة، حتى نعطي هذه المادة المخدرة لابدّ من وخزة في اللثة، يتألم، أما الطفل حينما ينزع الله له أسنان اللبن بلا ألم إطلاقاً، لأن الله لطيف.
التقنين الإلهي تقنين تأديب لا تقنين عجز:
إذاً اسم الخلّاق تعني إتقان الصنعة، واسم الخلّاق تعني الخلق اللانهائي، كل شيء الله عز وجل يخلقه لا حدود لخلقه، هذا الذي يقال إنه يوجد أزمة مياه، أزمة غذاء، هذا كلام ليس صحيحاً.
﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)﴾
لذلك التقنين الإلهي لا يمكن أن يكون تقنين عجز، إنه تقنين تأديب فقط.
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)﴾
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)﴾
لذلك أي تفكير يتجه نحو أزمات قادمة هو كلام مفتعل، له هدف خسيس، الله عز وجل خلّاق عليم، قرأت بحثاً عن سحابة في الفضاء الخارجي يمكن أن تملأ محيطات الأرض ستين مرة في اليوم بالمياه العذبة، في بلاد أخرى يهطل في الليلة الواحدة ما يساوي أربعمئة ميلمتر، أي المعدل السنوي لدمشق على مرتين، بليلة واحدة، إذا أعطى أدهش، الله خلّاق الأرزاق بيده، المياه بيده، أمطار السماء بيده.
لذلك إذا قنن الله عز وجل فتقنينه تقنين تأديب، لا تقنين عجز، والله عز وجل ثبّت مليارات القضايا، ثبّت نظام البذور، ثبّت خصائص المعادن، ثبّت مليارات القوانين، لكنه حرك الرزق والصحة، حركهما من أجل أن يأخذ بيدنا إليه، فالإنسان حريص على رزقه، وحريص على صحته، فمن خلال الرزق والصحة يمكن أن يأخذ الله بيد عباده إليه، فهذا نوع من أنواع التربية، إذاً الله عز وجل خلّاق عليم.
تسخير كل شيء في الكون للإنسان:
شيء آخر؛ الإنسان حينما يقول الله له:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)﴾
هناك مفهوم الربوبية مفهوم عطاء، الله عز وجل خلق الكون، الكون وما سواه، خلق الإنسان، خلق الحيوان، خلق النبات، هذا عطاء، الله عز وجل منحك نعمة الإيجاد، منحك نعمة الإمداد، أمدّك بالهواء، أمدّك بالماء، أمدّك بالنبات، أمدّك بالحيوان، أمدّك بمقومات حياتك، هذا معنى الرب، خلق وأمدّ، مفهوم الربوبية مفهوم العطاء، منحك نعمة الوجود، منحك مقومات الحياة، منحك كل شيء، كل شيء في الكون مسخر لك، هذا مفهوم الربوبية، لكنه أرسل إليك رسلاً، افعل ولا تفعل، هناك أمر، هناك نهي، هناك حلال، هناك حرام، هناك مكروه، هناك سنة، هناك فرض، هناك واجب، هناك مُحرّم، هذا المفهوم الآخر مفهوم التشريع، مفهوم الألوهية.
اختلاف الناس بمفهوم الألوهية وليس بمفهوم الربوبية:
لذلك البشر لم يختلفوا على مفهوم الربوبية إطلاقاً، حتى الذين عبدوا الأوثان.
﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)﴾
لماذا تعبدون الأصنام؟ قال:
﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)﴾
إذاً ليس هناك اختلاف في الأرض على مفهوم الربوبية، إبليس اللعين آمن بالله رباً، قال ربي:
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)﴾
إبليس آمن بالله خالقاً قال له:
﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)﴾
آمن به، آمن بالآخرة:
﴿ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14)﴾
آمن به مُربياً، وخالقاً، وعزيزاً، وآمن باليوم الآخر، إذاً ليس مفهوم الربوبية محل اختلاف إطلاقاً، محل الاختلاف مفهوم الألوهية.
انضباط الشهوات وفق منهج الله تعالى ليرقى بها الإنسان صابراً وشاكراً:
الإنسان أودع الله فيه الشهوات، ليرقى بها تارة صابراً، وتارة شاكراً إلى ربّ الأرض والسماوات، هذه الشهوات لابدّ من أن تنضبط، تنضبط بمنهج الله عز وجل، الشهوة يمكن أن تتحرك بموجبها مئة وثمانين درجة، سمح لك بمئة درجة، المرأة مُحببة.
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)﴾
لكن سمح لك بالزواج، يوجد بحياتك محارم، الأم، والأخت، والبنت، والعمة، والخالة، وبنت الابن، وبنت الأخ، وبنت الأخت، وبنت البنت، هذه محارم، فسمح لك بحيز ينبغي ألا تتجاوزه، صار بحياتك شيء اسمه حرام، الزنا حرام، القتل حرام، أكل أموال الناس بالباطل حرام، مفهوم الألوهية، مفهوم الرسالة، مفهوم الأمر والنهي هذا محل خلاف، لذلك تشريعات الأرض تتناقض مع تشريعات السماء، صار هناك شرك، صار هناك كفر.
الربط بين مفهوم الربوبية ومفهوم الألوهية لحكمة من الله تعالى:
الآن الله عز وجل لحكمة بالغةٍ بالغة ربط بين مفهوم الربوبية ومفهوم الألوهية، قال:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)﴾
المرأة قد تقول لابنها: يا بني والدك لا يرضى أن تأتي بعد الساعة التاسعة، يغضب أشدّ الغضب، إنه يرزقنا، إنه يطعمنا، إنه يكسونا، إنه يحبنا، أي أعطت مبرر الطاعة لأنه يعطي، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ من هي الجهة التي تستحق أن تطيعها؟ هي الجهة الخالقة، الخالق وحده ينبغي أن تطيعه، الخالق وحده ينبغي أن تنصاع لأمره، فلذلك ورد في بعض الآثار القدسية: إني والجن والإنس في نبأ عظيم، أخلق ويُعبَدّ غيري، المجتمعات المتفلتة يُعبد فيها غير الخالق، أخلق ويُعبَد غيري، وأرزق ويُشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إليّ صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر شيء إليّ، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري أهل مودتي، أهل شكري أهل زيادتي، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها.
الفكرة الدقيقة في هذا الاسم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ الجهة الوحيدة التي تستحق أن تطيعها هي الجهة الخالقة، الذي خلقك، منحك نعمة الإيجاد، أمدّك بما تحتاج، أمدّك بالأهل، الزوجة هدية من الله، الأولاد يملؤون البيت سعادة، الهواء، الطعام، الشراب، ألوان الأزهار، أنواع الأزهار، الأزهار لا تؤكل من أجل أن تُمتع نظرك بها، مسحات الجمال في الكون من أجل أن تستمتع بالجبال الخضراء، والبحار الزرقاء، والأزهار الملونة، هناك جمال بالأرض، هناك شيء ثمين جداً لذلك:
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)﴾
لذلك ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ﴾ يخلق ما يشاء كماً، وإذا صنع شيئاً صنعه بإتقان ما بعده إتقان، بعوضة؛ أحقر مخلوق عند الإنسان، يوجد برأسها مئة عين، يوجد بفمها ثمانية وأربعون سناً، بصدرها ثلاثة قلوب، قلب مركزي، وقلب لكل جناح، بكل قلب يوجد دسامان، وأذينان، وبطينان، هناك جهاز استقبال حراري، وجهاز تحليل دم، وجهاز تخدير، وجهاز تمييع، يوجد بخرطومها ست سكاكين، ويوجد بأرجلها مخالب، ومحاجم.
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26)﴾
أي لو وازنت بين صنعة الإنسان، مع أن الإنسان إذا شرد عن الله عز وجل يؤخذ بصنعة الإنسان، وبين صنعة الواحد الديان، هذه البقرة معمل، معمل يقدم لك هذا الحليب، الذي هو أحد أسباب غذائك، هذا الحليب بلا صوت، بلا ضجيج، بلا تلوث، تأكل الحشيش تعطيك الحليب، تصنع منه مشتقات الألبان، لو فكر الإنسان في طعامه.
﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)﴾
كيف القمح هو المحصول الأول في حياة الإنسان، ساق السنبلة هي الغذاء الأول للحيوان، كيف أن القمح غذاء كامل للإنسان، ساق السنبلة غذاء كامل للحيوان، ﴿مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ .
منهج الله منهج واسع جداً علينا التقيد به:
إخواننا الكرام؛ إذا الإنسان جال فكره في آيات الله الدالة على عظمته عرفه، وإذا عرفه أحبه، ومن أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه، ومن أعجب العجب أن تحبه ثم لا تطيعه.
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيع
لـو كان حبك صادقاً لأطعتــه إن الـمحب لمن يحب يطيــع
يمكن أن نستنبط أن الجهة الوحيدة التي يجب أن تُطاع هي الجهة الخالقة، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ أي مفهوم الربوبية مفهوم عطاء، خلق، إكرام، منح، مفهوم الألوهية انضباط، هناك أمر، هناك نهي، هناك حلال، هناك حرام، هناك واجب، هناك سنة، هناك سنة مؤكدة، هناك كراهة، هناك تحريم شديد، هناك أحكام لا تُعَدّ ولا تحصى، لذلك منهج الله منهج واسع جداً، يجب أن تتقيد به لعل الله سبحانه وتعالى يسلمنا جميعاً، ويسعدنا جميعاً.
الملف مدقق