وضع داكن
19-11-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة النبأ - تفسير الآيات 16-30 كمال الخَلْق يدل على كمال التصرُّف.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

  محور هذه السورة أن كمال الخَلْق يدل على كمال التصرُّف:


أيها الأخوة الكرام؛ مع الدرس الثاني من سورة النبأ.
في الدرس الأول أيها الإخوة ذكرت أن هذه السور القصيرة هي سورٌ مكيَّة، محورها الواحد ترسيخ الإيمان في نفوس المؤمنين، لذلك حَفَلت هذه السور بآياتٍ كونيةٍ دالةٍ على عظمة الله عزَّ وجل، ولكن في سورة النبأ قضيةٌ دقيقة هي الربط، الربط بين كمال الخلق وكمال التصرف، كمال الخَلْق يدلّ على كمال التصرُّف:

﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6)﴾

[ سورة النبأ ]

معادن، أشباه معادن، صحارى، جبال، سواحل، بحار، بحيرات، أنهار، أطيار، أسماك، الورود أنواعها لا تُعد ولا تحصى، مليون نوع من السمك في البحر، بِضع مئات من أنواع الطيور، وكل خَلْقٍ:

﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)﴾

[ سورة الملك ]

بحسب صنعة الله عزَّ وجل، فمحور هذه السورة أن كمال الخَلْق يدل على كمال التصرُّف، كأن يسأل طالبٌ سؤالاً: أهناك امتحان؟ هذا سؤال ينبغي ألا يُسأل، جامعة، ممتدة إلى مسافات طويلة، أبنية كلَّفت مئات الملايين، مخابر، مدرَّجات، حدائق، بيوت للطلبة، أرقى المدرسين، أرقى الوسائل، والطلاب لا يمتحنون؟!! كلُّ هذه العناية والطالب السيِّئ كالطالب الجيِّد؟! والذي درس كمن لم يدرس؟! والذي التزم بنظام الجامعة كمن لم يلتزم؟! ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ*عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ﴾ .
 

يستحيل أن يكون هذا الكون بهذه العظمة دون أن يُسأل الإنسان:


هل هم فيه من شك؟ هل هم في شكّ منه؟ أيعقل أن يكون هذا الكون بهذه العظمة دون أن يُسأل الإنسان؟!

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)﴾

[ سورة القيامة ]

هكذا قويّ وضعيف، غنيٌ وفقير، صحيحٌ ومعلول، مُتَألِّقٌ وخامل، وسيمٌ ودميم، ظالمٌ ومظلوم، مُستغِل ومُستغَل، طويل العمر وقصير العمر، امرأةٌ وسيمة وأخرى دميمة، هكذا؟ تنتهي الحياة هكذا بحظوظٍ متفاوتة؟ بعطاءاتٍ مُتباينة؟ بقدراتٍ متباعدة؟ أيعقل هذا؟ كمال الخلق يدل على كمال التصرف.
أنت إذا دخلت إلى شركةٍ من أرقى الشركات؛ شركة أجهزة حاسوبية، أيعقل أن تكون هذه الشركة بلا نظام محاسبة؟ بلا نظام مكافآت وعقوبات؟ بلا نظام ترقية محترم؟ كمال الخَلق يدل على كمال التصرُّف ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ*عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ﴾ مثل هذا الشيء ينبغي ألا يُسأل عنه، لأنه بديهي، ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ .

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)﴾

[ سورة المؤمنون ]

 

السؤال عن يوم إحقاق الحق وإبطال الباطل ينبغي ألا يُسأل:


أمة تعيش على أنقاض الأمم وتنتهي الحياة هكذا؟ أمةٌ تقتل مئات الألوف، وتنتهي الحياة هكذا؟ إنسان يبني وجوده على أنقاض الآخرين، وتنتهي الحياة هكذا؟ إنسان يبني ماله على إفقار الآخرين، وتنتهي الحياة هكذا؟ إنسان عاش الناس كلّهم له، وإنسانٌ آخر عاش للناس كلهم كالأنبياء، وتنتهي الحياة هكذا؟ مثل هذا السؤال ينبغي ألا يُسأل، ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ*عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ﴾ عن هذا اليوم الذي ترتعد منه الفرائص، عن هذا اليوم الذي يصبح القوي ضعيفاً، والضعيف المظلوم قوياً، عن هذا اليوم الذي يكافأ المُحسن على إحسانه، والمسيء على إساءته، عن هذا اليوم الذي يعود هذا الإنسان الذي طغى، وبغى، ونسي المبتدى والمنتهى، يعود إلى حجمه الصغير.

﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)﴾

[ سورة الأنعام ]

﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ﴾ عن يوم الدين؟ عن يوم الجزاء؟ عن يوم الدينونة؟ عن يوم تسوية الحسابات؟ عن يوم رَدِّ المَظالم؟ عن يوم إحقاق الحق وإبطال الباطل؟ كمال الخَلق يدل على كمال التصرف.
للتقريب: لو أن إنساناً قال لشركة: أعندك القدرة على أن تنجزي هذا المشروع؟ يقول مندوب هذه الشركة: ألم تنظر إلى البناء الفلاني، والبناء الفلاني، والمشروع الفلاني، والمَعَمل الفلاني، والجسر الفلاني، أليست هذه كلُّها أدلةٌ على أن هذه الشركة بإمكانها أن تنجز هذا الموضوع؟ ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ*عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ *الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾.
 

توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء ويوم القيامة توزيع جزاء:


واللهِ أيها الأخوة ما من إنسانٍ يشك في يوم الدين إلا يُشَكُّ في سلامة عقله، ألا ترون الناس متفاوتون في الحظوظ، إنسان يشتهي أن يأكل لقمةً، وإنسان يكاد يُتْخَم مِن شدة الطعام، هذا التفاوت في الحظوظ لابد من أن يُسوَّى يوم القيامة، بل إن الله جلَّ في علاه جعل الحظوظ في الدنيا موضع ابتلاء، وزَّع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء، توزيع امتحان، وسوف توزَّع يوم القيامة توزيع جزاء.
إنسان امتُحن بالفقر فصبر وتعفَّف، ورضي عن الله عزَّ وجل بما قسمه له، نجح في الامتحان، وإنسانٌ آخر امتُحِنَ بالغنى مثلاً فرسب في الامتحان، طغى وبغى، واستعلى وتكبَّر، وأنفق المال على ملذَّاته الخسيسة، وحرم منه الفقراء، رسب، إنسان امتحن بالفقر فنجح، وإنسان امتُحن بالغنى فرسب، يوم القيامة توزَّع الحظوظ توزيعاً آخر؛ توزيع استحقاق، توزيع جزاء، توزيع عَدل، فالذي نجح في امتحان الفقر سيغدو غنياً إلى أبد الآبدين، والذي رسب في امتحان الغنى سيغدو فقيراً إلى أبد الآبدين، مِن هنا قال سيدنا علي: الغنى والفقر بعد العرض على الله، توزيع الحظوظ في الدنيا لا قيمة له من حيث أنها مُنْقَطِعَة، أيامٌ تمضي، ولكن الخطورة توزيعها في الآخرة.

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)﴾

[ سورة القمر ]

البطولة أن يكون لك مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر، البطولة أن يرضى الله عنك، الأرض فيها الآن ستة آلاف مليون إنسان، واللهِ لو أن ستة آلاف مليون أثنوا عليك، ورفعوك، وعظَّموك، ولم تكن عند الله مقبولاً، فأنت أكبر خاسر، ولو أن ستة آلاف مليون ذَمُّوك وكنت عند الله مقبولاً فأنت أكبر رابح، ابتغوا الرفعة عند الله.

من علامات المؤمن أنه عاش الآخرة قبل أن يصل إليها:


هذا اليوم يوم الدين، إنسان جاءته دعوة لزيارة بلد بعيد، لمجرَّد أنه قَبِلَ الدعوة؛ تصوراته، أفكاره، خواطره، كتاباته، هواجسه، أحلامه، كأنه صار في هذا البلد، هو لازال في بلده ولكن قلبه، ونفسه، واهتماماته، وخواطره نُقِلَت إلى هذا البلد، فلو أنّ إنساناً أراد العمرة مثلاً، حينما يأخذ الموافقة، ويشتري بطاقة الطائرة، الآن كل تفكيره، وكل هواجسه، وكل خططه، وكل تأمُّلاته، وكل محاكماته، وكل ذواكره صارت هناك.
فالمؤمن حينما آمن باليوم الآخر، وآمن بالآخرة، كل حركةٍ، وكل سكنةٍ، وكل كلامٍ يلفظه، وكل عطاءٍ، وكل منعٍ، وكل غضبٍ، وكل صلةٍ، يقيسها بنظام الآخرة؛ هل هذا العمل يرضي الله؟ هل سوف أحاسب عنه؟ هل سوف أُؤَاخذ عليه؟ هكذا، فمن علامات المؤمن أنه عاش الآخرة قبل أن يصل إليها، عاش في الآخرة.
لو طُلِب إنسان للتحقيق، من ساعة أن يُطلب يقول لك: ما نمت الليل، ماذا سَأُسأل؟ ما الذي دعا إلى أن أُسأل؟ أربعة أيام، الوقت كلُّه يُمضى في التفكير، ما الذنب الذي اقترفته حتى أسأل عنه؟ لعل هذا الذنب، لعل هذا الذنب، لعل هذا الذنب، أنت مع إنسان: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ*عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ﴾ الذي لاشكَّ واقعٌ لا محالة، خالق السماوات والأرض، أمم تعيش على أنقاض أمم وينتهي الأمر؟ إنسان يترك خمسين مليونَ قتيل في ألمانيا في الحرب العالمية الثانية وينتهي الأمر هكذا بلا سبب؟ مستحيل، إنسان يلقي قنبلة في اليابان يبيد بها ثلاثمئة ألف في ست ثوانٍ، أخذ قراراً، وألقى هذه القنبلة الذرية، وانتهى الأمر؟ لا يوجد مشكلة؟ الكل يموتون دون تمييز؟ لا، ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ*عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ﴾   كمال الخَلْق يدلُّ على كمال التصرُّف.
 

آيات تؤكد أن الله عزَّ وجل مستحيلٌ أن يخلُق الناس عبثاً:


﴿ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)﴾

[ سورة النبأ ]

لمجرَّد أن تشكِّك في وقوع يوم الدين ينبغي أن تشكِّك بعقلك، لأن الله عزَّ وجل مستحيلٌ وألف ألف مستحيل أن يخلُق الناس عبثاً.

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)﴾

[ سورة العنكبوت ]

لا يمتحنون؟

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)﴾

[ سورة آل عمران ]

﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)﴾

[ سورة آل عمران ]

يوجد امتحانات، يوجد ابتلاءات، يوجد مِحَن، يوجد مضائق ضيقة، لابدَّ من أن تُمتحَن، قد تخدَع بعض الناس لكل الوقت، وقد تخدع كل الناس لبعض الوقت، أما أن تخدع كل الناس لكل الوقت فهذا مستحيل، لذلك بدأت هذه السورة، ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ*عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ﴾ هذا شيء بديهي.
 

لابدّ من وجود يوم تسوّى فيه الحسابات:


 لو أنّ شخصاً سألك: ما قولك الكل أكبر من الجزء؟ هذا سؤال لا يُسأل، أيْ غرفة في البيت يمكن أن تكون أكبر من البيت؟ مستحيل، قطعة في السيارة يمكن أن تكون أكبر من السيارة؟ أيعقل أن يكون الجُزء أكبر من الكُل؟ تقول له: ما هذا السؤال؟ هذا شيء بديهي، هذا شيء مُسَلَّم به، مقطوعٌ به، ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ*عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ﴾ هكذا الشعوب؟! شعوب غارقة في الفجور، غارقة في الزنا، غارقة في الخمور، غارقة في العدوان، قلوبٌ قاسيةٌ كالصخر، يُقتل الإنسان بلا ذنب، لأنه مسلم فقط، ليس له ذنب أبداً، بالمئات، مئات الألوف، وهؤلاء الذين يفعلون كل هذا هكذا ‍‍‍‍يموتون وانتهى الأمر؟! وتنتهي الحياة هكذا؟! بظالمٍ ومظلوم، ومستغِلٍ ومستغَل، وقوي وضعيف، وغنيٍ وفقير، ولا يحاسب الإنسان عن ماله من أين جاء به؟ وفيمَ أنفقه؟!﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ*عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ* الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُون* كَلَّا َ﴾ أداة ردعٍ ونفيٍ ﴿سَيَعْلَمُونَ﴾ تهديد ﴿ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ﴾ .
 

الله عزَّ وجل لم يخلُق الكون عبثاً ولم يخلُق الإنسان سدىً:


سيعلم الإنسان عند الموت، وسيعلم يوم القيامة أن الله عزَّ وجل لم يخلُق الكون عبثاً، ولم يخلُق الإنسان سدىً..

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)﴾

[ سورة المؤمنون ]

الآن الدليل: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا * وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا * وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا * إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا *﴾ .
هذا اليوم الموعود، كلُّ متوقعٍ آت، وكل آتٍ قريب، لو أن الإنسان سأل نفسه سؤالاً مُحْرِجاً: هل بقي بقدر ما مضى؟ هذه النعوات أمامكم، الناس يموتون بين الستين والسبعين إذا سَلِموا من مرضٍ خطير، إذا سَلِم بين الستين والسبعين، كما ورد:

(( عن أبي هريرة:  أعمارُ أمتي ما بينَ الستِّينَ إلى السبعينَ وأقلُّهم من يجوزُ ذلِكَ. ))

[ صحيح الترمذي: حسن ]

وإن لم يَسْلَم بحادث بالأربعين، بالثلاثين، بالخامسة والعشرين، ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً﴾ في هذا اليوم تسوَّى فيه الحسابات.
 

الآية التالية لو لم يكن في القرآن غيرها لكفتنا جميعاً:


واللهِ أيها الأخوة؛ القرآن بين أيدينا؛ ستمئة صفحة، نسمعه ليلاً ونهاراً، كل شيء مُيَسَّر في القرآن، أعرابي جاء النبي عليه الصلاة والسلام قال: يا رسول الله عظني ولا تطِل - لا تطِل عليّ-فتلا عليه قوله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه) ، اكتفى بآية واحدة، آية وليست سورة، واللهِ الذي لا إله إلا هو لو لم يكن في القرآن إلا هذه الآية لكفتنا جميعاً:

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)﴾

[ سورة الزلزلة ]

إنسان ابتسم ابتسامة ساخرة، أو أعرض عن إنسان بلا سبب، أو تجاهله، أو داس نملةً فماتت.

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾

[ سورة الزلزلة ]

(( عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ: حديث الكسوف وقد تقدم، وفي هذه الرواية: قَالَتْ: قَالَ: «قَدْ دَنَتْ مِنِّي الْجَنَّةُ حَتَّى لَوِ اجْتَرَأْتُ عَلَيْهَا لَجِئْتُكُمْ بِقِطَافٍ مِنْ قِطَافِهَا، وَدَنَتْ مِنِّي النَّارُ حَتَّى قُلْتُ: أَيْ رَبِّ، وَأَنَا مَعَهُمْ؟ فَإِذَا امْرَأَةٌ -حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ-تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ قُلْتُ: «مَا شَأْنُ هَذِهِ؟» قَالُوا: حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، لا أَطْعَمَتْهَا وَلا أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ - قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: «مِنْ خَشِيشِ، أَوْ خَشَاشِ الأَرْضِ».  ))

[ صحيح البخاري ]

فما قولكم فيما فوق الهرَّة؟ ألا تسمعون ما يجري في العالم مِن مذابح، من تقتيل جماعي، من تشريد، هؤلاء الذين اتخذوا هذه القرارات لن يحاسبون؟!
 

حقيقة الصور لا يعلمها أحد:


﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً﴾ هذا ميقات دقيق لهؤلاء الذين نَسوا ما ذكِّروا به:

﴿ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18)﴾

[ سورة النبأ ]

 الصور البوق، أما حقيقته فلا يعلمها أحد، هذا من شأن الآخرة، وهذا من الإيمان التصديقي الإخباري، لا تخض فيما لا يجدي، هذا شيء نعرفه بعد الموت، أما الله عزَّ وجل قال: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾ أيْ أداة من أدوات دعوة الأموات إلى البعث والنشور، ﴿فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً﴾ أفواج آكلي الربا، هؤلاء فوج، أفواج الزناة، أفواج الشاذِّين، أفواج الطُغاة والظالمين، أفواج المُقَصِّرين، أفواج المؤمنين، أفواج الصدِّيقين، أفواج المُسلمين، أفواج السابقين، ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً﴾ .
 

 في اليوم الآخر كل شيءٍ في الكون يتغيَّر وهذا هو النبأ العظيم:


في هذا اليوم يغيَّر نظام الكون، كان هناك شمس.

﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)﴾

[ سورة التكوير ]

كان هناك نجوم في الدنيا.

﴿ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2)﴾

[ سورة التكوير ]

كان هناك جبال شاهقة، هملايا.

﴿ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3)﴾

[ سورة التكوير ]

كان هناك سماء.

﴿ وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19)﴾

[ سورة النبأ ]

كل شيءٍ في الكون يتغيَّر، هذا هو النبأ العظيم.

صور عما ينتظر المقصرون من عذاب يوم القيامة:


﴿ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20)﴾  

[ سورة النبأ ]

جبل قاسيون رآه الرومان هكذا، ورآه الإغريقيون، ورآه الآراميون، ورآه الفُرس، والأتراك، والمسلمون، ونراه نحن، الجبل جبل لا يتغير، أما يوم القيامة، ﴿وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً﴾ أي صورة باهتة.

﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22)﴾

[ سورة النبأ ]

أنت انظر ونحن في الدنيا إلى عصابة سرقة؛ تأخذ الأموال، وتسهر في الملاهي، وتأكل ما لذَّ وطاب، وتقترِف الكبائر، والفواحش، أما حينما يلقى القبض عليها، وتودع في السجن، انظر إلى هذا المجرم لا يستطيع أن يرفع بصره، ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً*لِلطَّاغِينَ مَآباً﴾ هذا الذي طغى وبغى، ونسي المبتدى والمنتهى، أيْ انحرف واعتدى وبنى وجوده على أنقاض الآخرين، ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً﴾ تنتظرهم..

﴿ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)﴾

[ سورة ق ]

﴿ لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)﴾

[ سورة النبأ ]

 

حياتنا لا تستقيم إلا بمعرفة الله والخوف منه والإيمان باليوم الآخر:


قرأت خبراً مرَّةً أن سفينة فرنسية راسية في ميناء بإفريقيا، وإذا بعشرة أشخاص أفارقة فقراء يتسللون إلى السفينة ويختبئون في ثنيّات عنابرها، وبعد أن تُبْحِر إلى فرنسا يكتشف رُبَّان السفينة أن في السفينة عشرة أشخاص قد تسللوا إليها، ببساطةٍ بالغة يأمر بقتلهم جميعاً، إذا تسلّل إنسان إلى سفينة يقتل؟! فأطلق عليهم النار واحداً واحداً، وأُلقُوا في البحر، وفي نيَّته أن هذا العمل لا يمكن أن يعلم به أحد، غير أنّ واحداً من العشرة أُطلِق النار عليه ولم يمت، فاختبأ في مكان سري، وانتظر حتى وصل إلى فرنسا، وخرج من السفينة، واتصل بأحد مخافر الشرطة وأبلغ الشرطة، الخبر أنه تمّ الحكم على الربان بالإعدام، وعلى من أعانه على قتلهم بعشرين سنة مؤبَّداً، هكذا تقتل عشرة أشخاص، طبعاً ليس معهم هويات وينتهي الأمر بهذه البساطة؟ 
أيها الأخوة؛ من هو العاقل؟ من هو الذكي؟ هو الذي يُدخِل اليوم الآخر في حساباته اليومية، قبل أن تضع مادة مسرطنة رخيصة، هناك مادة تُعين على نضج، المادة الصحية ثمن الكيلو خمسة آلاف ليرة -هكذا قرأت في الجريدة-وهناك مادة مسرطنة سامة ثمن الكيلو خمس ليرات، فضبطوا فرَّاناً يستخدم هذه المادة السامة المُسرطنة، التي لها فعل المادة الأولى، ولكنها رخيصة جداً، تضع هذه المادة دون أن يعلم به أحد، ويأكل الناس هذا الخبز، وتأخذ ثمنه باهظاً، ولا تحاسب؟ لأن العمل تمّ سراً في الليل؟ ممكن؟! هؤلاء الذين يغشون المسلمين في طعامهم وشرابهم، بائع فروج، يضع فروجاً ميتاً مع الأحياء؟! تُطعم الناسَ لحماً ميتاً وينتهي الأمر هكذا؟ مستحيل، تضَع في بعض المواد الغذائية مواد مسرطنة حتى يرتفع سعرها، تكون زاهية اللون، والمادة ممنوع استعمالها! حياتنا لا تستقيم إلا بمعرفة الله والخوف منه والإيمان باليوم الآخر، أما الإنسان فصعب عليه أنْ يراقب إنساناً، يكاد يكون من المستحيل أن يراقب الإنسانُ الإنسانَ في كل أطواره، إنسان يعجن الساعة الثالثة صباحاً، وجد في العجين حيواناً، وقد فُرِم مع العجين، ماذا يفعل؟ يكمل، لا يراه أحدٌ، لن يحاسَب؟ حياتنا لن تستقيم إلا بالخوف من الله عزَّ وجل.
 

جوهر الدين أن تحاسب نفسك حساباً عسيراً ليكون حسابك يوم القيامة يسيراً:


قال له: بعني هذه الشاة وخذ ثمنها، قال: ليست لي، قال: قل لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب، قال له: والله ليست لي، قال له: خذ ثمنها، قال: والله إني لفي أشدّ الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها: ماتت أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادقٌ أمين، ولكن أين الله؟!
هذا البدوي وضع يده على جوهر الدين، هذا هو الدين أن تقول: أين الله؟ أن تحاسب نفسك حساباً عسيراً ليكون حسابك يوم القيامة يسيراً، أن تسأل: هل لي الحق أن آخذ هذا المبلغ؟ أن تسأل: هل لي الحق أن آخذ هذه العمولة؟ أن تسأل: هل لي الحق أن أجلس مع هذه المرأة وأن أمتِّع نظري بمحاسنها؟ هل لي الحق أن أفعل كذا؟ أن آخذ هذا المال؟ أن أقبل هذا المال؟ إن لم تحاسب نفسك حساباً عسيراً فينتظر هذا الإنسان يومٌ عسير، ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً﴾ تنتظرهم، وترصد حركاتهم وسكناتهم، ﴿لِلطَّاغِينَ مَآباً﴾ مصيرهم إلى النار، المجرم أين مصيره؟ إلى قصر؟ لا، إلى السجن، في النهاية مجرم قتل، وسرق، ثم ألقي القبض عليه، أين مصيره؟ مؤبَّد بالسجن، انتهى، إنسان طغى، بغى، نسي المبتدى والمنتهى، نسي الدار الآخرة، نسي أنْ يعرف الله، نسي أن يطيعه، أين مصيره؟﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً* لِلطَّاغِينَ مَآباً * لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً﴾ .
 

دقيقة الألم ساعة وساعة اللَّذة دقيقة:


قال: دقيقة الألم ساعة وساعة اللَّذة دقيقة، أحياناً بجلسة لطيفة مع أخوة تحبهم ويحبونك تفاجأ بأن الساعة صارت الواحدة ليلاً، جلسوا الساعة السابعة، فإذا بها الساعة الواحدة، لأنهم في سرور، أما اجلس على كرسي تنتظر إنساناً، راقب في قاعة امتحان، الدقيقة ساعة، فكيف إذا كان في عذابٍ أليم؟ كيف؟ ﴿لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً﴾ يقول لك: سُجِنْت ثلاثة أيام، أما الذي دخل السجن، وبقي فيه عشرين سنة، كان مجرماً، كيف مضتْ هذه السنوات العشرون؟ أما في جهنم فإلى الأبد.

﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)﴾

[ سورة الزخرف ]

دائماً، ﴿لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً﴾ حِقباً وحقباً وَحقباً إلى ما شاء الله.
 

الغبي يتغنَّى بماضيه والأقل غباء يعيش حاضره لكن العاقل يعيش المستقبل:


﴿ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24)﴾

[ سورة النبأ ]

إذا ذهب الإنسان إلى الحج، أو إلى العمرة، أو ذهب إليهما في أشهر الصيف، حينها يعلم ما هو الحَرّ، الإنسان هناك لا يشتهي إلا الماء البارد، لا يشتهي إلا مكيِّفاً، لا يشتهي شيئاً، الحرُّ لا يحتمل فكيف إذا كان هذا في النار؟﴿لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً *لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلَا شَرَاباً﴾ يوجد استثناء، يذوقون شراباً، ولكنَّه ماءٌ يغلي يقطِّع أمعاءهم.

﴿ إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25) جَزَاءً وِفَاقًا (26)﴾

[ سورة النبأ ]

﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)﴾

[ سورة الدخان ]

إخواننا الكرام؛ الغبي يتغنَّى بماضيه، والأقل غباء يعيش حاضره، لكن العاقل يعيش المستقبل، الآن ما هو أخطر حدثٍ في مستقبلك؟ الموت، قبر، لا شيء فيه، تراب، وعميق، يوضع الإنسان في هذه الحُفرة، فإن كان كريماً، إن كان عمله صالحاً أُكرِم في هذه الحفرة، فاتسعت مدَّ بصره حتى أصبحت روضة من رياض الجنة، وإن كان لئيماً أسلمه عمله إلى هذه الحفرة فكانت قطعةً من العذاب، اقرؤوا النعوات في الأرض، ماذا كُتِبَ عليه؟ وسيشيَّع إلى مثواه الأخير، كل بيوتنا المريحة، المرتبة، المطلية، المكيَّفة، المدفَّأة، المفروشة بالأثاث، غرف الضيوف، غرف الطعام، غرف النوم، غرف الاستقبال، المطابخ، الحمَّامات، هذه كلها مؤقَّتة، أما المثوى الأخير تحت الأرض: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً* وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً* وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً* إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً* لِلطَّاغِينَ مَآباً﴾ (مآباً) أي مأوىً.
 

المؤمن واع أما الكافر فما أَدخَلَ يومَ الدين في حساباته إطلاقاً:


(لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً﴾ جمع حِقَب، والحِقَب المدة الطويلة جداً، ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلَا شَرَاباً* إِلَّا حَمِيماً﴾ ماءٌ يغلي ﴿وَغَسَّاقاً* جَزَاءً وِفَاقاً *إِنَّهُمْ كَانُوا﴾ في الدنيا ﴿لَا يَرْجُونَ حِسَاباً﴾ ماذا يقولون؟ من هنا إلى يوم الله يفرجها الله، هكذا العوام لهم كلمات مضحكة: ضع رأسك بين الرؤوس وقل يا قطاع الرؤوس، أهذه آية أم حديث؟ هذا كلام سخيف، كلام باطل، المؤمن واعٍ:

﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَاباً(27)﴾

[ سورة النبأ ]

يغتصب بيتاً، يغتصب شركةً، يأكل مالاً حراماً، يعتدي على أعراض الناس:

﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30)﴾

[ سورة النبأ ]

 

المؤمن قبل أن يقوم بأي حركة يدخل اليوم الآخر في حساباته:


أيها الأخوة؛ لازلنا في هذه السورة الكريمة: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَاباً﴾ أي اليوم الآخر ما أدخله في حساباته -دقق-إنسان ذهب إلى لبنان مثلاً، وهو في طريق الذهاب وجد تفتيشاً دقيقاً جداً مع العائدين، الآن وصل إلى بيروت فرضاً، وجد بضاعة جميلة، غرفة نوم جميلة جداً، كيف يفكِّر؟ لا أستطيع أن أوصلها إلى دمشق مثلاً؟ هناك منع، وهناك تفتيش دقيق، فكل حاجة عرضت له يتذكر التفتيش الدقيق في الذهاب، معنى ذلك أنه كلَّما ألقى نظرة على بضاعة، أو على حاجة، أو على جهاز، يفكر: لا أستطيع أن أدخله إلى بلدي، معنى هذا أنه أدخَل التفتيشَ على الحدود في حساباته الدقيقة، كلَّما ألقى نظرة على شيء يتذكر أن في الطريق تفتيشاً دقيقاً، هذا لن يمر، عليه غرامة مثلاً، حالة بسيطة، والمؤمن كلما همَّ أن يقول كلمة هذه لا ترضي الله..

(( فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ. ))

[ صحيح الترغيب : حسن صحيح ]

همَّ أن ينظر نظرةً، هذه النظرة لا ترضي الله، همَّ أن يشتم إنساناً، همَّ أن يأكل مالاً حراماً، همّ أن يُذِل إنساناً، المؤمن الصادق قبل أن يتكلَّم، قبل أن يقف موقفاً، قبل أن يدلي برأي، قبل أن ينظر، قبل أن يسمع، قبل أن يمتِّع عينيه بمحاسن امرأةٍ، قبل أي شيء يفكر في يوم الدين، يوم الجزاء، يوم الدينونة، يوم الحساب، يوم تسوية الحسابات، يوم الفَصْل، لذلك: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا﴾ لماذا دخلوا النار وكانت النار مآبهم ولبثوا فيها أحقاباً؟ و: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلَا شَرَاباً* إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً﴾ ، ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَاباً*وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً﴾ .
 

مقطع من مقاطع هذه السورة الحديث عن أهل النار وسبب دخولهم النار:


كلَّما عرضتَ عليهم أن يعرفوا الله مشغولون، يخوضون مع الخائضين، الناس إمَّعة، ما الذي شاع في البيئة هم مع البيئة، صحون صحون، مسلسلات مسلسلات، ثياب فاضحة ثياب فاضحة، ثياب ضيقة ثياب ضيقة، أكل ربا أكل ربا، ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَاباً*وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً﴾ تعطيه الدليل لا يقبل، تعطيه الآية لا يقبل، حديث لا يقبل، توجيه النبي لا يقبل، آية كونية تدله على عظمة الله، يأتيك بمخترع حديث، ﴿وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً*وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً﴾ كأن الإنسان يوم القيامة يُعرض عليه شريط لأعماله، الآن أحدث طريقة في التحقيق أن يصوَّر الإنسانُ، من أجل ألا يطول الحديث يُعرض عليه الفيلم.

﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)﴾

[ سورة الإسراء ]

﴿وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً*وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً* فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً﴾ هذا مقطع من مقاطع هذه السورة، الحديث عن أهل النار، سبب دخولهم النار: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَاباً﴾ قال:

﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)﴾

[ سورة الملك ]

الجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، الجهل تبعه الانحراف، وتبعه الغفلة عن يوم القيامة، ﴿فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً﴾ .

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور