- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى :
الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذنٌ بخبر ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريته ، ومن والاه ، ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ولا تعذبنا فإنك علينا قادر ، والطف بنا فيما جرت به المقادير إنك على كل شيء قدير .
الحج :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ في الدرس الماضي ، أو في الجمعة الماضية إن صح التعبير كنت أتحدث عن بعض مناسك الحج ، وقبل متابعة مناسك الحج ، وقد وصلنا إلى السعي بين الصفا والمروة .
العبادات معللة في القرآن الكريم .
أريد أن أقول كلمة ، إن العبادات يا أخوة الإيمان ، إن العبادات معللة في القرآن الكريم .
معللة .
أمر الله سبحانه وتعالى لا يعقل أن يكون بلا هدف ، وبلا غاية ، وبلا علة ، فأمر البشر يتنزه عن يكون بلا غاية ، فكيف بأمر خالق البشر ، كيف بأمر الله رب العالمين ، الحكيم العليم ، السميع البصير ، بديع السماوات والأرض ، أيعقل أن يكون أمره أمراً خلواً من هدف كبير ، ومن علة عظيمة .
علة الصلاة :
قال تعالى :
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾
ونهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر نهي ذاتي ، لأن في الحياة شيئين ، في الحياة روادع ، القوانين الوضعية تردع الإنسان عن مخالفتها ، فإذا خالفها فسيعاقب بكذا وكذا ، فالقوانين الوضعية مبنية على مبدأ الردع ، فإذا لم يكن شرطيٌ فلإنسان يخالف النظام ، ولكن الأوامر الإلهية مبنية على مبدأ الوازع الداخلي
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾
نهياً ذاتياً ، في إحدى الليالي في مدينة كبيرةٍ كبيرة في أمريكا ، قطعت الكهرباء ، فارتكبت في هذه الليلة مئتين ألف سرقة ، في ليلة واحدة ، إذاً انضباط الناس لا بسبب طهر نفوسهم ، ولا بسبب سموهم ، ولكن بسبب أن هناك عقاباً دقيقاً لن يفلت منه أحد .
إذا بني النظام في الحياة على مبدأ الردع ، فإذا رفعت الرقابة تفلت البشر من قيود القانون ، ولكن النظام الإلهي مبني على مبدأ الوازع الداخلي .
سيدنا عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ التقى بأعرابي معه شياه يراعها ، فقال يا أعرابي بعني هذه الشاة ، وخذ ثمنها ، فقال يا أمير المؤمنين ليست لي أو لعله قال يا هذا ، ولا يدري أنه أمير المؤمنين ، ليست لي ، فقال قل لصاحبها ماتت ، قال ليست لي ، قال قل لصاحبها أكلها الذئب ، قال ليست لي ، قال خذ ثمنها ، قال والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلت له ماتت ، أو أكلها الذئب لصدقني ، فإني عنده صادق أمين ، ولكن أين الله ، هذا هو الإسلام ، وازع داخلي .
نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصيه .
الصلاة معللة بأهداف نبيلة .
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾
علة الصيام :
الصيام معلل بأهداف نبيلة .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
لعلكم ترتفعون من مرتبة الإيمان إلى مرتبة التقوى ، من مرتبة الذوق إلى مرتبة الرؤية ، من مرتبة مدافعة التدني إلى مرتبة متابعة الترقي .
علة الزكاة :
والزكاة :
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾
الصلاة معللة ، والصيام معلل ، والزكاة معللة .
علة غض البصر :
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾
﴿ أَزْكَى لَهُمْ ﴾
ما من أمر إلهي إلا وهو معلل بهدف نبيل ، بنجاة بسـمو ، برفعة ، بقرب ، بسـعادة .
مناسك الحج :
السعي بين الصفا والمروة .
وصلنا في الدرس الماضي ، أو في الجمعة الماضية في مناسك الحج إلى الصفا والمروة ، والله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾
روى مسلم عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنها قولها : طاف رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وطاف المسلون بين الصفا والمروة ، فكانت سنةً ولعمري ما أتم الله حجه من لم يطف بين الصفا والمروة .
ومن شروط السعي أن يكون بعد الطواف ، وأن يكون سبعة أشواط وأن يبدأ بالصفا ويختم بالمروة ، فهنيئاً لمؤمن سعى بين الصفا والمروة حتى صفت نفسه ، وهرول بين الميلين معلناً بهذه الهرولة عن تواضعه لله عز وجل ، هنيئاً لمؤمن قال وهو يسعى بين الصفا والمروة ربي اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم .
المبيت بمنى .
وفي اليوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية ، يتوجه الحجيج إلى منى ، ليبيتوا فيها ، مؤدين خمس صلوات ، استعداداً ليوم اللقاء الأكبر عرفة ، يوم عرفة .
الوقوف بعرفة .
وبعد طلوع شمس يوم التاسع من ذي الحجة ، يتجه الحاج إلى عرفات ملبياً ، مهللاً ، مكبراً ، وقد أجمع العلماء على أن الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم ففيه يتم اللقاء الروحي ، وفيه يتلقى المؤمن النفحات الربانية ، التي تغسل قلبه ، من كل درن وشهوة ، وتصفي نفسه من كل شائبة وهم ، وترقى بها إلى أعلى عليين ، ولا شيء يؤلم الحاج في عرفات وقد تلقى من ربه هذه النفحات ، إلا ما مضى من أيام وليالٍ أضاعها في سفاسف الأمور ، وهموم المعاش ، لقد شعر الآن بإنسانيته ، وخلود نفسه في رحاب ربه ، لقد شعر الآن أن الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة ، ولو أنها تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء ، لقد أدرك المهمة التي خلق من أجلها ، لقد عرف حقيقة الحياة ، وأنها مزرعة للآخرة .
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
لقد تذوق معنى الحديث القدسي :
يا ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإذا فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء .
وبعد أن ذاق حلاوة اللقاء ، وحلاوة المناجاة ، وانغمس في لذة القرب ، تصغر الدنيا في عينيه ، وتنتقل من قلبه إلى يديه ، ويصبح أكبر همه الآخرة ، ويسعى إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر ، ويكشف له أن كل مصيبة ساقها الله إليه هي محض محبة وعناية ، ويدرك معنى الحديث الشريف :
إن الله ليحمي صفيه من الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه من الطعام .
﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
وينكشف له وهو في عرفات أن سعادة الإنسان الحقيقة لن تكون إلا بوجهة النفس إلى ربها ، وتقلبها في رحمته ، ودنوها من جلاله ، وسعيها لخدمة خلقه ، وأن كل ما شرع لنا من عبادات ، ومعاملات ، هو من أجل الحفاظ على هذه الوجهة ، وذلك القرب ومع ذلك تستمع من بعض الحجاج إلى كلام يذهلك ، يقول أحدهم إنه في عرفات قد غط في نوم عميق ، لأن خيمته مكيفة ، وبعضهم الآخر يقول أكلت في عرفات طعاماً ما ذقت مثله من قبل ، وبعضهم يقول أمضيت الوقت في سماع بعض الأغاني ، وهو في عرفات ، هذا الذي يحج قبل أن يعرف ما الحج هو عبء على الحجاج عبء عليهم ، ينغص عليهم حجهم ، ويلفتهم إلى أخطاءه ، وانحرافاته .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ إذا وقف الحاج في عرفات فهو على موعد مع الله سبحانه وتعالى الوقوف في عرفات هو اللقاء الأكبر مع الله عز وجل .
﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
لذلك أيها الناس تفقهوا قبل أن تحجوا ، فإن الحج من العبادات التي تحتاج إلى إعداد كبير ، قال عليه الصلاة والسلام معرفاً الحج بأنه عرفة .
(( الحجُّ عرفةُ ))
ولكم أيها الإخوة أن تفهموا هذا الحديث على وجهين :
الوجه الأول : أن الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم فمن فاته الوقوف في عرفة فلا حج له .
والمعنى الآخر : أن الحج سياحة روحية هدفها الأول معرفة الله تفرغ للنفس ، وتفريغ لها من هموم الدنيا ، من مكانة الإنسان في بلده كل منا له مكانته في بلده ، معظم مبجل ، محسود ، مخدوم ، إذا ذهب إلى هناك هذا الوهم الكبير زال عنه ، منصبه الرفيع بعد عنه ، بيته المريح تركه ، زوجته الوفية تركها ، أولاده الأبرار تركهم ، ذهب وحده ليلتقي مع ربه ، ليتصل به ، ليبتعد عن هموم الدنيا ، ليترك الدنيا وراء ظهره ليتفرغ لمنجاة ربه ، الحج عرفة ، إن عدت كما أتيت فكأنك لم تحج ، إن عدت كما أتيت .
أيها الإخوة الأكارم ؛ يستحب للحاج في عرفة أن يدعو كما دعا النبي عليه الصلاة والسلام :
لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .
اللهم اجعل في بصري نورا ، وفي قلبي نورا .
اللهم اشرح لي صدري ، ويسر لي أمري .
اللهم إني أعوذ بك من وساوس الصدر وشتات الأمر ، وشر فتنة القبر ، وشر ما يلج في الليل ، وشر ما يلج في النهار ، وشر ما تهب به الرياح ، وشر بوائق الدهر .
وكان أكثر دعاء النبي عليه الصلاة والسلام يوم عرفة :
اللهم لك الحمد كالذي نقول ، وخيراً مما نقول .
اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي وإليك مآبي ولك ربي تراثي .
يا أخوة الإيمان ؛ يستحب الصيام يوم عرفة لغير الحجاج ، ويستحب الإفطار يوم عرفة للحجاج ليتقووا به على الذكر والدعاء ، ويسن جمع الظهر والعصر جمع تقديمٍ ، وتقديم الخطبة عليهما ، ويسن الإفاضة من عرفات قبل غروب الشمس بالسكينة والوقار ، لقوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
إن البر ليس بالاضطباع ؛ أي الإسراع ، وكان صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسير العنقة ؛ أي سراً رفيقاً ، فإذا وجد فجوة نص ؛ أي أسرع .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ نتابع مناسك الحج في خطبة قادمة إن شاء الله تعالى .
سلوك السلف الصالح في أمر الزواج :
يا أخوة الإيمان ؛ قصةٌ أعرض من خلالها موضوعاً : قال عليه الصلاة والسلام :
(( إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ))
ما الذي أوقع الناس في الفساد ، ما الذي أوقعهم في الانحراف صعوبة الزواج ، والنفقات الباهظة التي لا يقوى على تحملها شاب ، لذلك دققوا في هذه القصة هكذا كان السلف الصالح .
عن عبد الله بن أبي وداعة قال : كنت أجالس سعيد بن المسيب ، هذا من التابعين فتفقدني أياماً ، فلما أتيته ، فقال أين كنت ؟ أين كنت ؟ فقلت توفيت زوجتي فاشتغلت بها ، يعني إلى أن جهزتها ، ودفنتها ، وتقبلت التعازي بها ، قال هلا أخبرتنا ، فشهدناها ، يعني عزيناك ، وحضرنا دفنها فسكت ، ثم أردت أن أقوم فقال حل استحدثت امرأة ، أي هل تزوجت امرأة ، فقلت يرحمك الله تعالى ، ومن يزوجني ، من ؟ ولا أملك إلا درهمين أو ثلاثة دراهم ، فقال أنا ، أنا سعيد بن المسيب فقلت أو تفعل هذا ، قال نعم ، فحمد الله تعالى ، وصلى على النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وزوجني على درهمين ، أو قال ثلاثة دراهم ، فقمت من عنده وما أدري ماذا أصنع من الفرح ، فعدت إلى منزلي ، وجعلت أفكر ممن آخذ ، ممن أستدين ، فصليت المغرب ، وانصرفت إلى منزلي فأسرجت السراج ، وكنت صائماً فوضعت عشائي لأفطر ، وكان خبزاً وزيتاً فقط ، وإذا ببابي يقرع ، فقلت من هذا من الطارق ، قال سعيد : ففكرت في إنسان أعرفه اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب ، لماذا ؟ لأن هذا التابعي الجليل أمضى أربعين عاماً بين بيته والمسجد ، إما في البيت يتعبد ، وإما في المسجد يدعو إلى الله ، ويحكم بين الناس ، لا يعقل أن يأتي سعيد بن المسيب إلى باب هذا الإنسان الفقير فقال سعيد ، ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب ، وذلك لأنه لن يمر أربعين سنة إلا بين داره والمسجد ، فخرجت إليه فإذا به سعيد بن المسيب ، فظننت أنه قد بدا له شيء في أمر زواجي ، أو بدى له شيء كي يتراجع عن هذا الزواج ، فقلت يا أبى محمد لو أرسلت إلي لأتيتك ، أنا آتيك ، فقال لا ، أنت أحق أن تؤتى ، فقلت وماذا تأمر ، قال إنك كنت رجلاً عذباً ، فتزوجت فكرهت أن تبيت الليلة وحدك ، وهذه امرأتك ، وإذا هي قائمة خلفه ، في طوله ، فدفعها في الباب ورده ، قال فدخلت بها فإذا هي من أكمل النساء ، وأحفظهم لكتاب الله ، وأعلمهم بسنة رسول الله وعرّفيهن بحق الزوج ، وكانت بنت سعيد بن المسيب هذه ، القصة لم يأتِ مغزاها بعد ، مغزاها في هاذين السطرين ، وكانت بنت سعيد بن المسيب هذه ، قد خطبها من سعيد بن المسيب الخليفة عبد الملك بن مروان لابنه الوليد بن عبد الملك ولي العهد وقد إذٍ ، فأبى سعيد أن يزوجه ، وقد قال عليه الصلاة والسلام :
(( أعظم النساء بركة أقلهن مهراً ، أعظم النساء بركة أقلهن مؤنة ))
لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
(( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ))
وهذه القصة تبين سلوك السلف الصالح في أمر الزواج ، والله سبحانه وتعالى قال :
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
لكن صعوبات الحياة ، وارتفاع أسعار البيوت ، وارتفاع المهور والطلبات التعجيزية التي يقدمها الأهل حالت بين الشباب وبين الزواج فانحرفوا ، وحينما انحرفوا دفع المجتمع كله ثمناً باهظاً لانحرافهم .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ شرع الله حق أن يتبع .
﴿ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ﴾
من تزوج المرأة لمالها أذله الله ، من تزوج المرأة لجمالها أذله الله ، ومن تزوجها لمالها أفقره الله ، ومن تزوجها لحسبها زاده الله دناءةً فعليك بذات الدين تربت يداك ، وحق على الله أن يعين المؤمن الذي يتعفف بالزواج ، من أراد من المؤمنين الزواج ليتعفف به عن الحرام فالله سبحانه وتعالى يعينه ، فهذا الحديث النادر الوحيد الذي في نصه حق على الله ، أن يعين ثلاثةً أحدهم طالب الزواج ليكف به عن الحرام .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .
والحمد لله رب العالمين
***
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله خاتم الأنبياء والمرسلين ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قلب الأم :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ الله سبحانه وتعالى من آياته الدالة على عظمته قلب الأم ، ليس ذلك القلب المادي ، المؤلف من أذنين وبطنين ، وشرايين ، وأوردة ، ولكن قلب النفس ، العلماء يقولون :
إن أقوى الدوافع في النوع البشري دافع الأمومة ، أقوى الدوافع في النوع البشري دافع الأمومة ، بل إن دافع الأمومة أقوى الدوافع في الكائنات الحية ، يعني أقوى دافع يندفع الكائن الحي إلى تحقيقه هو دافع الأمومة ، والشواهد على رحمة الأم في الكائنات الحية لا في البشر وحدهم ، والشواهد على رحمة الأم في الكائنات الحية أكثر من أن تحصى ، قال عليه الصلاة والسلام :
ليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يغفر له ، ليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة ،
وإذا ماتت الأم قال الله تعالى :
عبدي ماتت التي كنا نكرمك لأجلها ، فاعمل صالحاً نكرمك لأجله .
وقال عليه الصلاة والسلام :
من هجر أحد والديه ساعة من نهار كان من أهل النار حتى يتوب .
في خشب حفرة مستطيلة ثم تجلب طلع الأزهار ، وبعض الأوراق السكرية ، وتحشو به ذلك السرداب ، ثم تبيض بيضة ، ثم تأتي بنشارة خشب ، وتجعلها سقفاً لهذا السرداب ، وبعدها تموت ، وبعد أن تفقص تخرج البيوض وتجد طعاماً يكفيها سنة .
﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾
حشرة الدبور ، الحفار ، تحفر أنثاه نفقاً في الأرض ثم تبحث عن دودةٍ ، تلسعها وتخدرها ، ولا تميتها ، ثم تسحبها إلى النفق ، ثم تضع البيض ، وتسد النفق ، وقد هيئت للصغار طعاماً طازجاً يكفيها مدةً طويلة وبعدها تموت .
بعض أنثى الطير تطعم صغارها أكثر من ألف وثلاثمئة مرة في اليوم ، تلقم صغارها الطعام ، ما بين الفجر والغروب .
الناقة تبكي على فقد صغارها ، والكلبة تبكي على جروها الميت تبكي ، وقد رأيت والله بأم عيني كلبة تبكي على جرو دهسته سيارة .
الخيل إذا فقدت صغيرها نهنهت بصوت مسموع ، وتوحشت ولا تدع أحداً يقترب من صغيرها ، فلما حمل صغيرها ليدفن سارت خلفه فلما دفن لازمت قبره .
أما إذا دفن الإنسان ما إن يوضع في القبر حتى ينصرف الناس إلى البيوت ، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نبقى مع الميت لنفك وحشته ، ونتلو له شيئاً من كتاب الله .
لازمت قبره ، وانقطعت عن الأكل والشرب .
أيها الإخوة المؤمنون ؛ من آيات الله الدالة على عظمته قلب الأم لا في بني البشر فحسب بل في الكائنات الحية .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيمن أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا أرضى اللهم اغفر ذنوبنا ، واستر عيوبنا ، واقبل توبتنا ، وفك أسرنا وأحسن خلاصنا ، وبلغنا مما يرضيك آمالنا ، واختم بالصالحات أعمالنا مولانا رب العالمين ، اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا وأمنا في أوطاننا . واجعل هذا البلد أمناً سخياً رخيا ، وسائر بلاد المسلمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين وانصر الإسلام وأعز المسلمين والدين وانصر الإسلام وأعز المسلمين وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنه على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير .