وضع داكن
01-09-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 001 ب - مقدمة 2 - مكانة أسماء الله الحسنى في الدعوة
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات. 
 

حديث عظيم أصل في أسماء الله الحسنى:


أيها الإخوة الكرام؛ مع دروس أسماء الله الحسنى، وما زلنا في المقدمات.

(( في الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ. ))

[ متفق عليه ]

هذا حديث صحيح اتفق عليه الشيخان، وهو من أعلى مراتب الصحة، لكن كي نفهم معنى: ((مَنْ أَحْصَاهَا)) نقرأ الآية الكريمة:

﴿ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94)﴾

[ سورة مريم ]

 

الفرق بين الإحصاء والعدِّ:


يبدو أن الإحصاء شيء، والعد شيء آخر، فأنت كمعلم يمكن أن تعُدّ طلابك بشكل سريع، أما أن تحصيهم، أن تعرف إمكاناتهم، مستوياتهم، تفوقهم، وضعهم العائلي، وضعهم في البيت، مدى تقيدهم بمنهج الله عز وجل، الإحصاء دراسة شاملة، فالنبي عليه الصلاة والسلام يجعل إحصاء الأسماء سبباً وحيداً كافياً لدخول الجنة: ((إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ))
 

من سبّح الله ومجّده فقد عرفه ومن عرفه عرف كل شيء:


أُقرّب هذا المعنى بآية ثانية: 

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)﴾

[ سورة الكهف ]

كلام رب العالمين، ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ حينما قال: ﴿وَالْبَاقِيَاتُ﴾ معنى ذلك أن المال والبنين شيء زائل، كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت.

والليل مهما طال فلابد من طلوع الفجر              والعمر مهما طال فلابد من نزول القبر

[ صالح بن محمد بن عبد الله ]

 * * *

و:           

كل ابن أنثى وإن طالت سلامــــته             يوماً على آلة حدباء محمــول

فإذا حمـلت إلى القبـــور جنــــازة             فاعلم بأنك بعدهــا محمــــول

[ كعب بن زهير ]

* * *

﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ ودقة الآية أن المال من دون بنين مشكلة كبيرة، وأن البنين من دون مال مشكلة أكبر، ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ لكن الله عز وجل حينما قال: ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ شرح زوال مُتع الدنيا، فما الباقيات الصالحات؟ قال بعض العلماء: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، دقق، إن سبحته أي نزهته عن كل نقص، ومجدته، وحمدته، ووحدته، وكبّرته، فقد عرفته، وإن عرفته عرفت كل شيء، وإن عرفته صَغُر في عينك كل شيء، وما معنى: الله أكبر؟ أكبر من كل شيء، بل أكبر مما عرفت، ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ﴾ . 

الإنسان بضعة أيام:


البطولة أيها الإخوة؛ وأنت زمن، في أدق تعاريف الإنسان أنه بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، هذا تعريف الإمام الجليل الحسن البصري، الإنسان بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه.
وما من يوم ينشق فجره إلا وينادي يا بن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة، بل إن الإنسان بضعة أيام، وهو في الحقيقة زمن فقط، بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك.
 

الإنسان خاسر لا محالة لأن مضي الزمن يستهلكه:


لذلك جاءت الآية الكريمة:

﴿ والْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)﴾

[ سورة العصر ]

جواب القسم أن الإنسان خاسر لا محالة، لماذا؟ لأن مضي الزمن يستهلكه فقط، لكنه يستطيع تلافي هذه الخسارة إذا تعرّف إلى الله، وتعرف إلى منهجه، وحمل نفسه على طاعته، وتقرّب إليه بالأعمال الصالحة.

﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾

[ سورة العصر ]

قال الإمام الشافعي: هذه أركان النجاة في الدنيا، لابدّ من أن تتعرف إلى الله، ولابدّ من أن تحمِل نفسك على طاعته، ولابدّ من أن تدعو إليه، فالدعوة إليه فرض عين على كل مسلم، الدليل:

(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو  : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائيلَ وَلا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».  ))

[ صحيح البخاري ]

لكن الدعوة التي هي فرض عين في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، لذلك أيها الإخوة؛ الإنسان إما أن يستهلك عمره استهلاكاً، أو أن يستثمره استثماراً، إذا تعرّف إلى الله، وتعرّف إلى منهجه، وحمل نفسه على طاعته، وتقرّب إليه يكون قد أنفق وقته استثماراً، أي أنفق وقته في عمل جليل ينفعه بعد مضي الزمن. 
 

أهمية العلم بأسماء الله تعالى:


لذلك أيها الإخوة؛ موقع أسماء الله الحسنى من العقيدة موقع كبير: ((إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ)) ماذا يقول العالِم الجليل ابن القيم رحمه الله تعالى؟ يقول: العلم بأسمائه وإحصائها أصل لسائر العلوم، فمن أحصى أسماءه كما ينبغي أحصى جميع العلوم،

(( عن أبي سعيد الخدري: قولُ الرَّبُّ سبحانه وتعالى مَن شَغلَهُ القرآنُ عن ذِكْري ومسألَتي أعطيتُهُ أفضَلَ ما أعطي السَّائلينَ، وفضلُ كلامِ اللَّهِ تعالى علَى سائرِ الكَلامِ كفَضلِ اللَّهِ تَعالى علَى خَلقِهِ. ))

[  ابن الملقن: تحفة المحتاج: أخرجه الترمذي: صحيح أو حسن ]

الآن فضل معرفة الله على معرفة خلقه كفضل الله على خلقه، إنسان يحمل أعلى شهادة في الفيزياء النووية، إذا انتهى أجله انتهت هذه الشهادة، يقول لك: الدكتور فلان عميد أسرتهم، انتهى، لكن إذا تعرّف إلى الله ينتفع بهذه المعرفة بعد الموت، وإلى أبد الآبدين، لهذا كل علم ممتع، لكن ما كل علم ممتع بنافع، والعلم النافع قد يكون غير مسعد، ما كل علم نافع بمسعد، إلا أنك إذا تعرفت إلى الله فهو علم نافع ممتع مسعد في الدنيا والآخرة، لذلك: ((إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ)) . 
 

معرفة الله لابد من أن تكون مصحوبة برحمة مستقرة في قلب المؤمن:


كيف نحصيها؟ قالوا: إحصاؤها أن تتعرف إلى ألفاظها وعددها، وقالوا: إحصاؤها أن تفهم معانيها ومدلولاتها، وقالوا: إحصاؤها الدعاء بها كما ينبغي، دعاء ثناء وعبادة، ودعاء مسألة وطلب، هذا معنى إحصائها عند ابن القيم رحمه الله تعالى.
الآن أيها الإخوة؛ ينبغي أن تتعرف إلى الله، وأن تشتق منه كمالاً إذا اتصلت بالرحيم لابد من أن يستقر في قلبك الرحمة، دقق في قوله تعالى:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾

[ سورة آل عمران  ]

أي يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك من خلال اتصالك بنا كنت ليناً لهم، فلما كنت ليناً لهم التفوا حولك، ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ﴾ أي لو كنت بعيداً يمتلئ القلب قسوة، فإذا امتلأ قسوة انعكس غلظة، فإذا انعكس غِلظة انفضّ الناس من حولك، معادلة رياضية، اتصال، رحمة، لين، التفاف، انقطاع، قسوة، غِلظة، انفضاض، معادلة رياضية بالتمام والكمال.
فلذلك أيها الإخوة؛ إذا كان للإيمان مؤشر، ومؤشر الرحمة يمشي مع هذا المؤشر تماماً فكلما ازداد إيمانك ازدادت رحمتك، ومن لا يَرْحم لا يُرحم، عبادي إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي، أبعد قلب عن الله القلب القاسي.
الآن أقول لك: أنت حينما تعرف اسم الرحيم، وتتصل بالرحيم يمتلئ قلبك رحمة، وهذه ثمار الصلاة الحقيقية.

﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)﴾

[ سورة العنكبوت  ]

من أدق ما قال المفسرون حول هذه الآية: ذكر الله لك أكبر من ذكرك له، أنت إذا ذكرته أديت واجب العبادة، أما إذا ذكرك الله عز وجل ملأ قلبك رحمة، ملأ قلبك أمناً، ملأ قلبك غنىً، ملأ قلبك رضاً، ملأ قلبك يقيناً، ذكر الله لك أكبر من ذكرك له، لذلك ورد في الأثر: إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوارها هم عُمّارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني، وحُقّ على المزور أن يكرم الزائر.
 

بالحكمة تسعد:


أنت إذا دخلت إلى بيت صديق يُقدم لك بعض الضيافة، لكنك إذا دخلت إلى بيت من بيوت الله قد يهبك الله الحكمة.

﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)﴾

[ سورة البقرة ]

بالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة، ومن دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى، بالحكمة تسعد بالمال، ومن دون حكمة تُبدد المال.
أيها الإخوة؛ من أجلّ عطاءات الله الحكمة، أنت إذا اتصلت بالحكيم تغدو حكيماً، من معاني: ((إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ)) أي تخلّق بالكمال الإلهي، اشتقّ من الله الحكمة، اشتقّ منه الرحمة، اشتقّ منه العدل، هذه الأسماء الحسنى الرائعة أنت حينما تتعرف إلى الله، وتستقيم على أمره، وتتصل به تشتق منه الكمال الإلهي، فلذلك:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)﴾

[ سورة الشمس ]

الفلاح كل الفلاح، النجاح كل النجاح، الفوز كل الفوز في أن تعرفه، يا رب! ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد مَن فقدك؟ وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ 
أيها الإخوة ؛ ورد في الأثر: ابن آدم اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتُك فاتك كل شيء، وأنا أحبّ إليك من كل شيء.

فلو شاهدت عيناك من حسننــــا            الـذي رأوه لــما وليت عنا لغيرنا

ولــو سمعت أذناك حسن خطابنا           خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـا

ولـــو ذقت من طعم المحبـة ذرة           عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــا

ولو نسمت من قربنا لك نسمـــة            لمت غريباً واشتياقـــــــاً لقربنــا

[ علي بن محمد بن وفا ]

* * *

 

من اتّصل بالله اشتقّ منه كمالاً يتقرب به إليه:


أيها الإخوة الكرام؛ قال تعالى:

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾

[ سورة الأعراف ]

أي اتصل به، أي تعرّف إليه، ثم استقم على أمره، ثم اتصل به، تشتق منه كمالاً تتقرب به إلى الله عز وجل، الرحيم يقبل الرحيم، الحكيم يقبل الحكيم،

(( عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وعَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ. ))  

[ صحيح الجامع ]

 

منزلة الأخلاق في الإسلام:


إخواننا الكرام؛ بالنهاية حينما أثنى الله على رسوله بماذا أثنى عليه؟ بالخلق العظيم:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾

[ سورة القلم ]

﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ ومن معاني زكاها أن هذا الإنسان اشتقّ من الله الكمال، فصار خيراً وعطاءً وانضباطاً ورحمة ولطفاً وتواضعاً، ما الذي يلفت النظر في الإنسان؟ ليس علمه، وليست إمكاناته، وليس ماله، يلفت النظر في الإنسان أخلاقه، والذي يجذب الناس إليك الأخلاق، لذلك قال ابن القيم رحمه الله تعالى: الإيمان هو الخُلق، فمن زاد عليك في الخُلق زاد عليك في الإيمان. 
 

الدعاء مخ العبادة:


النقطة الدقيقة أيها الإخوة؛ ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ هل تصدقون أن الدعاء مخّ العبادة، هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام، وفي رواية أخرى: الدعاء هو العبادة، بل إن الله عز وجل حينما قال: 

﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)﴾

[ سورة الفرقان  ]

دقق، أنت حينما تدعو جهة ما أنت موقن أنها موجودة، لا يوجد إنسان يدعو جهة غير موجودة يكون أحمق، أنت حينما تدعو الله أنت حتماً موقن بوجوده، وأنت حتماً موقن بأنه يسمعك، والله عز وجل إن تكلمت فهو يسمعك، وإن تحركت فهو يراك، وإن أسررت شيئاً فهو يعلم ما في قلبك، إن تكلمت فهو يعلمك، وإن تحركت فهو يراك، وإن أسررت فهو عليم بذات الصدور، علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون، أنت حينما تدعو الله موقن قطعاً أنه موجود، وموقن قطعاً أنه يسمعك، وموقن قطعاً أنه قادر على كل شيء:

﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)﴾

[ سورة المائدة ]

القوانين بيده، الأقوياء بيده، مَن فوقك بيده، مَن تحتك بيده، من حولك بيده، صحتك بيده، رزقك بيده، أهلك بيده، أولادك بيده، لذلك ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، قال تعالى:

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾

[ سورة الشعراء ]

أحد أكبر أسباب العذاب النفسي أن تدعو مع الله إلهاً آخر، فلذلك أنت حينما تدعو الله، ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ أسماؤه حسنى، كماله مطلق.
إخواننا الكرام؛ القاضي إذا حكم ألف حكم، خمسة أحكام غير عادلة، عن خطأ في التصور، أو في المعلومات، يسمى عند أهل الأرض قاضياً عدلاً، هذا شأن البشر، لكن شأن خالق البشر أنه لا يمكن أن نجد خطأً واحداً في أفعال الله عز وجل، هذا معنى: سبحان الله، الله عز وجل مطلق، مُنزه عن كل نقص إطلاقاً، فلذلك أنت حينما تتصل بالإله المطلق تشتق منه الكمال، الذي يلفت النظر في شخصيتك الكمال الذي اكتسبته من اتصالك بالله عز وجل، نعود للآية مرة ثانية: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ .
 

مَن أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف:


هناك ملمح دقيق جداً أيها الإخوة؛ أنت أنت أيها النبي، أنت سيد الخلق، وحبيب الحق، وسيد الأنبياء والمرسلين، وسيد ولد آدم، وحبيب رب العالمين، ويا من بلغت سدرة المنتهى، ويا من أوتيت الوحي والقرآن والمعجزات، أنت أنت أنت على الرغم من كل ذلك: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ فكيف بإنسان ليس نبياً، ولا رسولاً، ولا يوحى إليه، ولا معه معجزات، ولا عنده بيان ولا فصاحة، وفيه غلظة؟ لمَ الغلظة؟ مَن أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف، قال تعالى:

﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)﴾

[ سورة فصلت ]

 

الفرق بين أخلاق الدعوة وأخلاق الجهاد:


ما لم تُعامل الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم أنت لست في المستوى المطلوب، لكن هناك أخطاء كثيرة، تداخلت أخلاق الجهاد مع أخلاق الدعوة إلى الله، أخلاق الدعوة إلى الله قال تعالى عنها: ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ أما أخلاق الجهاد:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9)﴾

[ سورة التحريم ]

هذه أخلاق الجهاد، أكبر خطأ أن يستخدم الدعاة أخلاق الجهاد في الدعوة إلى الله، ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ فلذلك أنت حينما تدعو الله أنت موقن أنه موجود، وأنت حينما تدعو الله أنت موقن بأنه يسمعك، وأنت حينما تدعو الله أنت موقن بأنه قدير على كل شيء، وأنت حينما تدعو الله أنت موقن فضلاً عن كل ذلك أنه يريد أن يستجيب لك، يحبك: 

﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)﴾

[ سورة هود ]

 

خَلَقنا ربُّنا ليرحمنا:


إنسان ناجى ربه قال: يا رب إذا كانت رحمتك دققوا في الآية: 

﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)﴾

[ سورة طه ]

إنسان ناجى ربه فقال: يا رب، إذا كانت رحمتك بمن قال: 

﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)﴾

[ سورة النازعات ]

﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى*فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا﴾ فكيف رحمتك بمن قال: سبحان ربي الأعلى؟ وإذا كان رحمتك بمن قال: 

﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)﴾

[ سورة القصص ]

فكيف رحمتك بمن قال: لا إله إلا الله؟ لذلك: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ﴾ أنت حينما تدعو الله موقن بأنه موجود، وموقن بأنه يسمعك، وموقن بأنه قدير على كل شيء، وموقن بأنه يُحب أن يرحمك، ﴿إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾.
 

من ذكره الله منحه القرب والسعادة:


 لذلك: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾ ، ((إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ)) ، ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ تعرفوا إليه، تعرفوا إلى منهجه، احملوا نفسكم على طاعته، تقربوا إليه بالأعمال الصالحة، تتصلوا به، إن اتصلتم به تشتقوا الكمال الرائع من الذات العلية، من الذات الإلهية، عندئذ الكمال ليس تصنعاً، الكمال سجية، طبعاً، فيه لطف، فيه تواضع، فيه رحمة، فيه إنصاف، فيه حكمة بالغة، لذلك أنت حينما تتصل به تذكره، وذكرك له أقلُّ من ذكره لك، إذا ذكرك منحك القرب، منحك السعادة، منحك الرضا، منحك اليقين، منحك الأمن، هذه نعم الله الكبرى أيها الإخوة؛ فلذلك نحن في هذا الدرس إن شاء الله مهدنا لأسماء الله الحسنى، وفي لقاء آخر إن شاء الله تعالى نتابع هذا الموضوع لأسماء الله الحسنى.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور