- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
السمة الأساسية لرمضان: الإنفاق:
أيها الإخوة الكرام، نحن في شهر رمضان، رمضان شهر الإنفاق، بل إن السمة الأساسية للمؤمن أنه ينفق، والإطلاق في القرآن على إطلاقه، قال تعالى:
﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾
والإيمان بالآخرة من الغيب، قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
الإنفاق المطلق:
المطلق في القرآن على إطلاقه، ينفق من ماله، ينفق من وقته، ينفق من جهده، ينفق من كل ما آتاه الله جل جلاله.
وأنفقوا في سسبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة:
1 – عدمُ الإنفاق إلقاءٌ بالنفس إلى التهلكة:
أيها الإخوة الكرام، يقول الله عز وجل:
﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾
قال بعض المفسرين إن لم تنفقوا، وأنفقوا في سبيل الله، يجب أن يكون الإنفاق خالصاً لوجه الله، ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة إن لم تنفقوا.
2 – إنفاق المال كاملاً إلقاءٌ بالنفس إلى التهلكة:
وبعض العلماء قال: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة إن أنفقتم مالكم كله، لأن الله عز وجل يقول:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ﴾
3 – إنفاق له وقت محدَّد:
أيها الإخوة، الإنفاق له وقت محدد، وأنت في الحياة الدنيا لأن درهماً تنفقه في حياتك خير من مئة ألف درهم ينفق بعد مماتك، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾
يجب أن تنفق من أجل ألا تهلك، ويجب أن تنفق في حياتك لا بعد مماتك، وفي الأعم الأغلب أنك إذا وصيت أن تنفق شيئاً بعد مماتك هذه الوصية قد لا تنفذ، أو يحتال على تنفيذها بحيث تعود إلى من لا ينبغي أن يكون المال له.
ما الذي ينبغي أن تنفقه:
1 – إنفاق ما تحبه النفس:
أيها الإخوة، ولكن ما الذي ينبغي أن تنفقه ؟ قال تعالى:
﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾
الشيء الذي تحبه، الشيء الذي تطمح نفسك إليه، الشيء الذي تختاره لنفسك، الشيء الذي هو موضع إعجابك هذا الذي ينبغي أن تنفقه، قال تعالى:
﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾
2 – النهي عن تقصُّد إنفاق الخبيث:
أيها الإخوة، وينهى الله المؤمنين فيقول:
﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾
غني عنكم، لأن الحديث القدسي الصحيح:
(( يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ))
ذلك لأن عطائي كلام، وأخذي كلام.
أيها الإخوة، أنت حينما تنفق من أجل سعادتك وسلامتك.
توجيهات قرآنية في الإنفاق:
أيها الإخوة، الله عز وجل يعطي توجيهات كثيرة فيقول:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ﴾.
التوجيه الأول: الإنفاق من الحلال الطيب:
أنفق من مالك الحلال، أنفق من مالك الطيب، أنفق من مال اكتسب حلالاً وفق منهج الله، بلا كذب، ولا تدليس، ولا غش، ولا احتيال، ولا احتكار، ولا إيهام، ولا بضاعة محرمة، ولا علاقة محرمة.
أيها الإخوة الكرام، إن الله طيب، ولا يقبل إلا طيباً:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ﴾
التوجيه الثاني: الإنفاق في السراء والضراء:
شي آخر: الإنفاق سمة ثابتة في حياة المؤمن، قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ﴾.
في البحبوحة وفي الإقتار، في الضيق المادي وفي السَّعة المادية:
﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ﴾.
﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلَانِيَةً ﴾
التوجيه الثالث: الإنفاق في سرا وعلانية:
المؤمن ينفق في السراء وفي الضراء، وفي الليل وفي النهار، سراً وعلانية.
الإنفاق علانية لمصلحة:
أيها الإخوة، وقد تقتضي المصلحة أن تبدي هذه الصدقة إذا وجهت إلى جمعية لا إلى إنسان بالذات، فأحياناً في جمع التبرعات يتنافس الأغنياء في الإنفاق ففي مثل هذه المناسبات:
﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ﴾
الإنفاق سرا لمراعاة المشاعر:
أما إذا توجهت الصدقة إلى إنسان مراعاة لمشاعره، ولكرامته الإنسانية، ولأخوته الإيمانية فينبغي أن تكتم هذا الإنفاق:
﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾.
التوجيه الرابع: عدمُ إتباع الصدقة بالمن والأذى:
ومن توجيهات الله عز وجل يقول الله عز وجل:
﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلَا أَذًى ﴾
إن أنفقت نفقة فحاول أن تنساها كلياً، أما كلما التقيت به تقول له: لعل هذا المبلغ فرّج همك ؟ يقول لك: بارك الله فيك، تفضلت علي، التقيت به مرة ثانية: لعلك سررت بهذا المبلغ ؟ لا تتبعوا صدقاتكم بالمن والأذى، ما دمت أنفقت في سبيل الله فالله عز وجل يحفظ لك عملك من دون أن تستجدي مديح من أنفقت عليهم، إن فعلت معروفاً فحاول أن تنساه كلياً، وإن فُعل معك معروف فلا تنسه حتى الموت.
التوجيه الخامس: كَم تنفق ؟
أيها الإخوة، كم تنفق، قال تعالى:
﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ﴾
إنسان يملك مئات الملايين يدفع خمسة آلاف لمشروع خيري ؟ لو دفع مليون وعدة ملايين لا تهتز ثروته، قال تعالى:
﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ﴾
سبق درهم ألف درهم:
من الذي يعلم نسبة ما أنفق من ماله ؟ الله عز وجل لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( سبق درهم ألف درهم ))
العبرة أن هذا الدرهم ما نسبته إلى مجموع الدراهم لذلك، هذا الذي أراد أن يبني مسجداً، وهو من المحسنين الموسرين، ورأى أرضاً مناسبة، ووجد سعرها مناسب، ووقع سنداً بنصف المبلغ، فسأل صاحب الأرض الفقير الذي عنده ثمانية أولاد، ودخله أربعة آلاف، وهو مستخدم في مدرسة، قال: أين بقية المبلغ ؟ قال له: عند التنازل، قال: ما التنازل ؟ قال: تذهب إلى مديرية الأوقاف، وتتنازل عن هذه الأرض لتكون مسجداً، قال: مسجد !!! مزق السند !!! وقال: والله إني أستحي من الله أن أبيع أرضاً لتغدو مسجداً، أنا أولى منك أن أهبها إلى الله، يقول هذا المحسن الذي يملك مئات الملايين: والله ما صغرت في حياتي كما صغرت أمام هذا المستخدم الذي لا يملك من الدنيا إلا هذه الأرض التي ورثها قبل شهر، ودخله لا يكفيه أياماً وبيته بالأجرة،
(( سبق درهم ألف درهم ))
أيها الإخوة الكرام.
﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾
شرط قبول الإنفاق:
ما شرط قبول الإنفاق ؟ قال تعالى:
﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ﴾
ابتغاء وجه الله:
فالعمل الصالح والإنفاق من العمل الصالح لا يقبل إلا إذا كان ابتغي به وجه الله، لذلك:
(( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ))
مع الإخلاص ينفعك قليل العمل وكثيره، ومن دون إخلاص لا ينفعك لا قليله، ولا كثيره، قال تعالى:
﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾
وماتنفقوا من خير فلأنفسكم :
أنت حينما تنفق تؤكد لنفسك أنك تحب الله، تؤكد لنفسك أن هذا المال تحل به مشكلات كثيرة في حياتك لكنك آثرت أخاك الفقير على نفسك، فكأن هذا المبلغ الذي تدفعه سمي في القرآن صدقة، لأنه يؤكد صدقك في محبة الله، قال تعالى:
﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ ﴾
لو أن كل البشر مؤمنون ما زاد في ملكي شيئاً.
(( يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ ))
﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ﴾
الله عز وجل غني عن عباده، ولكن يأمرهم بالإنفاق ليكافئهم أضعافاً مضاعفة يوم القيامة، قال تعالى:
﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً ﴾
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾
هذا التشبيه للتقريب، ورد في بعض الأحاديث أن الإنسان يضع لقمة في فم زوجته يراها يوم القيامة كجبل أُحد لقمة، فكيف إذا حللت مشكلةَ مؤمنٍ ؟ كيف إذا زوجت شاباً ؟ كيف إذا هيأت بيتاً لشاب مؤمن وشابة مؤمنة ؟ كيف إذا عالجت مريضاً ؟ كيف إذا أطعمت جائعاً ؟ كيف إذا أنقذت أسرة من التشرد بإنقاذ بإنفاق مالك، والصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير، وباكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها، و داووا مرضاكم بالصدقة، أيها الأخوة، هناك آيتان في القرآن الكريم دقيقتان جداً، المنفق ماذا يتمنى ؟ أنت حينما تذهب إلى عيادة مريض ومعك هدية تخشى ألا تُعرف ممن، تضع في ثنيات الهدية بطاقة باسمك متمنياً له الشفاء أما الحقيقة متمنياً له أن يعلم أن هذه من عندك، المنفق حريص أن يعلم من أنفقت عليه أنه منك، فالله طمأنك قال لك:
﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ * لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾
وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم:
1 – كلّ نفقةٍ يعلمها الله فلا داعي لاستجداء المديح:
اطمئن، فأيُّ نفقة تنفقها هي في علم الله، هذه تغنيك عن استجداء مديح الآخرين، مادمت أنفقت هذا المبلغ خالصاً لوجه الله، فالله عز وجل علم به، وسيكافئك عليه.
2 – الله يعوّضك نقص المال بالصدقة:
المعنى الثاني: حينما تنفق ينقص مالك، فما الذي تطمح له ؟ أن يعوض الله عليك طمأنك فقال لك:
﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾
﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾
والله هناك أخ كريم تعهد بقضاء ديون قريب له توفي وحالته وسط، قال لي: ظننت أن الديون في حدود العشرة آلاف أو عشرين ألفا، إذا هي أربعمئة ألف، قال: والله دفعتها بالتمام والكمال، وأنا راض، لأنني تعهدت لأولاده اليتامى أن أغطي لهم ديون أبيهم، أقسم بالله أنه بعد أيام عقد صفقة لبضاعة كاسدة نصيبه منها هذا المبلغ بالذات.
الله عز وجل يعوض على المؤمن، يعلم ويعوض عليك، قال تعالى:
﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾
﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾
الإنفاق يهيئ القوام الزوجية:
بل إن الإنفاق يهيئ لك القوامة الزوجية، قال تعالى:
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾
وحينما يبخل الزوج على زوجته وعلى أولاده يفقد القوامة عليهم، ويفقد مكانته، وأنا أقول دائماً: كل أب محترم في الثقافة الإسلامية وفي تقاليدنا وعاداتنا، لكن بطولة الأب لا أن يكون محترماً فحسب، بل أن يكون محترماً ومحبوباً، ولن يكون الأب محبوباً إلا بالإنفاق، أما الإنفاق الاستهلاكي على طعامك وشرابك، وعلى ملبسك وبيتك فينبغي أن تراعي في هذا الإنفاق هذه الآية:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ﴾.
الاعتدال في الإنفاق الاستهلاكي:
في الإنفاق الاستهلاكي ينبغي أن تكون معتدلاً بين الإسراف وبين التقتير، أما في الخير لا إسراف في الخير.
شيء آخر، مرة أحد المحسنين قدم بيتاً لجمعية خيرية، وأقيم لهذا المحسن حفل تكريم، وكل المتكلمين أثنوا على هذا المحسن ثناءً كبيراً إلا واحداً من إخوتنا الكرام قال له: أيها المحسن الكبير، كان من الممكن أن تكون أحد المنتفعين من جمعيتنا فتقف في صف طويل، وتنتظر دورك لتأخذ بضع مئات من الليرات مع البصمة والتوقيع، وإبراز الهوية، ولكن الله كرمك فجعلك تعطي بدل أن تأخذ.
وأقول لكم أيها الإخوة جميعاً: ما من واحد يدفع كان من الممكن أن يأخذ، وأن يتسول، فإذا منّ الله عليه بدخل، منّ الله عليه بكسب مال حلال، منّ الله عليك ببحبوحة لا تظنن بأن بهذا الإنفاق تتفضل على غيرك، كان من الممكن أن تكون مكانه، فاشكر الله عز وجل الذي جعلك تعطي لا أن تأخذ.
أيها الإخوة الكرام، شيء آخر، قال تعالى:
﴿ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
يا أيها الإنسان انتبه ! ولله ميراث السماوات والأرض
أنت لا تنفق، بل تكدس هذه الأموال، هذه الأموال الطائلة، والملايين المملينة، والأموال المنقولة وغير المنقولة، وكل أنواع العملات الأجنبية هذه تفقدها كلها في ثانية واحدة حينما يتوقف قلبك، أو حينما تنتهي الحياة، أو حينما تنمو الخلايا نمواً عشوائياً بورم خبيث، أو حينما يتجمد الدم في بعض العروق، فكل ثروة الإنسان، وكل أمواله ليست له في النهاية فبادر وأنفق، الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما.
لذلك أيها الإخوة الكرام، قال تعالى:
﴿ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
حينما أعزي إنساناً من الموسرين أتأمل في هذا البيت، من اختار هذا الرخام ؟ صاحب البيت، من اختار هذا الأثاث، وهذه التزيينات ؟ هذا الفرش الغالي جداً ؟ أين هو الآن ؟ في القبر، هذا بيت مؤقت، بدليل أن كل النعوات يكتب عليه: وسيشيع إلى مثواه الأخير، إذاً: الدنيا مثوى موقت، قال تعالى:
﴿ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
تعلموا من النبي عليه الصلاة والسلام حينما قالت له السيدة عائشة:
(( يا رسول الله، لم يبق إلا كتفها، قال: بل بقيت كلها إلا كتفها ))
لكن أيها الإخوة، الله عز وجل بالتعبير الشائع جبار الخواطر، قال تعالى:
﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾
هذا ما ينفقه الفقير المعدم
إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم، الفقير أمره الله أن ينفق مرة في العام، ولو كان لا يملك إلا قوت يومه فقط، كي يذيقه طعم الإنفاق مرة في العام، ليس عليه إنفاق، لكن الفقير بإمكانه أن يستخدم مئات الطرق إلى الله، إذا نصحت، إذا دعوت إلى الله، إذا كنت قدوة، إذا عدت مريضاً، إذا آويت مسكيناً، إذا دعوت لإنسان، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، الفقير الذي لا يجد ما ينفق أمامه آلاف الطرق إلى الله عز وجل والدليل:
﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
إنه لأمر عظيم: عادات المؤمن عبادات:
أيها الإخوة، اعلم علم اليقين أنك كمؤمن عاداتك كلها عبادات، بينما المنافق عباداته سيئات، الدليل:
﴿ وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
حينما تنفق على أهلك، وعلى أولادك، وحينما تجلس مع أهلك وأولادك، وحينما تأخذهم إلى نزهة، حينما ترحم من حولك، حينما تكسب مالك بالحلال أنت في عبادة، أنت آمنت بالله، أعمالك كلها في عبادة و هذه الآية هي الدليل، من هذا الذي ينبغي أن تعطيه، قال:
﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾
قاعدة مهمة: الأقربون أولى بالمعروف:
1 – مقياس القرابة:
الأقربون أولى بالمعروف قاعدة، الأقربون نسباً، والأقربون إلى الفقر، والأقربون إلى الإيمان، عندك ثلاثة مقاييس، الأقربون إلى الإيمان المؤمن أولى من غير المؤمن، المؤمن المستقيم أولى من غير المؤمن، المؤمن المستقيم المجتهد في إيمانه واستقامته أولى من الأقل منه إيماناً، والأشد فقراً أولى من الفقير، والأقرب نسباً أولى من البعيد، الأقربون أولى بالمعروف.
أنفق على المحروم الذي لا يسأل الناس إلحافا:
لكن هناك آية دقيقة جداً، يقول الله عز وجل:
﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ ﴾
الشاهد:
﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ﴾
من هذا الذي يستحق مالك ؟ هذا الذي لا يسأل:
﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾
المحروم هو العفيف لا يسأل، وقد لا ينتبه الناس إليه إطلاقاً، وبطولة المحسن أن يبحث عن الذي لا يسأل، الذي يسأل يلح عليك حتى تخرج من جلدك، تعطيه أحياناً لا اقتناعاً، ولكن حتى ترتاح منه، ولكن ابحث عن إنسان لا يسأل.
إذاً: هذه الآية تقتضي أن تبحث أنت عن الفقير، لا أن يبحث عنك الفقير، ابحث أنت عنه، لأنه لن يسألك، لأنه يستعفف، لأن كرامته غالية عليه، لأنه عفيف، لأنه يبتغي الحوائج بعزة الأنفس، لأنه لا يبذل ماء وجهه للآخرين، لأنه لا يتضعضع أمام غني، هذا الذي يستحق مالك، هذا الذي ينبغي أن تبحث عنه أنت، لا أن تنتظر المتسولين.
احذروا المتسولين:
والله أيها الإخوة، هناك قصص لا يمكن أن تصدق، أن بعض المتسولين يملك أربعين مليونًا، أموالا، بيوتا، سيارات، سيارات عامة، وهو متسول، لأنها طريقة سهلة جداً في كسب المال، وهناك تنظيمات، وخلايا، ووسائل تعين على التسول، وهناك جبر يد شكلي خلبي، وهناك طفل مستأجر، وثياب بالية، وبيت خاص للتحقيق، لذلك ابحث عن الذي لا يسأل، ابحث عن العفيف، ابحث عن صاحب الكرامة، ابحث عن المؤمن المتجمل، ابحث عن الذي تحسبه غنياً من التعفف هذا الذي يستحق مالك.
أحد إخوتنا الكرام ـ جزاه الله خيراً ـ قام بمشروع مكافحة التسول، وحقق شخصياً مع ألف وخمسمئة متسول، أقسم لي بالله أن خمسة فقط منهم فقراء، والباقون عندهم الأموال في البنوك، سبعمئة ألف، ثمانمئة ألف، مليون، مليونان، يوجد رقم بأربعين مليونا، سألوا متسولا محترفا: أنت غني، فلماذا تتسول ؟ قال: قضية مبدأ.
واجب الإنفاق لا ينتهي بالتخلص من المال بل إعطائه لمستحقيه:
أيها الإخوة، لا تنتهي قضية إنفاق المال بأن تتخلص منه، لا، لا تنتهي هنا المهمة، لا تنتهي المهمة إلا إذا كان المال في موقعه، وعند من يستحقه، وعند أسرة مستورة، وعند أسرة عفيفة، وعند أسرة كريمة، وفي إنفاق ضروري، لا تنتهي مهمة إنفاق المال، لا الصدقات، ولا الزكوات بأن تتخلص من هذا المال، لا، ابحث عن الوجه الصحيح، لذلك:
﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾
وقد ورد في الأثر:
(( من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ))
الوثائق كلها مجلدة بالنايلون لماذا ؟ الأمر واضح مجلدة تستخدم هذه الوثيقة آلاف المرات، ويوجد قصص متقنة، ويعرفون نقطة ضعف المؤمن، يخاف من الله، عملية جراحية، والبطن مفتوح، والمستشفى حجز الوثائق، يعطيك معلومات تنهار أمامها، والقصص كلها مختلقة.
أنا لا أدعوكم إلى عدم الإنفاق، ولكن أدعوكم إلى أن الأجر لا يكتمل عند الله إلا إذا كان المبلغ في مكانه الصحيح، ابحث.
جواز دفع الزكاة مسبقا لأعوام قادمة:
هناك بعض الإخوة الكرام ينهون زكاة مالهم في رمضان، ويفتحون صفحة في حساباتهم لزكاة العام القادم، فكلما عثروا على حالة دقيقة واضحة أكيدة بهدوء يدفعون من حساب العام القادم، دفع خلال عام فرضاً ثمانين ألفاً، أجرى حساباته، وميزانيته، زكاته مئة ألف، عليه عشرون يدفعها، أي أعطى نفسه فرصة عام بأكمله، فكلما بحث عن فقير، عن إنسان بحاجة، بحث عنه، ودرس دراسة جيدة، وجاء بمعلومات دقيقة، وضع المال في مكانه.
يجيز الفقهاء أن تدفع زكاة مالك سلقاً لعام أو لعامين، فأنت افتح في واحد شوال حساب الزكاة، و كلما وجدت حالة مستعصية مرضية أسرة فقيرة مريضة، أسرة عفيفة عاونها على طول العام، معنى ذلك أنك وضعت المال في مكانه الصحيح، أو وكّل من تثق به، من تثق به فعلاً.
والله هناك بيت دعارة دُفع من مال الزكاة، لأن الغني أحياناً مهمته أن يتخلص من هذا المال فقط، وهذا خطأ، يجب أن تبحث عن أيد أمينة، أمينة جداً أو عن دراسة عميقة.
أيها الإخوة الكرام، آية الإنفاق الأولى آية الزكاة، قال تعالى:
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾
آيات الزكاة:
الآية الأولى:
الزكاة حلٌّ لمشكلات الأمة:
صدقة أولاً، الزكاة تؤخذ، ولا تعطى، ليست على مزاج الغني، لأن مشكلة الأمة تحل بالزكاة، لأن نظام الزكاة هو نظام التكافل الاجتماعي في الإسلام، لأن الزكاة هي النظام الاقتصادي لمعالجة قضايا الأمة، وهناك إحصاءات دقيقة لا يدفع المسلمون من زكاتهم إلا خمسة بالمئة فقط، ولو دفعوا زكاة أموالهم لحلت بها مشكلات الأمة، وهناك فقر والله لا يصدق، هناك امرأة تشتري أرجل الدجاج، وهذا طعام الكلاب فقط، تطبخه لأولادها من شدة الفقر.
هذا ما يحصل إذا منعت الزكاة:
باحثة اجتماعية التقت في سجن دوما بالمومسات، أقسمت لوزير الأوقاف، وكنت حاضراً أن خمسة وتسعين بالمئة من البغايا لسن فاسدان، ولكنهن فقيرات.
ماذا يقول أغنياء الأمة لربهم يوم القيامة ؟ امرأة تبيع عرضها، تبيع دينها من أجل أن تأكل، و بعض الأعراس بخمسة وثمانين مليوناً، وخمسين مليوناً، حينما يضطر الفقير إلى أن يعصي الله، طبعاً ليس هذا تبريراً، لكن هذا الواقع، فالغني سوف يحاسب عليه.
إما الزواج وإما السفاح:
أيها الإخوة الكرام، يجب أن ننتبه إلى أن هذا المال يمكن أن تبلغ به أعلى عليين، المال قوة، يمكن أن تزوج شاباً، أن تستر فتاة، يمكن أن تهيئ عملاً لإنسان يتزوج بالعمل، تزوج فتاة حلّ مشكلة، نحن أمام مشكلة الشباب، والله ما لم نبحث لهم عن أعمال، ما لم نهيئ فرص عمل، ما لم نهيئ لهم بيتاً، ما لم نهيئ لهم نفقات الزواج، الشباب قنبلة موقوتة، وقد لا أصدق أنا أن عدد بيوت الدعارة رقم لو ألقيته على مسامعكم لا تصدقون، إنه قريب من سبعين ألف بيت في دمشق، كلما ضيقنا سبل الزواج اتسعت دائرة الحرام، كلما ضيقنا النكاح اتسع السفاح
(( إذا جاءكم من ترضون دينه و خلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ))
لا تقف العلاقة بين الذكر والأنثى إذا وضعتم شروطا تعجيزية، لا، تصبح علاقة آثمة، الآن أكثر شيء منتشر ببعض البلاد وعندنا الزواج العرفي، لا الأب يعلم، و لا الأم تعلم، يتفق طالبان في الجامعة، ويمارسون الجنس باسم زواج عرفي، لأن الطرق كلها مغلقة، شروط الزواج صعبة جداً، فلذلك عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً ))
إذاً: قضية الزواج قضية مهمة جداً فلذلك: الزكاة تؤخذ، ولا تعطى، من أي من بعض أموالهم من للتبعيض، أموالهم أي من كل أموالهم، أموال، ذهب، فضة، بضاعة، خذ من أموالهم صدقة تؤكد صدقهم، الصدقة تطهرهم، تطهر الغني من الشح، تطهر الفقير من الحقد.
الغني المحسن حوله حراس، والبخيل حوله لصوص:
إخواننا الكرام، الغني المحسن كل من حوله حراس له، والغني البخيل كل من حوله لصوص له أبداً، الذين حولك إما أنهم حراس أو أنهم لصوص، لذلك الزكاة تطهر الغني من الشح، و تطهر الفقير من الحقد، و تطهر المال من تعلق حق الغير به، و الحجر المغصوب في دار رهن بخرابها.
الزكاة تطهير لنفس الغني وتزكية للفقير:
تطهرهم وتزكيهم، تزكيهم أي تنمو نفس الفقير يشعر بالغبطة المجتمع لا ينساني، المجتمع مهتم بي، المجتمع مهتم بأولادي، بمدارس أولادي، لذلك و الله أنا أخاطب الموظفين أي موظف يسعى لرفع الأسعار، وتقليل القيمة الشرائية بين أيدي الموظفين سوف يحاسب عند الله حساباً لا حدود له.
دخله ثمانية آلاف، رفعت الكهرباء، رفعت الماء، رفعت الهاتف، من أين يأكل ؟ تدفعه إلى أن يكل المال الحرام، أنت حينما تقلل القيمة الشرائية في يديه ماذا يفعل موظف بعشرة آلاف ليرة ؟ تدفعه دفعاً إلى أكل المال الحرام.
أيها الإخوة.
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ ﴾
تزكي نفس الفقير، تزكي نفس الغني حينما يرى قد حلّ مشكلات الأمة، قد يرى محبته في قلوب المئات بل الألوف.
إخواننا الكرام، المؤمن بني على العطاء لا على الأخذ:
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى ﴾
المؤمن أعطى، غير المؤمن:
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ ﴾
المؤمن يعطي، يا من جئت الحياة فأعطيت، و لم تأخذ، يا من قدست الوجود كله، ورعيت قضية الإنسان، يا من زكيت سيادة العقل، و نهنهت غريزة القطيع، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع فعشت واحداً بين الجميع، يا من كانت الرحمة مهجتك، والعدل شريعتك، والحب فطرتك، والسمو حرفتك، ومشكلات الناس عبادتك.
أيها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.
* * *
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ماذا يفعل غير المؤمن بماله:
ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله:
هذه الآيات هي التي المؤمنون تحثهم على الإنفاق، فكيف ينفق غير المؤمنين أموالهم ؟ قال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله.
﴿ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾
ينفقون أموالهم لإنشاء محطات إباحية للصد عن سبيل الله، ينفقون أموالهم لإقامة تنظيمات تزلزل عقيدة المسلمين.
وعيد شديد لمن يكنز الذهب والفضة:
أيها الإخوة، قال تعالى:
﴿ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾
قال العلماء: أي مال مهما كثر تؤدى زكاته ليس بكنز، وأي مال مهما صغر لا تدفع زكاته فهو كنز، وينطبق على صاحبه هذه الآية:
﴿ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾
حقيقة دقيقة لا بد من ذكرها، قد يكون إنفاق المال سهلاً لإنسان معه ملايين، فيحل مشاكل الناس، لكن ليس مستقيماً على أمر الله، أنا أتمنى بالضبط أن يضم المحسن إلى إحسانه طاعة الله، قال تعالى:
﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾
يجب أن تضم أيها المحسن إلى إنفاقك استقامتك حتى تأتي تاجاً تتوج بها يوم القيامة، قال تعالى:
﴿ هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾
قصة رمزية: انا السائل الأول:
كنت أروي قصة رمزية أن إنساناً جلس مع زوجته يأكلان الدجاج، طرق الباب سائل، همت الزوجة أن تعطيه قطعة من الطعام فنهرها زوجها، ومنعها، وقال: اطرديه، بعد حين ساءت العلاقة بين الزوجين، فطلقها، ثم جاء من يخطبها، وجلست معه، وفي وقت من الأوقات كان يأكلان الدجاج، طرق الباب، فذهبت لتفتحه، فرجعت مضطربة، قال: من الطارق ؟ قالت: السائل، قال: من هو، ارتبكت، قالت: زوجي الأول، قال: هل تعلمين من أنا ؟ أنا السائل الأول.
أنت حينما تتجبر بمالك، والله هناك قصص في دمشق بالعشرات، من الغنى المفرط إلى التسول، حينما تتكبر بمالك على الفقير فإن الله عز وجل قادر أن يجعلك مكانه.
﴿ هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾
حينما تنفق يجب أن تذوب محبة لله أن سمح لك أن تنفق.
أقول لكم مرة ثانية: هذا الذي قبل منك صدقتك له فضل عليك، كان الأغنياء في زمن سيدنا عمر يمشون المسافات الطويلة والأيام ليجدوا إنساناً يقبل أن يأخذ زكاتهم، فهذا الذي يأخذ منك له فضل عليك سمح لك أن تطيع الله فيه، تأدب مع الذي يعطي، كان عليه الصلاة والسلام يضع الصدقة بيده في يد الفقير، وفي أغنياء محسنين يجعلون يد الفقير عليا، أدباً مع الله.
مقولة سيئة تنطق بها أفواه الأغنياء البخلاء:
هناك مقولة يقولها الأغنياء البخلاء، قال تعالى:
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ ﴾
يقول الفقراء لهم الله، أنت معك، معك أموال طائلة، وهذا فقير، وقريب منك، يحتاج إلى عملية جراحية، له الله.
و هناك كلمة أقسى: الأعمى لستَ أرحم من ربه، الله عز وجل جعل هذا التفاوت من أجل أن يرقى الفقير والغني معاً إلى الله، الفقير شكر، والغني شكر لله عز وجل.
ظواهر جاهلية مقيتة:
1 – الظاهرة الأولى:
أيها الإخوة، وأحياناً يكون التفلت في البيت، لمجرد أن يستقيم الابن يحرم من مال أبيه، قال تعالى:
﴿ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ ﴾
1 – الظاهرة الثانية:
الآن نحن في عصر العمل الخيري متهم، ضبط متلبساً بجمعية خيرية، العمل الخيري متهم، كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً.
الشيطان يعدكم الفقر:
الطرف الآخر قال تعالى عنه:
﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾
يكون معه الملايين، وهو يخاف الفقر، لذلك قالوا: أنت من خوف الفقر في فقر، ومن خوف المرض في مرض، وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها، قال تعالى:
﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾
كيف ينفق غير المؤمن ماله إن أنفق ؟
أيها الإخوة، غير المؤمن إن أنفق المال أنفقه تيهاً وكبراً وبطراً، وإسرافاً وتبذيراً، وإن أمسكه أَمسكه بخلاً وتقتيراً، وشر الناس من عاش فقيراً ليموت غنياً شر الناس.
ويقول الإمام علي رضي الله عنه:
((الغنى والفقر بعد العرض على الله))
لا يسمى الغني غنياً في الدنيا، ولا الفقير فقيراً، الغنى والفقر بعد العرض على الله، والغنى الحقيقي غنى العمل الصالح.
الدعاء:
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، خذ بيد ولاة المسلمين لما تحب وترضى يا رب العالمين، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.