- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ، و نسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله ، سيد الخلق و البشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً ، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه ، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه ، و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
الربا :
أيها الأخوة الكرام ، في الشهر الماضي ارتفعت وتيرة الأسئلة المتعلقة باستثمار الأموال ، هذا وقد أنشئ في بلدنا مصارف إسلامية ، فبناء على هذا الحدث الجديد تواردت الأسئلة إلى العلماء بشكل مخيف إلى درجة أنه قد بلغت الأسئلة في اليوم الواحد ما يزيد عن مئة سؤال ، هذا الموضوع سأعالجه في الأسبوع القادم ، ولكن لا بد من تمهيد في هذا الأسبوع لأنه نظرياً المصرف الإسلامي لا يتعامل بالربا والمصرف الآخر مصرف ربوي ، فما هو الربا الذي من أجله أسست هذه المصارف ؟
الحقيقة أيها الأخوة أنه ما من معصية في القرآن الكريم وحيدة توعد الله مرتكبها بالحرب إلا الربا ، وفي الحديث الشريف ما من معصية توعد الله عليها بالحرب إلا أن تؤذي أولياء الله :
(( من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ))
قال تعالى :
﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾
لا تقل أيها الأخ : الخطيب متشدد ، أنا مع الكتاب والسنة ، لا يجرؤ إنسان على وجه الأرض أن يقول في الدين برأيه كائناً من كان مهما علا شأنه ، نحن أمة معنا وحي السماء وهذا الوحي من خالق الأرض والسماء ، من عند الخبير ، من عند العليم ، من عند الذي يعلم ما يسعدنا وما يشقينا ، ما نسلم به وما نهلك به ، لذلك لا تقبل مني ولا من أي إنسان على وجه الأرض كلاماً في شأن الدين من عنده ، هناك مليون مقولة ومقولة في الأموال ، لكن نحن سوف نموت ، وسوف نوضع في القبور ، وسوف نواجه ربنا يوم القيامة ، فلا بد من أن يكون الدين معللاً بالأدلة القطعية الثبوت ، والقطعية الدلالة ، احرص على دليل قطعي الثبوت أي قرآني أو ما صحّ من حديث رسول الله ، واحرص على دليل قطعي الدلالة أي واضح لا يختلف عليه اثنان .
المال قوام الحياة :
أيها الأخوة الكرام ، بادئ ذي بدء المال قوام الحياة الدليل :
﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً﴾
قيام حياتكم ، شاب له دخل بهذا الدخل يتزوج ، ينجب ولداً ، يأتي بالطعام والشراب ، يعالج ابنه إذا مرض ، يشتري لأهله ثياباً ، يشتري طعاماً ، يشتري وقوداً ، يدفع كل الخدمات ، لولا هذا المال لما تزوج ولا أنجب فالمال قوام الحياة ، والمال أيها الأخوة أودع الله فينا حبه الجليل :
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ﴾
قوام الحياة أولاً ، وقد أودع الله فينا حبه ثانياً ، والذي يقول : أنا لا أحب المال هو يكذب ، هناك من يصرح بحبه للمال ، وهناك من لا يصرح ، لكننا جميعاً نحب المال إلا أن المؤمن يتقصى أن يأخذه بطريق مشروع وأن ينفقه بطريق مشروع .
حب المال من الهوى بغير هدى من الله ، المعنى المخالف الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه ، من أحب المال وعمل عملاً مشروعاً وفق منهج الله ، وسلك به الطرق المشروعة ؛ لم يكذب ، ولم يغش ، ولم يحتكر ، ولم ولم ولم ، أكثر من خمسين معصية في كسب المال إذا تحاشاها جميعاً ، فهذا المال حلال كحليب أمه ، والله عز وجل يبارك له فيه، ويتزوج ، وينجب ، وينفق ، والمال قوام الحياة ولكن في طاعة الله .
فأول فكرة المال قوام الحياة وهو محبب إلينا ن ولأننا مخيرون المال حيادي ، يمكن أن يكون أكبر نعمة ، يقول أحد الصحابة الكرام أظنه أبا ذر الغفاري : حبذا المال أصون به عرضي ، تشتري طعاماً لأولادك ، تشتري ثياباً لهم في العيد ، تعالجهم إذا مرضوا ، تقوم بواجباتك تجاههم ، تأخذهم نزهة تفرحهم ، تشتري لابنتك لعبة ترقص من الفرح .
حبذا المال أصون به عرضي وأتقرب به إلى ربي . ما من شيء يقربك من الله كإنفاق المال ، قال تعالى :
﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ﴾
المال ليس نعمة وليس نقمة يقيّم في ضوء كسبه وإنفاقه :
وبعد قليل :
﴿ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ﴾
إيتاء المال على حب الله شيء وأداء الزكاة شيء آخر ، قال تعالى :
﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾
المال أيها الأخوة دققوا ليس نعمة وليس نقمة حيادي يقيم على طريقة كسبه وطريقة إنفاقه ، يحشر الأغنياء أربع فرق يوم القيامة ، فريق جمع المال من حرام وأنفقه في حرام حسابه في ثانية واحدة يقال : خذوه إلى النار ، وفريق جمع المال من حرام - عنده ملهى - وأنفقه في حلال اشترى بيتاً وتزوج فيقال : خذوه إلى النار ، وفريق جمع المال من حلال - تجارة مشروعة- وأنفقه على الموائد الخضراء و الليالي الحمراء - فيقال : خذوه إلى النار ، ثلاث فرق حسابهم سريع جداً ، أما الفريق الرابع فريق جمع المال من حلال وأنفقه في حلال قال : فهذا قفوه واسألوه : هل تاه بمال على عباد الله ؟ هل قال من حوله يا ربي لقد أغنيته فقصر في حقنا و استعلى علينا ؟ هناك لقطة من لقطات النبي الرائعة وجد أن الأسئلة كثيرة جداً قال : فمازال يسأل ويسأل .
أيها الأخوة ، المال قوام الحياة ومحبب إلى النفس ، وليس نعمة وليس نقمة ، يقيم في ضوء كسبه وإنفاقه ، لذلك يوم القيامة الإنسان يحاسب عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ن وعن علمه ماذا عمل به - كل بند سؤال واحد - وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه .
أيها الأخوة الكرام ، لو أردنا أن نأخذ أحكام الفقه الإسلامي لوجدنا تسعين بالمئة من أحكام الشريعة متعلق بموضوعين : المال والمرأة ، وكل فضائح أهل الدنيا من آدم إلى يوم القيامة بين فضيحتين فضيحة مالية وفضيحة جنسية ، لأن ألصق شيء بالإنسان المال الذي هو مادة الشهوات والمرأة .
منهج الله تام و كامل :
أيها الأخوة الكرام ، البند الثالث منهج الله تام وكامل ، قال تعالى :
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾
التمام عددي والإكمال نوعي ، أي أن عدد القضايا التي عالجها الإسلام تام عدداً، وأن طريقة المعالجة كاملة نوعاً ، لا يعقل ولا يقبل أن يكون هناك حاجة أساسية في كل مجتمع والشرع لم يلتفت إليها ، ما هي الحاجة الأساسية في كل مجتمع ؟ الاستثمار ، طفل يتيم مات أبوه ترك له ثروة ، أمرنا القرآن الكريم أن نطعم اليتيم لا من أصل ماله بل من ريع ماله ، قال تعالى :
﴿ وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا﴾
وقال عليه الصلاة والسلام :
(( اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ ))
الحاجة إلى الاستثمار حاجة أساسية في كل مجتمع :
ما من حاجة مستمرة مطردة في كل المجتمعات كالاستثمار ، شيخ كبير معه بعض الأموال من أين يأكل ؟ لو أكل منها لانتهت قبل أن يموت ، يضعها في الاستثمار يأكل من ربحها ، امرأة أرملة ، إنسان موظف متقاعد ، إنسان لا يحسن استثمار المال ، هناك شرائح لا تعد ولا تحصى في أمس الحاجة إلى استثمار المال ، ولو منعت الاستثمار بقانون لاستمر الاستثمار ، الشيء الحياتي لا يوقفه قانون ، هناك قانون يمنع جمع الأموال وهناك عقوبات كبيرة جداً ومع ذلك الجمع مستمر ، لكن النقطة الدقيقة أنه ما من شهوة محرمة بل ما من معصية حرمها الشرع إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، أي القناة النظيفة الرائعة المسعدة العادلة المتوازنة المضاربة إنسان شاب في ريعان الشباب ، مؤمن أمين ، صادق ، نشيط ، ذكي ، ليس معه مال ، وإنسان معه أموال ليس عنده وقت لاستثمارها ، ولا خبرة في استثمارها، فإذا تعاون هذا الغني مع هذا الشاب والربح بينهما ، هذه أروع طريقة في استثمار المال ، والنبي عليه الصلاة والسلام هو أول من كان مضارباً بمال خديجة ، أول استثمار في الإسلام كان النبي هو المضارب ، المصطلح الفقهي المضاربة وهناك المزارعة والمتاجرة والمرابحة إلى آخره، فكان عليه الصلاة والسلام أول مضارب في الإسلام اتجر بمال خديجة والربح بينهما ، هذه قناة نظيفة رائعة تنام قرير العين ن وقبل عقد من الزمن كان هناك مؤسسات تجارية وصناعية في هذه البلدة الطيبة تعطي أرباحاً تقدر بثلاثة وثلاثين بالمئة ربحاً حلالاً كحليب الأم ، لكن جامعي الأموال حينما أكلوا أموال الناس بالباطل أساؤوا إلى سمعة الإسلام وإلى سمعة المضاربة، وشككوا بأحقية هذا الدين ، فشك الناس في القناة النظيفة الوحيدة الطاهرة لاستثمار المال ، وانصرف الناس إلى البنوك الربوية ، أنا أقول وأعني ما أقول : هؤلاء الذين جمعوا أموال الناس وأكلوها عن عمد هم بحق هذه الأمة مجرمون لأنهم شككوا في القناة النظيفة الوحيدة ، ما الذي حصل ؟ تحول الناس إلى البنوك .
أيها الأخوة ، إذاً ما من شيء محرم في الإسلام إلا وله قناة نظيفة تسري خلاله ، أضرب لكم مثلاً : التأمين حرام لكن التأمين التعاوني ليس حلالاً بل هو أعظم الأعمال الصالحة ، أخوة لنا في بلاد بعيدة أطباء ، والطبيب يمكن أن تقام عليه دعوى يدفع ثمانين مليون دولار ، كل شيء جمعه في حياته يدفعه بحكم قضائي ، فلا بد لأي طبيب يقيم في هذه البلاد من أن يؤمن ضد الدعاوى التي تقام من قبل المرضى ، مجموعة أطباء من هذه البلدة الطيبة عددهم مئة يدفعون كل عام للتأمين مليوني ليرة تقريباً بالعملة السورية ، أي يدفعون أربعين ألف دولار ، حتى إذا أقيمت دعوى تطالب هذه الدعوى الطبيب بثمانين مليوناً ، شركات التأمين تدفع هذا المبلغ ، فكروا ملياً لم لا ننشئ تأميناً تعاونياً فيما بيننا ؟ أسسوا صندوقاً ، دفع الطبيب بما يساوي مليون ليرة أي دفع عشرين ألف دولار لأربع سنوات مضت لم يحدث أي مشكلة فوجئوا أن معهم أربعمئة مليون ، هذا المال لهم لهم لهم ، أسسوا معهداً ، أسسوا مسجداً ، أسسوا مدرسة ، أسسوا منتجعات ، أسسوا حدائق ، أي هذا المبلغ عاد عليهم بالخير ، هذا التأمين التعاوني لا أقول لكم : مباح مندوب ، عمل صالح ، اعتقدوا أن هذا الدين عظيم لا يوجد معصية إلا لها بدائل ، فلذلك الحاجة إلى الاستثمار حاجة أساسية في كل مجتمع ، وفي كل عصر ولو منعتها بالقانون لا بد من أن تستمر ، لذلك اكتشف الخبراء أن خمسة وستين بالمئة من المسلمين يحجبون عن استثمار أموالهم في البنوك الربوية فكان هذا الحل أن ننشئ بنكاً إسلامياً ، طبعاً البحث في الأسبوع القادم الآن تمهيد .
تحريم الربا :
أيها الأخوة الكرام ، لماذا حرم الله الربا ؟ الإنسان حينما يشرب الخمر يؤذي من ؟ يؤذي نفسه فقط ، أما حينما يزني يؤذي معه فتاة كان من الممكن أن تكون زوجة لها مكانتها في المجتمع ، أن تكون أماً ، أن تكون جدة حينما تكبر حولها أحفاد ، لكنها اختارت طريق الزنا فأصبحت امرأة ساقطة ، مادام فيها مسحة جمال أقبل عليها الزناة فلما ذوى جمالها ألقيت على قارعة الطريق ، لا أب ، ولا أم ، ولا زوج ، ولا ابن ، ولا أحد ، إذاً شرب الخمر تؤذي نفسك وحدك لا سمح الله ولا قدر ، الزنا تؤذي معك فتاة ، لماذا كان تحريم الربا بهذه الشدة ؟ لماذا توعد الله مرتكب الربا أنه ينتظر حرباً من الله ورسوله ؟ لأن الربا يؤذي مجتمعاً بأكمله .
الربا أيها الأخوة الكرام يجمع الأموال بأيد قليلة ويحرم منها الكثرة الكثيرة ، وأنا أرى باجتهاد مني أن كل ما يجري في العالم في أعمق التحليلات بسبب الفرق الكبير بين الفقراء والأغنياء ، فالعنف ، والقتل ، والجريمة ، والدعارة ، وكل أمراض المجتمع وراءها الفقر ، وهذه الحقيقة أشار إليها الإمام علي رضي الله عنه قال : كاد الفقر أن يكون كفراً .
لذلك ماذا يفعل الربا ؟ الموضوع عقائدي حينما نسمح للأعمال أن تلد المال ما الذي يحصل ؟ صاحب العمل شاء أم أبى سيوزع ربحه على أكبر شريحة في المجتمع ، على أكبر شريحة ، عندك محل تجاري بحاجة إلى مستودع ، وإلى موظف أمين مستودع ، وإلى سيارة ناقلة للبضائع ، وإلى قرطاسية ودفتر فواتير ، وإلى موظفين كمندوبي مبيعات ، يمكن لمحل تجاري بسيط أن يتعامل مع مئتي مؤسسة ، قرأت مرة عن شركة سيارات في فرنسا متعاقدة مع مئتي ألف معمل ، أنت حينما تسمح للأعمال أن تلد المال صناعة أو زراعة أو تجارة ، عندك معمل عندك ثمانون عاملاً ، أي أنت فاتح ثمانين بيتاً ، كل بيت فيه خمسة أشخاص ، ثمانون بخمسة أربعة آلاف إنسان يأكلون ويشربون بسبب المعمل ، والآن البلاد المتقدمة لو أردت أن تنشئ فيها معملاً ليس هناك أي طلب إلا طلبان ؛ أول طلب أن تكتب تعهداً بمنع تلوث البيئة ، والطلب الثاني أن تهيئ فرص عمل ، وتكاد مشكلة البطالة تكون أكبر مشكلة في العالم بل هي في الدول النامية .
وهناك بطالتان بطالة صريحة وبطالة مقنعة ، أنت حينما تعطي الإنسان ستة آلاف ليرة ويحتاج إلى عشرين قطعاً سوف يرتشي وسوف لا يداوم وسوف يعمل على قدر الراتب ، تنشأ أمراض لا تعد ولا تحصى من قلة الدخل ، فلذلك أنت حينما تسمح للأعمال ؛ تجارة، صناعة ، زراعة ، خدمات أن تلد الأموال ، طبيب تحتاج إلى ممرضات ، إلى أجهزة ، إلى فواتير ، إلى مطبعة ، إلى مركبة ، لذلك الأعمال حينما تلد المال في رأي الخبراء أن من ثلاثين إلى خمسين بالمئة من الأرباح مصاريف ، أما حينما تسمح للأموال فقط أن تلد المال فالأموال تتجمع بأيد قليلة وتحرم منها الكثرة الكثيرة ، على الشبكية ترى مصرفاً ، بناء أنيق جداً بأرقى الأحياء ، فيه مهندسون للزينة أي فيه لمسات رائعة جداً ، وفيه آنسات أنيقات جداً ، كومبيوترات وريسيبشن وتكييف أين المعصية ؟ هذا المصرف الربوي يسبب تجميع الأموال بأيد قليلة وتحرم منها الكثرة الكثيرة ، الآن الإحصاء الدقيق بالعالم أن تسعين بالمئة من سكان الأرض يملكون عشرة بالمئة من ثرواتها ، وعشرة بالمئة من سكان الأرض يملكون تسعين بالمئة من ثرواتها ، لذلك بين دول الشمال والجنوب ما يأكله الكلاب في بلاد أمريكا من اللحم لا يأكله الشعب الهندي بأكمله ألف مليون ، بلاد فيها مجاعات ، بلاد تطلق النار على عشرين مليون رأس غنم للحفاظ على أسعارها المرتفعة ، بلا د تتلف محاصيلها ، مرة قرأت عن كمية محاصيل الألبان في أوربا بحجم أهرامات مصر وضعت في البحار حفاظاً على أسعارها ، بلاد تموت من التخمة، تموت من الترف ، وبلاد تموت من الجوع ، وهذا تشاهدونه بأعينكم هذا من نتائج الربا، لذلك لأن الربا يدمر أمة ما من معصية توعد الله مرتكبها بالحرب إلا الربا .
الربا يسبب الخراب و الدّمار :
أيها الأخوة الكرام ، لماذا الربا يسبب هذا الدمار ؟ هناك شرح دقيق ، الإنسان مادام هناك مؤسسة تعطيه ربحاً ثابتاً ، ثمانية بالمئة ، لا يوجد مغامرة ولا مخاطرة ولا ضرائب ولا تموين ولا مالية ولا جمارك ولا تأمينات ولا بضاعة صينية سعرها نصف رأسمالها ، كل أنواع المغامرة تلغى بالربا ، والربح ثمانية بالمئة ، مادام هناك مؤسسة تعطي ربحاً ثابتاً بلا جهد ، بلا تعب ، بلا مغامرة ، بلا مخاطرة ، بلا مسؤولية ، بلا ضرائب ، بلا تموين ، بلا جمارك ، بلا تأمينات ، لا أحد يضع بالاستثمار التجاري أو الصناعي أو الزراعي مئة مليون على ربح ثمانية بالمئة ، يجب أن يأخذ أربعين بالمئة ربحاً أو سبعين ، لما ارتفع الربح الأسعار ارتفعت ما الذي يحصل ؟ تخيل موشوراً ، الموشور شكل أسطواني ينتهي بنقطة مثل الأهرام لكن على دائرة وليس على مثلث ، الموشور له ارتفاع كلما ارتفعت درجة ضاقت الدائرة المنتفعة من هذا السعر، أوضح مثل الكرز في الصيف إذا الكيلو بخمس ليرات الشام فيها خمسة ملايين أنا أعتقد أربعة ملايين إنسان يأكلون كرزاً ، وإذا بمئة ليرة يأكله مليون واحد ، كلما ارتفع السعر ضاقت الدائرة المنتفعة منه ، لذلك عندما يكون هناك مؤسسة تعطي ربحاً من دون مسؤولية ، من دون جهد ، من دون تعب ، إنسان عاطل عن العمل مرتاح نائم للظهر لا يهمه شيء لا جمارك ، ولا تموين ، ولا تسويق بضاعة ، ولا مفاجآت في السوق ، ولا منافسة ، ولا مشكلة الموظفين وتأميناتهم ومتاعبهم ، وهذا المحاسب زوّر الحسابات ، وهذا الموظف سرقه ، كل هذه المتاعب ملغية ، له ربح ثابت من البنك .
إذاً لا يمكن أن يوضع مال في الاستثمار الشرعي النافع الحقيقي إلا بربح عال جداً، والربح العالي جداً يعني ارتفاع أسعار الظاهر ، بالدول المتخلفة يوجد كل شيء ، لكن الذين يقدرون على شراء ما في الأسواق عشرة بالمئة فقط والباقون محرومون ، حينما يسهم الربا في تجميع الأموال الكثيرة بأيد قليلة وتبقى الكثرة الكثيرة في حرمان هناك مشكلة كبيرة ، أي إنسان دخله خمسة آلاف الآن هذه ثمن ماذا ؟ ثمن وقود في الشتاء ؟ أم ثمن كهرباء ؟ أم ثمن ماء ؟ أم الطبيب يحتاج إلى خمسمئة ليرة ليعالج ابنه إذا ارتفعت حرارته ؟ أم ثمن كنزة ثمنها يقدر بألفي ليرة ؟ ليس معقولاً ، هذا هو الفقر ، هذه البطالة المقنعة ، أي عشرون بالمئة هناك بطالة صريحة ، وستون بالمئة بطالة مقنعة لأنه ممكن أن تكون الأموال مجمعة بأيد قليلة .
أيها الأخوة الكرام ، إله عظيم ، خالق حكيم ، رحمن رحيم قال :
﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾
الخوف من الله أساس التعامل بين المسلمين :
أيها الأخوة الكرام ، موضوع الربا يطول ، أنا لي دروس كثيرة جداً في موضوع الربا تزيد عن عشرين أو ثلاثين درساً ، فيها تفصيلات دقيقة جداً ، على كلٍّ المؤمن يخاف من الله ، وما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه .
إذاً نستنتج أن المصرف الربوي يتعامل بالربا ، وأن المصرف الإسلامي ينتظر منه ألا يتعاون بالربا إلا إذا زوّر الحقائق ، أحياناً أنت تشتري علبة سمك مستوردة كتب عليها : هذا السمك ذبح على الطريقة الإسلامية وفهمكم كفاية ، أحياناً بنوك إعلامها إسلامي تضع أموالها في بنوك أجنبية وتأخذ الفوائد الربوية توزعها على المساهمين على أنها أرباح حلال ، إنسان في بلاد الغرب له جار يبيع اللحم كاتب : حلال ، كل الناس أقبلوا عليه ، هو تعجب وهو يبيع الخنزير!! فكتب : خنزير حلال لعل الناس يقبلون عليه .
أنا أعلم أن البنك الإسلامي له مرجعية دينية ، له نظام داخلي ، قبل أن تقدم على التعامل مع بنك إسلامي اقرأ نظامه الداخلي ، وتعرف على مرجعيته الدينية ، وبعدئذ اجتهد والله أعلم ، أنا لا أقيّم إطلاقاً أنا أقول كلاماً عاماً ، هناك في بلاد المسلمين مئات البنوك الإسلامية ليست إسلامية إطلاقاً ، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون المصارف التي سوف تفتتح في بلادنا مصارف إسلامية حقاً وحقيقة .
أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، فاستغفروه يغفر لكم ، فيا فوز المستغفرين .
* * *
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلّ و سلم وبارك على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
من طاب مطعمه كان مستجاب الدعوة :
أيها الأخوة الكرام ، هناك حديث دقيق جداً :
(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
أطب مطعمك قد يفهمها الساذج أن يكون الأكل طيباً فيه سمن بلدي ، أطب مطعمك ليكن ثمن الطعام مالاً حلالاً ن كسبته بكدك وعرق جبينك من طريق مشروع ، فإذا كان الكسب حراماً المال الحرام يذهب مع أهله ، يتلفه الله عز وجل ، من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله .
فأنا أقول لكم شيئين : احرصوا على تعاملكم مع المال لأنه ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ، و أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ، ويقول العبد : يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له ؟
أيها الأخوة الكرام ، أخطر شيء في حياتك - هذا لغير المتزوجين - أن تختار زوجة صالحة تسرك إذا نظرت إليها ، وتحفظك إذا غبت عنها ، وتطيعك إذا أمرتها ، وأن تختار حرفة شريفة وفق منهج الله ، وأن تسلك بها الطرق المشروعة ، فإذا كان بيتك إسلامياً والزوجة صالحة والدخل مشروع فأنت في قمة السعادة ، ملك سأل وزيره من الملك ؟ قال : أنت، قال : لا ، الملك رجل لا نعرفه ولا يعرفنا له بيت يؤويه ، وزوجة ترضيه ، ورزق يكفيه ، الحلال القليل خير من الحرام الكثير ، الاقتصاد في المعيشة خير من بعض التجارة .
الابتعاد عن الحرام لأن الصدقة هي الأربح :
والله أيها الأخوة الكرام ، وقع تحت يدي كتاب أهدانيه أخ كريم مقيم بألمانيا ، يحمل دكتوراه في العلوم السياسية حول البورصة ، الآن في بعض البلاد الإسلامية سبعة وثلاثون ألف إنسان دخل المستشفى بسبب هبوط أسعار البورصة بالمليارات ، هذا الكتاب لو قرأتموه لتوصلتم إلى أن كل ثمن النفط الذي دفع إلينا استرد عن طريق البورصة خسائر ، قبل حين هناك مصرف بالخليج خسر خمسة وعشرين ملياراً ، أي هم أذكياء جداً يعطوننا باليمين ثمن النفط ويأخذونه عن طريق سوق الأسهم والبورصة بالشمال ، هناك أدمغة خبيثة جداً تدير اقتصاد العالم ، وهذا العالم الثالث الساذج يرى أنه ذكي جداً إذا تعامل مع البورصات وسوق الأسهم فجأة يخسر ماله كله ، الآن في الكويت مشكلة كبيرة جداً بالمليارات ، وقبلها في بلد آخر بالمليارات ، أما الرقم قرأته في موقع معلوماتي فكان سبعة وثلاثين ألف إنسان دخلوا المستشفى بسبب إنهيار سوق العملات هناك ، بالآلة الحاسبة الربا أربح تعطي ألفاً تأخذهم ألفاً وعشرين ، ألفاً ومئة أما بالقرآن فالصدقة هي الأربح الآية :
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾
لذلك أيها الأخوة التقوى أقوى ، والله التقيت مع إنسان عمره ست وتسعون سنة والد صديقي في العيد فجلس معي وحدثني قال لي بالتعبير العامي : أنا عمري ست وتسعون سنة عملنا البارحة تحليلاً كاملاً ، دم وبول فإذا بالنتائج كلها طبيعية ، ست وتسعون سنة قال : والله بكل عمري ما أكلت قرشاً حراماً ولا أعرف الحرام .
أنت حينما تكسب المال الحلال يبارك الله لك بمالك ، هناك رزق سلبي لا تعرف إذا الله عافاك من عملية تحتاج إلى مليونين ، الآن أقل خطأ بالجسم يحتاج إلى ملايين ، خمسمئة ألف وما فوق ، خمسمئة ألف وما فوق فإذا إنسان ماله حلال والله عافاه بجسمه من كل هذه الأمراض هو الرابح الأول ، هذا سماه العلماء الرزق السلبي ، أحياناً بلحظة ترتفع حرارة الابن يقول لك الطبيب : يوجد اشتباه التهاب سحايا نريد تخطيط دماغ هذا غال جداً ، نريد إيكو ، نريد مرنان ، تدفع عشرين ألف ثم لا يوجد شيء ، دفعت عشرين ألفاً هكذا بلا فائدة ، أحياناً إذا كان ماله حلالاً الله عز وجل يبارك له بهذا المال ، ابتعدوا عن الحرام بعد الأرض عن السماء .
الدعاء :
أيها الأخوة الكرام ، إني داع فأمنوا ، اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ، ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك و نتوب إليك ، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، خذ بيد ولاة المسلمين لما تحب وترضى يا رب العالمين ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، ولا تهلكنا بالسنين ، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين ، اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ، ولا تعذبنا فإنك علينا قادر .