- موضوعات علمية
- /
- ٠1موضوعات علمية من الخطب
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المعاني التي تجتمع حول الإعجاز في هذه الآية :
أيها الأخوة الأكارم, من دلائل إعجاز القرآن الكريم: أنه أنبأ عن المستقبل، وقد وقع ما أنبأ الله به، فقال تعالى:
﴿غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾
يعنينا من هذه الآية كلمة:
﴿فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾
ماذا يريد الله بها؟ وأي مكانٍ هو أدنى الأرض؟ الأرض كرة، وبما أنها كرة خطوطها متصلة، لو أن لها حوافاً كالمكعب، أدنى، أي أدنى إلى حافة المكعب, ولكن الكرة خطوطها متصلة ومستمرة، وهي الشكل الهندسي الوحيد الذي إذا سرت بخطٍ عليه امتدَّ إلى ما لا نهاية ، ليس لهذا الشكل حواف ولا حدود، وقد أشار القرآن الكريم في آياتٍ أخرى إلى كروية الأرض ، حيث قال:
﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا﴾
أي لا تنقطع الخطوط على الأرض، ولا تقف عند حد، بل إنها تتصل, فلو اتجهت نحو الشمال نظرياً إلى أن وصلت إلى القطب، وعدت بعدها في نصف الكرة الآخر، تعود إلى النقطة التي بدأت منها، هذا معنى قول الله عزَّ وجل:
﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا﴾
ولكن ما معنى:
﴿فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾
أدنى تعني شيئين: تعنى أنه الأسفل، وتعني أنه الأقرب, فإذا استبعدنا معنى الأقرب لكون الأرض كرةً، بقي المعنى هو الأسفل, وقد أشارت كتب التاريخ، وأجمع المفسرون على أن المعركة التي انتصر بها الروم على الفرس تحقيقاً لوعد الله عزَّ وجل في بضع سنين, كانت في أغوار فلسطين, وحيث إن بعض علماء المسلمين اتجه إلى أكبر علماء الجيولوجيا في العالم الغربي، وسأله هذا السؤال: أي مكانٍ في الأرض هو أشدها انخفاضاً؟ .
لو قلنا: أي مكانٍ على سطح الأرض بما فيها البحر، لأجاب هذا العالم: إنه خليج مريانا، أو إنه وادي مريانا, أعمق نقطةٍ في قعر البحار, يزيد انخفاضها عن اثنتي عشر ألف متر، ولكن أدنى الأرض اليابسة تقع في أغوار فلسطين, لم يكن بوسع الإنسان وقت نزول هذه الآية أن يمسح القارَّات الخمس، وأن يعرف ارتفاع أعلى نقطةٍ فيها، وأخفض نقطةٍ فيها، ولكن القرآن أشار إلى أن الروم كما قال تعالى:
﴿غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴾
وأدنى الأرض يعني أخفض نقطةٍ في الأرض, وقد توافقت كتب التاريخ مع قول الله عزَّ وجل، في أن أخفض نقطةً في الأرض هي غور فلسطين, وكما قال الإمام عليٌ كرم الله وجهه: في القرآن آياتٌ لمَّا تفسَّر بعد, هذا مصداق قول الله عزَّ وجل:
﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾
حتى يتبيَّن أنه كتاب الله، وأن خالق الكون يعرف أية نقطةٍ في الأرض هي أخفض من غيرها .
إليك هذه الآية التي تؤكد في جزئية المعنى بالنسبة للآية الأولى وتصب في مجراها :
أيها الأخوة, بل إن هناك آيةٌ أخرى تؤدِّي بعض المعنى, قال:﴿وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾
لم يقل الله عزَّ وجل: وعلى كل ضامرٍ يأتينَ من كل فجٍ بعيد, لو أن الأرض مسطحة لكانت كلمة بعيد أنسب من كلمة عميق، بما أن الأرض كرة, وأنك كلما ابتعدت عن سطح الأرض، نزلت نحو خطٍ منحنٍ, إذن إذا ابتعدت عن مكة، لا بدَّ أن يسير الخط على شكلٍ منحنٍ ، فيصبح هذا الفجُّ عميقاً، وهو أصح من وصفه بأنه بعيد .
﴿وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾