- أسماء الله الحسنى
- /
- ٠2أسماء الله الحسنى 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: ( النصير ):
النصير كمالٌ في الوصف ومبالغة فيه:
أيها الإخوة الكرام، الاسم اليوم هو ( النصير )، وهذا الاسم ورد مطلقاً مراداً به العلمية، ودالاً على كمال الوصفية، وهو صيغة مبالغة، وصيغ المبالغة تعني شيئين ؛ تعني مبالغة الكّمّ، ومبالغة النوع، أي مهما يكن العدو قويا فالله هو النصير، ومهما تكن الأعداء كثيرة فالله سبحانه وتعالى نصير.
الآيات والأحاديث الوارد فيها اسم النصير:
الله نصير مع أقوى عدو، ونصير مع أكثر الأعداء تنوعاً، لذلك هذا الاسم ورد مطلقا، وورد مقرونا باسم المولى في آيتين فقط.
الآيات:
الآية الأولى:
الآية الأولى:
﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) ﴾
الآية الثانية:
﴿ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) ﴾
الأحاديث:
وورد هذا الاسم أيضا مقيداً في دعاء النبي عليه الصلاة والسلام، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَزَا قَالَ:
(( اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي، بِكَ أَحُولُ، وَبِكَ أَصُولُ، وَبِكَ أُقَاتِلُ ))
قواعد النصر:
لكن ما من اسم يحتاجه المسلمون اليوم كهذا الاسم، لكن هذا النصر له قواعد.
النصر من عند الله:
أول قواعد النصر أن النصر من عند الله، وحينما يتوهم المسلمون أن النصر من عند زيد أو عبيد فقد وقعوا في وهمٍ كبير، قال تعالى:
﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ ﴾
﴿ إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ ﴾
أنواع النصر:
1 – النصر الاستحقاقي:
وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ولكن هناك نصر استحقاقي، فالمؤمن حينما يكون على ما ينبغي وينتصر فهذا نصر سماه العلماء النصر الاستحقاقي، ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى:
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾
كان أصحاب النبي من الافتقار ومن الاستقامة ومن التوحيد ما استحقوا به نصر الله عز وجل.
بالمناسبة، حينما قال تعالى:
﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ ﴾
النصر الاستحقاقي ثمنه الإيمان والإعداد:
معنى ذلك أنه من عند الله، ولكن له ثمن، ما ثمن هذا النصر ؟ الإيمان والإعداد:
الإيمان:
الإيمان الذي يحملك على طاعة الله ـ والإعداد المتاح فقط.
الآية الأولى:
﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
كلام خالق الأكوان، وزوال الكون أهون عند الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين،
﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا ﴾
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾
الشرط الأول للنصر هو من عند الله ولكن له ثمن، والبند الأول في الثمن الإيمان الذي يحمل على طاعة الله، أما الإيمان الذي لا يحمل على طاعة الله فلا قيمة له إطلاقا.
الإعداد:
الآن الإعداد:
﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ﴾
لكن رحمة الله أنه كلفنا أن نعد العدة المتاحة، وليست المكافئة، وفرق كبير بين أن نعد العدة المكافئة، وهذا مستحيل الآن، وبين أن نعد العدة المتاحة.
عندما أؤمن الإيمان الذي يحملني على طاعة الله، وحينما أعد لأعدائي العدة المتاحة عندئذ أكون قد دفعت ثمن النصر، وما لم يدفع ثمن النصر فالنصر مستحيل، وهذه هي الحقيقة المرة التي هي أفضل ألف مرة من الوهم المريح، إذن النصر من عند الله، وله ثمن، والثمن له بندان الأول الإيمان، والثاني الإعداد.
إذا آمنا ولم نعد فلا ننتصر، وإذا أعددنا ولم نؤمن فلا ننتصر، لذلك قالوا: الإيمان والإعداد شرطان كل منهما لازم، لا يحقق الثاني إلا إذا كان الأول، فكل شرط من هذين الشرطين لازم غير كاف، وما لم يتحقق الشرطان معاً فلن يكون النصر.
حينما نتعامل مع الله وفق قواعده القرآنية، ووفق نواميسه نقطف الثمرة، أما إذا تعاملنا مع الله تعاملا ضبابياً مزاجياً، ولم ندفع الثمن فلن ننتصر، إذًا: النصر من عند الله، وله ثمن، ثمنه الإيمان والإعداد، لكن أي إيمان ؟ الكلّ يدعي أنه مؤمن، الإيمان الذي يترجم إلى استقامة، الإيمان الذي يحملك على طاعة الله، لذلك لماذا لم ينتصر المسلمين في أُحُد ؟ لأنهم عصوا، ولو أنهم انتصروا لسقطت طاعة رسول الله.
ولماذا لم ينتصر المسلمون في حنين ؟ في أُحُد وقعوا في معصية، وفي حنين وقعوا في شرك خفي، فقالوا: لن نهزم مِن قلة، إذًا: إما لسبب سلوكي في أُحد، أو لسبب اعتقادي في حنين، قال تعالى:
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ﴾
درسان بليغان من معركة أُحُد وحُنين:
الآن نستنبط من وقعة أحد ووقعة حنين أن هناك درسين بليغان، الأول: حينما تقول: الله، يتولاك الله عز وجل، وحينما تقول: أنا، يتخلى عنك، وهذا الدرس نحتاجه كل يوم، بل كل ساعة، قل: أنا بعلمي، واختصاصي النادر، وخبراتي المتراكمة، ومالي العريض، وجاهي الكبير، يتخل الله عنك، في حرفتك، في مهنتك، لا تقل: أنا، أنا كلمة مهلكة، قل: الله، في زواجك، في عملك، في حرفتك، حينما تقابل عدوا فإذا قلت: الله، يتولاك الله، فإذا قلت: أنا، يتخلى عنك، وما أشد هذين الدرسين عظة وفهما لما يجري في العالم.
لذلك حينما نعتد بأنفسنا يتخلى الله عنا.
فلذلك أيها الإخوة الكرام، النصر من عند الله، وله ثمن، وما لم ندفع الثمن فلن نشم رائحة النصر، وهذه هي الحقيقة المرة التي هي أفضل ألف مرة من الوهم المريح، فالنصر الأول هو النصر الاستحقاقي، حينما ندفع ثمنه إيماناً مترجماً إلى التزام، إلى وقوف عند الحلال والحرام، إلى فعل ما ينبغي، إلى تطبيق منهج الله، إلى أن يرانا الله حيث أمرنا، وأن يفتقدنا حيث نهانا، والثمن الثاني أن نعد القوة المتاحة.
لذلك التوكل من دون إعداد تواكل، وهو معصية، أن تقول: يا رب، توكلت عليك، ولا تفعل شيئا، سيدنا عمر وجد رجلا معه جمل أجرب، قال: << يا أخا العرب، ما تفعل بهذا الجمل ؟ فقال: أدعو الله أن يشفيه، قال: هلا جعلت مع الدعاء قطراناً >>.
ورأى سيدنا عمر أناسا يتكففون الناس في الحج، قال: مِن أنتم ؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: كذبتم، بل أنتم المتواكلون، المتوكل من ألقى حبة في الأرض، ثم توكل على الله.
والنبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))
أن نستسلم، ونقول: ما بيدنا شيء، انتهينا، هذا كلام الضعفاء، كلام ضعاف الإيمان، كلام الجهلة، الله موجود:
﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، الله موجود، الله فعال:
﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) ﴾
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ (123) ﴾
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ (84) ﴾
آيات التوحيد، وما تعلم العبيد أفضل من التوحيد.
2 – النصر التفضُّلي:
إذاً: النصر الأول هو النصر الاستحقاقي، حينما يدفع ثمن النصر إيمانا بالله يحمل على طاعته، وإعدادا للقوة المتاحة، الآن هناك نصر آخر سماه العلماء النصر التفضلي دليله الآية الكريمة:
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
في هذه الآية إعجاز، فبعد أن اكتشفت أشعة الليزر أمكن قياس المسافات بدقة متناهية، وأمكن قياس المسافة بين الأرض والقمر بدقة متناهية، وأمكن قياس المنخفضات والأغوار بدقة متناهية، وبعد أن اكتشفت هذه الأشعة تبين أن أخفض نقطة في الأرض غور فلسطين، والروايات التاريخية تؤكد أن هذه المعركة التي جرت بين الروم والفرس كانت في غور فلسطين، فقال الله عز وجل:
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
الروم أهل كتاب، وأهل الكتاب مشركون، ومع ذلك انتصروا، هذا النصر ليس استحقاقياً، ولكنه نصر تفضلي، فنحن في عبادتنا نقول: يا رب، إن لم نكن نستحق النصر الاستحقاقي فانصرنا نصراً تفضلياً، والنصر التفضلي يعني أن المنتصر ليس كما ينبغي، لكن حكمة الله اقتضت أن ينتصر، لذلك أثبت الله للصحابة الكرام وهم نخبة البشر فرحهم بهذا النصر.
﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
هذا هو النصر التفضلي، إذا كانت فئة ليست كما ينبغي، وانتصرت على الكفار وأعداء الله فهذا شيء ينبغي أن نفرح له بنص هذه الآية.
هذا هو النصر الثاني النصر التفضلي.
3 – النصر المبدئي:
لكن هناك نصر ثالث، ما هو ؟ النصر المبدئي:
﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7)﴾
الآن كلام دقيق، أصحاب الأخدود هل انتصروا ؟ بالمقياس التقليدي لم ينتصروا، لكنهم انتصروا نصرا مبدئياً، لأنهم ثبتوا على إيمانهم بالله.
بالمناسبة، مسيلمة الكذاب قبض على صحابيين، وقال للأول: أتشهد أني رسول الله ؟ قال: ما سمعت شيئا، فقتله، وقال للثاني: أتشهد أني رسول الله ؟ قال: أشهد أنك رسول الله.
الآن استمعوا إلى ما قاله النبي الكريم عن هذه الحادثة، قال: أما الأول فأعز دين الله فأعزه الله، الذي قتل النبي عليه الصلاة والسلام عدَّه منتصرا، لأنه صمد على مبدئه، ومن هذا النوع من النصر ماشطةُ بنتِِ فرعون، جاؤوا بأولادها الخمسة، لأنها قالت لما وقع المشط من يدها: يا الله، البنت قالت لها: ألك رب غير أبي ؟ قالت: الله ربي ورب أبيك وربك، فحدثت أباها، فجاء بقدر من النحاس، وجعل فيه زيتا مغليا، وجاء بأولادها الخمسة، وأمسك الأول، وقال: ألك رب غيري ؟ قالت: الله ربي وربك، فألقى الأول في الزيت المغلي فظهرت عظامه طافية على سطح الزيت، وأمسك ولدها الثاني، ألك رب غيري ؟ قالت: الله ربي وربك، فألقى الثاني، وألقى الثالث، وألقى الرابع، الخامس رضيع، فلما قال لها: ألك رب غيري ؟ سكتت، تضعضعت، ورد ذلك في الأحاديث الصحيحة، فأنطق الله ولدها الرضيع، قال: اثبتي يا أمي، فأنت على الحق، وألقاه في الزيت، ثم ألقاها في الزيت، هذه انتصرت نصرا مبدئيا، أي ثبتت.
فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام في الإسراء والمعراج شم رائحة لم يشم مثلها إطلاقا، فقال: يا جبريل، ما هذه الرائحة ؟ رائحة طيبة جداً، قال: هذه رائحة ماشطة بنت فرعون، ففي النصر المبدئي يمكن أن لا تنتصر بالمقياس التقليدي، لكنك مُتنا على الإيمان، وهذا نصر مبدئي، وفي هذا المعنى تسلية وتطمين لكل مَن قُتِل وهو على حق.
فالنبي قال: أما الأول فأعز دين الله فأعزه الله، القلق على من ؟ على الثاني الذي قال: أشهد أنك رسول الله، يا الله ما أعظم هذا الدين ! أما الثاني فقد قبل رخصة الله، ما كلف الله الإنسان فوق ما يستطيع، فلو أن الماشطة قالت: أنت ربي، فلا شيء عليها، ولكن لو أخذ كل المؤمنين بالرخص ما بقي هناك بطولات، فالإمام أحمد بن حنبل لم يقبل بخلق القرآن، فدخل السجن، وعذب.
لذلك الأمة في حاجة لمن يدفع ثمن مبدئه غاليا، ولو أن كل إنسان أخذ بالرخص فلن نجدد في الأرض بطولات إطلاقاً.
فهناك نصر مبدئي ؛ بأن يموت الإنسان على مبدئه صراحة، ولم يساوم عليه.
مرة كنت في بلد إسلامي، تركيا، وذكرت هذه القصة، وقلت: أما الأول، للتقريب، أعطي مائة ألف دولار، وأما الثاني فأعطي مائة ألف ليرة تركية، في الأجر ليس كالأول، الأول ضحى بحياته من أجل مبدئه، وكل شيء له ثمن، وكل شيء له حساب عند الله عز وجل.
أيها الإخوة الكرام، درس بدر وحنين، تقول: الله يتولاك، تقول: أنا، يتخلى عنك، وهذا الدرس نحتاجه كل يوم، وفي كل ساعة، وفي بيوتنا، وفي أعمالنا، وفي حرفنا، وفي مواجهتنا لمن نخافهم، قل: الله، فإن الله يتولاك.
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
قصص القرآن قوانين سارية في كل زمان ومكان:
لا أمل، فرعون من ورائهم، والبحر من أمامهم، فرعون بطغيانه وجبروته وحقده ولؤمه وقوته وراءهم، والبحر أمامهم.
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
لذلك الله عز وجل يقلب القصص القرآنية إلى قوانين، سيدنا يونس وهو في بطن الحوت:
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) ﴾
إذًا: أول نصر استحقاقي، والثاني تفضيلي، والثالث مبدئي، فالإنسان لا يعدم أن ينتصر نصرا مبدئيا، هذا بإمكانه.
لا للإحباط وسوءِ الظن بالله:
شيء آخر:
﴿ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (15) ﴾
عنده وهم خاطئ ؛ أن الله لا ينصره، وقد يقع الإنسان في سلسة إحباطات يتوهم أن الله لن ينصره، فيسيء الظن بالله.
﴿ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ (6) ﴾
وأقول لكم بكل صراحة: إن بعض المسلمين وقعوا في الإحباط واليأس، ولذلك هناك امتحانان صعبان:
الامتحان الأول: أن يقوِّي اللهُ الكافر حتى يقول ضعاف الإيمان: أين الله ؟ وأحيانا يظهِر الله آياته حتى يقول الكافر: لا إله إلا الله.
نحن الآن في الامتحان الأول، وهو صعب جداً، الطرف الآخر قوي ومتغطرس، ويفعل ما يقول، فبعض المؤمنين ضعفوا:
﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾
إذن النصر التفضلي والنصر المبدئي والنصر الاستحقاقي وموضوع بدر وحنين، تقول: الله، يتولاك، تقول: أنا، يتخلى عنك.
والموضوع الثاني: أُحُد وحُنين، في أُحد كانت المعصية سلوكية، وفي حنين كان الشرك الخفي، الصحابة الكرام وفيهم رسول الله لم ينتصروا ؛ لأنهم قالوا: لن نغلب من قِلة، هذه بعض موضوعات النصر، لأن الله عز وجل هو النصير، ولا نصير سواه.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ ﴾
أي تدفعوا ثمن النصر إيمانا يحمل على طاعته وإعدادا للقوة المتاحة.