- أحاديث رمضان / ٠09رمضان 1423هـ - أحاديث قدسية وأدعية
- /
- 1- رمضان 1423 - أحاديث قدسية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
ثقة الإنسان بالله هي رأسماله :
أيها الأخوة، أخرج الإمام مسلم في صحيحه من كتاب التوبة:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ))
((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ...))
لو أن الإنسان استغفر الله وهو يشعر أن الله لن يغفر له، لن يغفر له، ينبغي إذا استغفرت الله أن تظن بالله ظناً حسناً أنه يغفر لك، وينبغي إذا دعوته أن تظن به ظناً حسناً أنه يستجيب لك، وينبغي إن تبت إليه أن تظن به الظن الحسن فتعتقد أنه يتوب عليك، والحقيقة ثقة الإنسان بالله رأسماله، الله عز وجل يعلم السر وأخفى، يعلم ما تبديه وما تخفيه، وما يخفى عنك أنت، فالإنسان حينما يدعو الله عز وجل ويشعر أن الله لن يغفر له لن يغفر له:
((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ...))
ينبغي أن تعتقد أن الله سبحانه وتعالى ما أمرك أن تدعوه إلا ليجيبك، وما أمرك أن تستغفره إلا ليغفر لك، وما أمرك أن تتوب إلا ليتوب عليك، فهذه ثقة الإنسان بالله عز وجل، وحينما تضع ثقتك بغير الله تقع في الشرك، وحينما تيأس من روح الله وقعت في الكفر.
الله عز وجل يؤدب المسلم لكن لا يتخلى عنه :
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام في الطائف حينما ردّه أهلها شر رد، وسخروا منه، وكذبوه، ونالوه بالأذى، عاد لمكة، قال له زيد: يا رسول الله كيف تعود إلى مكة وقد أخرجتك؟ قال: إن الله ناصر نبيه، هذه ثقة النبي بالله، في الهجرة أهدر دمه، ووضع مئتا ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، ومع ذلك تبعه سراقة فقال له: يا سراقة كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟ كان عليه الصلاة والسلام واثقاً أنه سيصل إلى المدينة سالماً، وسيؤسس دولة، وسترسل جيوش إلى أضخم مملكة وقتها، وسوف يهزمها وتأتيه كنوز كسرى! ونحن الآن في أمس الحاجة إلى هذه المعنويات، لأن الناس قد جمعوا للمسلمين وهددوهم، فلا ينبغي للمسلم أن يصدق كلام هؤلاء، الله عز وجل يؤدبنا لكن لا يتخلى عنا.
تروي الكتب أن إنساناً يطوف حول الكعبة ويقول: رب اغفر لي ذنبي ولا أظنك تفعل، وراءه رجل صالح قال له: يا هذا ما أشد يأسك من رحمة الله؟ قال: ذنبي عظيم، قال: ما ذنبك؟ قال: كنت جندياً في قمع فتنة، فلما قمعت أبيحت لنا المدينة، دخلت أحد البيوت فرأيت فيها امرأة ورجلاً وطفلين فقتلت الرجل وقلت لامرأته أعطني كل ما عندك، فأعطتني ما عندها، فقتلت ولدها الأول، فلما رأتني جاداً في قتل الثاني أعطتني درعاً مذهبة أعجبتني، تأملتها فإذا عليها بيتان من الشعر قرأتهما فوقعت مغشياً عليّ، كتب على هذه الدرع:
إذا جار الأمير وحاجباه وقاضي الأرض أسرف في القضاء
فويل ثم ويل ثـم ويـل لقـاضي الأرض من قاضي السماء
***
((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ...))
ينبغي أن تظن يقيناً أنك إذا استغفرته يغفر لك، وإن دعوته أجابك، وإن تبت إليه تاب عليك، وما أمرك أن تدعوه إلا ليلبيك، وما أمرك أن تستغفره إلا ليغفر لك، وما أمرك أن تتوب إليه إلا ليتوب عليك.
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾
((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ...))
معية الله أثمن شيء يملكه الإنسان :
لكن حسن الظن بالله ثمن الجنة، والله عز وجل وصف بعض الناس بأنهم الظانين بالله ظن السوء، ظن السوء دليل ضعف الإيمان، والإنسان إذا قال: المسلمون انتهوا في العالم لأن هناك حرباً عالمية ثالثة معلنة عليهم لا قبل لهم بها:
﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً* فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ﴾
إن الله يؤدبنا.
﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ *وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾
قال:
((...وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي ))
هذه معية الله الخاصة، معيته هي أثمن شيء تملكه، فهو يحفظك، ويوفقك، ويكيد لأعدائك بالحفظ، والتوفيق، والنصر، والتأييد، هذه المعية الخاصة:
((...وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي ))
الله عز وجل مع المؤمن بالتوفيق والحفظ والتأييد والنصر :
لذلك ذِكر الله كما قال عنه النبي أفضل شيء، يقول عليه الصلاة والسلام:
((أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ))
إنك إن ذكرتني شكرتني، وإذا نسيتني كفرتني، ما معنى قوله تعالى:
﴿ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾
أن تذكره فلا تنساه، وتشكره فلا تكفره، وتطيعه فلا تعصيه. وَأَنَا مَعَهُ؛ معه بالتوفيق، والحفظ، والتأييد، والنصر، وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟
((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ ...))
إن لم يجدها فهو هالك لا محالة، إن وجدها ردت إليه روحه، لذلك في بعض الأحاديث أن أعرابياً فقد ناقته فبكى حتى أدركه النعاس استيقظ فإذا ناقته أمامه، فاختل توازنه وقال: يا رب أنا ربك وأنت عبدي! فقال عليه الصلاة والسلام: لله أفرح بتوبة عبده من ذاك البدوي بناقته! قدم النبي صورة رائعة، فقد الناقة يعني الموت، ووجدانها بعد أن فقدت يعني الحياة، من شدة الفرح اختل توازنه:
((... لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ ...))
كلّ أعمال البر هي قرض حسن لله عز وجل :
الآن: أي حركة نحو الله يقابلها معاملة لم تكن في الحسبان:
((... وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ...))
لا يوجد إلا الله، هذه الكلمة عميقة جداً، كلما تقع عينك على أقوياء وطغاة وأموال كل هذا بيد الله، إذا كنت معه كان معك، إن اتقيته خلق لك مخرجاً من كل ضائقة:
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾
((... وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ...))
أنت قربت خطوة، الله عز وجل يساوي إكراماً لك آلاف الخطوات:
(( ... وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ))
هذا شيء معروف، أي عقد صلح مع الله، أو خطب ود لله، أي عمل صالح، ألم يقل الله عز وجل:
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً ﴾
إن أطعمت جائعاً فأنت أقرضت الله قرضاً حسناً، إن دللت ضالاً فقد أقرضت الله قرضاً حسناً، إن دعوت إلى الله عز وجل فقد أقرضت الله قرضاً حسناً، كل أعمال البر هي قرض حسن لله عز وجل، إن أطعمت كلباً، أو رحمت بهيمة، إن تلافيت أن تدوس على نملة، كل هذا محفوظ عند الله، هذا قرض لله عز وجل.
الأحاديث القدسية من
صياغة النبي لكن المعنى من الله عز وجل :
أعيد الحديث:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي وَاللَّهِ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ بِالْفَلَاةِ وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ))
أيها الأخوة: هذه الأحاديث القدسية من صياغة النبي عليه الصلاة والسلام، لكن المعنى من الله عز وجل، إما أن المعنى ألقي في روع النبي، أو رآه في المنام، أو جاء به جبريل، فلذلك لها طعم خاص ورائحة خاصة، أنت حينما تقرأ حديثاً قدسياً تشعر أن الله يخاطبك وقريب منك، يا موسى أما علمت أني جليس من ذكرني، وحيثما التمسني عبدي وجدني.