وضع داكن
23-12-2024
Logo
الخطبة : 0663 - خطوات الشيطان ومداخله - الحبة السوداء.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين. اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

تأويل بعض المعاني الإسلامية و تفريغها من الدين :

 أيها الأخوة الكرام، في حياة المسلمين المعاصرة أتَوا على بعض المعاني الإسلامية الكبرى مما ثبت في الكتاب والسنة، فأولوها تأويلاً فاسداً متعنتاً، ليقربوها من الفكر الحديث، من النظرة المادية للأشياء، أرادوا أن يفرغوا الدين من حياتهم المعاصرة، وهذا انحراف خطير في عقيدة المسلمين وفي منهجهم القويم.
 ومع أن تأويل هذه المعاني الكبرى خروج عن منهج الله عز وجل، وعن منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع نص الوحي، فقد أضرت هذه التأويلات، وهذه التفسيرات، وتلك الانحرافات بالإسلام وقضيته أيما ضرر، ولم تحقق أدنى فائدة في زعم هؤلاء الذين أولوا هذه التأويلات، وانحرفوا هذه الانحرافات، في زعمهم أنهم يقربون الدين من الحياة، ويجعلونه مقبولاً لدى الأطراف الأخرى، الذي حصل عكس ذلك.. ضحَّينا بجزء مهم جداً من عقيدتنا، وضحَّينا بمَعْلَمٍ كبير من معالم منهجنا، ولم نحقق أية فائدة، هذا كلام عام سآتي على تفصيلات توضحه.

الشيطان في القرآن الكريم :

 أيها الأخوة الكرام، من الأمثلة الصارخة حول هذا الموضوع موضوع الشيطان في القرآن الكريم، هذا الموضوع أحد الوجوه التطبيقية لهذا المنحى التفسيري المنحرف.
 ربنا جل جلاله يقول:

﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾

[ سورة فاطر: 6]

 فُسِّر الشيطان بأنه رمز معنوي لقوى الشر، فُسّر الشيطان بأنه تعبير عن وساوس النفس، فُسّر الشيطان بأنه جهد الطرف الآخر بالصّد عن طريق الله عز وجل، هذه التفسيرات أخرجت الآية عن مضمونها وأخرجتها عن مدلولها الصحيح، يقول الله عز وجل:

﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾

[ سورة فاطر: 6]

 من خلال هذه التأويلات التي ميعت الآية، من خلال هذه التأويلات التي فرغت مضمون الآية، أصبحت هذه الآية غير مفهومة، وليس لها مدلول عملي.
 وفي الحقيقة المؤيدة بالنص الشيطان حقيقي وليس معنوياً، نعتقد جميعاً من خلال الكتاب والسنة أن الشيطان حقيقي وهو عدو لنا، أما أن نفهم أنه جراثيم كما يدعي البعض، ورمز للشر كما يدعي البعض فهذا ليس من الحقيقة في شيء، الشيطان من الجن، قال تعالى:

﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ﴾

[سورة الكهف: 50]

 الشيطان كان من الجن ففسق عن أمر ربه، ونحن أيها الأخوة الكرام نعتقد بوجود الجن والإنس، والشيطان من الجن، ومع كل إنسان شيطان وملك، بل إن الشيطان والملك مع الإنسان من أجل أن يتم الابتلاء، نحن في دار ابتلاء، قال تعالى:

﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾

[سورة المؤمنون: 30]

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾

[ سورة الملك: 2]

 بل بعضهم يقول: إن علة وجودنا على وجه الأرض الابتلاء، قال تعالى:

﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾

[ سورة العنكبوت: 2]

 لابد من أن نُمتحن، إن الدنيا بأكملها دار امتحان، دار ابتلاء، دار تعبير عما في النفس، فلذلك يقول عليه الصلاة والسلام من حديث ابن مسعود الذي ورد في صحيح مسلم:

((مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَالُوا وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِيَّايَ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِحَقٍّ ))

[ مسلم عن ابن مسعود ]

 من أحد: من تفيد استغراق أفراد النوع. والآية الشهيرة:

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴾

[سورة الناس: 1-6]

 صار هناك شياطين للإنس وشياطين للجن، فالصديق إذا أمرك بمعصية، إذا أغراك بمخالفة، إذا حببك إلى الدنيا، إذا زهدك في الآخرة فهذا من شياطين الإنس، فإذا جاءت وسوسة تدعوك إلى معصية، تدعوك إلى الدنيا على حساب الآخرة، تدعوك إلى مخالفة، فهذه الوسوسة من شياطين الجن، فالإنسان بين إلهام ملك ووسوسة شيطان من الجنة والإنس، وهذا من لوازم الابتلاء، أنت مبتلى في الدنيا، أنت ممتحن.

 

أساليب الشيطان في مدخله مع الإنسان :

 وللشيطان كما ورد في القرآن الكريم ذرية، ويتكاثرون، قال تعالى:

﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ﴾

[سورة الكهف: 50]

 إذاً الشيطان له ذرية وذرية الشيطان تتكاثر.
 الذي يعنينا أن هذا الشيطان الذي وصفه الله بأنه عدو لنا مبين، له أساليب ذكية جداً في تعامله مع الإنسان، بعض العلماء الأجلاء رحمه الله تعالى ذكر أساليب الشيطان في مدخله مع الإنسان، فقال هذا العالم الجليل: الشيطان يسعى أولاً في أن يكفر الإنسان، أو يحمله على الشرك، فإن كان هذا الإنسان من المسلمين وامتنع عليه سلك معه الشيطان طريقةً أخرى، أول هدف من أهداف الشيطان أن يحملك على الشرك والكفر، فإن لم يفلح وامتنعت عليه سلك طريقاً آخر، الطريق الآخر يسعى الشيطان لهذا الإنسان المسلم الذي امتنع عليه من أن يحمله على الكفر أو الشرك لأن يجعله يبتدع في الدين ما ليس من الدين، فإن كان هذا المسلم من أهل السنة وامتنع عليه يسلك معه الشيطان طريقاً آخر، الطريق الآخر يغريه بالمعاصي الكبيرة، فإن لم يفلح وامتنع هذا المسلم عن أن يقع في كبيرة، يدفعه إلى صغيرة، فإذا فعل صغيرة وأصر عليها انقلبت إلى كبيرة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار))

[ رواه ابن المنذر والديلمي عن ابن عباس ]

 فالشيطان يئس أن يُعبد في أرض العرب، في الجزيرة، ولكنه رضي فيما تحقرون من أعمالكم، فهذه الصغائر التي تبدو للمسلمين صغائر حينما يصرون عليها انقلبت إلى كبائر، والتيار الكهربائي إذا انقطع كل أجهزة البيت تتعطل، فإذا كان هذا الانقطاع ميليمتراً أو متراً، النتيجة أن هناك انقطاعاً، فالصغائر إذا أصرّ الإنسان عليها حجبته عن الله عز وجل وأصبحت كالكبائر، وهذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام:" لا صغيرة مع الإصرار"، فالشيطان يسعى إلى أن يوقع الإنسان بالكبائر فإن امتنع عليه دله على الصغائر. يقول المسلم: أنا لا أزني ولا أسرق ولا أشرب الخمر ولا أقتل.. جميل هذه كبائر، فما بال هذه المخالفة وتلك المخالفة وهذه المعصية؟ يتوهمها صغائر وهي في الحقيقة تحجبه عن الله عز وجل.
 فهذه محقرات الذنوب يجتمعن على الرجل حتى يُهلكنه، محقرات الذنوب، الذنوب التي لا يلقي المسلم لها بالاً، ماذا فعلت ؟ لم أرتكب كبيرة، لم أسرق، لم أقتل، لم أشرب، لم أزن.. ولكن إطلاق البصر، والاختلاط، والجلوس وراء الأعمال الفنية التي يمضي بها الإنسان إلى منتصف الليل، ماذا يفعل؟ يقول لك: أنا لم أفعل شيئاً، وقع في التي توهمها صغائر وقطعته عن الله عز وجل، وأصبح الطريق إلى الله غير سالك، وقال: ماذا فعلت؟ إنها محقرات الذنوب، هي عنده محقرات الذنوب ولكنه عندما أصرّ عليها أصبحت قواطع الذنوب.

 

مساعي الشيطان الكثيرة في دفع الإنسان إلى المعصية :

 أيها الأخوة الكرام، يسعى الشيطان لأن يوقع هذا المسلم بالصغائر وأن يصر عليها، فإذا امتنع عليه يسلك معه طريقاً آخر، يغريه بالمباحات، بالأشياء المباحة يغرق في المباحات، يغرق في الزينة، يغرق في تنوع ألوان المتع في حياته، كلها مباحة، فإذا أمضى وقته في المباحات فقد غفل عن الله عز وجل، يقول لك: أنا لست مرتكباً أية معصية، ولا صغيرة، ولكنه غارق إلى قمة رأسه في المباحات، هذه المباحات مشغلة، تشغله عن الله عز وجل، تشغله عن ذكر الله، تشغله عن طلب العلم، تشغله عن نشر العلم، تشغله عن أجلّ الأعمال.
 فإذا امتنع المسلم عن الشيطان من أن ينشغل بالمباحات سلك معه طريقاً آخر، ذكرت لكم أول الخطبة أن الشيطان ذكي جداً، يتحايل الآن ماذا يفعل معه؟ يشغله بالعمل المقبول، ويبعده عما هو أفضل منه، يشغله بسنة ويغريه بترك فريضة، لابد من أن تقبل الحجر الأسود فإذا به يدفع المسلمين، ويؤذي المسلمين، ويسيء إلى المسلمين، يغريه بسنة يدع من أجلها فريضة، وهي الحفاظ على سلامة المسلمين. فإن لم يفلح في أن يحمله على سنة تشغله عن فريضة، لابد من أن تحج كل عام، وله أولاد بأشدّ الحاجة إلى الزواج، يغريه أن يحج كل عام، يقول لك: قمت بثلاثين حجة، ثلاث وثلاثون حجة، وأولادك الذين شاركوا الحرام، قاربوا الحرام، وهم في أشدّ الحاجة إلى معونتك، وهم في أشدّ الحاجة إلى أن تحصنهم، أشغله بالنفل عن الفريضة وهي أن يرعى أولاده، ويهيئ لهم مستقبلاً، الشيطان أحياناً يغريك بسنة ليشغلك بها عن فريضة، أو يغريك بمستحب ليشغلك به عن فريضة، يغريك بعمل مقبول ليبعدك عن عمل أفضل منه.
 أيها الأخوة الكرام، هذا من حيث المضمون، أما من حيث الشكل يسلك الشيطان مع الإنسان خطوَة خطوةً، لذلك قال الله تعالى ـ دققوا في هذه الآية:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾

[سورة البقرة: 168]

 الذين دعوا إلى أن تتفلت المرأة من الضوابط الإسلامية لجؤوا لكشف الوجه، ثم لكشف الشعر، وما زالت المرأة تنتقل من معصية إلى أخرى حتى بدت وكأنها في بيت زوجها، حتى بدت وكأنها في غرفة النوم. هكذا من معصية إلى معصية، من انحراف إلى أشد:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾

[سورة البقرة: 168]

 الشيطان يدعوك إلى أن تدعو هذه المرأة إلى الخلوة، فإذا بالشيطان ينقل هذا الإنسان من خطوة إلى خطوة حتى يقع في الفاحشة.
 لذلك الشريف هو الذي يهرب من أسباب المعصية.. إن الشهوة التي أودعها الله في الإنسان كمثل صخرة مستقرة على رأس جبل، أنت مخير، إما أن تدعها مستقرة وإما أن تدفعها لتصل إلى الوادي، فإذا أردت أن تدفعها من مكانها، لن تستقر إلا في أعماق الوادي، أما أن تتوهم أنك بعد مترين توقفها لا تستطيع، بعد أربعة أمتار توقفها لا تستطيع، أنت مخير، أن تدعها في حصنها الحصين أو أن تدفعها، فإذا دفعتها فلست مخيراً.

 

أساليب الشيطان متنوعة يعالج بها كل إنسان على حدة :

 أيها الأخوة الكرام:

﴿ وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾

[سورة الأنعام: 142]

 الشيطان يدخل على الزاهد من باب الزهد، ويدخل على العالم من باب العلم، ويدخل على الجاهل من باب الجهل، ويدخل على الرجل من باب المرأة، ويدخل على الغني من باب المال، وللشيطان أساليب متنوعة يعالج بها كل إنسان على حدة، بحسب مكانته وخصائصه.
 أيها الأخوة الكرام، خطباء كثيرون جزاهم الله خيراً يعالجون قضايا الشاردين، قضايا المتفلتين، هؤلاء الشاردون والمتفلتون لا يأتون إلى المساجد، ولا يسمعون هذا الخطاب، وهؤلاء الذين في المساجد لا يعنيهم هؤلاء، إنهم منضبطون، لذلك الأولى أن نعالج مشكلات الذين يرتادون المساجد، أن نعالج مشكلات المؤمنين الذين يلقون السمع إلى كلمة الحق.

 

مداخل الشيطان على الصالحين :

1 ـ التحريش بين المؤمنين :

 فيا أيها الأخوة المؤمنون، من مداخل الشيطان على الصالحين، وكل إنسان آمن بالله وأراد أن يطيعه، وطلب العلم، وارتاد بيوت الله عز وجل هو من الصالحين، ما مداخل الشيطان على الصالحين؟ أول مدخل للشيطان عليهم التحريش بين المؤمنين، هذه الخصومات، هذه التمزقات، هذه العداوة والبغضاء، هذا الحسد، هذا التشكيك، هذا الإيقاع بين المؤمنين، هذا من فعل الشيطان الرجيم. في صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

((إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ))

[ مسلم عن جابر ]

 هذه مهمة الشيطان، فإذا وقعت بينك وبين أخيك عداوة فاعلم أنها من فعل الشيطان، إذا وقعت بينك وبين أخيك بغضاء فهي من فعل الشيطان، إذا وقع بينك وبين أخيك تحاسد فمن فعل الشيطان.

((المؤمنون بعضهم لبعض نصحة متوادون ولو ابتعدت منازلهم، والمنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون ولو اقتربت منازلهم ))

[البيهقي في الشعب عن أنس]

 الأصل:

﴿إنما المؤمنون أخوة﴾

[ سورة الحجرات : 10]

 الأصل:

﴿ لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم﴾

[ سورة الأنفال: 63 ]

 عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ :دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقِ الشَّامِ فَإِذَا أَنَا بِفَتًى بَرَّاقِ الثَّنَايَا وَإِذَا النَّاسُ حَوْلَهُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوهُ إِلَيْهِ وَصَدَرُوا عَنْ رَأْيِهِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقِيلَ هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ هَجَّرْتُ فَوَجَدْتُ قَدْ سَبَقَنِي بِالْهَجِيرِ وَقَالَ إِسْحَاقُ بِالتَّهْجِيرِ وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى إِذَا قَضَى صَلَاتَهُ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ أَاللَّهِ فَقُلْتُ أَاللَّهِ فَقَالَ أَاللَّهِ فَقُلْتُ أَاللَّهِ فَأَخَذَ بِحُبْوَةِ رِدَائِي فَجَبَذَنِي إِلَيْهِ وَقَالَ أَبْشِرْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:

((وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ))

[أحمد عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ ]

 عن معَاذُ بْن جَبَلٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:

((الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ))

[الترمذي عن معَاذُ ابْن جَبَلٍ ]

 الأصل المودة، الأصل الحب.. عَنْ أَنَسٍ قَالَ:

((مَرَّ رَجُلٌ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ جَالِسٌ فَقَالَ الرَّجُلُ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ هَذَا فِي اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرْتَهُ بِذَلِكَ قَالَ لَا قَالَ قُمْ فَأَخْبِرْهُ تَثْبُتِ الْمَوَدَّةُ بَيْنَكُمَا فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ أَنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ أَوْ قَالَ أُحِبُّكَ لِلَّهِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي فِيهِ))

[أحمد عَنْ أَنَسٍ]

 الحب، التناصح، التعاون، عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِي اللَّهم عَنْهمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))

[ متفق عليه عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ]

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ))

[ متفق عليه عن أبي هريرة]

 هذا هو الأصل، مالك ترى بين المسلمين ما صنع الحداد؟ مالك ترى بين الجماعات الإسلامية ما صنع الحداد؟ مالك ترى الطعن والتشكيك والازدراء والاستعلاء؟ هذا كله من فعل الشيطان، أول باب من أبواب والشيطان على الصالحين أن يحرش بينهم، أن يلقي بينهم العداوة والبغضاء، وفي صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

((إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ ))

[ مسلم عَنْ جَابِرٍ ]

 قال شراح الحديث: بالخصومات والشحناء والفتن. ومن حديث صفية بينت حيي رضي الله عنها أم المؤمنين، قالت: عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَالَتْ:

((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَمَرَّ رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فَقَالَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا أَوْ قَالَ شَيْئًا ))

[ متفق عليه عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ]

 هذه القصة يجب أن تعمم على كل شيء، وضح الحساب، وضح العلاقة، وضح لماذا أنت في البيت؟ وضح لماذا فتحت الدرج في المحل؟ البطل هو الذي يفعل شيئاً له تفسير واحد، البطل هو الذي لا يضع نفسه موضع التهمة ثم يلوم الناس إذا اتهموه، اجعل من هذه القصة منهجاً لك، وضح، بيّن، صرح، البيان يطرد الشيطان " هذه زوجتي صفية" من القائل؟ سيد الخلق وحبيب الحق:

((فَقَالَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا أَوْ قَالَ شَيْئًا))

 وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ:

((كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجُلَانِ يَسْتَبَّانِ فَأَحَدُهُمَا احْمَرَّ وَجْهُهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ لَوْ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ فَقَالُوا لَهُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ فَقَالَ وَهَلْ بِي جُنُونٌ))

[ متفق عليه وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ]

 فهذا الغضب الشديد، هذا الغضب المجنون من الشيطان، هذا الغضب الذي يعطل عقل الإنسان من الشيطان ، فاستعذ بالله، قال تعالى:

﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة الأعراف: 200]

﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾

[سورة الأعراف: 201]

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴾

[سورة الناس: 1-6]

2 ـ تزيين البدعة :

 أول مدخل للشيطان على الصالحين التحريش بين المؤمنين، وثاني مدخل للشيطان على الصالحين تزيين البدعة.
 أيها الأخوة الكرام، بعضهم بسذاجة مضحكة يضع حديثاً لا أصل له لتخويف الناس من النار، أو لحملهم على التقرب إلى الله عز وجل، فإذا واجهتهم بافترائهم على رسول الله يقولون: إنما نكذب له لا عليه، الشيطان حينما يحمل المسلم الساذج على أن يبتدع شيئاً ما فعله النبي لتخويف الناس أو لدفعهم إلى العمل الصالح هذا من فعل الشيطان ولكن بمكر شديد.
 أحياناً نخترع عبادات لا وجود لها في الإسلام، هذه العبادات تحمِّل المسلمين فوق ما يحملون، تحملهم فوق طاقتهم، عندئذ ينصرفون عن الدين.
 منهج النبي عليه الصلاة والسلام منهج أمثل يسع كل المسلمين إلى يوم الدين، وهذا المنهج فعال لدرجة أنك إذا طبقته تستطيع أن تصل إلى أعلى درجة في الإيمان، دون زيادة، دون أن تزيد في العبادات، ولا في الأذكار، ولا في أي شيء آخر، لذلك تزيين البدعة واختراع شيء ليس من الدين إنما من فعل الشيطان، وهو من مدخل الشيطان على الصالحين.
 حقيقة ينبغي أن تكون واضحةً جداً بين أيديكم؛ الأصل في الأشياء الإباحة، ولا يُحرم شيء إلا بنص ثابت، أما في العبادات فالأصل فيها الحظر، ولا تُشرع عبادة إلا بنص ثابت، من أجل أن يستمر الدين كما بدأ، من أجل أن تكون مسيرة الدين واضحة جلية منضبطة.

3 ـ تضخيم جانب على حساب جانب :

 هناك مدخل على الصالحين ثالث: تضخيم جانب على حساب جانب، فهناك إنسان مقصر جداً في الطاعات لكنه يبالغ في الصلاة، إلى درجة أنه يصلي النوافل، ويدع بعض المنهيات، ويقع في بعض المحرمات..
 ماذا يفعل؟ وهو لا يشعر يسلك سلوك التعويض، حينما يختل توازنه من اقتراف بعض المعاصي يحاول أن يغطي هذا الخلل بمبالغة في الصلوات، فإذا صليت النوافل كلها، وكنت متلبساً بمعصية، متعلقة بالشهوة إما بامرأة أو بكسب المال، فهذه المبالغة الزائدة لا تلغي هذا التقصير، فلابد من التوازن، لابد من أن تسير على الخطوط الثلاثة معاً كي تتفوق، فإذا أخذت خطاً واحداً على حساب الخطين الآخرين، إذا سلكت في خطين على حساب الخط الثالث تطرفت وغلوت في الدين.
 أيها الأخوة الكرام، هناك من يقول: الدين معاملة، أنا أعامل الناس أطيب معاملة ولا شيء بعد ذلك، ضخَّم المعاملة وأهمل العبادات، ضخَّم المعاملة وأهمل العلم، تضخيم شيء على حساب شيء من مداخل الشيطان على الصالحين.
 هناك من يقول: أهم شيء حفظ القرآن الكريم، وحفظ القرآن الكريم من أعظم الأعمال، أما أن أكتفي به، وأن أدع منهج الله الذي يزيد عن مئة ألف بند، فهذا أيضاً مدخل، أن أضخم هذا على حساب أصول الدين، على حساب الأمر والنهي، احفظ القرآن وطبق القرآن، احفظ القرآن وتدبر آيات القرآن. أحياناً يقول لك: القضية ضمنية، أنا نيتي سليمة، أفعاله كلها منكرة ولكن نيته سليمة، ماذا فعل هذا؟ أخذ النية الطيبة وضخمها وجعلها هي الدين، وأهمل كل شيء. أحياناً العمل الصالح الذي أنت مخلوق من أجله إذا سلكت به عملاً سيئاً نشأت مشكلة كبيرة جداً، خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً.
ولابد من التوازن، لابد من أن تؤدي لكل شيء حقه. أحياناً يقول لك: يجب أن أكثر من ذكر الله، هذا أمر إلهي:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ﴾

[سورة الأحزاب: 41]

 لكن إذا حاككته بالدرهم والدينار لا تراه في مستوى ذكره، لا ترى ذكره صارخاً في معاملته، صار هناك خلل، صار هناك عرج، الذاكر لله عز وجل لا يأكل لقمةً من حرام، لا يبتز أموال المسلمين.
 أيها الأخوة، أخشى ما يخشاه الغيور على مصالح المسلمين أن نقع في هذه الأمراض؛ أن نبالغ في شيء وأن نقصر في أشياء، فنجعل من هذه المبالغة تغطية لهذا التقصير، هذا خطأ كبير.

 

4 ـ الانشغال بدراسة واقع المسلمين و الابتعاد عن أصل العقيدة :

 هذا على المستوى الفردي، أما على المستوى الجماعي فبعضهم ينشغل بدراسة واقع المسلمين، ودراسة واقع أعدائهم، ويتبحر ويقرأ ويؤلف فإذا سألته عن الإسلام لا يعلم عنه شيئاً، لكن كل الذي يعلمه عن أعداء المسلمين، وعن واقع المسلمين السيئ السلبي، فإن سألته عن أصل العقيدة، عن أصل هذا المنهج، بعيد جداً كل البعد، هذا انشغل في موضوع جانبي عن أصل الإسلام. بعضهم يهتمون، يقول لك:

﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾

[سورة آل عمران: 103]

 يريد أن يجتمع كل الأطراف في بوتقة واحدة، مع أن هناك أطرافاً لا تجتمع، أي يحاول أن يجر الجميع إلى شيء واحد وهذا الشيء الواحد موهوم، وأيضاً لا يجتمع ضوء وظلام في وقت واحد، هما نقيضان، وأحياناً هناك تناقضات خطيرة جداً بين الأطراف، فإذا أردت أن تجمعها هذا جمع مستحيل، جمع غير واقعي.
 فعلى مستوى فردي هناك من يضخم جانب العبادات على المعاملات، هناك من يضخم المعاملات على العبادات، هناك من يضخم السلوك على العقيدة، هناك من يضخم الاتصال بالله على كل شيء آخر، لابد من التوازن.لدع الدع
 في الدين كلية معرفية وكلية سلوكية وكلية جمالية، لابد من عقيدة صحيحة هي الأصل، ولابد من سلوك منضبط، ولابد من اتصال بالله، هذا هو التوازن، ولابد من أن تعرف أصول الدين قبل أن ترد على خصوم المسلمين. أكثر الناس الآن منشغلون بالخلافيات التي يسمعونها في الحواريات في المحطات، وينسون أصل الدين، هذا انحراف أراده الشيطان من أجل أن يشغلنا عن حقيقة هذا الدين.

5 ـ التسويف والتأجيل وطول الأمل :

 أيها الأخوة الكرام، هذا مدخل ثانٍ من مداخل الشيطان، المدخل الثالث هو التسويف والتأجيل وطول الأمل؛ بعد أن أنتهي من الدراسة أتوب إلى الله، بعد أن أعين في وظيفة أتوب إلى الله، بعد أن أحج إلى بيت الله الحرام أتوب إلى الله، بعد أن أتزوج أتوب إلى الله، هذا التسويف من فعل الشيطان. كم عازم على الجد سوَّفه، وكم فاعل إلى فضيلة ثبطه، وكم من عابد زهده في عبادته، التسويف.

6 ـ الغرور :

 شيء آخر: أحياناً يوقعك الغرور بالكمال الزائف أنك أنت إنسان متميز لك علم لا يعرفه الآخرون، ولك استقامة لا يطمع إليها الطامعون، هذا الوهم بأنه على كمال عالٍ جداً هو حجاب بينه وبين الله، من فعل الشيطان، أوقعه بالغرور، فالكمال الزائف أحد مداخل الشيطان على الصالحين.
 النظرة إلى الذات أيها الأخوة مدخل آخر، إما أن يوقعه بالغرور وإما أن يوقعه بازدراء نفسه، دائماً نحن مالنا أهل، نحن عبيد إحسان لسنا عبيد امتحان، نحن ذنوبنا كثيرة غفر الله لنا وسامحنا، دائماً منهار داخلياً، الشيطان يضعضع ثقته بنفسه، نفسك مطية فارفق بها. أو يوهمه أنه في مستوى رفيع الناس لا يطمحون إلى هذا المستوى.

7 ـ التشكيك :

 أيها الأخوة الكرام، مدخل سابع من مداخل الشيطان على الصالحين التشكيك، فالمستقيم قد يشك بنفسه، قد يحمله الشك على ترك العبادة، وهذا من مداخل الشيطان، أن الجماعة ما وافقت طاعة الله عز وجل، فإذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد، وإن كنت وحدك على حق فأنت جماعة، إذا كنت وحدك على حق فأنت الجماعة، الجماعة ما كانت على الحق، أما أن تقول: الناس كلهم هكذا.. الآن أكبر حجة للمتفلتين: كل الناس على خطأ وأنت على صواب، الله عز وجل قال:

﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾

[سورة الأنعام: 116]

 كل الناس على خطأ وأنت على صواب، كل الناس على انحراف وأنت على استقامة، هذا من التشكيك والتشكيك باب من أبواب الشيطان.
 يا أيها الأخوة الكرام، راجع نفسك، واتهم نفسك، أما إذا كانت هذه المراجعة وهذا الاتهام يحملانك على ترك طاعة فترك الطاعة من الشيطان؛ أنا لا أصلي خوف أن يقول الناس عني: مرائي. أحد التابعين يقول: إذا أتاك الشيطان وأنت تصلي فقال إنك ترائي فزد الصلاة طولاً، إياك أن تجعل من مراجعة نفسك ومن خوف الرياء سبيلاً إلى ترك العمل الصالح، فهذا من الشيطان.

 

8 ـ التخويف :

 والمدخل الثامن والأخير أيها الأخوة هو التخويف، قال تعالى:

﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[سورة آل عمران: 175]

 يلقي في قلبك أنك إذا صليت هناك مشكلة، أنك إذا دخلت المسجد هناك مشكلة، أنك إذا حضرت هذا الدرس هناك مشكلة، هذا من الشيطان:

﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾

[سورة آل عمران: 175]

 الإله الواحد الأحد الفرد الصمد هو الذي تولى أن يدافع عنك، هو الذي تولى أن يكون ولياً لك، قال تعالى:

﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

[سورة البقرة: 257]

 أو يعدكم الفقر، إن أردت أن تنفق مالك، يعد الشيطان أولياءه بالفقر الآية الكريمة:

﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾

[سورة البقرة: 268]

 الرد على هذين التخويفين:

﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ﴾

[سورة الطلاق: 2-3]

 أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحبة السوداء :

 أيها الأخوة الكرام، أحد وجوه الإعجاز في القرآن الكريم ما يُسمى بالسبق العلمي ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ فَإِنَّ فِيهَا شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السَّامَ وَالسَّامُ))

[متفق عليه عن أبي هريرة]

 حديث صحيح من قول النبي عليه الصلاة والسلام، والنبي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، كيف فسره العلماء السابقون؟ جاء في فتح الباري من كل داء، قال: هو من العام الذي يراد به الخاص، أي ليس معقولاً أن الحبة السوداء تشفي من كل الأمراض، و العسل لا يرقى إلى هذا؟ قال تعالى: فيه شفاء للناس، و لم يقل: فيه الشفاء للناس، مع أنه نص قرآني، فكيف يشرح شراح الحديث:

((عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ فَإِنَّ فِيهَا شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السَّامَ وَالسَّامُ))

[متفق عليه عن أبي هريرة]

 في فتح الباري قال: من كل داء هو من العام الذي يراد به الخاص أي من بعض الأمراض. ابن العربي قال: العسل أقرب إلى أن يكون دواءً من كل داء من الحبة السوداء التي فيها شفاء للناس، شيء محير. إلى أن جاء عالمان كبيران من علماء الطب يدرسان أو يعملان في أرقى جامعات العالم، هذان وجدا في الحبة السوداء ما يقوي الجهاز المناعي في الإنسان، والجهاز المناعي متعلق بكل الأمراض، ولاسيما الجرثومية و السرطانية، فكلما قوي الجهاز المناعي قويت قدرة الإنسان على مكافحة الإمراض التي أساسها جرثومي، والأمراض التي أساسها مناعي.
 قال: هذان الطبيبان توصلا عن طريق المخبر إلى أن استعمال واحد غرام من الحبة السوداء مرتين يومياً لمدة أربعة أسابيع، هذه الكمية تؤدي إلى زيادة فاعلية الخلايا اللمفاوية خمسة وخمسين بالمئة.. الخلايا اللمفاوية فيها خلايا مصنعة للسم الخلوي- المصل المضاد- فالخلية اللمفاوية حينما يأكل الإنسان غراماً واحداً من حبة البركة في اليوم مرتين لمدة أربعة أسابيع الخلايا اللمفاوية المكلفة بتصنيع المصل المضاد السلاح الجرثومي، هذه تزداد فعاليتها خمسة وخمسين بالمئة زيادة. وأما الخلايا المقاتلة التي مهمتها قتل الجراثيم عند تناول هذه الكمية من الحبة السوداء تزداد فعاليتها بأربعة وسبعين بالمئة من طاقتها الأساسية.
 لذلك لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى..
 ثلاثة أنا فيهن رجل وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس، من هذه الثلاثة ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى.

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك. اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين.
 اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً، وسائر بلاد المسلمين. اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء.
 اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور