- ندوات إذاعية
- /
- ٠07ندوات مختلفة - إذاعة دمشق
مقدمة :
الأستاذ مخلص:
أعزائي المستمعين أسعد الله أوقاتكم، والسلام عليكم ورحمة الله، نحييكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامج: "معجزات كونية"، كما نرحب بضيفنا الكريم فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي.
دكتور راتب، التفكر في خلق السماوات والأرض، والنظر في هذا الكون المترامي الأطراف بكل أجرامه، وكواكبه، ومجراته، وسماواته، مطلوب لكل إنسان عاقل يريد أن يصل إلى الحقيقة المطلقة، إلى خالق هذا الكون، لأن المخلوق يدل على الخالق، والمصنوع يدل على الصانع، وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده أن يتفكروا في خلق السماوات والأرض في قوله:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
إذاً التفكر والتذكر ضروريان لكل إنسان عاقل يريد أن يصل إلى الله عز وجل عن طريق العلم والتفكر.
هل لك دكتور أن تحدثنا عن فضيلة التفكر والنظر الذي يجب أن يتحلى به الإنسان المؤمن؟.
فضيلة التفكر :
الدكتور راتب:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والسلام والصلاة على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أستاذ مخلص جزاك الله خيراً على هذا السؤال، في صحيح ابن حبان عن عطاء أن عائشة رضي الله عنها قال: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( قال: يا عائشة ذريني أتعبد لربي عز وجل؟ قلت: والله إني لأحب قربك وأحب ما يسرك، قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي، قالت: فلم يزل يبكي حتى بل حجره، قالت وكان جالساً فلم يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بل لحيته، قالت: ثم بكى حتى بل الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال عليه الصلاة والسلام: أفلا أكون عبداً شكوراً لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها))
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
هذه مناسبة نزول هذه الآية.
التفكر ساعة خير من قيام ليلة :
ثم قال عليه الصلاة والسلام:
((ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها))
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((وأن يكون صَمْتي فِكْراً، ونُطْقِي ذِكْراً، ونظري عبرة))
وقد ورد في صحيح مسلم أن التفكر ساعة خير من قيام ليلة، وقد قال الإمام الحسن البصري -رحمه الله تعالى-: من لم يكن كلامه حكمة فهو لغوٌ، ومن لم يكن سكوته سهوٌ فهو تفكرٌ، ومن لم يكن نظره عبرة فهو لغوٌ، الحق جل جلاله الذي:
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾
يقول:
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾
الحق هو القرار والثبات، والسمو والعلو، ونقيضه الباطل، وهو الزوال والزهوق، والتردي والعبث،
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾
، فأين هي آيات الله في الآفاق؟
آيات الله في الآفاق :
ورد أن عدد نجوم السماء بعدد ما في الأرض من مذر وحجر، أي بعدد ذرات التراب والحجارة، فعلماء الفلك في الماضي كانوا يعدون النجوم بالألوف، وبعد أن ارتقت كفاءة مراصدهم، صاروا يعدونها بالملايين، ثم وصلوا إلى المليارات أي ألوف الملايين، أما اليوم فإنهم يقدرون عدد النجوم في مجرتنا درب التبابنة من خلال المراصد العملاقة بثلاثين ملياراً من النجوم، علماً بأن مجرتنا مجرة متوسطة في حجمها، وهي واحدة من عشرات ألوف الملايين من المجرات التي لا يعلم عددها إلا الله، لقد صدق الله العظيم إذ يقول:
﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا ﴾
هذا عن عدد النجوم، فماذا عن حجومها؟ إذا علمنا أن حجم الأرض مليون مليون كيلومتر مكعب، وأن الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، وأن المسافة بينهما مئة و ستة و خمسون مليون كيلومتر، وأن نجماً من النجوم في برج العقرب اسمه قلب العقرب، نجم يبدو صغيراً أحمر اللون يتسع هذا النجم للأرض والشمس مع المسافة بينهما، وأن نجماً آخر اسمه منكب الجوزاء يزيد حجمه عن حجم الشمس بمئة مليون مرة، لقد صدق الله العظيم إذ يقول:
﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾
هذا عن أعدادها وأحجامها، فماذا عن المسافة التي بينها؟ إن ما بينها من مسافات تقدر بالسنين الضوئية، ذلك أن الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلومتر، إذاً هو يقطع في السنة عشرة آلاف مليار من الكيلومترات، لقد صدق الله العظيم إذ يقول:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ *وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
بل ما القول في مجرة اكتشفت حديثاً تبعد عنا عشرين مليار سنة ضوئية؟
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾
هذا أيها الأخوة، ولم نتحدث عن حركات النجوم، وعن سرعاتها العالية، ولا عن مداراتها الواسعة، ولا عن شدتها، ولا عن قوة إضاءتها، ولا عن قوة التجاذب فيما بينها، ولا عن توازنها الحركي، وما تفعل هذه الدقائق في مثل هذا الموضوع الكبير، على كلٍّ فالعجز عن الإدراك إدراك، كما قال سيدنا الصديق رضي الله عنه.
خاتمة و توديع :
الأستاذ مخلص:
أيها الأخوة الكرام، في ختام هذا اللقاء الطيب يقول الله عز وجل:
﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾
وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته