- ندوات إذاعية
- /
- ٠07ندوات مختلفة - إذاعة دمشق
الفرق الحقيقي بين التوكل والتواكل :
مستمعي الأعزاء ، أهلاً ومرحباً بكم بحلقة جديدة من برنامج الإسلام والحياة .
ضيف حلقة اليوم , الأستاذ محمد راتب النابلسي , الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق ، وخطيب مسجد عبد الغني النابلسي .
الموضوع الذي سنتناوله اليوم بإذن الله ؛ هو موضوع التوكل والفارق بينه وبين التواكل ، علماً بأن هناك شبهةً قد يعرض لها بعضهم من خلال أن التوكل لا حاجة لنا به إذا قدمنا الأسباب كاملةً علماً بأن الإنسان كثيراً ما يقدم الأسباب كاملةً ، ومدروسة ، وبعد ذلك يخطئ ، ويعلم أنه قد أخطئ ، إذاً لابد من التوكل ، ومن ناحية ثانية يجب أن يبتعد عن التواكل .
ضمن هذا المفهوم ، يسيء بعض الناس مفهوم التوكل فيسوقهم هذا المفهوم الخاطئ إلى السلبية ، وإلى عدم الأخذ بالأسباب .
ما رأيكم أن نتناول هذا الموضوع بداية ؟
موضوع التوكل ، موضوع مهم جداً في حياة المؤمن ، لأنه من لوازم إيمانه بالله تعالى ، بل هو ثمرة من ثمار إيمانه بالله تعالى , ولابد قبل الحديث عن التوكل من أن نمهد له بموضوع يعد أساساً له وهو أن الله جل جلاله ، خلق الكون بسماواته وأرضه ، وخلق العوالم وعلى رأسها الإنسان وفق أنظمة بالغة الدقة .
ومن أبرز هذه الأنظمة ، نظام السببية ، وفي تعريف السببية تلازم شيئين حدوثاً وعدماً ، أحدهما قبل الآخر ، فنسمي الأول سبباً ونسمي الثاني نتيجة .
لكن مما يكمل هذا النظام ، أن العقل البشري يقوم في تركيبه على مبدأ السببية ؛ أي أن العقل لا يفهم حدثاً من دون محدث ، ومن رحمة الله بنا ، أن هذا النظام في الكون ، وذاك المبدأ في العقل يقودنا برفق إلى معرفة الله مسبب الأسباب .
الأقدام تدل على المسير ، والماء يدل على الغدير ، فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، ألا تدلان على الحكيم الخبير ؟
ومن رحمة الله بنا ثانية , أن تلازم الأسباب مع النتائج يضفي على الكون طابع الثبات ويمهد الطريق لاكتشاف القوانين ، ويعطي الأشياء خصائصها الثابتة ليسهل التعامل معها ، ولو لم تكن النتائج بقدر الأسباب ، لأخذ الكون طابع العبثية ، ولتاه الإنسان في سبيل المعرفة ، ولم ينتفع بعقله .
والآن إلى موضوع التوكل :
سؤال ؟
إذا كان الأمر كذلك ، فما هي حقيقة التوكل ؟ وما هي مجالاته المشروعة ؟
أستاذ عدنان
التوكل مكانه قلب المؤمن ، وأما الأخذ بالأسباب فمكانه الجوارح والأعضاء ، فإذا تركنا الأخذ بالأسباب ، توكلاً على الله ، وقعنا في مرض خطير ؛ هو سبب تخلف المسلمين ، وقد يطلق على هذه الحالة المرضية الخطيرة التي تصيب المسلمين بالشلل يطلق على هذه الحالة بالتواكل ، وهو نقيض التوكل ، أراد الله أن توكل ، لكن لم يرد بنا أن نتواكل .
فمن أخذ بالأسباب , واعتمد عليها فقد حبط عمله ، وسلك طريقاً لا يصل به إلى الله عز وجل .
لذلك يتفضل الله على هذا الإنسان فيؤدبه ، كيف يأدبه بتعطيل فاعلية الأسباب التي اعتمد عليها ، فيفاجأ هذا الإنسان بنتائج غير متوقعة ، لكن في حالة أخرى ، من ترك الأخذ بالأسباب متوكلاً في زعمه على الله ، فقد عصى ، فقد عصى ربه ، لأنه لم يعبأ بهذا النظام ، الذي ينتظم الكون ، ولأنه طمع بغير حق ، أن يخرق الله له هذه السنن .
قال عمر رضي الله عنه : المتوكل من ألقى حبةً في الأرض ثم توكل على الله .
سؤال ؟
طيب إذا أخطأنا فهم حقيقة التوكل ، فانزلقنا إلى أن يحبط عملنا أو إلى معصية ، من خلال ترك الأسباب ، فما الذي يحدث ؟
الأستاذ :
الحقيقة هذا يقودنا إلى رأي علماء التوحيد في هذا الموضوع علماء التوحيد يرون ، أن السبب لا يعد كافياً لخلق النتيجة ، فالنار لا تحرق بذاتها ، بل عند مشيئة الله لها أن تحرق ، واستنبط العلماء هذه الحقيقة من أدلة نقلية , وعقلية , وواقعية ، وعبروا عنها اختصاراً عندها لا بها ؛ أي أن النار لا تحرق بقوة الإحراق الذاتية التي أودعت فيها فيما يبدو، بل بمشيئة الله تعالى لها أن تحرق فلكي لا نتوهم أن الأسباب وحدها تخلق النتائج ، فنتجه إليها ، ونعتمد عليها ، من دون الله ، لأن علة وجودنا أن نؤمن بالله ، وأن توجه إليه ، وأن نعتمد عليه لنسعد به .
لذلك من تربية الله لنا ، ومن رحمته بنا ، ومن تأديبه لنا أنه يخرق لنا أحياناً هذه القاعدة ، وقاية لنا من الشرك ، وترسيخاً للتوحيد عندئذٍ تعطل الأسباب ، كما وقع لسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام حينما ألقي في النار.
﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾
وأحياناً يوجد السبب ولا تتحقق النتيجة ، وأحياناً توجد النتيجة من دون سبب ، أو من دون سبب كاف .
قال تعالى ، وقد حدثنا عن سيدنا عيس عليه الصلاة والسلام :
﴿ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾
وباختصار التوكل درب ضيق عن يمينه وعن شماله واديان فمن أخذ بالأسباب ، واعتمد عليها ، فقد انزلق إلى إحباط العمل ، ومن لم يأخذ بها فقد انزلق إلى معصية الله ، لكن الموقف الدقيق الذي أراده الله عز وجل ، أن نأخذ بالأسباب من دون أن نعتمد عليها ، وأن توكل على مسبب الأسباب رب العالمين .
هذه حقيقة التوكل التي أرادها الله عز وجل ، وقد ورد التوكل في آيات كثيرة ، فقال تعالى:
﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ * وَقَالَ ﴾
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله .
سؤال:
يعني هنا يحضروني بعض الأمثلة ، حتى فيما يمكن أن يقال في قمة الاختراعات والتصنيع ، مثلاً لكل عام نجد في السيارات طرازاً جديداً يختلف عما سبقه ، عندما صممت السيارة درست من قبل مهندسين ، درست من قبل أخصائيين ، من كل النواحي ، وصنعت بعد ذلك السيارة ، في العام التالي نجد تعديلاً فيها ، ترى ألم يأخذوا بالأسباب من قبل ؟ أخذوا بالأسباب ، طيب لماذا جاء هذا التعديل إن كانت الأسباب تودي إلى الصحة المتكاملة باستمرار ؟ لاشك أن الإنسان وعقله ، عاجز عن تأدية الكمال ، هنا دور الإيمان ، أن الإنسان يؤدي الأسباب كاملة ، وبعد ذلك يلتجئ إلى الله تعالى أن يارب إني قد أديت ما عليّ وبعد ذلك أتوكل عليك .
الأستاذ:
الحقيقة هذا الطرح الذي طرحتموه دقيق جداً ، لأن خبرة الإنسان مكتسبة ، خبرته حديثة ، محدثة ، لكن خبرة الله قديمة ، فلم يطرأ أي تعديل على خلقة الله عز وجل ، لأن كماله مطلق ، وخبرته قديمة ، أما الإنسان بحكم ضعفه .
قال تعالى :
﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً ﴾
فخبرته يكتسبها شيئاً فشيئاً ، فهذا لا يمنع أن نأخذ بالأسباب دائماً ، وكلما واجهتنا مشكلة نبحث عن أسبابها ، ونغطي هذا السبب بعلاج ناجح ، ونافع .
السائل:
هو التوكل .
الأستاذ:
هو التوكل .
في نهاية هذا اللقاء نشكر الأستاذ محمد راتب النابلسي ، الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق ، وخطيب مسجد عبد الغني النابلسي .