الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد، الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الثامن عشر من دروس سورة آل عمران، ومع الآية السادسة والخمسين، وهي قوله تعالى:
﴿ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمۡ عَذَابًا شَدِيدًا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ (56)﴾
فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِين
1 ـ المعادي للحق له عذاب شديد في الدنيا والآخرة:
﴿فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ﴾ ﴿عَذَابًا شَدِيدًا﴾ ، مَن هذا الإنسان الذي يضع نفسه في موضع يعادي الحق فيه، يتمنى أن يُطفئ نور الله عز وجل، من هو الطرف الآخر؟ هل من الممكن في عالمنا المادي لإنسان ضعيف أن يتصدى لأقوى قوة في الأرض؟ هذا يعني أن هناك خللاً في عقله.
هناك موازين قوى، فإنسان ضعيف جداً لا يمكن أن يتحدى، ويتصدى لأقوى قوة في الأرض، أما أن يتحدى الإنسان خالق الكون، أن يضع نفسه في خندق معادٍ له، فلذلك من هم أشقى الناس على الإطلاق؟ هم الذين وقفوا في خندق معاد للحق، ومن هم أسعد الناس على الإطلاق؟ الذين كانوا جنوداً للحق، فأعظم شرف يناله إنسان أن يكون جندياً للحق، أن يكون علمه وماله وخبرته في خدمة الحق قال تعالى:
﴿ وَٱبْتَغِ فِيمَآ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِى ٱلْأَرْضِ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ(77)﴾
وقال:
﴿ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَيُوَفِّيهِمۡ أُجُورَهُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ (57)﴾
2 ـ العاقل يختار السعادة الأبدية:
أحياناً الإنسان يقع في حيرة بين شيئين متقاربين، لكن بين هلاك وسعادة، بين شقاء وسعادة، بين موت وحياة، بين غنى وفقر، بين عز وذل، هذه أشياء متناقضة، فالخيار بينها مستحيل، هل يختار أحدنا الشقاء في الدنيا والآخرة على نعيم الدنيا والآخرة، قال تعالى:
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ(46)﴾
قُلْ متاع الدنيا قليل، وقال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ(38)﴾
كلام خالق الكون، وقال تعالى: ﴿فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمۡ عَذَابًا شَدِيدًا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ﴾ إذا شاء الله شيئاً فعله، كل شيء شاءه الله كان، وكل شيء كان شاءه الله.
3 ـ لا أحد ينصر من أذلّه الله وأهلكه:
(وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ﴾ أي أن الله عز وجل حينما يبطش لا أحد يمكنه أن يتحرك أبداً، قال تعالى:
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُۥ مَن فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ(18)﴾
والقاعدة أن الله إذا بطش بإنسان فإن أقرب الناس إليه يتخلى عنه، وأن الله إذا رحمك يُسَخِّر لك أعداءك يخدمونك، هذا ما كنت أقوله دائماً، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان الله عليك فمن معك.
من هو أسعد الناس؟ الذي يمشي برضاء الله، القضية بسيطة، كل هؤلاء عباد الله.
مرة ذكرت لإنسان بموقع حسّاس قلت له: الله عز وجل عنده سرطان في أي مكان في الجسم، هناك في الدماغ، في الدم، في العظم، في الجهاز الهضمي، وعنده خثرة بالدماغ، ممكن أن تسبب الشلل بمكان، وممكن أن يفقد ذاكرته، أو يفقد بصره، هناك أيضاً التهاب كبد مميت، وتشمّع كبد، وفشل كلوي، وكلُّ مرضٍ يجعل حياة الإنسان جحيماً لا يُطاق، وكل هؤلاء الناس عباده، وقبل أن تتخذ شيئاً بحق هؤلاء العباد هيِّئ جواباً لخالقهم، لِمَ فعلت كذا؟
أيها الإخوة، أشقى الناس قاطبةً الذي كان في خندق معادٍ للحق.
﴿ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمۡ عَذَابًا شَدِيدًا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ(56) وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَيُوَفِّيهِمۡ أُجُورَهُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ(57) ذَٰلِكَ نَتۡلُوهُ عَلَيۡكَ مِنَ ٱلۡأٓيَٰتِ وَٱلذِّكۡرِ ٱلۡحَكِيمِ (58)إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ (59)﴾
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنْ الْمُمْتَرِين
قال تعالى:
﴿ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنْ الْمُمْتَرِينَ(60)﴾
1 ـ الحق شيء ثابت ، والباطل زائل:
الحق هو الشيء الثابت، الشيء الذي لا يتبدل ولا يتغير، حقَّ الشيء أي استقر، قد تبني حائطاً وفق الأصول، وفق الشاقول، هذا الحائط بُني ليبقى، أما إذا بنيت حائطاً على خلاف الأصول، هذا الحائط لا بد أن يقع، عندنا قاعدة تقول: الباطل زاهق، قال تعالى:
﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)﴾
صيغة مبالغة، وصيغ المبالغة تعني شيئين، تعني الكم، وتعني النوع، أي مليار باطل في الأرض سوف ينتهي إلى زوال، كم فرقة ضالَّة نشأت في الألف سنة الماضية، أين هي الآن؟ كم إنسان أراد إلغاء الدين، أين هو الآن؟ قال تعالى: ﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ أكبر قلعة من قلاع إنكار الإله تهاوَت كبيت العنكبوت، ذاتياً، من دون حرب مُعلنة، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ مهما كان الباطل متعدداً فهو زاهق، وزهوق، ومهما كان الباطل كبيراً فهو زاهق وزهوق، من هم أشقى الناس؟ الذين تصدوا للحق، وكانوا من حزب الشيطان، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَيُوَفِّيهِمۡ أُجُورَهُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ .
2 ـ أهل الباطل لا ينفعهم شيء من عملهم مهما عظُم:
هؤلاء الذين نصروا رسول الله أين هم الآن؟ في أعلى عليين، ألا تذهب أنت إلى العُمرة وتقف أمام سيدنا الصدِّيق متأدباً وتُسَلم عليه، نصر الحق، وهذا الذي حارب النبي أين هو الآن؟ سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ اللَّيْلِ بِبِئْرِ بَدْرٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا يُنَادِي:
(( يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ ، وَيَا شَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ ، وَيَا عُتْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ ، وَيَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ؟ فَإِنِّي وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا. ))
فهؤلاء كذبوه وقد صدقه الناس، وآذوه وقد نصره الناس.
أيها الإخوة، أسعد الناس على الإطلاق من كان في خدمة الحق، من وظَّف طاقاته، وإمكاناته، وقدراته، وعلمه، وماله في سبيل الحق، فهناك إنجازات حضارية مذهلة، جسور عملاقة، أبنية شامخة، أهرامات، آثار، الأقوام السابقة مُكِّنوا ما لم نُمَكَّن مثلهم، ومع ذلك أهلكهم الله، قد تجد إنجازات حضارية كبيرة جداً، فقد يُقال لك: هذا أكبر مرصد في العالم، هذا إنجاز حضاري، هذا أطول جسر في العالم، وتجد نفقًا تحت البحر بين بريطانيا وفرنسا، قال تعالى:
﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا(23)﴾
هناك إنجازات حضارية لا تُصدَّق، أن تضع ألفاً ومئتي كتاب في قرص واحد، وأحد الكتب خمسون جزءاً، وبإمكانك أن تقرأها حرفاً حَرفاً في ثوانٍ معدودة، هذا الشيء لو أنّ واحداً من الأجداد سمع بهذا الخبر لاتَّهمنا بالجنون، ألف ومئتا مجلد في قرص واحد، بأجمل خط، والخط مضبوط بالشكل، ولك أن تبحث بمئة طريقة، وهذا البرنامج يقرؤها كلها لك، وفي بضع ثوان تأتيك النتائج، هذا الشيء إنجاز كبير جداً، أن يركب أربعمائة راكب في الجو بسرعة ألف كيلو متر، يأكلون، ويشربون، وينامون، ويسمرون، هذا إنجاز كبير، المراكب الفضائية إنجاز كبير، قال تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾ ما الذي يبقى؟ يبقى عمل أُرِيد به وجه الله، قال تعالى:
﴿ وَلَا تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ ۘ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُۥ ۚ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(88)﴾
أي ما ابْتُغِي به وجه الله.
3 ـ حقائق القرآن لا تُنقَض:
أيها الإخوة: قال تعالى : ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ أي الحقيقة الثابتة المستقرة التي لا يمكن أن تُنْقض، ولا أن تُخَطَّأ على الإطلاق، هو ما جاء من عند الله، أي أن الله عز وجل قال في هذا القرآن: إن البشر بدؤوا بآدم، لو جاءت مليار نظرية تثبت العكس فهي باطلة، وتحت الأقدام، أجمل شيء عند المؤمن أن عنده منهجاً، وكتاباً من عند الخالق، فأيّ كلام، أي سَبْق علمي، أي تطاول على الحق محكوم عليه بالإخفاق.
كنت في بلد سُئِلت عن الاستنساخ فقلت: إن التصميم الإلهي هو الكمال المطلق، وأيّ تعديل لهذا التصميم يكون نحو الأسوأ، وقد ورد هذا في القرآن الكريم في قوله تعالى:
﴿ وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلْأَنْعَٰمِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَٰنَ وَلِيًّا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا(119)﴾
وإن هذا الاستنساخ لا يؤكد الحقيقة العلمية، بل يؤكد غرور الإنسان، هناك عملية حق وباطل، فالباطل يريد أن يتحدى خالق الكون، لكنّ الله يسمح له إلى حين ليَثْبُتَ لمن حوله أنّ حكمة الله لا تعدلها حكمة، قال تعالى: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ الحقيقة الصارخة، الحق الصُّرَاح ما كان من الله عز وجل، فالمؤمن مرتاح، أي شيء يقرؤه أو يستمع إليه إذا كان موافقاً للكتاب والسُّنة فهو على العين والرأس، أما إذا كان مخالفاُ للكتاب والسُّنة فينبغي أن يُركَل بالأقدام، لأن الحق من الله.
مثلاً: الله عز وجل قال:
﴿ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلَّا ٱللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(65)﴾
أنا في هذه الآية أردُّ مليون قصة، مليون خرافة، الغيب لا يعلمه إلا الله، هناك ادِّعاءات، هناك تخرُّصات، هناك ضلالات كلها مردودة، كل إنسان يدَّعي أنه يعلم السر وأخفى، قل له أنت كاذب، الله وحده يعلم السر وأخفى، الله عز وجل ستر العباد، لا يستطيع أحد أن يطَّلع على خبيئة أحد أبداً، فأنت عندك آيات، كل شيء تقرؤه أو تستمع إليه مخالف لهذه الآيات اركله بقدمك، ولن يقف على قدميه، قال تعالى: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنْ الْمُمْتَرِينَ﴾ .
الآن أيها الإخوة، عندنا آية اسمها آية المباهلة، قال تعالى:
﴿ فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ (61)﴾
1 ـ دعوة لمن النبي من حاجّه في عيسى إلى المباهلة:
وهنا كلمة ﴿فِيهِ﴾ تعود على السيد المسيح، ﴿مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ﴾ أي بعد أن أخبرك الله عن حقيقة هذا النبي الكريم، وعن أنه لم يُقتَل، وأن الله رفعه إليه، قال تعالى: ﴿فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ﴾ .
2 ـ المُنْتَفِع والقوي والغبي لا يُناقَشون أبداً:
أحياناً تُدلي بحجة قوية، لكن الطرف الآخر يعاند، ويكابر، ويركب رأسه، فإذا كان هناك مقاييس مشتركة، ورغبة في التفهّم، فالمناقشة والحوار يفيدان، لكن إذا كان هناك مصالح تتعطل بهذا الحق، فتصير مكابرة هنا، فأولاً المُنتَفِع لا يُنَاقَش، لأنه منتفع، وكل إنسان منتفع بالكفر لا يُناقَش أبداً، مستحيل أن يقتنع معك، وكنت أضرب على هذا مثلاً، إنسان فقير جداً يعمل عتالاً على دابة، هذه الدابّة ماتت، دفنها، ولمعت في ذهنه فكرة رائعة؛ أن يبني فوق هذه الدابة التي دفنها غرفة، يضع لها قبة خضراء، ويَصِفُها بأنها وَلِيٌّ من أولياء الله، ويأتي الناس السُذَّج المغفلون يتقربون بالذبائح والهدايا لصاحب هذا المقام، هذا الرجل صار غنياً كبيراً، هل من قوة في الأرض يمكن أن تُقنعه أنّ الذي دُفن هنا هو دابة، هو قناعته أشد من أن تناقشه، لأنه دفنه بيده، لكن لأنه منتَفِع، فالمنتَفِع لا يُنَاقَش، لا يقتنع معك، المُنْتَفِع والقوي والغبي هؤلاء لا يُناقشون أبداً، فحينما يكون الحوار مسدوداً، أتيته بحجة فرفضها، هناك دليل عقلي رفضه، دليل نصي رفضه، دليل فطري رفضه، وواقعي، ونفسي، رفض كل هذا، يقول أحد العلماء: "ما ناقشني جاهل إلا غلبني، ولا ناقشت عالماً إلا غلبته" ، فالجاهل ليس لديه مقاييس مشتركة.
3 ـ المباهلة بأغلى ما عند الإنسان:
قال تعالى: ﴿فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ﴾ هذا هو الحق الذي أخبر الله به قال تعالى: ﴿فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ﴾ الابن غال جداً على أبيه، ﴿وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ﴾ أي من يلوذ بنا، فالإنسان أقرب الناس له أولاده، وزوجته، وإخوته، وأخواته، هؤلاء يلوذون به، وهم أثيرون عنده، قال تعالى: ﴿فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ﴾ .
الله ينتقم من الظالم:
حدثني أخ طبيب -عافاه الله- فقال: جاءني مريض، ومعه زوجته مصابة بمرض خبيث في صدرها، وانتشر انتشاراً كبيراً، فقال لي: من شدة ألمي وغَيرتي على مرضاي وبَّختُ الزوج، وقلت له: لماذا تأخرت بالمجيء إلي؟ هذا الورم في بدايته يُستأصَل، يُعالَج بالأشعة، بالأدوية الكيماوية، أما بعد أن تفاقم، وانتشر في معظم الصدر فلا يوجد أي حل له، قال لي: وبخته توبيخاً شديداً بيني وبينه، فقال لي: أنا لم أُهمل، أنا كنت عند فلان منذ سنتين، ولم يقُل لي بأنه ورم خبيث، قال لي: هو التهاب، وأعطاني أدوية كورتيزون، ومُسَكِّنات طوال هذه المدة، فقال لي هذا الطبيب الجرَّاح: إن طالب طبٍّ يعرف أنّ هذا المرض هو ورم خبيث، لكن لو قال له: مرض خبيث لانصرف عنه، لكنه أبقاه عنده سنتين ليأخذ من ماله، قال لي: عندما سمع الزوج هذا الكلام صُعِق، وقع على الأرض، وخاطب الله، قال له: يا رب إذا كنت موجوداً فانتقم منه، ربط انتقام الله بوجوده، والله حدّثني هذا الطبيب حديثاً يُبكي، قال لي: بعد أحد عشر شهراً جاءني شاب، لكنه متهالك، جلس على الكرسي الذي جلس عليه زوج المريضة، -بالمناسبة لقد توفيت بعد ستة أيام- قال له: أنا زميلك فلان، ومعي مرض في صدري، كان هو الطبيب نفسه الذي أبقاه عنده سنتين يغشّه، ابتلاه الله بالمرض نفسه، فعندما يكون الإنسان معه حُجة قوية، ويتفلسف على الناس، وإن الله عز وجل له رد.
أحياناً يكون هناك زوجان؛ أحدهما ظالم، والآخر مظلوم، فعندما يتدخل ربنا يَقْصِم الظالم، أحياناً شريكان، أحدهما مظلوم، فيتدخل الله عز وجل، ويقصِم الظالم، فإذا كان الشخص الآخر متفلسفاً، متحذلقاً، دجّالاً، نصّابًا، وقويًّا أكثر منك، ولا سبيل لإقناعه، كل الطرق مسدودة، قال تعالى: ﴿فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ﴾.
4 ـ المباهلة لا تُستعمَل إلا في الأمور الكبيرة المهمة:
يا رب أنت الحق، فأظهِر الحق، والْعن المُبطِل، قال العلماء: لا يجوز استخدام هذه المباهلة في الأمور التافهة، إلا في أمور كبيرة جداً، عندما يكون طريق التفاهم مسدودًا، ولم يبقَ إلا طريق الدعاء.
﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10)﴾
حينما ترى الطريق مسدوداً إلى إقناع الطرف الآخر برفع الظلم عن الآخرين فقل: يا رب، اهدِه، فإن لم تهدِه فخذه، وغالباً ما يستجيب الله عز وجل، فهذه آخر ورقة رابحة في يد المؤمن، لأن المؤمن يثق بأنه على حق، جاء بأولاده وأهله ومن يلوذ به، وقال: يا رب، دمِّر المُبطل منا هو وأهله.
وهناك قصص لا تُعدُّ ولا تُحصى حول هذا الموضوع، يمكن لإنسان أن يتجاوز حدوده، أن يعتدَّ بقوته وجبروته، يقول: من أشد مني قوة؟ ومع ذلك فالله عز وجل يُمِدّ له الحبل، ويرخيه إلى أن يحين الحين، فإذا هو في قبضة الله عز وجل، فمن هو العاقل؟ هو الذي يخاف الله قبل أن يأتي البطش، من هو الجاهل؟ هو الذي يعرف الله عند البطش.
كان هناك شخص تستخدمه شركات الإعلان للدعاية للدخان، وكان شاباً وسيماً، رشيقاً، يرتدي ثياب الكاوبوي، وكان يُدخن، ويقول: تعالوا إلى حيث النكهة، هذا مات بالسرطان بسبب الدخان، قال وهو على فراش الموت: كنت أكذب عليكم، الدخان قتلني، قال الله عز وجل:
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ(12)﴾
لا أحدَ أشدُّ من الله قوة وبطشًا:
أحياناً إنسان يظلم زوجته، ويظن أنه ما من أشد منه قوةً، فهي مقطوعة لا أهل لها، يبطش الله به بطشاً.
أحياناً إنسان يبطش بشريكه، مرة توفي أب، وترك خمسة أولاد، وأكبر أولاده كان ظالماً، أخذ الثروة كلها، وجعل إخوته فقراء، وما زال الله يدمره حتى عمِل عند أصغر إخوته محاسباً.
لله رد إلهي مخيف، إكرام أو بطش، فأنت تفلسف وتكلم ما شئت، اِئت بالحجج التي تريد، وهي غير صحيحة، لكنّ الله يتولى أن يُعَرِّفَك بالحقيقة، فالعبرة أن ترضي الله عز وجل، لأن الله عز وجل بطشه شديد، وليس معه ذكي أبداً، لا ينفع ذكاؤك عند الله، ويؤتي الحَذِرَ من مأمنه، وكم من إنسان ابتُلي باختصاصه، متخصص بأمراض كذا، يصاب بمرض عُضال في اختصاصه، وهو معتدٌّ بنفسه وبأنه قوي، يقول: هذا اختصاصي، مستحيل أن أخطئ فيما أنا مختص به، يُبْتَلى باختصاصه، قال تعالى: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ هذه هي المباهلة، طريق الحوار مسدود، الخصم متحذلق، قوي، لا يُناقَش، مستعلٍ، متكبر، متغطرس، ليس هناك طريق آخر إلا الدعاء، قال تعالى: ﴿فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ﴾ أحد كبار العلماء أقام مناظرة مع خصوم، وكانوا مبطِلين، فدعاهم إلى بيت الله الحرام، لتكون المباهلة هناك، لم يأتِ أحد من خصومه، خافوا، فإذا قلت لإنسان: شكوتك إلى الله، فالطرف الآخر إن كان يعرف من هو الله ينبغي أن ترتعد فرائصه، كم من إنسان حلف يميناً كاذباً، شُلَّ فوراً، دُمِّر فوراً.
هناك معنىً آخر للمباهلة، معنىً جانبي، أي أنت تعمل عملاً تقول: أنا سألت فلاناً فقال لي: ليس هناك أي شيء، افعله، وعلى مسؤوليتي، أنت لست مقتنعاً بهذه الفتوى، لكنّ هذه الفتوى غطَّت هذا الانحراف، وأخذت هذا المبلغ الحرام، المقياس الدقيق لصحة عملك هو: هل تستطيع بعد هذا المال الحرام الذي أكلته أن تصلي صلاة صحيحة؟ هذا مقياس حساس جداً، هل تستطيع أن تبتهل إلى الله، وأنت على هذا العمل السيِّئ؟ قال تعالى:
﴿ بَلْ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ(15)﴾
وقال:
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8)﴾
إيّاك والظلم ولو كنت مغطًّى بفتوى المفتين
حينما تأخذ ما ليس لك، وأنت مُغطّى قانوناً وشرعاً، قانوناً: هناك مادة تحميك، وشرعاً: معك فتوى، وصفت صفة غير صحيحة لشيخ، أفتى لك، والفتوى على قَدَر الوصف، فأنت أكلت المال الحرام مغطى بالنص القانوني، ومعك فتوى من شيخ، وتزهو كالطاووس، فإن الله عز وجل يبطش، إنك تعلم في قرارة نفسك أنك لست على حق، هذا الإحساس الفطري، قال تعالى: ﴿بَلْ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ*وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ وقال: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا﴾ فحينما تفْجُرْ تعرف أنها تَفْجُر.
مرة أُجريت مقابلة بين مفتي في الصرب في البوسنة والهرسك مع مندوب إذاعة، فقال هذا المفتي كلاماً مدهشاً، قال: إخوتُنا في المشرق لا ينبغي أن يعتبوا على الله من أجلنا، نحن لسنا مسلمين، نأكل لحم الخنزير، ونشرب الخمر -يقصد المسلمين المحيطين به- الآن بعد هذه الشِّدة أصبحنا مسلمين، بعد هذه الشِّدة تُبنا إلى الله عز وجل، فالله عز وجل عادل عدلاً مطلقاً، فلا تتهم الله عز وجل، الله عز وجل ألزمَ نفسه بالاستقامة، قال تعالى:
﴿ إِنِّى تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّى وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلَّا هُوَ ءَاخِذٌۢ بِنَاصِيَتِهَآ ۚ إِنَّ رَبِّى عَلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ (56)﴾
الاستقامة تعني العدل، لذلك في الحديث القدسي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:
(( يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ؛ ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ؛ ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يا عِبَادِي، إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ. ))
وقال سبحانه: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ حدثني أخ يركب مع صديق له في طريقهم إلى المطار، يبدو أن صديقه كان جاهلاً وغافلاً، وجد جروًا صغيرًا على طرف الطريق، فأراد أن يمتحن براعته في القيادة، فقصّ يدي الجرو الاثنتين، ببراعة كبيرة جداً، جرو صغير له يدان ممتدتان، وبدقة بالغة يدوس على يديه فقط دون أن يقتله، قال لي: وأطلق ضحكة هستيرية متباهياً بقدرته في القيادة على حساب جرو من مخلوقات الله، أقسم لي بالله العظيم إنه في اليوم التالي من أيام الأسبوع، أي أن الحادث كان يوم السبت، السبت القادم في المكان نفسه إحدى العجلات أصابها خلل، فوقف لرفع المركبة على جهاز، الجهاز كان فيه خلل، فوقعت المركبة فوق العَجَلة والعَجَلة فوق يديه عند الرُسغين، وإلى أن وصل إلى المستشفى اسودَّت يداه، وكان لا بد من قطعهما، وقُطِعت يداه من الرُسغين بعد أسبوع واحد من الذي فعله مع هذا الجرو، قال تعالى: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾ فالإنسان وإن كان مُفلسفاً، متحذلقاً، عنده قوة إقناع، يقلب الحق إلى باطل، الله عز وجل يتدخل، وتَدَخُّلَه إظهار للحق.
نعيد الآية مرة أخرى: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنْ الْمُمْتَرِينَ*فَمَنۡ حَآجَّكَ فِيهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ﴾ .
إن كنت على حق، وبذلت كل جهدك لإقناع الطرف الآخر، استثرت همته ونخوته ومنطقه، أتيته بالحجج والبراهين والأدلة، ثم خوَّفته، فركب رأسه، وتطاول، وازداد انحرافاً وظلماً، عندها ادعُ عليه: اللهم اهده، فإن لم تهدِه فخذه.
المعنى الآخر؛ أنك حينما تفعل شيئاً لا يُرضي الله، وإن كان معك نصوص تغطي هذا الشيء تشعر باضطراب داخلي، ولا تستطيع أن تتصل بالله عَقِب هذا الشيء، والإنسان قد يفعل شيئاً مخيفاً لكنه على الحق، ففرضاً: إنسان يبيع للناس لحمَ حيوان ميتٍ، هذا ممكن، وأنت موظف تموين، إن عاقبته فأنت مُغطَّى من الله عز وجل، لأنه يطعم المسلمين لحمَ حيوان ميتٍ، هنا لا يوجد رحمة، قال تعالى:
﴿ ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِى فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٍۢ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍۢ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ(2)﴾
أنت قد تُسَبب السجن لإنسان، لكنك أدّيت واجبك الوظيفي، ورحمت المسلمين، وهناك حوادث عديدة أن إنساناً يبيع لحم حمير للناس، وإنسان يبيع الدواب الميتة، يبيعها طعاماً للناس، هذا إذا ضُبِط ألا ينبغي أن يُعاقَب أشد العقاب؟ الذي أوقع فيه العقاب هل يخاف أن ينتقم الله منه؟ أبداً، لأنه أقام الحق، ورحم المسلمين، فحينما تكون مع الحق لا تخف، أما حينما تتبلّى إنساناً ظلماً فيجب أن لا تنام الليل خوفاً من الله، قال تعالى:
﴿ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡقَصَصُ ٱلۡحَقُّۚ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّا ٱللَّهُۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ (62)﴾
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَق
1 ـ قصص القرآن حقٌّ لا تشوبه شائبة:
ما في القرآن من قَصَص هو الحق الصِّرف، لأنّ القاصَّ هو خالق الأكوان، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡقَصَصُ ٱلۡحَقُّۚ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّا ٱللَّهُۚ﴾ .
2 ـ الله وحده هو الفعّال المسيِّر المتصرف:
الفعَّال هو الله، المُتصرِّف هو الله، المُسَيِّر هو الله، الذي يرفع ويخفض هو الله، والذي يعطي ويمنع هو الله، الذي يُعز ويُذِل هو الله.
وكما قلت لكم فأنت مُخَيَّر، إن اخترت أن تؤذي المسلمين يأتِ رد الله لك، يأخذ منك اختيارك، إذا أراد الله إنفاذ أمر أخذ من كل ذي لُبٍ لُبَّه، ويوقِعُك في شر عملك، هذا هو رد الله عز وجل، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡقَصَصُ ٱلۡحَقُّۚ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّا ٱللَّهُۚ ﴾ هذا هو التوحيد، الدين كله توحيد، ألّا ترى مع الله أحداً، قال تعالى: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾
3 ـ الله عزيز لا يُنال جانبه ، حكيمٌ حكمة مطلقة:
أي عزيزٌ لا يُنال جانبه، حكيمٌ؛ كل أفعاله متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
متى يكون الإنسان غير حكيم؟ إن وقع تحت ضغط لا يقوَى على دفعه فيرتكب حماقة، ويقول: أنا مُجبر على فعل هذا، أو إذا وقع تحت إغراء يقول: والله غلبتني شهوتي، إما أن يقع تحت ضغط لا يُحتمَل فيرتكب حماقة، أو تحت إغراء لا يُحتمَل فيرتكب حماقة أخرى، أو أن يكون جاهلاً فيرتكب حماقة أيضاً، إن كان جاهلاً، أو واقعاً تحت ضغط أو تحت إغراء يكون غير حكيم، هل يمكن أن تكون هذه الحالات الثلاث متناسبة مع كمال الله؟ مستحيل، إذاً: حكمته مطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق، كل شيء أراده الله وقع، وكل شيء وقع أراده الله، وإرادته متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق، هذا معنى قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ وتابع قوله تعالى:
﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ(63)﴾
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ
ما أروع هذه الآية! ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ أي تولَّوا عن الحق، وأداروا ظهرهم له، رفضوه، ردُّوه، لِمَ لَمْ يقل الله عز وجل: فإن تولوا فإن الله عليم بمن تولَّوا؟ بل قال: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ﴾
2 ـ التولِّي عن الحقّ فسادٌ :
معنى ذلك أنّ أي إنسان يتولّى عن الحق فهو إنسان فاسد، لأن من لوازم التَوَلّي الفساد، ومن لوازم القبول الاستقامة، قال تعالى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ﴾ يشبه هذا قوله تعالى:
﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ۚ لَّا يَسْتَوُۥنَ(18)﴾
المنطق كمن كان كافراً، لكن الله تعالى قال ﴿أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا﴾ لأن الإنسان حينما لا يؤمن يفسُق.
ونتابع حديثنا بقوله:
﴿ قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءِۭ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡـًٔا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ (64)﴾
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا
عندنا ضوابط للحق، ﴿أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ﴾ أن نعبده وحده، أن نعبد خالق السماوات والأرض، ﴿وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡـًٔا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ﴾ ماذا قال الله عز وجل؟ قال:
﴿ ٱتَّخَذُوٓاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَٰنَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعْبُدُوٓاْ إِلَٰهًا وَٰحِدًا ۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَٰنَهُۥ عَمَّا يُشْرِكُونَ(31)﴾
2 ـ هذه الآية تنطبق على المسلمين اليوم:
وقد ينطبق هذا على المسلمين أحياناً، يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله، وأنا أقول لكم كلمة حق: إنه ما من فِرقَةٍ ضالّة في العالم الإسلامي إلا وتعتمد على تأليه الأشخاص، وتخفيف التكاليف، واعتماد النصوص الضعيفة والموضوعة والنزعة العدوانية.
3 ـ النبي بشر كسائر البشر:
أما النبي عليه الصلاة والسلام قال الله له:
﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰٓ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَٰلِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدًۢا(110)﴾
وأيضاً، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ. ))
له بشريَّته صلى الله عليه وسلم، قال تعالى :
﴿ وَلَآ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلَآ أَقُولُ إِنِّى مَلَكٌ وَلَآ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِىٓ أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيْرًا ۖ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِىٓ أَنفُسِهِمْ ۖ إِنِّىٓ إِذًا لَّمِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ(31)﴾
4 ـ كلّ من أراد الخروج عن بشريته فهو دجّال:
فأيّ إنسان يدَّعي علم الغيب فهو دجَّال، وقال أيضاً:
﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا(21)﴾
إنّ أيَّ إنسان يدَّعي أنه يملك لك نفعاً أو ضراً فهو دجَّال، وأيّ إنسان يقول: أنا رُفِع عني التكليف فهو دجّال، قال تعالى:
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)﴾
إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
هذا هو الدين، فمن هذا الذي يدَّعي أنه مستغنٍ عن طاعة الله، يملك لك نفعاً أو ضراً، ويعلم الغيب؟ قال تعالى: ﴿ٱتَّخَذُوٓاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَٰنَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ﴾ وقال: ﴿قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءِۭ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡـًٔا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ﴾ هذا هو الإسلام؛ خضوع لله، واتّباع لمنهجه، والافتقار إليه، قال تعالى:
﴿ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّوۡرَىٰةُ وَٱلۡإِنجِيلُ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِهِۦٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ (65)﴾
أهل الكتاب يحاجون النبي عليه الصلاة والسلام في إبراهيم:
أي أنّ النبي الكريم جاء في كتبهم فحوَّروا وبدَّلوا، أما إبراهيم لم يأتِ في كتبهم وقد جاء قبلهم فلِمَ يدَّعون أنّ إبراهيم منهم؟ قال:
﴿ هَٰٓأَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ حَٰجَجۡتُمۡ فِيمَا لَكُم بِهِۦ عِلۡمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيۡسَ لَكُم بِهِۦ عِلۡمٌۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبۡرَٰهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصۡرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسۡلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ (67) إِنَّ أَوۡلَى ٱلنَّاسِ بِإِبۡرَٰهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۗ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (68)﴾
قضية يتحاور عليها أهل الكتاب، ما إذا كان إبراهيم عليه السلام يهودياً أم نصرانياً، قال: التوراة والإنجيل جاءتا، وأُنزلتا من بعده، إذاً: هذا الحوار لا معنى له، ولم يكن إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً، ولكن كان حنيفاً مسلماً، وأَوْلَى الناس بالانتماء إليه هو النبي الكريم، قال تعالى:
﴿ وَجَٰهِدُواْ فِى ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦ ۚ هُوَ ٱجْتَبَىٰكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍۢ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَٰهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّىٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ ۚ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلَىٰكُمْ ۖ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ(78)﴾
قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنِّي...دَعْوَةِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَبِشَارَةِ عِيسَى ))
وفي درس قادم إن شاء الله نتابع هذه الآيات.
الملف مدقق