وضع داكن
23-11-2024
Logo
الدرس : 17 - سورة آل عمران - تفسير الآيات 54 - 59 كن مع الله يكن الله معك
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
 الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد، الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.
 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس السابع عشر من دروس سورة آل عمران، ومع الآية الرابعة والخمسين، وهي قوله تعالى:

﴿ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ (54)﴾

[ سورة آل عمران ]


وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ


1 ـ لا أحد يستطيع أن يطفئ نورَ الله:

 الإنسان لضعف إيمانه يدبر تدبيراً ليُحبط الحق، أو ليُطفئ نور الله عز وجل، لضعف إيمانه يظن أنه مستطيعٌ أن يفعل شيئاً، وأن يُلغي حُجةً، وأن يُطفئ نوراً، وأن يُضِل الناس، غاب عن هذا الإنسان الساذج والجاهل أن الله سبحانه وتعالى مُتِم نوره، ولو كره الكافرون.
 لو أن رجلا واحداً من بني البشر أيها الإخوة وقف، وتوجه نحو أشعة الشمس، ونفخ نفخة بكل ما أُوتي من قوة ليطفئ لهيبها، أين مكانه؟ في مستشفى المجانين، لأنه لا يستطيع إنسان على سطح الأرض أن ينفخ نفخة فيطفئ بها نور الشمس، قال تعالى:

﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِـُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ(32)﴾

[  سورة التوبة ]

 لذلك قالوا: "ما ضر السحاب نبح الكلاب، وما ضر البحر أن ألقى فيه غلام بحجر، ولو تحول الناس إلى كنَّاسين ليثيروا الغبار على الإسلام ما أثاروه إلا على أنفسهم" ، وكم من إنسان جبار قوي أراد أن ينهي الإسلام، وبقي الإسلام شامخاً كالطود.
 فالإنسان الجاهل يمكر بأهل الحق، يمكر بأتباع الأديان، يمكر ليطفئ نور الله، لكنّ الله عز وجل يقول: ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ﴾ .

2 ـ معنى مكْرِ الله :

 ولكن شتان بين مكر الإنسان ومكر الله عز وجل، لكن العلماء قالوا: هذه مشاكلة بلاغية، الله عز وجل لا يمكر، لأنه لا يمكر إلا الضعيف، من الذي يُفاجِئ؟ الضعيف، فكل إنسان يعمل، ويُدبر في الخفاء هذا دليل ضعفه، لأنه لو اكتُشِف لمُحِق، فالضعيف يمكر، وليس من شأن الله الضعف، لذلك الله في الحقيقة لا يمكر، ولكن يُدبر، ولكن ردَّ على مكرهم بمكرٍ مشابه، هذا اسمه في اللغة مُشاكلة، يأتون بشاهد في كتب البلاغة: أنطبخ لك طعاماً، قال: لا، اطبخوا لي جُبَّة وقميصاً، هو بحاجة إلى جُبَّة وقميص لا إلى طعام، فقال: اطبخوا لي جُبَّة، الجُبَّة لا تُطبَخ، ولكن أورد هذا الكلام على سبيل المشاكلة، لذلك لا يجوز أن تقول: الله ماكر، لكنّ مكر الله هو رد على مكر هؤلاء، تدبير، رد، قال تعالى: ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ﴾ إذا كنت مع الله فلا تخشَ أحداً، لأن الله يمكر لك، وإذا كان الإنسان مع شهوته ومع مصالحه المادية، فإن الله يمكر عليه، وشتان بين أن يكون الله معك يمكر لك، وبين أن يكون عليك فيمكر عليك. 
أنت ضعيف لا تقوى على فعل شيء، لكنّ المؤمن بطاعته لله واستسلامه له وتوحيده إياه يمكر الله له: 

كُن عـن همومك مُعرضاً    وكِـلِ الأمور إلى القَضا

وابشر بخيـــر عاجـــــلٍ    تنسى به مــا قد مضــى

فَرُبَّ أمـــــر مسخـــــط    لــك فـــي عواقبه رضـا

ولربما ضـــاق المضيـق    ولربمـــــا اتَّسع الفضــا

الله يفعل مـــا يشـــــــاء   فلا تكــــــــن معترضـــا

الله عـــوَّدك الجميـــــل    فقِس على ما قد مضــى

[ صفي الدين الحلي ]

3 ـ البطولة أن نكون أهلاً لأن يدافع الله عنا :

 أيها الإخوة، البطولة أن نكون أهلاً أن يدافع الله عنا، هنا البطولة، أن نستحق أن يدافع الله عنا، أن نستحق أن يمكر الله لنا، الأمر بيد الله وحده.
 مثلٌ بسيط: لو أنّ حاجزاً ضخماً بين فريقين، الأول يمكر، ولكنّ الله يرى مكر الطرف الآخر فيُلهم الطرف الأول أن يُحبِط مكره، أنت إن كنت مع الله، والله مع كل الخلق، فكل مكرٍ مكره هؤلاء يُنقل إليك.
  عمير بن وهب أُسِر ابنه في بدر، ففي ساعة شجن وألمٍ قال لصفوان بن أمية: "لولا أولاد أخشى عليهم العنَت من بعدي، ولولا ديون لا أُطيق سدادها لذهبت، وقتلت محمداً، وأرحتكم منه" ، قال هذا الكلام لصفوان بن أمية، ولا يعلم أحد بهذا الحديث إلا هذين الرجُلين، في فلاة، فقال له صفوان: "أما أولادك فهم أولادي ما امتد بهم العمر، وأما ديونك فهي عليّ بلغت ما بلغت، فامضِ إلى ما أردت" ، فسقى سيفه سماً، وانتقل إلى المدينة مغطىً بحجة أنه جاء ليفدي ابنه الأسير، في المدينة رآه عمر رضي الله عنه، قال: هذا عدو الله جاء يريد شراً فقيّده بحمالة سيفه، وساقه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، قال له: هذا عدو الله جاء يريد شراً، فقال له: "يا عمر، أطلِقه، فأطلقه، ابتعدْ عنه فابتعدَ عنه، قال له: ادنُ مني يا عمير، فدنا منه، قال له: ما الذي جاء بك إليّ؟ قال له: جئت أفدي ابني، قال له: وهذه السيف التي على عاتقك، قال له: قاتلها الله من سيوف، وهل نفعتنا يوم بدر؟ قال له: يا عمير ألم تقل لصفوان: لولا ديون ركبتني ما أطيق سدادها، ألم تقل لصفوان: لولا أولاد أخشى عليهم العنت من بعدي لذهبت، وقتلت محمداً، وأرحتُكم منه" ، هذا ما حصل، أي مؤامرة تمت على النبي صلى الله عليه وسلم، ما دام الله مكر فقد أطلعه عليها.
 هذا حاطب بن بلتعة الذي أرسل كتاباً إلى قريش: إنّ محمداً سيغزوكم فخذوا حِذركم، أطلع الله نبيه على هذا الكتاب، فأرسل صحابيَين جليلَين أخذاه من امرأة في موقع اسمه الروضة بين مكة والمدينة، وجيء بحاطب وسُئل.
مرة أراد اليهود أن يقتلوا النبي عليه الصلاة والسلام، كان جالسًا في مكان فصعدوا إلى سطح الدار ليُلقوا عليه صخرة يموت فيها، أطلعه الله، هذه حالات حادة مع نبي كريم، أما أنت قد تُلهَم أن تذهب من طريق تُحبط به خطة أعدائك، فإذا كنت مع الله كان الله معك، وإذا كان الله معك فمن عليك، من يستطيع أن يدنو منك إذا كان الله معك، لكنّ كل بطولتك أن تستحق أن يمكر الله لك، أن تستحق أن يدافع الله عنك، وأنت من عباد الله شأن أي عبد، تتمايز عند الله بالتقوى والطاعة، قال تعالى:

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(13)﴾

[  سورة الحجرات ]

 لا أنسى كلمة قالها سيدنا عمر لسيدنا سعد، سيدنا سعد كان خال النبي عليه الصلاة والسلام، كان إذا دخل عليه يداعبه ويقول: 

(( أقبل سعدٌ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ :هذا خالي فليُرِنِي امرؤٌ خالَهُ. ))

[ سنن الترمذي ]

النبي الكريم هو سيد الخلق، يداعب صحابيًّا، ما قال لأحدٍ في حياته: 

(( لقد جمعَ لي رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يومَ أُحدٍ أبويه فقال: ارمِ سعدٌ فِداك أبي وأُمِّي. ))

[ صحيح ابن ماجه ]

إلا لسعد، قال النبي عليه الصلاة والسلام: 

(( يا سعدُ !ارْمِ، فداك أبي وأمي. ))

[ صحيح الجامع ]

هذه مقولة النبي، فخاطب سعدًا فقال: (ارمِ سعدٌ فِداك أبي وأُمِّي) قال: (هذا خالي فليُرِنِي امرؤٌ خالَهُ) ، فمرة قال سيدنا عمر لسيدنا سعد: يا سعد، لا يغرَّنك أنه قد قيل: خال رسول الله، فالخلق كلهم عند الله سواسية، ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعتهم له.

4 ـ طاعتك واستقامتك ثمن دفاع الله عنك :

 كل بطولتك أن تستحق أن يمكر الله لك، ومهما كنت قوياً، مهما كنت غنياً، مهما كنت ذكياً، مهما تكن لك علاقات متينة جداً، شبكة علاقات مع أقوياء فهذه كلها لا تنفعك إذا أراد الله أن يمكر بك، لا ينفع ذا الجَد منه الجَد، يُؤتَى الحذِر من مأمنه، لا يحميك من الله إلا أن تكون مطيعاً له فقط، لا ملجأ منه إلا إليه، فأن يستحق مؤمن أن يمكر الله له فهذا يعني أنه مطيع، مخلص، مستقيم، وكل إنسان جاهل وساذج وغبي يظن أنّ بإمكانه أن يكيد لأهل الحق، إياك ثم إياك ثم إياك أن تكون في خندق مُعادٍ للمؤمنين، لأن الله ولي الذين آمنوا.
 أحياناً إنسان يخشى خصمه لأنّ وراءه قوة كبيرة، قد تخشى شرطياً لأنّ وراءه دولة، قد تخشى دولة صغيرة لأنّ وراءها دولة كبيرة، فأنت لا تنظر إلى الخصم، انظر إلى ما وراءه، هذه نقطة مهمة جداً، قال تعالى:

﴿ إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَٰهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ مَوْلَىٰهُ وَجِبْرِيلُ وَصَٰلِحُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۖ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ(4)﴾

[  سورة التحريم ]

 ألا يكفيك قول الله عز وجل: 

﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُدَٰفِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍۢ كَفُورٍ(38)﴾

[  سورة الحج  ]

 ادفع ثمنها، ثمن أن يدافع الله عنك أن تكون مطيعاً له، مخلصاً في طاعتك، أن تكون من أوليائه، لأن الله قال: 

﴿ ٱللَّهُ وَلِىُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ ۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّٰغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَٰتِ ۗ أُوْلَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ(257)﴾

[  سورة البقرة  ]

 إذاً: ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ﴾ دائماً يقول الله عز وجل : 

﴿ هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى ٱلْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(4)﴾

[  سورة الحديد ]

 هذه معية عامة، معكم بعلمه، إلا في آيات قليلة يقول:

﴿ إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)﴾

[  سورة الأنفال  ]

﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)﴾

[  سورة التوبة  ]

 وقوله أيضاً:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)﴾

[  سورة البقرة  ]

 وكذلك :

﴿ وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ (69)﴾

[  سورة العنكبوت  ]

 أي معهم بالحفظ، بالتأييد، بالنصر، بالتوفيق، هذا الدعم الذي لا حدود له أن يكون خالق الكون معك، ثمنه أن تطيعه، قال تعالى: ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ﴾ وقال:

﴿  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ(36)﴾

[  سورة الأنفال ]

﴿ قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ ۚ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ(12)﴾

[ سورة آل عمران ]

سأضرب بعض الأمثلة للتوضيح، في لعبة السيارات الكهربائية، قد تجد معركة بين مجموعتين، أما الذي بيده قطع التيار الكهربائي فبحركة يسيرة يوقف هذه المعركة كلها، قد تجد آلة ضخمة تحمل عشرات الأطنان من الحديد على أساس مغناطيس كهربائي، فالعامل بضغطة بسيطة لا تزيد على ربع ميليمتر إذا قطعت هذه الضغطة الكهرباء تسقط كل هذه الأحمال، الله عز وجل بضربة واحدة، أحياناً الكافر يُؤتى من مأمنه، من بعض الأدعية: "اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم" .
 يدبر، ويفكر، ويتأمل، ويبحث، ويدرس، ويجمع، ويضرب، ثم يأتي بخطة تكون سبب تدميره.
وهذا مثل سأرويه لكم من التاريخ الحديث؛ أراد اليهود قبل أربع سنوات فيما أذكر أن يأخذوا رهائن من بيوت الله في ليلة القدر، هيؤوا طائرتين، وفي الطائرتين نخبة ضباطهم، خمسة وسبعون ضابط كومندوُس، وكل ضابط كلفهم ملايين، وهو يتقن الصراع الياباني، يتقن السلاح الأبيض، يتقن اللغة المحلية، تدريبات عالية جداً، فهذه النخبة أثمن ما في الجيش اليهودي، وقعت الطائرة العليا فوق السفلى، ووقعتا فوق مستعمرة إسرائيلية، ومنذ أن أنشئت إسرائيل حتى الآن ما مُنيت بهزيمة من عند الله مباشرة، لو نستحق أن يتدخل الله من أجلنا لرأينا العجب العُجاب، لو كنا معه دائماً، لو كنا على طاعته مقيمين، لو كنا مخلصين لمكر الله لنا، ليس هناك شيء اسمه قوي في الأرض، الله هو القوي، الطرف الآخر قد يكون معه قنابل ذريّة، قد يكون معه أشياء مذهلة، لا قوي مع الله، ولا دولة قوية مع الله، ولا أسلحة ذرية، ولا طائرات شبح، ولا أشعة ليزر، لا شيء مع الله، أما أن تكون المعركة بين حقين فهذا لا يكون، هذا شيء مستحيل، لأن الحق لا يتعدد، وبين حق وباطل لا تطول، لأنّ الله مع الحق، لكن بين باطلين لا تنتهي، هذا سماه بعض العلماء "النصر التكويني" ، بين فئتين بعيدتين عاصيتين لله عز وجل، من كان عنده أسلحة أقوى فهو المنتصر، تصور طائرة معها مدفع مداه المُجدي سبعة كيلو مترات، وهناك دبابة مدفعها مداه المُجدي ثلاثة كيلو مترات، فهذا يعني أنّ طائرة واحدة مداها سبعة كيلو مترات تحطم مئتي دبابة، فإن لم يكن هناك حق بالجهتين فالنصر للأقوى، من كان معه سلاح متطور أكثر، من كان عنده قدرة على تصوير أرض المعركة، فإذا خلا الإيمان فالحديث عن الأسلحة والطائرات، والمدى المُجدي، وتطور السلاح، والقنبلة العنقودية، والقنبلة الذكية، وأشعة الليزر، هذا كله تتحدث عنه، أما إن كان أحد الطرفين مؤمناً انقلبت كل موازين القوى رأساً على عقب، والآيات كثيرة جداً.
 الذي أتمناه أن يستحق كل منا أن يمكر الله له، أن نكون أهلاً كي يدافع الله عنا، ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ﴾ أرادوا أن يقتلوا السيد المسيح.

5 ـ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين

 ﴿وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ﴾ أما خير الماكرين أي أن مكره هو المُجدي، هو الفعَّال الذي لا يخطئ، مَكرُه المخيف، ومَكرُه الذي يعود بالخير على الطرفين، ينصر المؤمن بمكره، ويردع الكافر بمَكره، أول معنى مكره عظيم، ومكره سريع، وفعّال، ولا يخطئ، ومكره مخيف، قال تعالى: 

﴿  إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ(12)﴾

[  سورة البروج ]

 ومع ذلك مكره يعود بالخير على الطرفين معاً، قال تعالى: ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ﴾ ومن أدعية النبي عليه الصلاة والسلام : 

((  اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ. ))

[  ضعيف ابن ماجه  ]

 واسألوا الله عز وجل موجبات أن يدافع الله عنا، اسألوا الله موجبات أن نستحق أن يمكر الله لنا، لا أن يمكر علينا، لأنه إذا هان أمر الله علينا هُنَّا على الله، إذا هان أمر الله علينا هُنَّا على الله ومُكِر بنا.

وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ


 قال تعالى:

﴿ وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ(46)﴾

[  سورة إبراهيم ]

 ومكروا مكرهم أي الكفار، الآن يجربون الأدوية في العالم الثالث، كانوا قبل هذا على بقية من خُلق يجربون أدويتهم على الفئران، الآن تُجرَّب على بني البشر في دول متخلفة، الآن يقدمون مساعدات في ظاهرها، وفي الحقيقة نفايات ذرية، تُزرَع في بلاد العالَم الثالث، ليتخلصوا منها، قال تعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ﴾ يخططون لإفقار المسلمين، وإيقاع الفُرقة بينهم، وتشتيتهم، وتدميرهم، قال تعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ﴾ لتزول منه الجبال، هو كلام الله، قال تعالى: 

﴿  فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ(47)﴾

[  سورة إبراهيم ]

 وقال :

﴿  وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ(42)﴾

[  سورة إبراهيم  ]


وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً


 لكنّ الآية التي ينبغي أن تملأ قلوبنا أمناً وراحة، لكن لها ثمن، هي قوله تعالى:

﴿ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْـًٔا ۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ(120)﴾

[   سورة آل عمران ]

 خالق الكون يقول ذلك، وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعده للمؤمنين، ﴿وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ﴾ أفراداً وجماعات، فرد لوحدك، أطع الله، واصبر على طاعته، واصبر عن معصيته، واصبر على قضائه وقَدَره، واتقِ أن تعصيه، لو كان خصمك أقوى إنسان في العالَم يُحبط الله مكره، هذه للأفراد وللجماعات، قال تعالى: ﴿وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْـًٔا﴾ 

﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)﴾

[ سورة الطارق ]

مثلاً: شخص ما معه أسلحة فتَّاكة ومتطورة، وآخر معه شفرة فقط وتوَعّد، والذي معه الأسلحة الفتّاكة قال لك: أنت في حمايتي فلا تخف، قال الشاعر:

زعمَ الفرزدقُ أنْ سيقتلُ مَرْبَعاً   أبشِرْ بِطولِ سلامةٍ يا مَرْبعُ

[ جرير ]

 العِبرة أن لا يكون الله ضدك، إذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان الله عليك فمن معك، والله عز وجل يُظهر آياته، أما رأيتم إلى دول عظمى انهارت كبيت العنكبوت، والذي يتوقع انهيارها يُوضَع في مستشفى المجانين، قلعة من قلاع الكفر تلاشت، قال تعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ﴾ وهذا القطب الواحد المتحكم بالعالَم له عند الله تدبير، لا تيأسوا، له عند الله تدبير حكيم، إنّ الله لا بد أن يُظهر آياته للخلق، لا يسمح الله لجهة أن تدَّعي الألوهية إلى أمد طويل، هم يدَّعون الألوهية، هم أسياد العالَم، القطب الوحيد الذي يملك ُمَقدَّرات الشعوب، هذا كلام بكلام، قال تعالى: 

﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)﴾

[  سورة يونس ]

 هناك نماذج لبلاد متقدمة جداً وغنية جداً، والطب متقدم جداً، أطعموا الأبقار طحين اللحم المجفف، اجتهاداً منهم ليغيروا خلق الله، فجُنَّ البقر، وما جنون البقر إلا من جنون البشر.
 الآن هناك مشكلة عالمية، ثلاثة وثلاثون مليار جنيه إسترليني خسارة بريطانية من لحوم الأبقار، وهم مضطرون أن يحرقوا ثلاث عشرة مليون بقرة، الأسواق كلها أصبحت مغلقة أمامهم، من جاء بهذا المرض، فمهما كان الإنسان متقدماً فالله عنده جنود لا يعلمها إلا هو، الإيدز هو جندي من جنود الله عز وجل، هذا رد على الإباحية، قال الله عز وجل: 

﴿  ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(41)﴾

[  سورة الروم  ]

 هذا الداء لا دواء له، أما الفحوص العادية فهي فحوص غير مُجدية، والسبب أنّ هذا الفيروس له ستة أشهر يكون موجوداً في الدم، ولا تظهر الأعراض، ويسمونه صمتاً مخبرياً، ممكن أن يفحص شخص دمه، ويكون بريئًا من هذا المرض بفحص بسيط، وهو مصاب بهذا المرض، فالمشكلة كبيرة، لأنه لا دواء لهذا المرض، هذا هو مكر الله عز وجل، هذا من جنود الله عز وجل، والله عنده أوبئة وأمراض لم تكن في أسلافهم، عنده أعاصير، وخسائر كل إعصار يكلف ثلاثين مليارًا، قال تعالى: 

﴿  أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ(6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ(7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ(8)﴾

[  سورة الفجر  ]

 أحياناً تذهب إلى بلدة تقول: لا مثيل لها في العالَم، هذه عادٌ الثانية، ﴿لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾  من خصائصها أنهم يقولون: 

﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجْحَدُونَ(15)﴾

[ سورة فصلت ]

 لا يوجد رحمة، هناك قهر واستغلال، هناك جلب لأموال العالَم كلها إليهم مثلاً، قال: ﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ ﴿الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾ كيف أُهلِكوا؟ قال تعالى: 

﴿  وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ(6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ(7) فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ(8)﴾

[  سورة الحاقة  ]

 انظر إلى أهرامات مصر، انظر إلى آثار الرومان، أين هؤلاء؟ 

مَن كان الله معه فهو أقوى إنسان :


 أيها الإخوة، هذا كلام يقوي معنويات المؤمنين، حاوِل أنت أن تكون أهلاً كي يدافع الله عنك، حاول أن تكون أهلاً كي يمكر الله لك لا عليك، كن لنا ولا تكن علينا، قال تعالى: ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ﴾ أقوى إنسان في الأرض من كان الله معه، وأضعف إنسان لو أنه مَلَكَ الدنيا من أطرافها، أضعف إنسان مَن تخلى الله عنه.
 قيل لأحد الخلفاء، وقد طلب كأس ماء: "يا أمير المؤمنين، بكم تشتري هذا الكأس لو مُنع منك؟ قال: بنصف مُلكي، قال: فإذا مُنع إخراجه، قال: بنصف ملكي الآخر" ، فملْكه كله يساوي كأس ماء تشربه ويخرج، فأنت قوي بالله، غني بالله، عالٍ بالله، لو ابتعدت عن الله فأنت ضعيف مقهور، وأضعف الناس يقوى عليك، إن أردت أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله، قال تعالى: ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ﴾ كما قالوا: "فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه" ، إن كان في الكون مئة ألف مليون مجرَّة، وفي كل مجرَّة تقريباً مئة ألف مليون نجم، وأرضنا هي كوكب صغير في مجموعة اسمها المجموعة الشمسية تمثل نقطة في مجرة معتدلة متوسطة اسمها درب التبانة، هذا الكون الفسيح، وهذه المجرات، وهذه الأرض والسماوات وهذا الخلق العظيم، قال تعالى: 

﴿  وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً(105)﴾

[  سورة طه ]

 فهذا هو الله، الأمر كله بيده، ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾، قال تعالى: 

﴿  وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(123)﴾

[  سورة هود ]

 وقوله تعالى: 

﴿ قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ ۖ لَهُۥ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِۦ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِىٍّۢ وَلَا يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِۦٓ أَحَدًا (26)﴾

[  سورة الكهف  ]

 وقال:

﴿ مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(29)﴾

[ سورة فاطر ]

 أيُعقل أن نبتعد عنه، وأن نتقوّى بغيره، وأن نلجأ لغيره، وأن نضع ثقتنا بغيره، وأن نخاف غيره، وأن نرجو غيره، وأن نطيع غيره، هذا مستحيل، قال تعالى: 

﴿  وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ(54) إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوۡقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡ فِيمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ (55)﴾

[  سورة آل عمران   ]


إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيك


1 ـ معنى التوفّي :

 التوفّي إما في الموت أو في النوم، لكن جرت آيات القرآن على أنّ التوفي الحقيقي يكون عن طريق مَلَك الموت، قال تعالى:

﴿ قُلْ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ(11)﴾

[  سورة السجدة ]

 وفي آية أخرى: 

﴿ ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَٱلَّتِى لَمْ تَمُتْ فِى مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ ٱلَّتِى قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلْأُخْرَىٰٓ إِلَىٰٓ أَجَلٍۢ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَآيَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ(42)﴾

[  سورة الزمر ]

 فهنا: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ ، أي أن الله سبحانه وتعالى رفع هذا النبي الكريم إليه، قال تعالى: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوۡقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ﴾   

2 ـ نزول عيسى في آخر الزمان حقٌّ :

 أي أنه سيرجع، وسيتبعه أناس كثيرون، وسوف يكونون فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة، هذا معنى من معاني هذه الآية، نعتقد نحن المسلمين اعتقاداً جازماً أنّ هذا النبي الكريم سوف يرجع، وسوف يكون رجوعه من علامات قيام الساعة، قال تعالى:

﴿ وَإِنَّهُۥ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِ ۚ هَٰذَا صِرَٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ(61)﴾

[  سورة الزخرف  ]

 وقال:

﴿ وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ءَايَةً وَءَاوَيْنَٰهُمَآ إِلَىٰ رَبْوَةٍۢ ذَاتِ قَرَارٍۢ وَمَعِينٍۢ(50)﴾

[  سورة المؤمنون ]

 قال بعض المفسرين: إنها ربوة دمشق، وقال بعضهم: إنه ينزل في دمشق، هناك أحاديث وآيات كثيرة تؤكد هذه الحقيقة، قال تعالى: ﴿إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَىٰٓ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوۡقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡ فِيمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ﴾ هذا النبي الكريم أصبح موطن خلاف، محط خلاف، الحقيقة عند الله، وسوف ينبئها الله لكل خلقه يوم القيامة، قال تعالى:

﴿ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمۡ عَذَابًا شَدِيدًا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ (56) وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَيُوَفِّيهِمۡ أُجُورَهُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ (57) ذَٰلِكَ نَتۡلُوهُ عَلَيۡكَ مِنَ ٱلۡأٓيَٰتِ وَٱلذِّكۡرِ ٱلۡحَكِيمِ (58)﴾

[  سورة آل عمران   ]


فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ


 أي الذين كفروا بِنُبوَّته، الذين كفروا فريقان؛ فريق ادّعى أنه إله، وفريق ادّعى أنّ أمه زانية، هؤلاء الفريقان معاً كفروا بحقيقة نبوَّته، قال تعالى: 

﴿ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمۡ عَذَابًا شَدِيدًا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ (56)وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَيُوَفِّيهِمۡ أُجُورَهُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ (57) ذَٰلِكَ نَتۡلُوهُ عَلَيۡكَ مِنَ ٱلۡأٓيَٰتِ وَٱلذِّكۡرِ ٱلۡحَكِيمِ(58) إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ (59)﴾

[  سورة آل عمران   ]


إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُون


1 ـ الكون له سنن وقوانين يخرقها الله لحكمة :

 نؤمن نحن أنّ هذه الأرض لها سُنن، ولها قوانين، هذه القوانين والسُنن يمكن أن تُخرَق من قِبَل الله سبحانه وتعالى، نؤمن أنّ هناك سبباً، وأن هناك نتيجة، لكنّ السبب ليس هو خالق النتيجة، وإنما هو مرافق للنتيجة، حينما نتوهم أنّ الأسباب تخلق النتائج، فإن ربنا عز وجل حرصاً على إيماننا وتوحيدنا يُعطل هذه الأسباب أو يُلغيها، فأحياناً السبب موجود لكنه معطّل، دواء لم يحقق شفاءً، الله عطّل فاعليته، وأحياناً شفاء من غير دواء، أحياناً شابان قويان صحيحان لا يُنجبان جعلهما الله عقيمَين، وأحياناً امرأة كالسيدة مريم تنجب من دون زواج، الإنجاب من دون زواج الله ألغى السبب، والشابان القويان الشديدان الصحيحان، أي الشاب والشابة، وهما عقيمان لأن الله يعطّل السبب، أو يُلغيه إنقاذاً للتوحيد لئلا تعتقد أن السبب خالق النتيجة، لذلك العالَم اليوم عالَمان؛ عالَم أخذ بالأسباب، واعتمد عليها وألّهها، وعبدها من دون الله، وهو العالَم الغربي، وعالَم لم يأخذ بها متواكلاً، فالعالَم الأول وقع في الشِرك، والعالَم الثاني وقع في المعصية، أما الموقف الكامل أن تأخذ بالأسباب، وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء. 

2 ـ خلق عيسى خرقٌ لسنن التناسل البشري :

 قال تعالى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ*ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنْ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ*إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ﴾ أن تنجب امرأة من دون زواج هذا مستحيل عادة، لكنّه ممكن عقلاً، لأنّ الذي قنّن هذه القوانين يغيّرها بأية لحظة، أضرب لكم مثلاً قريباً من الفيزياء: عنصر حوله مجموعة كهارب في بنيته الذرية، نواة حولها مجموعة كهارب، هذا العنصر قِوامه صُلب كالصخر، العنصر الذي يليه بفارق كُهروب واحد غازي، معناه أنّ أي تعديل على بنية الذرة، كنّا في ماء هو البحر، سيدنا موسى ضرب هذا البحر بعصاه فأصبحت طريقاً يبَساً، بأية لحظة الله عز وجل يغيّر خصائص المواد كلها، على الله كل شيء سهل، كن فيكون، لذلك الإنسان ضعيف الإيمان يرى أنّ بعض المعجزات مستحيلة مع أنها ليست مستحيلة، وأنتم تعلمون أنّ العلم متطور الآن، لو اطّلع إنسان على ما في حياتنا من تطورات ما صدقها، لأنها واقعة الآن، فهناك أشياء لا يمكن أن تُصدَق من قبل، لأن العقل مرتبط بالواقع، فالواقع له حدود، من يصدق أنه بإمكانك أن ترسل رسالة من آخر الدنيا إلى طرف الدنيا بثانية واحدة، كان هناك الخيول والبريد، الحمام الزاجل كان يُعدّ فتحاً كبيراً في إرسال الرسائل، والبريد، كانوا يركبون الخيول وتستغرق شهوراً حتى يصل البريد إلى بلدة أخرى، الآن ثانية يصل البريد، فالعقل قد ينكر لأنه مرتبط بالواقع، والواقع متطور، أما المعجزة فهي خرق لقوانين الأرض وقوانين الكون، قال تعالى:

﴿  الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ(60)﴾

[  سورة آل عمران ]


الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِنَ الْمُمْتَرِين


 هذا هو الحق، هذا كلام خالق الكون، عظمة هذا القرآن أنّه يعطيك فكرة عما سبق، وعما سيكون، فيه نبأ مَن قبلكم، وخبر ما بعدكم، أنت أمام تصوُّر كامل من عند خالق الأرض والسماء، هذا الذي حصل بالضبط، فلذلك القرآن الكريم كتاب خالق الكون، وفيه حقائق واضحة وصارخة ونيّرة، فكل إنسان قرأه يحصل عنده شيء يدعى التوازن، لأنه قدّم لك تفسيرًا دقيقًا للكون، والحياة، والإنسان، قدّم لك تحليلاً دقيقًا وتعليلاً لما يجري في الأرض، وأننا مخلوقون لجنة عرضها السماوات والأرض، فالعمر محدود، وخُلقت في الدنيا كي تعمل للآخرة، وهذا شيء منطقي، أما لو ألغيت الآخرة لتفجر أمامك مليون سؤال، هناك غنى وفقر، قوة وضعف، والحياة قصيرة، والعمر قصير، والمتاعب كبيرة، فمن دون آخرة الإنسان يختل توازنه، أما إن آمن بالآخرة استعاد توازنه، فكل شيء واضح.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور