- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى:
الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا لرُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ، ما اتَّصَلَت عين بنظر ، أو سمعت أذنٌ بِخَبر . اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين، اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم ، ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر ، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير ، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير ، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدْنا علمًا ، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه ، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
قراءة القرآن تبعد الحزن عن الإنسان :
أيها الأخوة الأكارم ، قبل أن نبدأ الخطبة تقدَّموا قليلاً ، وتزاحموا تراحموا .
أيها الأخوة المؤمنون ، في رمضان نتحدّث عادةً عن حكمة الصّيام ، وقد تحدَّثْتُ عنها في الخطبة السابقة ، ونتحدَّث عن القرآن لأنّ رمضان شهر القرآن ، ونتحدث عن الزكاة ، ونتحدّث عن موقعة بدْر ، ونتحدّث عن ليلة القدر ، وعن العيد ، هذه الموضوعات التي يمكن أن تكون موضوعاتٍ مناسبة في رمضان .
خطبة اليوم عن القرآن ، والحديث عن القرآن حديث شجيّ ، وحديث يطول ، ولكن أردْتُ ألا تزدحم الأفكار في هذه الخطبة ، فتناولْتُ زاويةً واحدةً من كتاب الله عز وجل ، أشار النبي صلى الله عليه وسلّم إليها في الحديث الشريف :
((لا يحزنُ قارئ القرآن))
والإنسان أيها الأخوة إذا أصابه القلق ، أو أصابه الخوف ، أو الشعور بالإحباط ، أو الشعور بالقهْر ، أو الشعور بالحرمان ، وأنّه ليس في الأرض عدالة ، وإذا شعر أنّ الحقّ للقويّ ، وإذا قهِرَ على إرادته ، هذه المشاعر ، وهذه المواقف من شأنها أنْ تسْحق الإنسان . ولكنّ الذي يقرأ القرآن له نفسيّة أخرى ، له مشاعرُ أخرى ، ومعْنَوِيّات لا يعرفها إلا أهل القرآن ، لماذا ؟ لأن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال : لا يحْزنُ قارئ القرآن ، لأنّ قارئ القرآن إذا قرأ القرآن كما أراد الله عز وجل فلن يحزن أبداً ، والله عز وجل يقول :
﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾
وقد فسّر العلماء حقّ التِّلاوة بقِراءَتِهِ على الوَجْه الذي قرأه النبي عليه الصلاة والسلام ، وبِتَدَبُّره كما أمر الله عز وجل ، وبِتَطبيقهِ ، فحينما تطبّق كلام الله عز وجل فأنت تتْلوه حقّ تلاوته ، وحينما تتْلوه حقّ تِلاوته تقْطفُ ثماره اليانعة .
ثمار قراءة القرآن :
أوَّلُ ثمرةٍ أنّك إن اسْتَقمْتَ على أمر الله ، واصْطَلَحْت مع الله ، وطبّقْت منهج الله ، وعملْت الصالحات ، إرضاءً لله عز وجل ، وآمنتَ بالله واليوم الآخر ، ونقلْتَ إليه كلّ اهْتِماماتك، أنت إذا فعلْتَ ذلك فقد قطفْتَ ثِمار القرآن ، وأولى هذه الثِّمار أنّ الله يُطمْئِنُكَ أنَّه لا خوفٌ عليك ولا أنت تحزَن . كيف فسَّر العلماء هذه الآية ؟ لا خوف عليهم ولا هو يحزنون ، سوفَ أسمعكم بعض هذه الآيات ، قال تعالى :
﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
قال تعالى :
﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
قال تعالى :
﴿فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
آياتٌ كثيرة ذكرتُ لكم بعضها ، آياتٌ كثيرة تنتهي بقوله تعالى : فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، أيَّةُ طمأنينةٍ تُبثّ في قلب المؤمن ، لا خوفٌ عليك ممَّا أنت مقْدِمٌ عليه ، الناس ما الذي يسْحقهم ؟ المستقبل المجهول ! يا تُرَى أُصاب بالمرض الفلاني ؟ أفْقِدُ هذا المحلّ التِّجاري ؟ أفْقِدُ مالي ؟ كيف تنتهي حياتي ؟ هذا المستقبل المجهول الذي يسحق الناس ، هذا القلق ، حتى أنّ عصْرنا سُمِّيَ عصْر القلق ، توقُّع المصيبة مصيبة أكبر منها ، ماذا سيَكُون؟ ماذا بعْد الشَّيْخوخة ؟ ماذا في خريف العمر ؟ ماذا ينتظرني ؟ كيف سأعيشُ ؟ كيف سأعيشُ بعد أن أتْركَ وظيفتي ؟ كيف سأعيشُ بعد هذه المرحلة ؟ هذا المستقبل المخيف الذي يقلق الناس، ويسحقهم ، ويجعلهم يأكلون المال الحرام ، كي يطْمَئِنُّوا لِمُستقبلهم قليلاً ، هذا المستقبل العظيم ، الذي يسْحقُ الناس مُغطَّى في القرآن بآيةٍ واحدة ، قال تعالى :
﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
وقال تعالى :
﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾
وقال تعالى :
﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ﴾
قال تعالى :
﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾
إذا كان الله معك فمَن عليك ؟ وإذا كان قد وعدَكَ وعْدًا حسنًا ، قال تعالى :
﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
قال تعالى :
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
إذًا المستقبل المخيف ، بما فيه من مفاجآت ؛ من أمراض عضالة ، ومن فقْرٍ مدقع، ومن غنًى مُطغ ، ومن هرم مفنّد ، ومن مرض مفْسِد ، هذا المستقبل المُخيف مُغطَّى في حياة المؤمن بآيةٍ واحدة ؛ لا خوفٌ عليهم أيْ أنت مُقْدمٌ على خير ، أيْ أنَّ الزَّمَن لِصالِحِك ، أنَّه كلّما امْتدَّ بك الزّمن ازْدَدْتَ عند الله مكانة ، وتقرُّبًا ، وتألُّقًا ، ووفَّقك الله عز وجل ، وأعطاك سُؤْلكَ ، أنُضَحِّي بهذا العطاء الكبير من أجل سنواتٍ معدودةٍ يُمضيها الإنسان في الغفلة عن الله عز وجل ؟
العبرة بالعاقبة :
أيها الأخوة الأكارم ، أقول لكم دائمًا : العِبرة بالعاقبة ، العِبرة بِخَريف العمر ، العِبْرة بالنهاية ، أبو جهل وأبو لهب ، كيف بدأَتْ حياتهم ؟ صاخِبَةً فاجرةً ، عارضوا الحق ، كيف انتَهَتْ حياتهم ؟ وكيف انتهَتْ حياة الصحابة الكرام ؟ هؤلاء الذين آمنوا بالله ، وتعرّفوا عليه واستقاموا على أمره ، كيف كانت عاقبتهم ؟ كيف انتهَت حياتهم ؟ كانت نهايةً مُشْرقة .
نفي القلق و الخوف عن المؤمن إذا اتقى و أصلح :
فيا أيها الأخوة الأكارم ، إذا قرأت القرآن ، وقال الله عز وجل :
﴿فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
قال تعالى :
﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
هذا المستقبل المخيف الذي يلد المصائب ، يلِدُ النكبات ، الذي يلِدُ فقْد الأهل ، والأمراض الوبيلة ، هذا المستقبل يُطمْئنُ الله المؤمنين ، ويقول على لِسان النبي عليه الصلاة والسلام :
﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا﴾
ماذا كتب لنا ؟ كتب لنا الخير ، كتبَ لنا التكريم ، والعطاء ، والطمأنينة ، هذه واحدة .
ما الذي يُقلق الإنسان أحيانًا ؟ أن ينتقل من حياةٍ ناعمةٍ إلى حياةٍ خشِنَة ، من بيتٍ فخْمٍ إلى بيت صغير ، من دخْلٍ وفيرٍ إلى دخلٍ يسير ، من شيءٍ ممْتِع إلى شيءٍ مزْعِج ، هذه النَّقلة نحو الأسْوأ سبب كبير من أسباب تعاسة الإنسان ، الله عز وجل يُطَمْئِنُكَ ثانيَةً ألا خوفٌ عليهم ، ولا هم يحزنون على ما تركوا ، لو تركْتَ بيتًا مُريحًا ، ألَمْ تسْمَع في دعاء الميّت :" اللّهمّ أبْدِلهُ أهلاً خيرًا من أهلهٍ ، ودارًا خيرًا من داره ، وجيرانًا خيرًا من جيرانه " فهذه الصّفة التي وردَت في القرآن مرات كثيرة ، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، سَتَنْتقلُ إلى ما هو أفضَل ، ولن تأسفَ على ما مضى ، أليْسَتْ هذه الآية وحدها إذا قرأها المؤمن ، وتأمّلها ، وتدبّرها ، وكان في مستواها ، وكان مُطبِّقًا لها ، أليْسَت هذه الآية وحدها تبْعثُ في نفسِهِ الطمأنينة ؟ أحيانًا أيها الأخوة الإنسان يُقدِمُ على عملٍ ، لا يدري أهُوَ موفّقٌ فيه أم ليس موفقًا ؟ أيقْطِفُ ثِماره أم لا يقطف ؟ أينْجَحُ أم لا ينجح ؟ هذا التّردّد ، وهذا القلق منْفِيّ في حياة المؤمن ، قال تعالى :
﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
خالق الكون يُطَمْئنُكَ أنّك أنت الفائز ، وأنت الرابح ، وأنت الناجح ، وأنت المقرّب ، وأنت الذي أعِدّتْ لك جنّة عرضها السموات والأرض .
حياة المؤمن مُصَمَّمَة على أنَّه سيلْقى الله عز وجل وهو عنه راضٍ :
أليْسَتْ هذه الآيات إذا قرأها الإنسان يشعرُ بِرَاحةٍ كبيرة ، أنَّك على الحقّ ، قال تعالى :
﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴾
وقال تعالى :
﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾
أوَّلاً غطَّى لك الماضي ، هذه النَّقْلَة بين الماضي وبين المستقبل لنْ تحْزَنَ على هذه النَّقْلة ، ,شيءٌ آخر غطَّى لك المستقبل ، لا تخفْ ممَّا أنت قادمٌ عليه ، قال تعالى :
﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
قال تعالى :
﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴾
أعْصاب المؤمن مرْتاحةٌ ولو جاءهُ الموت ، إنَّهُ يُعِدّ له ، وإنّ كلّ حياته مُشَكّلةٌ وفْق هذه الساعة ، إنَّ كلّ سَعْيِهِ ، وإنّ كلّ استقامته ، وإنّ كلّ بذْلِهِ ، وكلّ عطائهِ ، وكلّ تضْحِيَتِهِ ، هو من أجل أن يقف هذا الموقف المُشرِّف حينما يأتيه ملكُ الموت ، من أجل أن يُرِيَهُ الله مقامه في الجنّة فيقول : ما أصابني شرّ قطّ في حياتي ، ينسى كلّ المصائب ، وينْسى كلّ الهموم ، وكلّ التَّبِعات ، لأنَّ الله سبحانه وتعالى يُطْلِعُ المؤمن على مقامه في الجنّة حينما يأتيه ملكُ الموت ، هذا الموت الذي يسْحقُ الناس ، الذي ترتعِدُ فرائسُهم إذا سمعوا به ، أو قرؤوا عنه ، أو رأوا جنازةً ، أو مناسبةً حزينة ، هذا الذي يسْحقُ الناس ، هو عرْسُ المؤمن ، فللصائم مثلاً فرحتان ، وهذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام ، وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى ، فللصائم مثلاً فرحتان .
كيف بِكَ أيّها الأخ الكريم إذا انقلبَت المخاوف التي تسْحق الناس مطامِح ؟ وإذا انْقلَبَت المصيبة الكبرى ؛ مصيبة الموت فرْحةً كبرى ؟ أليْسَ هذه هي السعادة ؟ هذا الذي يعيشُ وهو في غفلةٍ عن الله عز وجل يشْعرُ أنّ الزّمَن ليس في صالحه ، وكلّما تقدّم سِنُّه اقْترب من النّهاية ، وكلّما اقْتربَ من النّهاية شعر بالضّيق والخوف والقلق ، ولكنّ المؤمن كلّ حياته مُشكَّلة، ومَبْنِيَّة ، ومُصَمَّمَةٌ على أنَّه سيلْقى الله عز وجل وهو عنه راضٍ .
إذًا إذا قرأْت القرآن كما ينبغي ، أصرّ على قولي كما ينبغي ، قال تعالى :
﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾
قراءةً كما قرأها النبي صلى الله عليه وسلّم ، وتدبُّرًا ، وفهمًا ، وتطبيقًا ، فأنت أصْبحتَ مِمَّن لا يحْزن ، ولا يحزنُ قارئ القرآن .
حالة المؤمن حالة فريدة فذّة :
آيةٌ أخرى تدْعم هذا الموضوع ، قال تعالى :
﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
أقول لكم أيّها الأخوة الأكارم : لو جلسْتَ إلى مؤمن لرأَيْتَهُ يتمتَّعُ بِمَعنويّاتٍ لا توصَف ، يشعر أنّ خالق الكون يحبّه ، يشعر أنّ الله سبحانه وتعالى يحفظُه ، يشعر أنّ الله يُدافعُ عنه ، يشعر أنّ الله لا يسْلمهُ ، لا يتخلَّى عنه ، هذا الشُّعور وحده يكفي .
الآن لو أنَّ المؤمن أصابتْهُ مصيبة ، ولو أنّه فقَدَ مالهُ ، أو بعض ماله ، لو فقَدَ صِحَّته ، أو بعض صِحّته ، لو فقَدَ بعض أعضائِهِ ، لو فقَدَ شيئًا عزيزًا عليه ، حالة المؤمن حالة فريدة فذّة ، قال تعالى :
﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾
والله الذي لا إله إلا هو ، ولا أتمنَّى أن أقعَ في المبالغة إنَّ المؤمن الذي يعرف الله عز وجل ربّما رضيَ عن الله عز وجل بِمُصيبةٍ ألمَّتْ به ، فهو أسْعَدُ مِمَّن هو غارقٌ في النعيم، منقطعٌ عن الله عز وجل ، المؤمن في مصيبتهِ أسْعَدُ من الكافر في بَحْبوحته ، والمؤمن في دخْله القليل أسْعَدُ من الكافر في دخله اللامحدود ، والمؤمن في مرضِهِ أسْعَدُ من الكافر في صحّته ، والمؤمن في ضَعفه أسعَد من الكافر في قوّته ، المؤمن في بيته المتواضع أسْعد من أهل الدنيا في بيوتهم الفاخرة .
الحكمة من تشريع الدعاء :
يا أيها الأخوة الأكارم ، هذا كلامُ خالق الكون ، هذا كلام الصانِع ، قال تعالى :
﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾
لمَ لا تسْعَد ؟ لِمَ لا يمتلئ قلبك فرحًا ؟ وربّك الذي خلقك ، والذي بيَدِهِ كلّ شيءٍ ، ويرجع الأمر إليه كلّه ، والذي السموات مطويّات بِيَمينِه ، يقول تعالى :
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾
هلا دَعَوْتهُ في مشكلاتك ؟ هلا سألْتَهُ مِلْح طعامك ؟ كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ، هلا سألته شسع نعلك إذا انقطَعَ ؟ هلا سألْتَهُ حاجاتك الصّغرى والكبرى ؟ هلا سألْتهُ توفيقًا في عملك ؟ هلا سألتهُ وزوجةً صالحة ؟ هلا سألتهُ مأوى يؤويك ؟ هلا سألتهُ عملاً يرضيك ؟ هلا سألتهُ رزقًا كريمًا طيِّبًا ؟ لِمَ تكون هذه الحُجُب بينك وبين الله ؟
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾
الحِكْمة البالغة هي أنّ الله سبحانه وتعالى أمرَكَ أن تَدْعُوَهُ ، حتى يستجيبُ لك ، ولكن من أجل ماذا ؟ من أجل أن تزداد معرفةً به ، لقد سمِعَكَ في دُعائك ، والأمر كلّه بيَدِهِ ، وها هو ذا قد اسْتجاب لك ، جوْهر الدّعاء أن تزداد به معرفةً ، وأنْ تزداد له حبًّا ، وأن تزداد منه قُرْبًا ، ربّما زوى عنك من الدنيا شيئًا ، وقال لك : ادْعُني يا عبدي ، زواها عنك من أجل أن تدْعُوَهُ ، دَعَوْتهُ فاسْتِجاب لك ، معنى هذا أنه سمِعَكَ ، ومعنى هذا أنه يحبّك ، ومعنى هذا أنه استجاب لك ، الأمر كلّه بيَدِهِ ، ما شرع الله لنا الدّعاء إلا لِنَزداد به معرفةً ، وإليه قُربًا ، ومنه حُبًّا .
من أقبل على الله نوّر قلبه و سدّد خطاه و أنطق لسانه بالحق :
أيها الأخوة الأكارم ، الإنسان أحيانًا يتيهُ في الحياة ، الحياة فيها ترّهات ، فيها مزالق ، فيها مواقف تدع الحليم حَيْران ، فيها شبهات ، وفيها ضلالات ، وفيها مواقف مُخيفة إذا وقفْتها ربّما دُمِّرْت ، فيها أشياء براقة ، وفيها السمّ الزعاف ، فيها أشياء مغْرِيَة ، وفيها الهلاك المُحقّق ، في هذه المتاهات ، وفي هذه الضلالات ، وفي هذه الشّبهات ، كيف أنْجو منها ؟! يقول الله عز وجل :
﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
أما وليُّك يا عبدي ، قال تعالى :
﴿ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾
يلقي في قلبك النور ، يعطيك رؤيةً صحيحة ، وموقفًا صحيحًا ، يقيك الزَّلَل ، ويقيكَ الخطأ ، هذه المتاهات والمزالق التي يرْدى الناس بها ، ويَشْقَون ، وتهلكهم ، أنت موقَّى منها ، لأنّ الله سبحانه وتعالى ولِيُّك ، وهو يتولى الصالحين ، ويتولّى كلّ مؤمن ، قال تعالى :
﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ ﴾
من ظلمات الشهوات ، من ظلمات الشِّرْك ، من ظلمات الفسْق ، من ظلمات الفجور ، من ظلمات الضلالات ، من ظلمات المبادئ الهدّامة ، من ظلمات النظريّات الباطلة، هذا الرُّكام الكبير من الضلالات في الأرض إذا اعْتَصَمْت بالله عز وجل ، وإذا قرأْتَ القرآن ، وجعلْتهُ إمامًا لك يخْرجك من الظلمات إلى النور ، أنت على نور ، وفي قلبك نور ، ومن على يمينك نور ، ومن على شمالك نور ، وأمامك نور ، وخلفك نور ، وفوقك نور ، وأنت نور في نور ، قال تعالى :
﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
قال تعالى :
﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
قال تعالى :
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
إذا كنت مع الله كان الله معك ، وإذا أقْبلْتَ عليه نوّر قلبك ، وإذا اعْتَصَمْت به سدَّدَ خُطاك ، وإذا اتَّكَلْت عليه أنْطقَ لِسانك بالحقّ .
من أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً :
يا أيها الأخوة الأكارم ، قال تعالى :
﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ ﴾
شيءٌ آخر ما الذي يرْدي الناس ؟ ما الذي يُشقيهم ؟ ما الذي يسْحقهم ؟ حمْقُهم ، جهْلهم ، رُعونتُهم ، عمى قُلوبهم ، يقول الله عز وجل :
﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾
إذا آتاك الله الحِكمة فقد آتاك الله كلّ شيء ، وما فاتَكَ شيءٌ أبدًا ، وإذا غابَتْ عنك الحِكمة ما نلْتَ شيئًا من الله عز وجل ، وإنّ الله يعطي الدنيا لِمَن لا يحبّ ، يعطي مالها لأعدائه ، قال تعالى :
﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ﴾
يعطي القوّة لمن لا يحبّ ، يعطي المال لمن لا يحبّ ، ولكنّ المؤمن يعطيه الحِكمة، وحُسْن التّصرّف ، والإدراك الصحيح ، يعطيه الموقف المناسب في الوقت المناسب مع الشّخص المناسب ، بالقَدْر المناسب ، هذه الحِكمة عطاء الأنبياء .
يا أيها الأخوة الأكارم ، إذا سمَحَ الله لك أن تكون حكيمًا ، أن تكون مسْتنيرًا ، أن تكون لك رؤية صحيحة ، فقد ملَكْت كلّ شيء .
حظوظ الدنيا مؤقتة لا قيمة لها :
شيءٌ آخر ، النبي عليه الصلاة والسلام في دعائه قال : " اللهمّ ما زوَيْتَ عنِّي ما أحبّ فاجْعلهُ لي فراغًا فيما تحبّ " الإنسان قد لا ينجحُ في زواجه ، وقد لا ينجحُ في عمله ، قد يعيشُ حياةً معذَّبةً أحيانًا ، قد يعيشُ على دخلٍ قليل ، وعلى مرضٍ مزمِن ، يقول الله عز وجل:
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾
فإذا حُرِمَ الإنسان بعض حظوظ الدنيا ، وجاء القرآن الكريم فطمْأنَهُ أنّ هذا الذي زُوِيَ عنك لا قيمة له ، قال تعالى :
﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً ﴾
إذا سبَّحْتَهُ ، ووحَّدْتهُ ، وحَمِدْته ، وكبّرْتهُ ، فقد عرفْتهُ ، وإذا عرفْتهُ فقد عرفْتَ كلّ شيء ، وإذا فاتَكَ فاتَكَ كلّ شيءٍ .
قراءة القرآن تشعر المؤمن بالطمأنينة والتفاؤُل والثّقة بأنّ ما عند الله هو الخير :
أيها الأخوة الأكارم ، ما الذي يسحقُ الإنسان ؟ أنْ يشْعر أنّ في الحياة ظلماً ، هناك أناسٌ يُقدمون على الانتحار لا لأنَّهم ظُلِموا بل لأنَّهم شعروا أنّ الظّلْم منتشرٌ في الأرض!! القويّ يأكل الضعيف ، هذا الشّعور ، وهذا الإحساس هو أصل الحياة ، وأنّ الحياة للقويّ ، وأنّ القويّ يأكل الضعيف ، هذا الشّعور وحْدهُ يحتاجُ إلى معالجةٍ نفسيّة ، هذا الشّعور وحدهُ يحتاجُ إلى طبيب نفسي ، ألَمْ يقل الله عز وجل :
﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ﴾
قال تعالى :
﴿وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾
وقال تعالى :
﴿وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ﴾
وقال تعالى :
﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾
هذه الآيات تؤكّد أنّه لا ظُلم في الأرض ، ولا ظُلم في النهاية ، ولا ظلم في الحقيقة، وقد تجِدُ ظلمًا ظاهريًّا ، والظالم سوط الله ينتقم به ، ثمّ ينتقم منه ، لكنّك إذا أيْقنْت أنَّ الله بيَدِهِ كلّ شيء ، قال تعالى :
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾
يا عبادي إنِّي حرّمت الظلم على نفسي ، وجعلتهُ بينكم محرّماً فلا تظالموا ، ألا تشعر بِطُمأنينة كبيرة إذا تلوْت قوله تعالى :
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾
إذا تَلَوْتَ القرآن دخل إلى قلبك طمأنينة ، دخَلَتْ إلى قلبك الطمأنينة والبِشْر والتفاؤُل والثّقة بأنّ ما عند الله هو الخير . حتى لو رأيْتَ بعض المصائب الكبرى ؛ زلازل ، وفيضانات ، وحروب ، قال تعالى :
﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
إنَّك ترى الكوارث الكبرى ، تراها في النهاية تنتهي إلى خير الإنسان ، لأنّ الدنيا مؤقّتة ، وربّنا سبحانه وتعالى خلقَنَا لآخرةٍ أبديّة سرْمَدِيّة لا تنتهي ، فلِذلك المُعَوَّل عليه هو الآخرة ، فإذا انْتَهَتْ حياة الإنسان بِشَكلٍ أو بآخر واسْتَحَقَّ دُخول الجنّة فقد سَعِدَ سعادةً كبرى ، ولا أدلّ على ذلك من أنّ المؤمن إذا دخل الجنّة ، قال تعالى :
﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ﴾
حتى أهل النار ، قال تعالى :
﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
لأنَّهم دخلوها بِمَحض عدْلٍ .
أغنى الناس من رضي بما قسم الله له :
فيا أيها الأخوة الأكارم ، وقال تعالى :
﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
شيءٌ آخر ، ما الذي يُمضّ الإنسان ؟ أن يرى من كان نِدًّا له ، من كان معه على مقْعَدٍ واحدٍ قد صار في أعلى عِلِيِّين ، في الدنيا ، هذه الموازنات ، وهذه المقابلات ، والمفاضلات ، بين دخْلكَ ودَخْلِ زَيْد ، بين بيتِكَ وبيته ، بين أهلك وأهله ، بين رتبتك ورتبته ، هذه أيضًا تسْحق الناس ، ماذا قال الله عز وجل ؟ قال تعالى :
﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾
إذا تأمَّلْت حكمة الله عز وجل تصِلُ إلى ما قاله الإمام الغزالي : " ليس في الإمكان أبْدَعُ مِمَّا كان " يكفي أن ترضى بما قسم الله لك تكن أغنى الناس وهل الغِنَى إلا غِنَى النّفس ؟ إذا شعرْتَ أنّ الله عز وجل هو الحكيم العليم القدير الرحيم ، اختار لك هذا المكان ، وهذا البيت، وهذه الحِرْفة ، وأنت سَعَيْتَ جُهْدك ، ووصلْتَ إلى هذا المكان ، فهذا هو الخير ، وهذه هي الراحة النفسيّة .
شيءٌ آخر ، الإنسان إذا شعر أنَّه في مستوى ، وغيره في مستوى أرقى بِكَثير ، فإن ذلك يؤثّر فيه ، قال تعالى :
﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ﴾
أي إذا كنتَ في الدنيا مؤمنًا ، مستقيماً ، منيبًا ، محبًّا ، مطيعًا ، ذا عملٍ طيّب ، ألا تتمَنَّى أن تكون مع رسول الله في الجنّة ؟ أن تكون مع أصحابه الكرام ؟ مع الأنبياء والمقرّبين ؟ أن تجلس معهم جنبًا إلى جنب ووجْهًا إلى وجه ؟ هذا كلامُ خالق الكون ، قال تعالى:
﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ﴾
وإذا كان دخلُكَ قليلاً ، وبيْتُكَ صغيرًا ، وعملكَ متواضعًا ، ورأيْت من يتيهُ عليك بمَا عندهُ ، ألا تقرأ قوله تعالى فتشْعرُ بالطمأنينة ؟ قال تعالى :
﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾
هذه الآية ألا تشعر أنّ الله يجعل الدنيا في عَيْنِكَ صغيرة ، ولا قيمة لها ، لأن أخذتها أو حرِمْت منها ، من عرفها لمْ يفرَح لِرَخاء ، ولم يحْزَن لِشَقاء ، قد جعلها الله دار بلْوى ، وجعل الآخرة دار عقبى ، ألا تريد إذا فعلْت عملاً صالحًا ، إذا دللْتَ على الله إنسانًا ، إذا أمرْت بِمَعروف ، إذا نهيْتَ عن منكر ، إذا دللْتَ على طاعة ، أن يكون لك نصيبٌ من هذا العمل الصالح ، قال تعالى :
﴿مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا﴾
يكفي أن تدلّ إنسانًا على الله عز وجل ، يكفي أن تدلّه على بيتٍ من بيوت الله ، يكفي أن تدلّه على حضور مجلس علم ، يكفي أن تدْفعهُ إلى حضور مجلس علم ، فإذا أعْجَبَهُ هذا المجلس ، واستفاد منه ، وغيَّرَ شؤون حياته ، واهْتَدَى إلى الله عز وجل ، فكلّ أعماله في صحيفتك ، يا علي لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من الدنيا وما فيها ، وخير لك من حمر النّعم ، وخير لك ممّا طلعَت عليه الشّمس ، هذه الآيات التي تقرؤُها ماذا تفعلُ في نفسِكَ؟
الإنسان على متاعبه و صبره له أجر عظيم :
يا أيها الأخوة الأكارم ، لقد صدَق النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال :
((لا يحزنُ قارئ القرآن))
حتى لو أنّ الإنسان اضْطرّ إلى أن يتْرك بلدَهُ فِرارًا بِدِينهِ ، يقول الله عز وجل :
﴿ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً ﴾
طرقًا كثيرة يرغم بها أنوف خصومه ، وسَعَة ، حتى إذا فررْتَ بدِينِكَ من بلدٍ لا تُقامُ فيه شعائر الدِّين إلى بلدٍ آخر ، حتى لو فعلْتَ هذا ربّنا عز وجل يُطَمْئنُكَ ويَعِدُكَ أنَّك إذا فعلْتَ هذا سوفَ تجدُ سُبلاً كثيرة سالكةً ، وسوف تجدُ رزقًا وفيرًا حلالاً طيِّبًا .
أيها الأخوة الأكارم ، حينما تتحمَّل بعض المشاق في سبيل الدعوة إلى الله ، حينما تلقى بعض المعارضات ، حينما يُنْكرُ عليك أقرب الناس إليك ، حينما ترى نفسَكَ غريبة في دنيا عمّ فيها الفساد ، عمّ فيها الضلال ، حينما تصبحُ إذا أردْت طاعة الله غريبًا عن أهلك ، إذا كنتَ كذلك ، اقْرأ هذه الآية فالله سبحانه وتعالى يُطَمئِنُكَ بها ، قال تعالى :
﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
قال تعالى :
﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ﴾
أنت على متاعبك ، على تحمّلك ، على صبْرك ، هناك أجْرٌ عظيم ، وهناك وعْدٌ كبير ، وهناك جنّة عرضها السموات والأرض ، فلماذا تضْعف ؟ ولماذا تتخاذل ؟ ولماذا تَكْسَل؟ ولماذا تحْزن ؟ قال تعالى :
﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
من آمن بالله و شكره أراحه من عناء الدنيا :
أيها الأخوة الأكارم ، بِرَبِّكم هذه الآية لو لم يكن سواها ألا تكفينا ؟ قال تعالى :
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾
كأنّ الله يقول لك : يا عبدي آمِن بي ، واشْكرني حتى أُريحكَ من عناء الدنيا ، حتى اجْعل الطُّرُق كلّها سلامًا في حياتك ، أساسًا هذا الذي قالهُ في آية أخرى ، قال تعالى :
﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ﴾
تكون في سلام مع نفسِكَ ، وفي سلامٍ مع بيتك ، وفي سلامٍ مع جيرانك ، وفي سلامٍ مع أصدقائك ، وفي سلامٍ مع من هو دونك ، ومع من هو فوقك حياتُك ، كلّها سلامٌ في سلام .
أيها الأخوة الأكارم ، صدق النبي عليه الصلاة والسلام إذْ يقول : " لا يحزن قارىء القرآن . . . . . ." اقرؤوا القرآن ، واقرؤوه كما ينبغي ، قِفُوا عند الحلال والحرام ، وعند الأمْر والنّهي ، قِفُوا عند أخبار ما مضى ، وعند أخبار المستقبل ، وما سيكون ، قِفُوا عند الأوامر التشريعيّة ، والأوامر الكونيّة ، تأمّلوا ودَقِّقوا ، هذا القرآن غِنًى لا فقْر بعده ، ولا غنًى دونه ، هذا الذي آتاه الله القرآن فظنَّ أنّ أحدًا أوتِيَ خيرًا منه فقد حقَّر ما عظّم الله عز وجل .
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطّى غيرنا إلينا فلْنَتَّخِذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتْبعَ نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .
* * *
الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
على الإنسان أن ينْهض ليُصْلحَ ما في نفسِهِ قبل أن يهلكَ في الدنيا والآخرة :
أيها الأخوة الأكارم ، ولكن أيها الأخوة لابدّ من أن يأخذ الموضوع مَنْحًى آخر ، يقول عليه الصلاة والسلام :
((ربّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه ))
هذا هو الموضوع الآخر ، أي أنّ الإنسان إذا قرأ القرآن وكان في واد والقرآن في وادٍ آخر ، إذا لمْ يُحلّ ما أحلّ الله ، ولمْ يُحرّم ما حرَّم الله ، لمْ يأْتَمِر بما أمر الله ، ولم ينْتَهِ عمَّا نهى الله عنه ، إذا قرأ القرآن ولم يعْتبر بالأقوام السابقة ، إذا قرأ القرآن ولم يسْتعدّ للموت ، إذا قرأ القرآن على سبيل التبرّك الساذَج ، هناك من يقرأ القرآن على سبيل التبرك الساذج ، مُقيم على مخالفات ، وعلى معاصٍ ، وفي بيته عِدَّة مخالفات ، وعِدّة معاصي ، وأهلهُ ليْسُوا على الحقّ ، ودخلُه ليس مَشروعًا ، وإنفاقهُ ليس منضبطًا ، وعلاقاته ليْسَت إسلاميّة ، تشوبُها المخالفات ، والتقصيرات ، إذا كان كذلك ، ولمْ ينْوِ أن يرْقى بهذا المستوى ، ولا أن يدَع هذه المخالفات ، وهو يقرأ القرآن تبرُّكًا ، هذا النموذج الذي لا يرضي الله عز وجل ، هذا النموذج من البشر دعا النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن يقول في حقّه :
((ربّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه ))
فيا أيها الأخوة الأكارم ، أتمنَّى على الله ، وعلى كلّ مؤمن إذا قرأ القرآن أن يكون مع نفسِهِ صريحًا ، أن يسأل نفسهُ ، أين أنا من هذه الآية ؟ أين أنت منها ؟ هل أنت مصدّق أنّ هذا كلام الله ؟ إذا كنتَ مصدِّقًا فكيف تعصي الله ؟ كيف تُجيب عن هذا السؤال ؟ كيف يأمرك الله ولا تأتَمِر ؟ وكيف ينْهاك ولا تنتهي ؟ كيف يعِظُك ولا تتَّعِظ ؟ كيف يبشّرك ولا تفرح ؟ كيف يُخيفُكَ ولا تخاف ؟ إذا كان الإنسان في هذا المستوى فمُشْكلته مع نفسه كبيرة ، عندئذٍ لا بدّ من أن ينْهض ليُصْلحَ ما في نفسِهِ قبل أن يهلكَ في الدنيا والآخرة .
القرآن الكريم شفاءٌ لما في الصّدور :
أيها الأخوة الأكارم ، رمضان شهر القرآن ، شهر تلاوة القرآن ، وشهر حفظ القرآن، وشهر تدبّر القرآن ، وشهر فهْم القرآن ، وإذا فرَّغ الإنسان نفسه في رمضان ليقرأ القرآن ، لِيَفْهَمَ أبعاد كلامه ، ويعرف الأمر والنَّهي فقد أكْرمهُ الله أيّما إكرام ، آيات كثيرة تبعث على الرضا ، وتبثّ في النّفس الأمل ، وتبعث على السعادة ، وتلقي الحُزن بعيدًا بعيدًا عن قلبك إذا تلوْتها ، وإنّ القرآن الكريم شفاءٌ لما في الصّدور ، تكفينا هذه الآية ، هناك أمراض نفسيّة كثيرة تُصيبُ النّفس ، ذات الصّدور هي النّفس البشريّة ، قال تعالى :
﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾
ذات الصّدور هي النّفس البشريّة ، فهناك أمراض كثيرة كثيرة تُصيبُ هذه النفس، فإذا تلوْت القرآن الكريم ، فالقرآن الكريم شفاءٌ لما في الصّدور ، القلب مركز الصّدر ، ومركز النفس ، هذا القلب قد يخاف ، قد يحزَن ، قد يضطرب ، قد يُصاب بالهلع ، يقول الله عز وجل:
﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
اجْعَل القرآن ربيع قلبك ، ودستورًا في حياتك ، والمقياس الدقيق الذي لا يخيب ، والحق الذي لا باطلَ معه ، والنور الذي لا ظلام فيه .
يا أيها الأخوة الأكارم ، كان النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ القرآن ، وكان يحبّ أن يستمعَ إليه ، وقد استمَعَ إليه مرّة فانْهَمَرَتْ دُموعه ، وقال للقارئ : حسبُك حسبُكَ .
يا أيها الأخوة الأكارم ، الشقيّ من ابتَعَد عن كلام الله ، والهالك من فعل بِخِلاف ما أمره الله عز وجل ، فرمضان شهر القرآن ، ولْيكن القرآن بعد رمضان رفيقًا لك في حِلّك، وترْحالِكَ ، في عملك ، وفي بيتك ، وفي كلّ مكانٍ توجدُ فيه .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .