وضع داكن
19-04-2024
Logo
الخطبة : 0731 - ذكر الله تعالى1 - قصة معبرة عن حاتم الأصم.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
الحمد لله، ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكلي إلا على الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذنٌ بخبر، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه، ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

نعم الله على الإنسان كثيرة و الشكر يقيدها و يثبتها :


أيها الأخوة الكرام، شيء يحير، ما الموضوع الذي ينبغي أن أبدأ به أول خطبة حرة بعد شهر الصيام؟
أيها الأخوة الكرام: لا يخلو المؤمن من أحوال ثلاثة، لعله في نعمة من الله عز وجل، ينبغي أن يشكر، وإذا كان في ابتلاء من الله عز وجل ينبغي أن يصبر، وإذا كان في ذنب أو تقصير ينبغي أن يستغفر، فإذا كانت أحواله هذه فهو من أسعد الناس، يشكر عند الرخاء، ويصبر عند الابتلاء، ويستغفر عند التقصير أو الذنب.
أيها الأخوة الكرام، نعم الله تترادف على الإنسان، فإذا أراد أن تثبت، إن أراد أن يقيدها عليه أن يشكر، إن أراد أن يحفظها عليه أن يشكر، إن أراد أن يزداد منها عليه أن يشكر.

﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾

[ سورة إبراهيم: 7 ]

والشكر في أصله أن تعزو النعمة إلى الله عز وجل، أن ترى المنعم من خلال النعمة، لا أن تقف عند النعمة، الإنسان بين أحول ثلاثة إن كان في نعمة فعليه أن يشكر، إن شكر قيد هذه النعمة، وإن شكر زادت عليه هذه النعمة:

﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾

[ سورة إبراهيم: 7 ]

شكر الله يقوم على أسس ثلاثة :

أيها الأخوة الكرام، لكن هذا الشكر ينبغي أن يكون على أسس ثلاثة، أولاً: أن يعترف بها باطناً ويتحدث بها ظاهراً، وأن يصرفها في مرضاة الله عز وجل، فأية نعمة صرفت في وجه لا يرضي الله هذا نوع من كفرها، كفر النعمة أن تنفقها فيما لا يرضي الله عز وجل، والمؤمن لعله في حالة أخرى، لعله في محنة من الله عز وجل، ابتلاه بها، فالمؤمن حيال هذه المحنة التي ابتلاه الله بها ينبغي أن يصبر، ومعنى الصبر أن يحبس نفسه عن السخط، وأن يحبس لسانه عن الشكوى، وأن يحبس جوارحه عن المعصية، كاللطم، وشقّ الثياب، ونحو ذلك، فمدار الصبر على هذه الأركان الثلاثة، أن يحبس نفسه عن السخط، وأن يحبس لسانه عن الشكوى، وأن يحبس جوارحه عن المعصية.
أيها الأخوة الكرام، فإذا قام العبد بما ينبغي حيال هذه المحنة انقلبت في حقه منحة، فالمحنة في الصبر تصبح منحاً، لذلك قالوا: ما من محنة إلا وراءها منحة وما من شدِّة إلا وراءها شدَّة إلى الله عز وجل، الشر المطلق لا وجود له في الكون، إنه يتناقض مع وجود الله.

﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾

[ سورة آل عمران: 26 ]

لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار :

 

أيها الأخوة الكرام، إن كان في نعمة عليه أن يشكر، عليه أن يعترف بها باطناً، وأن يذكرها بلسانه ظاهراً، وأن يصرفها في طاعة الله تطبيقاً، وإن كان في محنة، عليه أن يحبس نفسه عن سوء الظن بالله عز وجل، وعليه أن يحبس لسانه عن الشكوى، وعليه أن يحبس جوارحه عن أن ترتكب معصية حيال هذه المحنة، إن فعل ذلك أصبحت الشدة شدة إليه، وأصبحت المحن منحًا من الله عز وجل، ما لك يا بنية؟ قالت: حمى لعنها الله، قال عليه الصلاة والسلام: لا تلعنيها، فو الذي نفسه محمد بيده لا تدع المؤمن وعليه من ذنب.
أيها الأخوة الكرام، فالحالات الثلاث إن كان في ذنب، أو إن كان في تقصير، فالمؤمن ليس معصوماً، لكن قد يقع في مخالفة بسيطة ينبغي ألا يصر عليها، فإذا أصرّ على الصغيرة، انقلبت إلى كبيرة، فقد ورد أنه لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار.

﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً﴾

[ سورة نوح: 10 ـ 12 ]

اعلم علم اليقين أنك في مأمنين، وفي بحبوحتين، وفي سلامتين، مأمن طاعة الله.

﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾

[ سورة النساء: 147 ]

ومأمن الاستغفار، لو زلت القدم، لو انحرفت المسيرة، لو تاه الإنسان، عليه أن يستغفر، فإذا استقام فهو في بحبوحة السلامة، وإذا زلت قدمه فهو في بحبوحة الاستغفار، فإن أذنب ولم يعبأ ولم يستغفر فلينتظر تأديب الله عز وجل.

 

ذكر الله ينقذ الإنسان من وساوس الشيطان :

أيها الأخوة الكرام، الشيء الذي ينبغي أن يفعله الإنسان في أكثر أوقاته هو ذكر الله تعالى، يقول عليه الصلاة والسلام.

((آمركم أن تذكروا الله تعالى ))

[ الترمذي عن زيد بن سلام]

فالعبد لا ينقذ نفسه من الشيطان إلا بذكر الله، فلو لم يكن بالذكر إلا هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقاً بالعبد ألا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى، فإنه لا يحرز أي لا ينقذ نفسه من عدوه إلا بالذكر، ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة، بالذكر تحصن من الشيطان، وبالغفلة يخترق الشيطان الإنسان، وإذا ذكر العبد ربه يخنس الشيطان، يخنس عدو الله، يتصاغر وينقمع، لهذا سمي الوسواس الخناس، معنى خناس: لمجرد أن تذكر الله عز وجل يخنس، ويتراجع، وينمحق.
يقول ابن عباس رحمه الله تعالى ورضي عنه: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله تعالى خنس.
وفي مسند الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:

((ما عمل أدمي عملاً قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز وجل))

[ أحمد عن معاذ بن جبل ]

وقال معاذ: قال رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((ألا أخبركم بخير أعمالكم - دققوا في هذا الحديث - وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوهم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: ذكر الله عز وجل ))

[مالك والترمذي وأحمد في المسند والحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء ]

﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾

[ سورة العنكبوت: 45 ]

أي أكبر ما فيها، لقول الله عز وجل:

﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾

[ سورة طه: 14]

وحينما قال الله عز وجل:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾

[ سورة الأحزاب: 41]

قال علماء التفسير: الأمر هنا ينصب على الذكر الكثير، لأن المنافقين يذكرون الله، ولكن لا يذكرون الله إلا قليلاً، العبرة بالذكر الكثير.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾

[ سورة الأحزاب: 41-42]

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام:

((ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان عليهم حسرة))

[ مسلم عن أبي هريرة]

ذكر الله يشحذ الهمة و يقوي العزيمة :

أيها الأخوة، دققوا في حياتكم، في لقاءاتكم، في اجتماعاتكم، في ولائمكم، واحتفالاتكم، في ندواتكم، في سفركم، في حضركم، دققوا، الحديث حول ماذا؟

﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾

[ سورة الرعد: 28]

لو ذكرت الله عز وجل- وهذه كلمة واسعة جداً- إذا شرحت لهم آيةً فهذا من ذكر الله، إن شرحت حديثاً صحيحاً شريفاً فهذا من ذكر الله، إن رويت قصة صحابي جليل فهذا من ذكر الله، إن بينت حكماً فقهياً فهذا من ذكر الله، إن شرحت آية كونية فهذا من ذكر الله، أي موضوع يقربك إلى الله عز وجل فهذا من ذكر الله، فما من قوم يجلسون مجلساً لا يذكرون الله فيه، إلا قاموا عن أنتن من جيفة حمار، الدنيا تفرق وذكر الله يجمع، الدنيا توحش، وقد لا تجد خبراً ساراً، وقد لا تجد خبراً مريحاً، المسلمون في محنة اليوم، فإذا ذكرت الله عز وجل شحذت الهمة، وقوي العزم، وانعقد الأمل بالله عز وجل.
وفي رواية الترمذي:

(( ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم))

[الترمذي عن أبي هريرة]

ولابد من وقفة قليلة عند: يصلوا على نبيهم، لم يذكروا فضل هذا النبي، لم يذكروا سنة هذا النبي، لم يذكروا أفعال هذا النبي، لم يذكروا شمائل هذا النبي، أم لم يعرفوا رسولهم.

﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾

[ سورة سبأ: 46 ]

(( ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم، إلا كان عليهم تِرةً، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم))

[الترمذي عن أبي هريرة]

شكر النعمة و الاستغفار عند الذنوب :

موضوع واحد، التمهيد إن كنت في نعمة فاشكر، وشكر النعمة أن تعزوها إلى المنعم، وأن يلهج لسانك بها، وأن تصرفها في طاعة الله، وإن كنت في محنة لا سمح الله فاصبر، وأركان الصبر أن تحجب نفسك عن سوء الظن بالله، وأن تمنع لسانك عن الشكوى:

﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾

[ سورة يوسف : 86]

ويعاب من يشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم. وأن تستغفر الله عز وجل فعندئذٍ تنقلب المحنة منحة، وأما في الذنب فأنت في بحبوحتين، إن كنت في طاعة لله فأنت في بحبوحة الحفظ، وإن زلت القدم لا سمح الله أو قصر الإنسان فهو في بحبوحة الاستغفار هذه مقدمة لكن موضوع الخطبة هو ذكر الله تعالى.
وفي صحيح مسلم، عن الأغر بن أبي مسلم قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((لا يقعد قوم يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده - دققوا في لقاء بسيط فيه ذكر الله عز وجل، ففي ذكر الله ترتاح النفوس، تطمئن القلوب، يمتلئ القلب أملاً بالله عز وجل، يمتلئ القلب محبة لله عز وجل، وقد بينت قبل قليل، أن هذا التوجيه واسع جداً أية حقيقة عرضتها، أو استمعت إليها تقربك إلى الله عز وجل فهذا من ذكر الله عز وجل - إلا حفتهم الملائكة- ألهمتك الملائكة رشدك، وهذا من فضل الله عز وجل- وغشيتهم الرحمة - والرحمة حدث عنها ولا حرج، مطلق عطاء الله، راحة القلب رحمة، طمأنينة القلب رحمة، الثقة بالله رحمة، الثقة بالمستقبل رحمة، الطمع في الجنة رحمة، الصحة رحمة، الأولاد الأبرار رحمة، الزوجة الصالحة رحمة، الرزق الوفير رحمة، السمعة الطيبة رحمة، مطلق عطاء الله، تغطي الجوانب المادية، والمعنوية، والنفسية والاجتماعية، والعاجلة، والآجلة - وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة - هذه السكينة من وصل إليها وصل إلى كل شيء، ولو فقد كل شيء، ومن خسرها خسر كل شيء ولو كان معه كل شيء- حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده))

[ مسلم عن الأغر بن أبي مسلم]

وقد جاء صحابي إلى النبي عليه الصلاة والسلام قال: يا رسول الله إن أبواب الخير كثيرة، ولا أستطيع القيام بها كلها، فأخبرني بما شئت أتشبث به ولا تكثر عليّ فأنسى؟ وفي رواية إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ، وأنا كبرت، فأخبرني بشيء أتشبث به فقال عليه الصلاة والسلام:

((لا يزال لسانك رطباً بذكر الله ))

[جامع العلوم والحكم عن عبد الله بن بسر]

وفي الترمذي أيضاً عن أبي سعيد أن رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل:

(( أي العباد أفضل وأرفع درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: الذاكرون الله كثيراً، قيل: يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله ؟- أي الذاكر ذكراً كثيراً أفضل من الغازي في سبيل الله ؟- قال: لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى يتكسر، ويختضب دماً لكان الذاكرون لله تعالى أفضل منه درجة))

[الترمذي عن أبي سعيد]

حياة القلوب تقوم على ذكر الله عز وجل :


أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوع الذكر، وهذا الموضوع أليق الموضوعات أن يكون بعد رمضان، أن تكثر من ذكر الله بعد رمضان، أن تجعل الشهور كلها رمضان، أن تحافظ على مكتسبات رمضان، أن تحافظ على تلاوة القرآن، أن تحافظ على غض البصر وحفظ اللسان، أن تحافظ على إنفاق المال، هذه المكتسبات التي كانت في رمضان ينبغي أن تنسحب إلى ما بعد رمضان حتى تلقى الواحد الديان.
يا أيها الأخوة الكرام، في صحيح البخاري عن أبي موسى عن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:

((مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت ))

[ البخاري عن أبي موسى الأشعري]

الذي لا يذكر الله عند الله ميت، قال تعالى:

﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾

[ سورة النحل: 21 ]

﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾

[ سورة فاطر: 22]

﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾

[ سورة الفرقان: 44]

﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾

[ سورة المنافقون: 4 ]

﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾

[ سورة الأعراف: 176]

هذا الذي لا يذكر الله ميت عند الله، قد يكون جسمه نشيطاً، وقد تكون أعضاؤه سليمة، ونبضه جيداً، وضغطه مناسباً، لو فحص جسمه لكان في أعلى درجة، وهو عند الله ميت، لأن حياة القلب بذكر الله عز وجل، لأن الله عز وجل يقول:

﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾

[ سورة الرعد: 28]

وهذه الآية من أدق الآيات، لو أن الله عز وجل قال: تطمئن القلوب بذكر الله، ليست قرآناً، لأن معنى ذلك أن القلب يطمئن بذكر الله، ويطمئن بغير ذكر الله، أما حينما جاءت العبارة على صيغة القصر والحصر:

﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾

[ سورة الرعد: 28]

لا يمكن أن تطمئن، ولا أن ترتاح نفسك، ولا أن يسكن قلبك، ولا أن تسعد نفسك إلا بذكر الله.

 

الصبر و حسن الظن بالله عز وجل :

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام يقول الله تعالى:

(( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي ..))

[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

وإذا كان الله معك فمن عليك؟ لو أن أهل الأرض كلهم اجتمعوا على أن يضروك لا يستطيعون، ألم يقل الله عز وجل:

﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾

[ سورة آل عمران: 120]

فإذا وصلنا كيدهم، ونزل بنا كيدهم، وأصابنا كيدهم، معنى ذلك أننا لا نصبر ولا نتقي الله عز وجل، حقيقة مرة وهي أفضل ألف مرة من الوهم المريح :

﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾

[ سورة آل عمران: 120]

﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾

[ سورة الصافات: 173]

﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾

[ سورة غافر: 51]

التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة يملأ القلب أمناً و طمأنينة :

أيها الأخوة الكرام، ورد في الحديث القدسي

((أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً))

[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

تحرك نحو الله، اعمل عملاً صالحاً تبتغي به وجه الله، أنفق من مالك في سبيل الله، ادع إلى الله، ائمر بالمعروف وانه عن المنكر، أقم حدود الله، كن مسلماً متحركاً، كن كما قالت السيدة عائشة حينما سئلت عن رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت:

((كان خلقه القرآن))

[ مسلم عن عائشة ]

قيل: الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي، الذي يجلب الناس إلى الدين ليس الكلام الفارغ، وليس الكلام النظري، وليس التأمل التجريدي، وليس الإعجاب السلبي، هذه كلها لا تجذب إلى الدين، الذي يجذب الناس إلى الدين أن يروا مسلماً متحركاً أمامهم، أن يروا مسلماً صادقاً، أن يروا مسلماً أميناً، أن يروا مسلماً عفيفاً، أن يروا مسلماً وقافاً عند كتاب الله، وقافاً عند سنة رسول الله، أن يروا مسلماً متأسياً برسول الله، أن يروا بيتاً إسلامياً، وتجارةً إسلاميةً، وعملاً إسلامياً، ولقاء إسلامياً، لا أن يؤدي الصلوات الخمس، ويعيش في حياته على نمط أهل الغرب، هو في واد والإسلام في واد، علاقته بالدين هذه العبادات الشعائرية لا غير.
أيها الأخوة الكرام، إن تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، تحرك نحو الله، تجد الله عز وجل يملؤك غنىً، ويملأ قلبك طمأنينة، ويوفقك، وييسر أمرك.

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾

[ سورة الليل: 5-7]

وإن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة، المعنى الدقيق لهذا الحديث القدسي أنه لمجرد أن تتحرك نحو الله حركة تجد الله عز وجل يحيطك برعايته، وبرحمته، وبعنايته، وبنصره، وبتوفيقه، وبتأييده، ويملأ قلبك سكينة وطمأنينة، هذا معنى:

((إن تقربت إليه ذراعاً تقرب إليك باعاً ))

[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

وفي الترمذي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:

((إذا مررت برياض الجنة فارتعوا، قالوا: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر ))

[الترمذي عن أنمس]

إن جلست مع إخوانك فاذكر الله عز وجل، وبينت قبل قليل أن تشرح آية، أن تشرح حديثاً، أن تذكر حكماً فقهياً، أن تتلو القرآن، أن تستمع إلى القرآن، أن تفكر في آية كونية، أن تصلي، أن تفعل شيئاً يرضي الله، هذا كله من الذكر.

 

ذكر الله عز وجل واجب على الإنسان في كلّ الأوقات :

وفي الترمذي أيضاً عن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله عز وجل يقول:

((إن عبدي الذي يذكرني وهو ملاقٍ قرنه- عدوه-))

[الترمذي عن عمارة بن زعكرة]

﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾

[ سورة آل عمران: 139]

﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾

[ سورة طه: 45 ـ 46]

إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان الله عليك فمن معك؟ يا رب ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟
أيها الأخوة الكرام، يقول الله عز وجل:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾

[ سورة الأنفال: 45]

لو تتبعت آيات الذكر لوجدتها كثيرة، لوجدت أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال:

(( أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟ قَالُوا : وَذَلِكَ مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))

[مالك والترمذي وأحمد في المسند والحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء ]

تحسر الإنسان يوم القيامة على ساعة مضت لم يذكر الله فيها :

أيها الأخوة الكرام، وحينما وصف الله المؤمنين وصفاً جامعاً مانعاً قال:

﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ﴾

[ سورة الأحزاب: 35 ]

وقال تعالى:

﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً﴾

[ سورة البقرة: 200 ]

أيها الأخوة الكرام، الإنسان يوم القيامة لو أنه نجا من عذاب النار، لو أنه دخل الجنة يتحسر على ساعة مضت لم يذكر الله فيها، الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا بن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
لذلك ورد عن رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما رواه البيهقي أنه قال:

((ما من ساعة تمرُّ بابن آدم لا يذكر فيها إلا تحسر عليها يوم القيامة ))

[ البيهقي عن عائشة]

وعن أم حبيبة زوج النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا أمرًا بالمعروف، أو نهيًا عن منكر، أو ذكراً لله عز وجل ))

[النسائي عن أم حبيبة]

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ قال:

((أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله عز وجل ))

[جزء من حديث أبي بكر بن المقرئ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ٍ]

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: " لكل شيء جلاء وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل، ولكل شيء صقالة، وإن صقالة القلوب ذكر الله عز وجل".

 

الغفلة و طول الأمل خصلتان مهلكتان للإنسان :

يا أيها الأخوة الكرام، يقول الله عز وجل:

﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾

[ سورة الكهف: 28]

﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾

[ سورة لقمان: 15 ]

﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾

[ سورة الكهف: 28]

ليس معنى ،

﴿أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا﴾

أن الله خلق فيه الغفلة، حاشا لله، ومعاذ الله أن نفهم هذه الآية هكذا،

﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا﴾

أي من وجدناه غافلاً، لأن العرب في لغتها تقول: عاشرت القوم فما أبخلتهم، أي ما وجدتهم بخلاء، عاشرت القوم فما أجبنتهم، أي ما وجدتهم جبناء ،

﴿تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ﴾

أي من وجدناه غافلاً ،

﴿عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾

أيها الأخوة الكرام، لا تصاحب إلا ذاكراً لله، لا تصاحب غافلاً عن الله عز وجل، الغفلة عن الله، والأمل في الدنيا خصلتان مهلكتان للإنسان يوم القيامة، الغفلة، والأمل، وأما الذكر وقصر الأمل فهذه من أسباب النجاة للمؤمن يوم القيامة.
أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني. والحمد لله رب العالمين.

* * *

الخطبة الثانية :
أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قصة معبرة عن حاتم الأصم :

أيها الأخوة الكرام، قصة قصيرة، ولكن ونحن في موضوع القصة أية قصة تسمعها ينبغي أن تعرضها على كتاب الله وسنة رسوله، فإن توافقت في مغزاها مع كتاب الله، وسنة رسوله فعلى العين والرأس، وإن لم تتوافق كلياً أو جزئياً ينبغي أن تنظر إليها من زاوية محدودة.
ورد عن أخبار الصالحين أن حاتماً الأصم قال لأولاده وقد أقبل موسم الحج: إنني أريد أن أحج بيت الله الحرام، كلكم يعلم أن الحج كان مشقة كبيرةً، وأن السفر عند الفقهاء مظنة هلاك، السفر كان فيما مضى مظنة هلاكٍ، ولا يزال، لكن الاحتمال أقوى، مظنة هلاك، فقال لأولاده أريد أن أحج بيت الله الحرام، فقال أولاده: ومن يطعمنا؟ ومن يأتي بحاجاتنا؟ وهذا من حقهم، وبحسب أحكام الفقه ينبغي أن تملك الراحلة والصحة والزاد ونفقة الأهل في غيابك، فردَّتْ بنت من بناته، وكانت على درجة عالية من التقوى، قالت: يا أبت اذهب إنك لست برازق، وفي أيام قليلة انتهى الطعام من البيت، ودخلت الأسرة على هذه البنت التقية لتعنفها، ولتوبخها، فخلت البنت بنفسها ورفعت سؤلها إلى ربها، هذه هي الزاوية التي أردت أن أروي القصة من أجلها، زاوية إذا وضعت ثقتك بالله، وإذا توكلت على الله، وإذا اجتهدت أن تفعل هذا اعتماداً على الله، الله عز وجل لا يخيبك، خلت البنت بنفسها، ورفعت سؤلها إلى ربها الذي قال:

﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾

[ سورة الطلاق: 2-3]

ويقدر الرزاق أن أمير البلدة يتفقد أحوال الناس، ووصل إلى بيت حاتم الأصم فشعر بظمأ شديد كاد أن يقتله، فقال لشرطي من الشرطة معه: أدركني بكوب من الماء البارد، فأسرع الشرطي إلى باب حاتم الأصم، ولما علم أهل البيت أن الماء للأمير أحضروا كوباً نظيفاً وماءً بارداً، وهذا من باب: أنزلوا الناس منازلهم، فلما شرب الأمير ووضع الله له اللذة في الماء، سأل، وقال: بيت من هذا؟ قالوا: بيت حاتم الأصم، قال: هذا الرجل الصالح؟ قالوا: نعم، قال: الحمد لله الذي سقاني من بيوت الصالحين، أين هو لأسلم عليه؟ قالوا: هو في الحج، فقال: إذاً وجب علي أن أكافئ أهل بيته في غيبته، وكانت العملة وقتها من الذهب، فأخرج صرة من الذهب مملوءةً، وألقاها في بيت حاتم الأصم، لكن الرزاق أراد لهم المزيد فانطلق لسان الأمير، وقال من أحبني فليصنع صنيعي، فكل من معه رمى بما معه من المال في بيت حاتم الأصم، وذهبوا، وامتلأ البيت مالاً، ودخلت البنت التقية النقية تبكي، فدخلت أمها مع أولادها، لمَ البكاء يا بنيتي؟ وقد أصبحنا في غنى، فقالت: لقد نظر إلينا مخلوق نظرة فأغنتنا، فكيف لو نظر إلينا الخالق؟

 

الإنسان بالدعاء أقوى و أغنى و أعلم الناس :

أيها الأخوة الكرام، ما أردت أن تكون هذه القصة حكماً شرعياً، لا، يجب أن تذهب إلى الحج، وأن تعد نفقة الأهل والعيال، وأن تملك الراحلة والصحة والمال، ولكن لو أن مؤمناً وضع ثقته بالله عز وجل، لو أن مؤمناً عقد الأمل على الله عز وجل، لو أن مؤمناً وثق بالله عز وجل، ألم يقل الله عز وجل:

﴿أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾

[ سورة القصص: 7]

لمن هذه القصة؟ هي لنا، ألم يقل الله عز وجل يحدثنا عن سيدنا يونس:

﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾

[ سورة الأنبياء: 87 -88]

انتهت القصة وجاء التعليق ليجعلها قانوناً قال:

﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾

[ سورة الأنبياء: 88]

يا أخي الكريم هل من مصيبة أكبر من أن يجد الإنسان نفسه في بطن حوت؟ في ظلمة بطن الحوت، وفي ظلمة البحر، وفي ظلمة الليل، في ظلمات ثلاث، ونادى وهو في بطن الحوت:

﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾

[ سورة الأنبياء: 87 -88]

أنت بالدعاء أقوى الناس، أنت بالدعاء أغنى الناس، أنت بالدعاء أعلم الناس، توكل على الله، فوض الأمر إلى الله، استقم على أمره وفوض إليه أمرك.

﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾

[ سورة الأعراف: 144]

﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾

[ سورة الزمر: 66]

مرةً ثانية: ما أردت من هذه القصة أن يستنبط منها حكم شرعي، الله جل جلاله في قرآنه، والنبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده في سنته هما المشرعان، أما قصص نقرأها، نأخذها من زاوية واحدة، لئلا تكون حكماً شرعياً.

الدعاء :

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم لا تقطعنا بقواطع الذنوب، ولا تحجبنا بقبائح العيوب، يا رحمن يا رحيم، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين، اللهم لك الحمد على أن سقيتنا غيثاً، اللهم لك الحمد والشكر، اللهم زدنا ولا تنقصنا، أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، يا رب العالمين، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور