- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى
الحمد لله نحمده، ونستعين به، و نسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق و البشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه، وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
تحديد المشكلة أحد أجزاء الحل
سبب المشاكل الخروج عن تعليمات الخالق
أيها الإخوة الكرام، قالوا: تحديد المشكلة أحد أكبر أجزاء حلها، والعالم الإسلامي اليوم في وضع صعب جداً، هو في مشكلة كبيرة، فإذا حددناها كنا قد سرنا في الخطوة الأولى إلى حلها، مع اعتقادنا جميعاً أنه ما من مشكلة على وجه الأرض إلا بسبب خروج عن منهج الله، إلا بسبب خروج عن تعليمات الصانع، لأن الجهة الصانعة هي الجهة الوحيدة الخبيرة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها، قال تعالى:
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
لا يمكن إن كنت تملك آلة غالية الثمن عظيمة النفع معقدة التركيب، وأصابها خلل أن تدفعها إلى إنسان جاهل، لكنك تحبه، فتدفعها إلى خبير تبغضه، لأنه خبير، وقد قال الله عز وجل:
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
إذاً ما من مشكلة على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة في كل بقاع الأرض، وفي القارات الخمس إلا بسبب خروج عن تعليمات الصانع، وما من خروج عن تعليمات الصانع إلا بسبب الجهل و الجهل أعدى أعداء الإنسان، و الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به.
العدو الحقيقي هو الجهل
ونحن جميعاً نتوهم أن الغرب عدو لنا، هو عدو لنا، وأن الصهيونية العالمية عدوة لنا، هي عدوة لنا، وأن الغرب المستعمر هو الذي يكيد لنا، هو يكيد لنا، ولكن عدونا الحقيقي هو الجهل، الجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به.
الحقيقة الثانية: أن كل الذي ترونه في العالم الإسلامي، وهو يؤلمكم أشد الألم لسبب تافه يموت أناس يقتربون من أربعمئة.
أعراض الإعراض عن الله عزوجل
أيها الإخوة الكرام، الحقيقة الثانية التي ينبغي أن نؤمن بها بعد العلم أن الجهل أعدى أعداء الإنسان أنك حينما ترى ما لا يعجبك فهو أعراض لمرض واحد، هو الإعراض عن الله، هذا الذي يؤلمنا من تخلف، من جهل، من تسرع، من حقد، من بغضاء، من عداوة، من حب للذات، من إطاحة بمصلحة المجموع من أجل مصلحة الفرد، هذا الذي يقلقنا و يؤلمنا و يزعجنا هو في الحقيقة أعراض لمرض واحد، هو الإعراض عن الله.
أرأيت إلى طبيب يأتيه طفل حرارته مرتفعة فيعطيه خافضًا للحرارة، هذا ليس طبيباً، لأن ارتفاع الحرارة عرض، وليس مرضاً، عرض لمرض أعمق، إنه التهاب الأمعاء، فما لم يعالج الطبيب أصل الداء فلا يعد طبيباً.
فكل ما ترونه مما يزعجنا، مما فتحت ملفاته، هذا الذي يزعجنا هو أعراض لمرض واحد، هو الإعراض عن الله.
أعراض البعد عن الله عزوجل
في هذه الخطبة سأتحدث عن عرض واحد من أعراض، البعد عن الله الانتماء للذات، وعدم الانتماء للمجموع، وقد أشرت إلى هذا قبل عدة خطب حينما ذكرت لكم أن مؤامرة غربية انفضت على ماليزيا من أجل تحطيم عملتها، فإذا بالناس يتدافعون ليعطوا البنوك العملة الصعبة، ويأخذوا مكانها العملة الماليزية دعماً لهذه العملة، هذا هو انتماء للمجموع، هذا الانتماء للمجموع يقابله أن المجموع يهتم بالفرد، يهتم بمصلحة الفرد، يهتم بمستوى معيشته، يهتم بمستقبل أولاده، يهتم بمساكن الشباب، يهتم بتزويج الشباب، يهتم بصحة المواطنين، يهتم بمستقبلهم، بمستقبل أولادهم، يهتم بحريتهم، يهتم بكرامتهم.
حقائق مهمة لصلاح الأمة
الانتماء إلى المجموع
أروع شيء في الحياة أن تنتمي للمجموع، والمجموع يحرص على مصلحة الفرد، هذا الموقف الذي أراده الله عز وجل
((... وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إِلَى النَّارِ ))
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ، كَذِئْبِ الْغَنَمِ، يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ، وَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَالْعَامَّةِ ))
نحن دعينا إلى أن نكون مع المجموع، ودعي المجموع إلى أن يرعى الواحد.
أيها الإخوة الكرام، الانتماء إلى المجموع ينبغي أن يقابله اهتمام المجموع بالفرد اهتمامًا حقيقيًّا لا اهتمامًا كلاميًّا، لا اهتمامًا نسمعه، ولا نرى أثره إطلاقاً.
حينما يهتم المجموع بالفرد، ينتمي الفرد إلى المجموع، وذكرت وقتها مثلاً صارخاً أن إنساناً يضطجع في ظل شجرة قطفت ثمارها، وبقيت تفاحة واحدة كبيرة الحجم، زاهية اللون، في أعلاها، ومع هذا الذي يستظل في ظلها منشار آلي، فقطع هذه الشجرة التي كان من الممكن أن تقدم ثمارها اليانعة ثلاثين سنة قادمة، قطع الشجرة ليأخذ هذه التفاحة، هذا الذي يحصل في البلاد التي لا ينتمي فيها الفرد إلى المجموع، من أجل مصلحة خاصة نضحي بالمصلحة العامة، وهذا ذكره النبي عليه الصلاة والسلام حينما جاء بمثل رائع،
((عَنِ النُّعْمَانِ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَثَلُ الْمُدْهِنِ فِي حُدُودِ اللَّهِ، وَالْوَاقِعِ فِيهَا مَثَلُ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً، فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَسْفَلِهَا، وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَعْلَاهَا، فَكَانَ الَّذِي فِي أَسْفَلِهَا يَمُرُّونَ بِالْمَاءِ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا، فَتَأَذَّوْا بِهِ، فَأَخَذَ فَأْسًا، فَجَعَلَ يَنْقُرُ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ، فَأَتَوْهُ، فَقَالُوا: مَا لَكَ ؟ قَالَ: تَأَذَّيْتُمْ بِي، وَلَا بُدَّ لِي مِنْ الْمَاءِ، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَنْجَوْهُ، وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ، وَإِنْ تَرَكُوهُ أَهْلَكُوهُ، وَأَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ ))
الانتماء للمجموع ينبغي أن يقابله اهتمام المجموع بالفرد، هذه الحقيقة الأولى.
الطبع والتكليف: الحقيقة والآثار
الحقيقة الثانية: الإنسان معه طبع، ومعه تكليف، الطبع خصائصه التي هي أقرب إلى جسمه، يحب الراحة، يحب أن يأخذ المال ليستمتع به، يحب أن يخوض في فضائح الناس، يحب أن يملأ عينيه من الحرام، هذا هو الطبع، أما التكليف فهو غض البصر، عكس الطبع، التكليف إنفاق المال، التكليف الاستيقاظ على وقت الفجر، التكليف ضبط اللسان، هذا التناقض بين التكليف والطبع هو ثمن الجنة.
الآن هذه الحقيقة مقدمة، طبع الإنسان فردي، والتكليف جماعي، فأنت بقدر الانتماء إلى طبعك تكون فردياً تؤثر مصلحتك على مصلحة الآخرين، تؤثر أن تأكل وحدك، وأن تستمتع بالحياة وحدك، وأن تكون الدنيا لك وحدك، وأن تكون غنياً وحدك، وأن يكون أولادك في أعلى مستوى وحدك، وأن ينالوا أعلى الدرجات وحدك، بينما الانتماء للمجموع تؤثر أن يكون العطاء مشتركاً تؤثر مصلحة المجموع على مصلحتك فمن هو الذي ينتمي لفرديته ؟ هو الذي لا يطيع ربه، ومن هو الذي ينتمي لمجتمعه ؟ الذي يطيع الله عز وجل، فأنت تنتمي إلى المجموع بقدر طاعتك له، وتنتمي إلى ذاتك بقدر معصيتك لله، هذه الحقيقة الثانية.
الاعتصام بحبل الله
الحقيقة الثالثة: قال بعضهم يهزأ بوحدتنا: صفر زائد صفر يساوي صفرًا، ما قيمة وحدتنا، ونحن أصفار ؟ لكن الرد على هذا الكلام أن الله عز وجل يقول:
﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ﴾
نحن حينما نعتصم بغير حبل الله صحت مقالة هذا الإنسان، صفر زائد صفر يساوي صفرًا، أما إذا اعتصمنا بحبل الله حبل الله يجمعنا، حبل الله يؤلف قلوبنا، حبل الله يجعلنا أقوياء، حبل الله يجعلنا متحابين
(( الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ ))
(( حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَوَاصِلِينَ فِيَّ ))
المؤمنون بعضهم لبعض نصحة متوادون، ولو ابتعدت منازلهم، والمنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون، ولو اقتربت منازلهم.
أيها الإخوة الكرام، لا يكفي أن نتحد، بل لا بد من أن نعتصم بحبل الله، لا بد من قيمة تجمعنا، لا بد من مبدأ يجمعنا، لا بد من دين يؤلف قلوبنا، قال تعالى:
﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾
الطرف الآخر:
﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ﴾
أيها الإخوة الكرام، الدنيا تفرق ولا تجمع، لأن المصالح محدودة، والأطماع كثيرة، والفرص محدودة، فلا بد أن يأكل بعضنا بعضاً من أجل الدنيا، بينما الآخرة تجمع، لأن فضل الله عظيم، الآخرة تتسع للخلق جميعاً، الآخرة هي فضل الله عز وجل يؤتيه من يشاء، فنحن نتنافس على الدنيا، ونقتتل من أجلها، ولا يمكن أن نقتتل من أجل الآخرة، فإذا نقلنا اهتماماتنا إلى الآخرة تعاونا، وتآلفنا.
شيء آخر، المؤمن قوي بأخيه، لذلك قال تعالى:
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾
معنى بالباطل أي مال أخيك هو مالك من زاوية واحدة، من زاوية الوجوب على حرصه، فلأن تمتنع عن أكله من باب أولى، قال تعالى:
﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ﴾
المسلمون بين الماضي العريق والحاضر المؤلم
أيها الإخوة الكرام، أنا بعيد كل البعد عن العبارات الخطابية، ولكنني سأستخدمها قليلاً، لقد عاشت أمتنا قروناً تزيد على العشرة، وهي واسطة العقد، مجدها في الجوزاء أو أعلى، ونورها كالشمس أو أجلى، الجانب مهيب، والراية خفاقة، والكلمة مدوية، هكذا كنا، كنا رعاة للغنم، فعرفنا ربنا، والتفتنا إليه، وأقمنا أمر الله بيننا، فجعلنا الله قادة للأمم، ما الذي حصل ؟ ما برح الزمان حتى مضى بالمجد قوم آخرون، وأصبح لا يرى في الركب قومي، وقد عاشوا أئمته سنين، وآلمني وآلام كل حر سؤال الدهر: أين المسلمون ؟ أين هؤلاء المسلمون الذين ردوا الفرنجة ؟ أين هؤلاء المسلمون الذين ردوا التتار ؟ أين هؤلاء المسلمون الذين وصلت رايتهم إلى مشارف الصين ؟ أين هؤلاء المسلمون الذين وصلوا إلى مشارف باريس ؟ أين هؤلاء الذين علموا أهل الأرض الحضارة، أين هم ؟
صلاح الفرد صلاح للمجتمع
اليوم أيها الإخوة بعد عقود من الهوان والتخلف، وتراجع الدور الحضاري نبحث عن مخرج، إن بناء الأمم هدف شريف ينشده المصلحون، ويبذلون جهدهم وعرقهم ودمهم لتحقيقه، وصناعة الإنسان الهدف الأول في منظومة الإصلاح الأممي، الفرد فسد، الفرد يأخذ ما ليس له، يعتدي على أعراض الناس، الفرد ينافق، يتكلم بما لا يؤمن، ويأخذ ما ليس له، وإن فساد الفرد أعظم مشكلة على الإطلاق.
أيها الإخوة الكرام، صلاح الفرد هي الركيزة الأساسية التي تعقد عليها الآمال، و تناط بها التطلعات، المجتمع أفراد، إذا صلح الفرد صلح المجتمع، وإذا صلحت الأسرة صلح المجتمع، ومحال على أمة تعاني في ذاتها من الأدواء المريرة والعلل المستعصية أن تكون قادرة على مد يدها إلى الآخرين بالنور والهداية والعلاج الناجع، نحن أصحاب رسالة، في الأصل هل نستطيع أن نقنع طفلاً في العالم برسالتنا ؟ لأننا ضعاف ومتخلفون، وبأسنا بيننا، وفي حياتنا فتن، وفي حياتنا انتماء إلى الذات، لا انتماء إلى المجموع، والعكوف على إصلاح حال الأمة هو الخطوة الأولى لتحقيق خيريتها، ألم يقل الله عز وجل:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
خالق السماوات والأرض يقول: أصبحتم بهذه الرسالة خير أمة، فما بالنا أصبحنا في الدرجة السفلى من الأمم، ما بالنا ؟
هذه الحقيقة المرة وهي أفضل ألف مرة من الوهم المريح ما السبب ؟ قد تأتي ابنة أخيك إلى بيتك، وهي ترتدي ثياباً فاضحة، تظهر كل خطوط جسمها، ترحب بها أجمل ترحيب، وتشيد بجمالها وأناقتها، وأنها أصبحت فتاةً شابة، ولا تجرؤ أن تلفت نظرها إلى ثيابها الفاضحة، ضربت هذا المثل فقط، وهناك مئات ألوف الأمثلة:
﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾
عدم التناهي عن المنكر سبب هلاك الأمة.
أمة الاستجابة وأمة التبليغ
أيها الإخوة الكرام، اضطر العلماء إلى أن يقسموا أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمتين، أمة الاستجابة، وهي خير أمة أخرجت للناس، وأمة التبليغ، الأمة المقصرة، وما من آية تنطبق علينا الآن كالآية التي وردت في حق أهل الكتاب:
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
الرد الإلهي:
﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
كأمة من هذه الأمم الشاردة.
إن ما يصيب العالم يصيبنا، وما يصيب العالم يصيبنا باستمرار.
أيها الإخوة الكرام، إن من غايات هذا الدين العظيمة الحفاظ على وحدة الأمة، وعلى تماسكها من التهتك والتمزق والشتات، إن هذه الغاية الشريفة اجتماع الكلمة ينبغي أن تكون محل اتفاق من قبل كل من ينتمي إلى هذه الأمة أفراداً أو جماعات، أو دولاً أو غير ذلك، إن الأمة لا تقبل تنازعاً، قال تعالى:
﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا ﴾
سلم المسلمين واحدة، وحربهم واحدة، فلا تسالم دولة أو تعادي دون دولة، وحينما افترقنا في مواقفنا وفي سياساتنا ضعفنا، إن الأمة لا تقبل تنازعاً، ولا تفاوضاً، ولا مساومة في أمر يعد سراً من أسرار البقاء، ومن أسرار الصدارة على بقية الأمم، وإن الانتماءات الفرعية لا يجوز أن تكون على حساب الانتماء الأعظم، ولا أن تكون انشقاقاً، ولا شغباً عليه، إن معرفة قواعد توحيد الكلمة، ثم تنزيلها على أرض الواقع يصنع صفاءً في النفوس، وجمالاً في الأخلاق، وإشراقاً في الوجوه، ونجاحاً في العمل، وتذويباً للمشكلات العالقة، ودفعاً للنوائب الحادثة.
من أحكام الدين الاجتماع في العبادات
الآن إلى أحكام هذا الدين العظيم:
إن الاجتماع من شعائر هذا الدين الحنيف، فصلاة الفرد في المجموع تزيد على صلاة الفرد بسبع وعشرين ضعفاً، وصلاة الجمعة، لماذا هذا الاجتماع ؟ قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾
صلاة الجماعة من الفرائض التي جاءت في هذا الدين، والاحتشاد خلف إمام واحد، والحج الذي تحتشد له الأشتات من كل فج عميق، وتزدحم بهم الرحاب بلباس واحد، وهتاف واحد، لبيك اللهم لبيك، أكبر دليل على أن الوحدة والاجتماع مع الآخرين هي من صلب هذا الدين، بل حتى في السفر، فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ، وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ ))
وفي الحديث الصحيح عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ ))
ومتى فتح المجال لجرثومة الفرقة وفيروس الاختلاف فإن العاقبة مخيفة، والثمن مدفوع من قوة الأمة وجهدها، والدافع له غالباً هو ضعف النفوس، وفساد الأخلاق، والطمع في الجاه والمال والرياسة.
أيها الإخوة الكرام، نحن بحاجة لا تؤجّل إلى أن نغرس في الجيل الصاعد حب الوحدة والاجتماع، والنفور من الفرقة، هل تصدقون أن الألعاب التي تصنع في العالم الغربي لأطفالهم لا يمكن أن تكون لعبة إلا على أساس جماعي، حتى يكون في دم الطفل كرية بيضاء وكرية حمراء، وكرية الجماعة كرية التعاون ؟!
أيها الإخوة الكرام، لا بد من أن نربي أولادنا على التعاون، لا بد من أن تكون مشاريعنا أساسها التعاون، الآن الفرد وحده لا ينجح حتى في التجارة، حتى في الصناعة، حتى في الزراعة، الحياة معقدة جداً، لا بد أن نبني حياتنا على التعاون.
أذكر لكم قصة رأيتها بأم عيني في السودان، بلادنا الحبيبة مساحتها 185 ألف كيلومتر مربع، كم هي المساحة الصالحة للزراعة فيها ؟ ربع هذه المساحة، فيما أخبرني أستاذ مختص بالجغرافية، والمساحة المزروعة من هذا الربع ربع، يعني أن المساحة المزروعة ربع الربع من 185 ألف كيلومتر مربع كم، والفضل لله محصول القمح ستة ملايين طن أحياناً، وحاجتنا إلى مليون، والحمضيات سبعمئة ألف طن، وتصدر والزيتون، نحن في مصاف الدول الأولى في الزيتون على هذا ربع الربع، السودان 150 مليون كيلو متر مربع كم هي المساحة الصالحة للزراعة ؟ 150 مليون كيلو متر مربع صالحة للزراعة، ونهر النيل يروي كل هذه المساحات، لأن معظمه يصب في البحر، وتحتاج السودان إلى ثماني مليارات دولار لإنشاء البنية التحتية، والمسلمون يضعون في المصارف الغربية الرقم الذي سمعته ألف مليار من أموال المسلمين مستثمرة في البلاد الغربية، وبلد تشكل مساحته أكبر مساحة في العالم العربي يحتاج إلى ثماني مليارات، أين التعاون ؟ والسودان تستطيع أن تطعم العالم العربي كله، الآن دول كبيرة جداً تشتري مساحات بإفريقيا من أجل الزراعة.
أيها الإخوة الكرام، نحن في أمسّ الحاجة إلى التعاون، ولكن بعدنا عن الله عز وجل هو الذي يجعلنا متناحرين.
أقول لكم هذه الكلمة، وأقولها كثيراً: آية واحدة تنطبق على اثنين، على شريكين، على زوجين، على جارين، على أخوين، على أسرتين، على حيين، على قبيلتين، على عشيرتين، على شعبين، على دولتين، على أمتين، على حضارتين، الآية:
﴿ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾
أنت تحبني بقدر طاعتك لله، وأنا أحبك بقدر طاعتي لله، فإذا أطعنا الله كنا يداً واحدة، لأن المعصية تفرقنا، والمعصية تسمح للشيطان أن يوقع بيننا العداوة والبغضاء، يكفي أن نستقيم على أمر الله حتى يحب بعضنا بعضاً.
أيها الإخوة الكرام، أحاول أن أضع يدي على الجرح الذي يؤلم أمة محمد عليه الصلاة والسلام، أحاول أن أضع يدي على الجرح الذي ينزف، وما يزال ينزف.
مفهوم الأمة الواحدة في خطر
أيها الإخوة الكرام، مفهوم الأمة الواحدة يتعرض الآن لامتحان عسير ـ دققوا ـ الطرف الآخر ماذا يطرح أينما حل يبحث عن الطائفية، أكراد وسنة، وشيعة ويمين، ويسار، أينما حل، أما في بلاده فلا ينطق إنسان بكلمة تشير إلى الطوائف، هل سمعتم في الخمسين سنة الماضية أن حادثاً وقع في بلاد بعيدة، هل يقال: إن الذي أوقعه أنه كاثوليكي أو بروتستانتي ؟ أبداً، لا يمكن هناك المواطنة، هناك مئتا طائفة ومئتا لون، ومئتا عرق يذابون في وطن واحد، ونحن إله واحد، ولنا قرآن واحد، و نبي واحد، و أهداف واحدة، و آمال واحدة، ولغة واحدة، و نحن فرق وأحزاب وطوائف، وبأسنا بيننا، هذا هو المخطط تصريح رسمي لوزير خارجية سابق، يقول: أنا لا يعجبني أن يكون العالم مئتي دولة، أتمنى أن يكون خمسة آلاف دولة، و هو يخططون للشرق الأوسط الكبير بمئات الدول، و يكرسون الطائفية و المذهبية، هذا من أجل أن يستولوا على ثروات هذه المنطقة، هدفهم الثروات.
أيها الإخوة الكرام، إلى متى نحن في غفلة ؟ متى نتعاون ؟ متى يحب بعضنا بعضاً ؟ متى أضع حظي تحت قدمي من أجل مصلحة أمتي الإسلامية ؟ متى إذا عزّ أخي أهن أنا ؟
أيها الإخوة الكرام، الحقيقة أن هناك فردية مقيتة، أي الفرد هو الأمة، وفي القرآن الفرد هو الأمة، لكن شتان يبن المعنيين، الفرد في القرآن هو الأمة:
﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
أي هذا الإنسان الواحد في مقام أمة بعلمه وصدقه ودعوته وعمله، ويوجد إنسان أمة، كل مصالح البشر له وحده، هذا أمة، وهذا أمة، وشتان بين الرجلين.
أيها الإخوة الكرام، كلما انتمى الإنسان إلى المجموع أرضى الله عز وجل، وكلما غلب مصلحة المجموع على مصلحته أرضى الله عز وجل، وكلما انتمى إلى المجموع انتمى المجموع إليه.
إخوتنا الكرام، حديث شريف: عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأَى سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ))
أنت قوي بمالك، أو قوي بعلمك، أو قوي بمنصبك، فإذا آثرت أن تنصف هذا الضعيف، أن تطعمه إذا كان جائعاً، أن تكسوه إن كان عارياً، أن تعينه إن كان ذا حاجة، أن تؤويه إن كان مشرداً، أن تعالجه إن كان مريضاً، أن تعلمه إن كان جاهلاً، أن تنصفه إن كان مظلوماً يتولاك الله عز وجل، و ينصرك على من هو أقوى منك تكريماً لك.
فأنا أقول لكم والله بالتعبير الدارج: لا نشم رائحة النصر إذا كان هناك ظلم كبير في مجتمعنا، قد تجد زوجاً ملأ قلبه قسوة يتفنن في إذلال زوجته، وفي حملها على ما لا تستطيع، لأنه يعلم أنه لا ناصر لها، فمادام في حياتنا ظلم، مادام القوي يأكل الضعيف، والغني يستغل الفقير فلا يمكن أن ننتصر على أعدائنا.
وأختم الخطبة الأولى بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ))
وحينما أرسل النبي عليه الصلاة والسلام عبد الله ابن رواحة إلى خيبر ليقيّم تمر اليهود أغروه بحلي نسائهم، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ:
(( أَفَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْبَرَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كَانُوا، وَجَعَلَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَخَرَصَهَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ أَنْتُمْ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ، قَتَلْتُمْ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَذَبْتُمْ عَلَى اللَّهِ، وَلَيْسَ يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ، قَدْ خَرَصْتُ عِشْرِينَ أَلْفَ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَلِي، فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، قَدْ أَخَذْنَا فَاخْرُجُوا عَنَّا ))
أقسم لكم بالله العظيم أن الصحابة إذا فهموا الإسلام كما نفهمه واللهِ ما كان الإسلام ليخرج من مكة، بل لا يصل إلى المدينة، فنحن عندنا مظاهر رائعة، مساجد، مؤتمرات، كتب، مؤلفات، ندوات، المظاهر الإسلامية مدهشة وصارخة، تعال إلى البيوت، تعال إلى الأسواق، هل هناك إنصاف ؟ هل هناك أمانة، صدق، رحمة ؟ فنحن هكذا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.
* * *
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سينا محمد عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الضعف الجسدي
في الخطبة الأولى شكوت إليكم تفرقنا، وفي هذه الخطبة أشكو إليكم ضعفنا الجسمي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ))
مسلم من بين المسلمين يهتم بغذائه الصحي ؟ والغذاء الصحي أرخص أنواع الأغذية، كم من مسلم يهتم بالرياضة ؟ يهتم بتدريب جسمه، يهتم بلياقته الصحية، يهتم بكماله في جسمه
(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ))
أنا لا أقول: إن الرياضة تطيل الأعمار، ولكن هذا العمر الذي سمح الله لك أن تعيشه إما أن تعيشه واقفاً متحركاً، أو أن يعيش الإنسان معظمه في السرير ضعيفاً عبئاً على الآخرين، ماذا قال الله عز وجل ؟
﴿ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ﴾
شيء آخر، قال تعالى:
﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾
ولما رأت ابنته لسيدنا شعيب مظاهر القوة في سيدنا موسى، قال تعالى:
﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾
حديث وآيتين، قال تعالى:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
ألمح أحياناً أن بعض الدعاة يخشى من هذه الآية أن يقولها بلسانه، لأن فيها كلمة إرهاب، يخاف أن يتهم بالإرهاب، قال تعالى:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
في الخمسين سنة الماضية الدول التي تملك سلاحاً نووياً هل جرؤت دولة على أن تجتاح أرضها ؟ لم تستخدمه إطلاقاً، لكن هذا سلاح رادع، هكذا علمنا القرآن الكريم، هذه الآية لمنع الإرهاب، هذه الآية لئلا يدنس قرآننا في أمريكا، هذه الآية لئلا تأتي امرأة وتخطب، وتصلي بالناس استفزازاً للمسلمين، هذه الآية لئلا ترسم الكعبة على أحذيتهم، نحن حينما نملك السلاح القوي نكن مرهوبي الجانب.
أيها الإخوة الكرام، قال تعالى:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
عندهم في بلاد الغرب لا يستطيع الطبيب أن يزاول مهنته إلا بترخيص كل عام، لكن متى يعطى الترخيص ؟ إذا حضر ثلاثة مؤتمرات يعطى الترخيص، قد تجد طبيباً تخرج سنة 58، ولم يفتح كتاباً حتى الآن، ويسيء للمرضى، قال تعالى:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
إذاً: هذه الآية لمنع الإرهاب.
أيها الإخوة الكرام، الآن النبي عليه الصلاة والسلام عاش في الصحراء، حيث لا يوجد ماء إطلاقاً، لماذا أعطانا توجيهاً أن نعلم أبناءنا السباحة ؟ لو أن قضية معطيات بيئة ما في ببيئته ماء إطلاقاً، لكنه ينطق عن وحي يوحى، علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل، هذا كي نكون أقوياء.
الآن هناك بحث لطيف جداً، أن حركات الصلاة تضمنت تحريك جميع العضلات، وجميع المفاصل، وهي حركات تعتبر من أنسب الرياضات للصغار والكبار، والنساء والرجال، لدرجة أنه لا يستطيع أي خبير من خبراء الرياضة أن يضع لنا تمريناً واحداً يناسب جميع الأفراد والأجناس والأعمار، ويحرك جميع الأعضاء والمفاصل في فترة قصيرة، كما تفعل الصلاة، وأكددت الدراسات الطبية أن حركات الصلاة من أنفع ما يفيد الذين أجريت لهم عمليات انضغاط للفقرات، وتجعلهم يعودون سريعاً إلى أعمالهم.
هذه هي الصلاة رياضة كلها.
حدثني مرة طبيب يعالج مريضًا من أقربائي، أصيب بخثرة بالدماغ، قال لي: حدثوه، ما فهمت أبعاد هذا التوجيه، ثم شرح لي، قال لي: الإنسان حينما يسأل يضطر إلى أن يجيب، فتتحرك نشاطات دماغه، فتأتي التروية زائدة إلى دماغه، ثم قال: العضو الذي يعمل لا يضمر، لذلك قلما يصاب الذي يشتغل بالعلم بالخرف، قلما يصاب ـ لا أقول كقاعدة مطلقة، لا ـ قلما يصاب بالخرف، لأنه يعمل بعقله، المسلم يصلي الظهر، أول ركعة فيها قراءة، الثانية فيها، الثالثة ما فيها قراءة، فيها قعود بين الأربع ركعات، فهناك نشاط دائم في الصلاة، وقراءة القرآن الكريم تجعل الإنسان بعيداً عن الخرف، لذلك من عاش تقياً عاش قوياً، وفي حديث لا يرتقي إلى مستوى الصحة: من تعلم القرآن متعه الله بعقله حتى يموت.
أنت في مأمن من الخرف، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا، هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوْ الدَّجَّالَ، فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ، فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))
أعمال الحج رياضة بدنية عظيمة، فيها حركة وهرولة ولباس موحد، وخشونة في العيش، لو تتبعنا مناسك الحج لوجدنها دورة رياضية عالية المستوى، والحج يذكرنا بالرحلة الأخيرة، لأنه في الحقيقة رحلة قبل الأخيرة، في حياة النبي، في تربية أصحابه، في تصميم التشريع سبق واضح إلى التربية البدنية الحديثة، وقد أصبحت تمارس اليوم في جميع الدول الراقية.
كنت مرة في واشنطن، والله الناس في الطرقات بوقت مبكر زرافات ووحدانا يملؤون الطرق مشياً، هناك وعي رياضي عال جداً، لماذا المسلمون ضعاف وأعداءهم أقوياء ؟ يتمتعون بأهلية في بدنهم عجيبة جداً.
أيها الإخوة الكرام، الآن عندنا مصطلح جديد، اسمه الطب الرياضي، أحد التخصصات الجديدة جداً، هذا الطب يكفي أن تمارس الرياضة بشكل أو بآخر، وبعد الأربعين المشي وحده كافٍ لتقوية عضلات القلب.
أيها الإخوة الكرام، لا أحب أن أتحدث أكثر من ذلك، ولكن عباداتنا وحدها رياضة، وإذا مشينا فهذا كل يوم رياضة، وإذا اخترنا الطعام المناسب فهو رياضة، وإذا اهتممنا بصحتنا فهو رياضة.
أقول لكم هذه الكلمة: صحتك ليست ملكك، ملك زوجتك، وملك أولادك، وملك بناتك، و ملك إخوانك المؤمنين، وملك المجتمع الإسلامي، أنت إنسان متفوق خبير، تقدم خدمة للمسلمين كبيرة جداً، صحتك ليست ملكك وحدك.
شكوت إليكم في هاتين الخطبتين تفرقنا وضعفنا الجسمي.
الدعاء
اللهم انصرنا على أنفسنا حتى ننتصر لك حتى نستحق أن تنصرنا على أعدائنا، اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، وصلى اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.