- أحاديث رمضان / ٠14رمضان 1428هـ - القوانين والمقاصد
- /
- 2- رمضان 1428 هـ - مقاصد الشريعة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
مقدمة لحكمة الصيام:
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس مقاصد الشريعة، والموضوع اليوم حكمة الصيام، ولا بد من مقدمة تكون إضاءة لما سيكون في هذا اللقاء.
1 – علَّةُ أيِّ أمرٍ أنه أمرٌ:
أولاً: قال علماء الأصول: علَّةُ أيِّ أمرٍ أنه أمرٌ، فيكفيك أن تلتقي بأعلى طبيب في البلدة يحمل أعلى شهادة، مشهود له بالكفاءة وبالإخلاص وبالتوفيق، يقول لك: دع المحل، قد لا تفكر أن تسأله لماذا ؟ من شدة ثقتك به، فمن علامات الإيمان أنك ترى أن كل أمر لأنه من الله فهذا كاف، قد لا تحتاج إلى أي تعليل، ولا إلى أي تفسير، ولا إلى أي حكمة، ولكن نحن كدعاة لا بد من توضيح الحِكم، فلعل المؤمن يزداد بالحكمة اقتناعاً، على كلٍّ علة أي أمر أنه أمر، هذه الحقيقة الأولى.
2 – من حكمةِ المربِّي تبيينُ العلة والحكمة:
لكن ربنا عز وجل حينما أمرنا أعطانا بعض الحكم، وهذا أسلوب رائع جداً، أنت كآمر لست محتاجاً أن تعلل، افعل وكفى، لكنك كمربٍّ تقدم الأمر، وتبين حكمته.
مقاصد الصيام:
1 ـ التقوى:
يقول الله سبحانه وتعالى:
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) ﴾
لعلكم تتقون هي حكمة الصيام.
1 – معنى: تتقون:
تتقون من فعل وقى، والوقاية لا تكون إلا من شر.
2 – ماذا تتقون ؟
لعلكم تتقون عقاب الله عز وجل، لعلكم تتقون غضب الله عز وجل لعلكم تتقون سخط الله عز وجل، لعلكم تتقون ضياع الآخرة وخسارة الآخرة، لعلكم تتقون الشقاء.تتقون من وقى، كيف أتقي سخط الله ؟ بطاعته، إذاً: لعلكم تطيعون، كيف أتقي غضب الله عز وجل ؟ بالعمل وفق مرضاته، إذاً: لعلكم تستقيمون على أمره.
2 ـ رمضان دورة سنوية مكثفة:
الآية واضحة جداً، كأن الله عز وجل في هذا الشهر، أرادنا أو أراد البعض، أو أراد الكل، أو أراد كلاً بحسب مرتبته، أن يكون رمضان قفزة نوعية في علاقته مع الله، لعلكم تتقون: أي لعلكم تستقيمون على أمر الله استقامة تامة، كيف ؟
هذه دورة سنوية مكثفة، هذه الدورة ثلاثون يوما صلاة في المسجد، وعشرون ركعة بعد العشاء، وفي النهار غض بصر، وضبط لسان، وإنفاق مال، وتلاوة قرآن، فأنت تدربت على الطاعات، وعلى إتقان العبادات، وعلى الاتصال برب الأرض والسماوات ثلاثين يوما، لعل هذه الدورة التدريبية تعينك على متابعة الطريق مع الله عز وجل.
لكن الحكمة الدقيقة أن الله في رمضان منعك من المباح، منعك من الطعام والشراب فأنت غير معقول إطلاقاً أن تقترف معصية في رمضان، إنك تركت المباح تركت الطعام والشراب، أيعقل أن تكذب ؟ أيعقل أن تغش المسلمين ؟ أيعقل أن تحلف يميناً كاذباً ؟ أيعقل أن تحتال على الناس ؟ مستحيل، وإلا يكون خناك خلل في توازن الإنسان.
لذلك مِن حِكم الله عز وجل في فريضة الصيام أن يكون الصيام قفزة نوعية تحملك على طاعة الله الطاعة التامة، ولعل هذه الطاعة التي حصلتها في رمضان تنسحب على كل العام، معنى ذلك أن كل رمضان قفزة، رمضان الثاني قفزة، الثالث قفزة، القفزة تتبعها استقامة، لذلك البطولة أن الذي ألِفته في رمضان من الطاعات، وضبط الشهوات، وضبط الجوارح، وضبط الدخل والإنفاق، والتلاوة، والصلوات، هذه القفزات النوعية في العبادة، وفي التقرب إلى الله ينبغي أن تستمر على كل العام، عندئذ يحقق هذا الشهر الفضيل الغاية المرجوة منه.
لكن الشيء الذي يؤلم أشد الإيلام أن معظم الناس بعد رمضان يعودون إلى ما كانوا عليه، إذاً: عندئذ لا يعد رمضان قفزة نوعية، بل يعد موجة طارئة، وعدنا إلى ما كنا عليه، هذا الذي لا يريده الله أن يكون في رمضان.
3 ـ الصيام عبادة الإخلاص:
شيء آخر: أحياناً تكون ثقةُ الإنسان بنفسه ضعيفة، ومن رحمة الله عز وجل، ولأنه رب العالمين أحياناً يلقي في روعك أنك يا عبدي مخلص لي، لأن الصيام عبادة الإخلاص.
والله شيء لا يصدق، العالم الغربي ما يتصور مسلما جائعا عطشا دخل بيته ولا أحد يراقبه، وما من إنسان يطلع عليه، وبإمكانه أن يضع في فمه لقمة، أو أن يضع في فمه قطرة ماء، لا يقدر، لأن الصيام عبادة الإخلاص.
إن إنسانا من غير بلاد، ومن غير ثقافة جالسا مع مسلم في رمضان قال له: كل، فقال: أنا صائم، قال: أغلق الستار وكل، لا أحد يراك، أنت في رمضان تشعر بإخلاصك لله، وتكون في أشد حالات العطش، وأشد حالات الجوع، والطعام بين يديك، والماء بين يديك، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تأكل أو تشرب.
هذا يذكرنا بأن بعض البلاد الغربية حرمت الخمر عام ألف وتسعمئة وثلاثة وثلاثين، التفاصيل قد لا تصدق، أكثر من أربع ملايين نشرة، أكثر من خمسمئة إنسان أودعوا السجن، وأربعمئة رجل أعدموا، التفصيل الآن لا أذكره بدقائقه، أما الإجراءات التي تمت، ثم أعلن فشل هذا التحريم، وعادوا، وسمحوا به، القرآن الكريم بآية واحدة تقريباً معظم المسلمين في شتى بقاع الأرض لا يشربون الخمر.
إن الله عز وجل في هذا الشهر أرادك أن تؤمن بنفسك أنك مخلص، هذه عبادة الإخلاص.
إن الله دفَعك إلى أن تقفز قفزة نوعية في رمضان، ثم دفعك إلى أن تثق بنفسك، هذه عبادة الإخلاص، وما من نظام وضعي في الأرض يمنعك أن تأكل، وما من نظام وضعي يمنعك أن تنظر إلى امرأة أجنبية، فالصيام وغض البصر هاتان عبادتان يختص بهما الدين، وأي نظام آخر لا يمنعك أن تنظر إلى الحرام، فترى طبيبا عظميا مؤمنا حافظا لكتاب الله عنده رداء أبيض، وفتحة صغيرة، يضع الرداء فوق المرأة، ثم يضع الفتحة فوق الألم، ويعالجها، لأن عنده مبادئ، وهناك حالات كثيرة جداً من الضياع، لكنك تجد المسلم وقافا عند حدود الله.
إذاً: أحياناً أنت بحاجة أن تثق بنفسك، أحياناً أنت بحاجة أن تعتقد أنك مؤمن، وأن الله يحبك، وأنت مخلص، فهذا من معاني الصيام عبادة الإخلاص.
4 ـ الصيام عبادة الافتقار:
الشيء الآخر، قال تعالى:
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) ﴾
هناك غفلة عند بعض الناس الأغنياء والأقوياء، المال بين يدي أحدهم كثير، أوامره نافذة، له مكانة إما تجارية، أو صناعية، أو له منصب رفيع، دائماً كل ربع ساعة يأتيه فنجان قهوة، وكأس شاي، وبعد ذلك عصير، ثم صحن فاكهة، لا يشعر بالجوع إطلاقاً، ولا العطش، كل حاجاته الجسمية متوافرة بأعلى مستوى، هذا الإنسان غافل عن أنه عبدٌ لله، عن أنه مفتقر إلى الطعام والشراب، الطعام والشراب متوافر، فأحياناً هذه العبادة تشعرك أنك مفتقر إلى الله.
أيها الإخوة الكرام، لا شك أن كل واحد منا مفتقر إلى الله، أيّ أن الإنسان عبد لله، مؤمنا كان أو غير مؤمن، مستقيما كان أو غير مستقيم، صالحا كان أو طالح، فإنه يحتاج إلى هواء، يحتاج إلى نبض، فنبض القلب أنت مفتقر إليه، وأي خلل في النبض تنتهي الحياة.
سيولة الدم أنت مفتقر إليها، فيتجمد الدم تصاب بجلطة في الدماغ، ففي مكان تصاب بشلل، وبمكان تصاب العمى، وبمكان تصاب بفقد ذاكرة.
الخلايا تنمو، فلو أن هذا النمو اضطرب لانتهت الحياة، فأنت في قبضة الله، وكلمة ( أنا ) لا معنى لها إطلاقاً.
أنت مفتقر فضلاً عن أن يكون نمو الخلايا طبيعياً، وفضلاً عن أن يكون الدم سائلاً، وفضلاً عن أن تكون الأوعية واسعة، وفضلاً عن أن يكون الدماغ حياً، وأن القلب ينبض، فأنت مفتقر إلى زوجة أيضاً، فلو أن المرأة استغنت على الزوج لغنى أبويها، أو لشدة حاجتيهما إليها لكنت أغنى الناس، ولكن النساء للرجال خلقن، ولهن خلق الرجال.
أحياناً ينشأ خلاف بين أخ وزوجته، تذهب إلى بيت أهلها، يمضى أسبوع أو أكثر، إذا التقيت به وجدتَه متوترا، لأنه مفتقر إلى زوجة، وأحياناً هي تسأل أباها ما الذي حصل ؟ لأنها مفتقرة إلى زوجها، فأنت مفتقر إلى الله، ومفتقر إلى طرف آخر من أجل أن تعرف عبوديتك لله عز وجل.
قد يكون لإنسان منصب رفيع، مكانة كبيرة، في م الصيف الحارة هو وعلمه الكبير، وفهمه العظيم، ومكانته الكبيرة، وأمره النافذ كل خواطره في النهار كأس عصير، كأس ماء، طعام يحبه، الله عز وجل أشعرك بعبوديتك له،.
بالمناسبة، المؤمن إحساسه بالعبودية في كل أشهر العام، لكن رمضان دورة مكثفة، أنت برمضان تعرف قيمة الطعام والشراب، في نهارِ شهر آخر الثلاجة أمامك، تشرب ماء باردًا، ومرة فنجان قهوة، ومرة كأس شاي، ومرة كأس عصير، أما في رمضان فلا تحس أنك مفتقر إلى الطعام والشراب، لذلك قال العلماء: " هناك عبد الشكر، وهناك عبد القهر "، عبد القهر أنت في قبضة الله عز وجل، وأنت مفتقر إلى الله، أما عبد الشكر وأنت في الإفطار وأنت في الأشهر العادية تشعر أنك مفتقر إلى الله عز وجل، بطولتك أن تكون مفتقراً في السراء والضراء، لكن معظم الناس في الرخاء كما قال تعالى:
﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)﴾
ينسى الله عز وجل، لكن في الشدة يقول: لا إله إلا الله، هذه مقبولة، أنت قلت هذا الكلام مقهوراً، لكن كمؤمن كبير يجب أن تقول ذلك وأنت في أعلى درجات القوة، يجب أن تقول ذلك وأنت في أعلى درجات الصحة، يجب أن تقول ذلك وأنت في أعلى درجات الغنى، هذه هي البطولة، البطولة أن تفتقر إلى الله وأنت قوي، وأنت غني، وأنت صحيح، هذا هو الإيمان، فلذلك من عرف الله في الرخاء عرفه في الشدة.
5 ـ الصيام جوع اختياريٌّ من المسلم:
أيها الإخوة الكرام، شيء آخر، أنتم في رمضان بالتعبير النفسي تجوعون جوعاً اختيارياً، أنت اخترت أن تصوم رمضان، لأنك مسلم، وهذه فريضة ثانية، أنت جعت جوعاً اختيارياً.
مرة عالم كبير كان أستاذ رياضيات في سان فرانسيسكو، وكان ملحدا، لأن والده عنفه تعنيفا شديدا حينما انتقد أستاذ التربية المسيحية، فلما انتقد الأستاذ طرده من البيت، هذا الطرد قلبه إلى ملحد، وهو ذكي جداًَ، وصار بأعلى درجات العلم، وصار أستاذ الرياضيات، ويمنح الدكتوراه بسان فرانسيسكو، هذا الإنسان جاءته فتاة شرق أوسطية تحضر الدكتوراه في الرياضيات، أرسلها إليه أستاذه لمشكلة في أطروحتها، يقول هذا الملحد: إن هذه الفتاة المحجبة حجابا كاملا، مع أن الفتيات في أمريكا شبه عرايا، قال: لا بد من أنها تملك قناعات معينة، وقال: أنا شعرت أنها قديسة، وأنها امرأة عظيمة، مع أنها لم تقل له كلمة في الإسلام، لكن بحجابها فقط، وعكف من توه على قراءة القرآن، إلى أن وصل إلى قوله تعالى:
﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ﴾
فعدّها من أخطاء القرآن الكريم، أين فرعون ؟ وكان له صديق اسمه موريس بوكاي، رئيس المشرحة في باريس، قال له: تقول: إن الكتاب المقدس كتاب من عند الإله، لا خطأ فيه أبداً، وهو يتحدّث عن القرآن، قال: فرعون الذي ذكره الله في القرآن رممت جثته بيدي، وجاء من مصر إلى فرنسا، وأعطاه الصورة، الآن أسلم، وصار من أكبر الدعاة في أمريكا، وألّف الكتاب الثالث، وقد وصلني قبْل فترة.
شيء رائع جداً، هذا الإنسان سبب إيمانه أن امرأة محجبة مستقيمة لفتت نظره، لذلك يقول بعض ما جاء بالأثر:
(( استقيموا يستقم بكم ))
أحيانا موقف أخلاقي واحدٌ يحدِث صدمة عند الناس، وقد يدفعك هذا الموقف إلى أن تسلم.
6 ـ صيام رمضان مشاركة وجدانية مع المجتمع:
هذا الرجل جيفري لنك يبدو أنه في أيام الصيف الحارة كان صائماً، وتلوى من الجوع، ما تمكن أن يتابع الدوام في الجامعة، وترك الجامعة، وجاء إلى البيت ظُهرًا يتلوى من الجوع، شاهد على الشاشة المجاعات في إفريقيا، فذاق طعم الجوع، وصاح: هنا يا رب فهمت حكمة الصيام، ووضعه المادي جيد جداً، لما رأى الجياع الفقراء في إفريقية، وهو ذاق الآن طعم الجوع الشديد وطعم العطش شعر بالصيام، فلذلك الصيام مشاركة وجدانية بينك وبين الفقراء.
واللهِ مرةً أحد إخواننا الكرام، وهو رجل ميسور الحال، في العيد استقبل عامل التنظيفات، وأكرمه، وهذا إنسان محروم من أشياء كثيرة في الحياة، فعلامة إيمانك الرحمة في قلبك.
من دون مبالغة أقول: ويل للقاسي قلبُه، وتكاد تكون أعماله كلها لا جدوى منها، قال تعالى:
﴿ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ (22) ﴾
علامة إيمانك رحمتك، ترحم زوجتك، ترحم أولادك، ترحم موظفيك، أنا بحكم اطلاعي على بعض المشكلات ترى الإنسان ينفق في اليوم مئة ألف، ويحاسب موظفا يعطيه معاشا لا يكفي عشرة أيام، والموظف مقهور، فإذا نزعت الرحمة من قلوبنا استحق هذا المجتمع سخط الله عز وجل، وفي الأثر: إن أردتم رحمتي فارحموا خلقي، والراحمون يرحمهم الله.
والله أيها الإخوة، موقف رحيم يساوي ألف ركعة نافلة، موقف رحيم، موقف فيه شهامة، فيه تعاون، فيه حل مشكلة، لذلك رمضان من حكمته أنه مشاركة وجدانية مع المجتمع.
7 ـ صيام رمضان أحد أسباب استجابة الدعاء:
شيء آخر، الصيام أحد أسباب استجابة الدعاء، لأن آية الدعاء جاءت ضمن آيات الصيام، قال تعالى:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (186) ﴾
أنت في هذا الشهر مستجاب الدعوة، وهذه نعمة كبيرة، وأنت بالدعاء أقوى إنسان، الدعاء سلاح المؤمن.
8 ـ رمضان إلى رمضان يكفِّر ما بينهما:
شيء آخر، رمضان إلى رمضان يكفر ما بينه من الذنوب، مكفرات، ما في كبائر الذنوب الصغائر من رمضان إلى رمضان تغفر، إذاً شهر مكفر، شهر فيه دعاء مستجاب، شهر فيه مشاركة وجدانية، شهر فيه استشعار العبودية لله عز وجل، شهر الإخلاص، شهر الاستقامة التامة على أمر الله.
9 ـ الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة:
شيء آخر، الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، تقرأ القرآن وأنت صائم، لذلك قال بعض العلماء: إن أعلى درجة من الثواب في قراءة القرآن أن تقرأه في صلاة واقفاً، أو أن تستمع إليه وأنت في المسجد، في مسجد، وفي صلاة، وأنت واقف، إلا من كان معذوراً، وهذا متوافر في صلاة الفجر، وصلاة التراويح، والحمد لله.
10 ـ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ، فأَعظِمْ بهما:
شيء آخر، للصائم فرحتان، أحد هم وكان ضعيفا في اللغة قرأها: فرختان، بالخاء، فدعاه شخص إلى الإفطار، ووضع له دجاجة، قال له: أين الثانية ؟
(( لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ ))
لذلك استنبط العلماء من بعض الأحاديث أن الموت عرس المؤمن، الموت تحفة المؤمن، والدليل أن أحد الصحابة الكرام وهو سيدنا سعد بن الربيع تفقده النبي عقب غزوة أُحُدٍ فلم يره، فبعث من يسأل عنه في ساحة المعركة، فإذا هو بين الموتى، لكن لم يمت بعد، قال له الرجل: يا سعد، لقد بعثني إليك النبي عليه الصلاة والسلام لأرى هل أنت مع الموتى أم مع الأحياء ؟ قال له: أنا مع الموتى، ولكن أبلغْ رسولَ الله مني السلام، أن جزاه الله خير ما جزى نبيا عن أمته، وبلغ أصحابه أنه لا عذر لكم إذا خُلص إلى نبيكم، وفيكم عين تطرف، فقد كان في أعلى درجات السعادة وهو يلقى الله.
حدثني أخ كان في طائرة اضطربت في الجو اضطرابا شديدا، وكادت تقع، قال: وضعُ الركابِ شيء لا يوصف، هذا الذي يضرب وجهه، هذا الذي يمزق ثوبه، هذا الذي يندب حظه، فإذا لم يعرف الإنسان الله كان الموت أكبر مصيبة عنده، فهذا الصحابي كان في أعلى درجات السعادة، و والله الذي لا إله إلا هو لقد قرأت أكثر من سبعين سيرة للصحابة الكرام، كلهم كان بينهم قاسم مشترك واحد، أنهم كانوا في أسعد لحظات حياتهم عند لقاء ربهم، فالموت تحفة المؤمن،
(( لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ ))
أيها الإخوة الكرام، الصيام نظام أمة بأكملها، مليار وخمسمئة مليون يأكلون في وقت واحد، ويدَعون الطعام في وقت واحد، ويتوجهون إلى الصلاة في وقت واحد، هذا هو النظام، والصيام عبادة جماعية، والنظام حضارة.
حينما ترى أن مسلمين في الصين الشمالية صائمون مثلك تشعر بانتماء أممي، تحس أن الإسلام عالمي، الإسلام دين أهل الأرض.
أيها الإخوة، هذه بعض حِكم الصيام، ونحن إن شاء الله في درس قادم نتحدث عن عبادة، أو عن قضية في الدين كبيرة، نتحدث عن مقاصدها الشرعية، والله الموفق.