- أحاديث رمضان / ٠14رمضان 1428هـ - القوانين والمقاصد
- /
- 2- رمضان 1428 هـ - مقاصد الشريعة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الإخوة الكرام، لازلنا في سلسلة دروس عن مقاصد الشريعة الإسلامية، وقد تحدثنا عن الصلاة والصيام والزكاة، وننتقل الآن إلى موضوع الحج، ولكن لا بد من مقدمة.
مقدمة حول مقاصد الشرع من فريضة الحج:
1 – الشريعة عدالة وحكمة ورحمة ومصلحة مطلقة:
قال بعض العلماء: " الشريعة عدل كلها، رحمة كلها، حكمة كلها، مصلحة كلها
فأيّة قضية خرجت من الرحمة إلى القسوة، ومن العدل إلى الجور، ومن المصلحة إلى المفسدة، ومن الحكمة إلى خلافها، فليست من الشريعة، ولو أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل "، لماذا ؟ لأن هذه الشريعة من عند الله، والله سبحانه وتعالى كامل كمالاً مطلقاً، قال تعالى:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180) ﴾
فهو كامل كمالاً مطلقاً، وشريعته كاملة كمالاً مطلقاً، لذلك:
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3) ﴾
2 – كمالُ الشريعة وتمامُها نوعيٌّ وعددي:
النقطة الأولى: أن الإكمال نوعي، وأن الإتمام عددي، أي أن عدد القضايا التي عالجها تام تماماً كاملاً، وأن طريقة المعالجة كاملة كمالاً مطلقاً، فالموضوعات التي عالجها الدين تامة، والموضوعات التي لم يعالجها الدين هناك حكمة من عدم معالجتها لا تقلّ أهمية عن التي عالجها.هناك أشياء متغيرة تُركت لكل زمان ومكان، وهناك أشياء أساسية عولجت.
مقاصد الشرع من فريضة الحج:
هذا ينقلنا إلى عبادة هي عبادة الحج، قال تعالى:
جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ (97)
تقوم مصالحهم الأخروية والدنيوية على معرفة الله عز وجل.
1 – الحجُّ عبادة العُمر:
الحج عبادة من أرقى العبادات، لماذا ؟
إذا صح أن الصلاة عبادة يومية، وهي شحنة يومية، وإذا صح أن صلاة الجمعة عبادة أسبوعية، وهي شحنة أسبوعية، وإذا صح أن رمضان عبادة سنوية، وهي شحنة سنوية، فإنه يصح أيضاً أن الحج عبادة العمر، الصلاة كل يوم خمس مرات، صلاة الجمعة مرة في الأسبوع، الصيام شهرٌ في السنة، أما الحج فهو عبادة العمر.
لكن ما الحكمة الكبرى من الحج ؟
أحياناً تكون الدنيا حجاباً بين العبد وربه، الحالة الحادة الخطيرة المهلكة هي المذكورةُ في قوله تعالى:
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) ﴾
2 – الحجُّ انتقال بالبدن والروح:
لا تبتعد كثيراً، فإن البلاد التي فيها رخاء يفوق حد الخيال فيها بعدٌ عن الله يفوق حد الخيال، فيها تصحر، فيها قلب قاسٍ، لا يجتمع في المسجد إلا بضعة أشخاص، وفي بلاد أخرى فيها ضغوط، هذه الضغوط أكبر باعث إلى الله عز وجل، فلذلك يستنبط أن الحج فرض على الأغنياء، والمال حجاب، والمكانة حجاب، والثراء حجاب، والمنصب حجاب، والدنيا العريضة حجاب، لذلك الله عز وجل كتب على الناس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا، لكن العبادات الأخرى تؤدى، وأنت في وطنك، وأنت في مدينتك، وأنت في قريتك، وأنت في بيتك، وأنت في عملك، إلا أن هذه العبادة متميزة فلا تؤدَّى إلا في مكان مخصوص، وفي وقت مخصوص، وهي عبادة تجمع بين أن تكون بدنية، وأن تكون مالية، فيها إنفاق، وبين أن تكون متحركة فيها انتقال من مكان إلى مكان.
حكمة الله اقتضت أن يضع لنفسه بيتًا:
أيها الإخوة، الإنسان له طبيعة مادية لا شك في ذلك، فحكمة الله اقتضت أن يتخذ لنفسه بيتاً، قال تعالى:
﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) ﴾
الله عز وجل اتخذ لنفسه بيتاً، مع أنه في كل مكان، وفي كل زمان، وهو معكم أينما كنتم، لكن لماذا اتخذ لنفسه بيتاً ؟ من أجل أن تكون زيارته مكلفة.
للتقريب: هناك أب أستاذ رياضيات، والابن طالب في الشهادة الثانوية، أبوه يدرِّه من غير مقابل مادي، فترى الابن قلّما يطلب من والده أن يعطيه درساً، وإذا سأله والده يجيب الابن بأن دراسته حسنة، لكن لو أن طالبا ضعيفا في الرياضيات، واشتغل في الصيف بمبلغ معين، والدرس بألف ليرة، ودفع من تعبه، وعرق جبينه قيمة هذه الدروس تجده في أثناء الدرس كتلة من الإصغاء، كتلة من الاهتمام، وإذا أنهى الدرس المدرس قبل خمس دقائق ينزعج، لأنه دفع له ثمن الوقت كاملا.
لما تكون هذه العبادة مكلِفة، فيها سفر، فيها إنفاق مال، فيها ازدحام، فيها حر، دفعت ثمن هذا اللقاء، ومن دون ثمن لا يكون اللقاء حاراً، اللقاء فاتر، أما بالثمن فاللقاء حار.
3 – الحجُّ عقدُ صلةٍ بالله عزوجل:
هناك نقطة دقيقة، لمَ لا يكون الحج في مكان جميل ؟
والله هناك أماكن في الأرض جميلة جداً، فيها جبال خضراء، فيها بحيرات، فلمَ كان الحج في وادٍ غير ذي زرع ؟
لأن الله عز وجل أراد أن يلغي المتع الحسية، بل هناك ازدحام لا يحتمل، وحر لا يحتمل، ومناظر قاسية لا تحتمل، وفي جهة أخرى من العالَم جبال خضراء رائعة، و سواحل، و أجواء لطيفة، ونسيم عليل، وفي مكة لا النسيم عليل، ولا الجبال خضراء، ولا بحيرات، ليس هناك إلا ازدحام وحر، الله عز وجل ألغى المتع الحسية في الحج لحكمة بالغة، قال تعالى:
﴿ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ (37) ﴾
الحج فيه هدف واحد ؛ أن تنعقد لك صلة مع الله متينة من نوع آخر، والسبب أنه مدفوع الثمن الباهظ، لذلك هناك حكمة بالغة ؛ أن الإنسان حينما يتفرغ لأداء هذه العبادة يكافئه الله عز وجل بتفريغ نفسه من هموم الدنيا، واسألوا أي حاج صادق في حجه عنده مشكلات لا تنتهي في بلده، فإذا توجه إلى بيت الله الحرام فرغ الله نفسه من كل هموم بلده.
مرة حاولت أن أمتحن هذه المقولة، فكنتُ كلّ فترة أستدعي قضية تقلقني في بلدي فما تبقى ثانية في ذهني حتى تتلاشى رأساً.
حينما فرغت نفسك لأداء هذه العبادة فرغ الله لك قلبك من هموم الدنيا، وكل حاج صادق يعرف هذه الحقيقة، وما دمت في مناسك الحج فأنت مندمج منغمس في سعادة لا توصف.
4 – الحجُّ مكان اليسر والسعادة:
شيء آخر، أنت في بلدك تصلي، وكأنك تسبح بعكس التيار، هناك جهد كبير حتى يجتمع قلبك على الله، لكن هناك في الحج كأنك تسبح مع التيار بيسر، فتشعر باتصال بيسرٍ، تشعر بإقبال بيسر، تشعر بتألق بيسر، تشعر بخشوع، أرادك الله أن تذوق طعم قربه.
ما معنى: لبيك اللهم لبيك ؟ تقول: لبيك اللهم لبيك، طبعاً معناها دعوة، تعال يا عبدي، تعال إلى بيتي الحرام لتذوق طعم القرب، لبيك اللهم لبيك، تعال يا عبدي إلى بيتي الحرام لتزاح عن كاهلك هموم كالجبال، لبيك اللهم لبيك، تعال يا عبدي، وذق طعم القرب مني، فكلمة: ( لبيك اللهم لبيك ) تعني أن هناك دعوة، الله عز وجل يدعوك، لذلك عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ))
مرة ثانية: تمشياً مع الكيان المادي للإنسان اتخذ الله له بيتاً هو بيت الله الحرام، قال تعالى:
﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) ﴾
5 – الحجُّ تذكير برحلة الموت والحشر:
الآن ماذا تعني تلبية هذه الدعوة ؟ هي دعوة من الله تعني أن الله أحبُّ إليك من بيتك، ومن زوجتك، ومن أولادك، ومن مكان عملك، ومن أناقتك، لا يعرف فضل الثياب المخيطة إلا من حج بيت الله الحرام.
في بلدك ثياب محيطة ومخيطة ومريحة، أما في الحج فثيابك قطعتان من القماش، الأولى تلف بها جسمك من ناحية الأسفل، وقطعة ثانية تضعها على كتفيك، ولا يعرف قيمة الثياب إلا من ارتدى ثياب الإحرام، لماذا ؟
أنا أقول هذه الكلمة: هناك رحلة أخيرة هي الموت، وسيشيع الإنسان إلى مثواه، وقد يكون الإنسان غنيا يرتدي أجمل الثياب، فيلفّ عند موته بكفن من أرخص أنواع الأقمشة، فكأن الحج رحلة قبل الأخيرة، فالله عز وجل منعك في الحج أن تتعطر، منعك في الحج أن تحلق شعر رأسك، منعك في الحج أن تتطيب، وألبسك قطعتين من القماش، ليكون أغنى إنسان في الحج كأفقر إنسان، الثياب كلها ثياب رخيصة يلف بها الحاج جسمه.
إذاً: أراك الله ساعة الحشر يوم يقوم الناس لرب العالمين.
6 – الحجُّ عبادة المساواة:
ملايين تقف في عرفات، كلهم بثياب الإحرام، وهكذا يوم الحشر
ليس هناك تفاوت طبقي في، ولا مراتب عسكرية، ولا مراتب مدنية، ولا دكتور، ولا نائب ملك، ولا ملك، ولا رئيس جمهورية، ولا وزير، كل المناصب والرتب العسكرية والمدنية والمكانة العلمية والرتب الاقتصادية والحجم المالي يتلاشى في الحج، لأنها عبادة المساواة، على الحدود معبر للهيئة الدبلوماسية، ومعبر لركاب الدرجة الأولى، لكن في الحج لا مكان لطواف علية القوم، الطواف طواف، والسعي سعي، والوقوف بعرفات وقوف بعرفات، فلذلك من عظمة هذه العبادة أن الناس متساوون، قال تعالى:
﴿ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) ﴾
﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ (94) ﴾
أيها الإخوة، اللباس من الدنيا، بل إن مكانتك الدنيوية يعبر عنها بلباسك، فهناك إنسان يعتز بأوسمته، أوسمة، أو رتب، أو ثياب أنيقة جداً، غالية جداً، فمكانتك في الدنيا يعبر عنها بثيابك، أما حينما ترتدي قطعتين من القماش فقط غير مخيطة، وغير محيطة، وبلا ثياب داخلية فهذا شيء صعب جداً، وأكبر إنسان، أغنى إنسان، وأفقر إنسان سواء، كأنها رحلة قبل الأخيرة.
أيها المؤمن تدرب، هناك حشر من دون مراتب يأتي الإنسان ربه فرداً.
7 – الحجُّ عبادة الحبُّ:
أيها الإخوة، مقاصد الحج كثيرة جداً، ففي الطواف يعبر به عن الحب، أحيانا إنسان من فرحه بشيء يطوف حوله دون أن يشعر، فالطواف طواف المحب حول محبوبه، لذلك ترى الإنسان وهو يطوف حول الكعبة يعدّ الأشواط شوطا شوطًا، وهناك مَن يمسك مسبحة، كلما طاف شوطا يسحب حبة، وهناك مَن يمسك بعدّاد، وإنسان يعدُّ الأشواط بساعته، وإنسان آخر بآلة حاسبة، لكن حينما ينشغل بعدد الأشواط ينشغل عن الله عز وجل، فأنت في هذا المكان مكلف أن تقبل على الله، هذا البيت بيت الله
فلذلك إذا طاف الإنسان طواف المحب حول محبوبه فكله مناجاة،
والذي يؤلم أشد الألم أنك تلتقي بحاج يحدثك عن كل شيء في الحج إلا عن الحج، إلا عن مناسك الحج، إلا عن مشاعر المؤمن وهو يطوف حول بيت الله الحرام، إلا عن مشاعر المؤمن وهو يسعى بين الصفا والمروة، إلا عن مشاعر المؤمن إذا وقف في عرفات، لذلك من خطأ الناس الكبير أن تصبح الرحلة عبادة شكلية، جلس في عرفات، والحديث فيها عن الطعام والشراب والسياسة، وفلان قال كذا، وفلان قال كذا، أنت في عرفات في أعظم أيام حياتك، أنت في لقاء مع خالق السماوات والأرض، فلذلك المؤمن الصادق إذا وقف في عرفات يبتعد عن الناس قليلاً، ويتوجه إلى شجرة يجلس في ظلها، ويناجي ربه
هذا أعظم يوم في حياة الإنسان على الإطلاق، جئت من أطراف الدنيا، إنسان يأتي من الصين، من أمريكا، قطع الآلاف من الأميال حتى يقف في عرفات، أيعقل أن يكون أمر الله أن تقف في هذا المكان فقط، أو أن تستمع إلى نشيد ؟ لذلك خطأ كبير لما يغفل الإنسان عن خطورة هذا اليوم.
إذا أصبح الحج حركات وسكنات وسلوكا معينا فقد فَقَدَ الحج قيمته، أنت في لقاء مع الله مستمر ومتنوع، الطواف له معنى، السعي له معنى، الوقوف بعرفة له معنى، ونحر الأضاحي له معنى، والحلق له معنى، والتحلل له معنى، تفقهوا قبل أن تحجوا، هذه عبادة العمر، وعبادة ينتظر أن تكون شحنتها كافية إلى نهاية العمر مع أن النبي عليه الصلاة والسلام فيما روي عنه أنه قال: قال الله تعالى:
(( إن عبدا أصححت له جسمه، ووسعت عليه في المعيشة تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم ))
8 – الحجُّ عبادة الصدق ومعاداة الشيطان:
إذاً: الحج شحنة العمر، وينتظر أن تعود من الحج بنفسية جديدة، وبمعرفة جديدة، وباستقامة تامة، لأنك تقف أمام الحجر الأسود، وتشير إليه، وتقول: بسم الله، والله أكبر، اللهم إيمانا بك، وتصديقاً لكتابك، واتباعاً لسنة نبيك، وعهداً على طاعتك
وحينما تقف لرمي الجمرات فإنك تقف موقف صدق، لأنك إذا عدت من الحج، وعدت إلى ما كنت عليه من التقصير والمخالفات فمن الذي رجم الآخر، الذي رجم هو إبليس، مَن المرجوم ؟ هذا الذي نقض عهد الله بعد الحج، فلا يصح الرجم إلا إذا كان هناك عهد موثق، يا رب، أنا أعادي إبليس، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) ﴾
لذلك رجم الشيطان له معنى، وتعبير رمزي، أحياناً هناك من ينتقد بعض مناسك الحج ممن هو بعيد عن هذا الدين العظيم، إنسان يحتل منصبا رفيعا في دولة إسلامية أدى مناسك الحج، أعجبه النظام، أعجبه عناية المسؤولين هناك بمناسك الحج، وبالأماكن المقدسة، قال: والله الحج رائع، لكن لو نظّموه ي خمس دورات، كل شهرين موسم حج يكون أخف على الناس، وقال لي أحدهم: الذي يريد أن يحج يحُج في المملكة، كأن الحج يمكن أن يكون في مكان آخر، هناك جهل كبير جداً بمناسك الحج، فحينما ترجم إبليس هذا الرجم له معنى، هذا عهد على معاداة الشيطان، قال تعالى:
﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا (6) ﴾
إذا وقف الإنسان في عرفات، دققوا في هذا الكلام، ولم يغلب على ظنه أن الله غفر له فلا حج له، من وقف في عرفات، ولم يغلب على ظنه أن الله غفر له فلا حج له، فالحج عبادة، عبادة تعدّ تاج العبادات، عبادة العمر، فيها شحنة مديدة، فيها أيام معدودة، يوم لطواف القدوم، ويوم للسعي بين الصفا والمروة، ويوم التوجه إلى منى، والمبيت في منى، ويوم للوقوف في عرفات، ويوم للمبيت في مزدلفة، ويوم لرمي الجمرات، ويوم لمناسك الحج الأخرى، ويوم للزيارة، إنها عبادة مديدة مكلفة، فهي عبادة الأبدان وعبادة المال، وعبادة الانتقال من مكان إلى مكان، لذلك، قال تعالى:
﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)﴾
جعل الله عز وجل:
﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ (97) ﴾
ملخّص مقاصد الصلاة والصيام والزكاة والحج:
ففي الصلاة قال تعالى:
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ (45) ﴾
وفي الصيام:
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) ﴾
وفي الزكاة:
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ (103)
وفي الحج قال تعالى:
﴿ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (97) ﴾
حينما تعلم أن الله يعلم حلّت كل مشكلاتك، والدليل، قال تعالى:
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا (12)﴾
فعلة خلق السماوات والأرض أن تعلموا:
﴿ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (97)﴾
علة خلق السماوات والأرض أن تعلم أن الله على كل شيء قدير وأنه أحاط بكل شيء علماً.
احذروا من تفريغ الحج من مضمونه الحقيقي وتكثير الحشود بقلوب فارغة:
فلذلك الإنسان قبل أن يحج عليه أن يفقه حكمة مناسك الحج، فلعل الله عز وجل يمنحه من فضله ؛ أن يقف في هذه المناسك، وفي تلك المشاعر الموقف المناسب، وإذا عاد إلى بلده ينبغي أن يحدث الناس بهذه المشاعر، أما الحديث عن الطرقات وعن الماء البارد الذي يوزع مجاناً، وعن الخدمات، فهذا حديث لا علاقة له بالحج إطلاقاً.
إذا ضعفت هذه العبادة اكتفى الناس بأداء المناسك أداء شكلياً، وعندئذ يحج أربعة ملايين،
((... وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ ))
أربعة ملايين الكتف بالكتف، والصدر بالبطن، والأماكن مزدحمة، ومع ذلك المحصلة: لا يوجد نصر، هذا كلام مؤلم، يقول أربع ملايين، يا الله، و المحصلة ليست كلمة المسلمين هي العليا، و ليس أمرهم بيدهم، و للطرف الآخر عليهم ألف سبيل و سبيل، معنى هذا يوجد خلل في حياتنا في خلل في عباداتنا في خلل باستقامتنا في خلل بفهمنا لهذا الدين.
((... وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ ))
الآن المسلمون مليار وخمسمئة مليون يتربعون على أخطر مكان في العالم، وعلى ثروات لا يعلمها إلا الله، وهم أفقر شعوب الأرض، وعندهم ثروات لا يعلمها إلا الله، فلذلك حينما يبتعد الناس عن دين الله عز وجل تؤدى العبادات أداء شكليا، فيحج الناس للسمعة أحياناً، ولمنافع يبتغونها من الحج.
أيها الإخوة الكرام، لا بد من فهم مقاصد الشريعة، وحينما تفهم مقاصد الشريعة ربما انتفعت من هذه العبادة، وربما تألقت من هذه العبادة.