- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (003)سورة آل عمران
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس الأربعين من دروس سورة آل عمران ، ومع الآية السادسة والأربعين بعد المائة ، الآية الكريمة :
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾
وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
1 ـ ( كم )الخبرية و ( كم )الاستفهامية :
كأين بمعنى كم الخبرية ، وكم لها استعمالان ؛ كم الخبرية ، وكم الاستفهامية ، تسأله : كم كتابا عندك ؟ استفهامية ، قد تقول : كم كتاب عندي ! أي عندي كتب كثيرة ، فإما أن تسأل ، وإما أن تفتخر ، كم كتاب عندي ؟ أي عندي كتب كثيرة ! تسأله : كم كتابا عندك ؟ فإما أن نستخدمها استفهاماً ، أو إخباراً ، لذلك إعرابها كم الخبرية ، أو الاستفهامية ، كأين تساوي كم الخبرية أو الاستفهامية .
2 ـ مَن هو الرِبٍّيّ ؟
كم من نبي ، أي ما أكثر الأنبياء الذين قاتل معه ربيون كثير .
الربي هو الرباني ، الإنسان الذي عرف الله فأخلص له ، وجعل كل وقته ، وعمله ، وطاقته ، وجهده ، وماله في سبيل الله ، سئل رجل : كم الزكاة ؟ فقال : عندنا أم عندكم ؟ غريب كم دينا يوجد ؟ قال : ما عندنا ؟ وما عندكم ؟ قال : عندكم اثنان ونصف بالمائة ، أما عندنا فالعبد وماله لسيده ، هؤلاء :
﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ(10)أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾
هؤلاء الذين انطبق عليهم قول الله عز وجل :
﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ ﴾
باعوا أنفسهم ، وباعوا أموالهم ، نظير الجنة ، فلذلك :
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ﴾
العبرة أيها الإخوة ، ألا نهزم من الداخل .
﴿ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ﴾
لماذا قال الله عز وجل :
﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾
الانتصار والهزيمة تابعة لمشيئة الله وحكمته :
شاءت حكمة الله أن ينتصر المسلمون تارة ، وأن ينهزموا تارة ، لو أن الله كتب لهم النصر الأبدي لانضم إليهم كل الخلق نفاقاً ومنفعة ! لكن أحياناً ينهزمون ، أيعقل أن يكون سيد الخلق ، وحبيب الحق يرى أحد أصحابه يعذب كعمار بن ياسر ولا يستطيع أن ينقذه ؟ فيقول :
(( صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة ))
ليس عنده مال يعطيه لأصحابه ، ليس عنده قوة يمنحها لهم ، الدنيا ليست بيده ، كان من الممكن أن يكون النبي قوياً كهؤلاء الطغاة ، إذا كان النبي قوياً فكل من حوله يسلم ، لا حباً ، ولا تعبداً ، ولا خوفاً من الله ، بل خوفًا منه ، هذا الإسلام لا قيمة له ، لذلك شاءت حكمة الله أن يكون النبي ضعيفاً أحياناً ، لا يستطيع أن يدفع العذاب عن أحد أصحابه .
(( صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة ))
فحكمة الله تقتضي أن ينتصر المسلمون تارة ، وأن ينهزموا .
﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾
ينتصرون فيتواضعون لله ، ينهزمون فيتوبون إلى الله ، هذه حكمة الله جل جلاله ، يقول الله عز وجل :
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا ﴾
3 ـ الضعف النفسي مرض خطيرٌ :
هذا الضعف النفسي مرض ، دليل عدم الثقة بالله ، دليل عدم معرفة المؤمن لربه معرفة تامة ، معرفته لا تكفي لذلك ضعف .
﴿ فَمَا وَهَنُوا ﴾
ما ضعفوا ، يقال : إن أحد شيوخ الأزهر قبل أن يطلب العلم التحق فلم ينجح ، فيئس ، كان جالساً مرة في بيته ، فرأى نملة تصعد على الحائط ، ثم وقعت ، أعادت الكرة ثانية ، هذا الشيخ عدّ محاولات الصعود فكانت ثلاثا وأربعين محاولة ! هذه النملة علّمته درساً لا ينسى ، ألا ييأس ، وأن يعيد الكرة .
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ﴾
هناك أناس كثيرون أمام أول عقبة يتراجعون ، أمام أي صعوبة ينسحبون ، أمام أي عقبة يعتذرون ، هذا الإنسان ليس أهلاً أن يكون جندياً لله عز وجل ، الله عز وجل يربي المؤمنين ، ويسوق لهم من الشدائد ومن المتاعب .
4 ـ الضغط يؤدِّب المؤمنَ :
أوحى ربك إلى الدنيا أن تشددي ، وتكدري ، وتضيقي على أوليائي حتى يحبوا لقائي ، هذا الماس ، أنا رأيت قطعة ماسٍ في متحف في استانبول قيل ثمنها : مائة وخمسون مليون دولار ! بحجم البيضة ، أكبر قياس ! موضوعة في خزانة ، وعليها إضاءة ، فكأنها شمس ، ما أصل الماس ؟ فحم ، لو أردت أن تشتري فحماً مثل هذه القطعة قد تساوي نصف ليرة ، تلك الماسة مائة وخمسون مليون دولار ، كيف تحوّل الفحم إلى الماس ؟ من شدة الضغط والحرارة ، إذا ضغط الفحم ضغطاً ضغطا لا حدود له ، وأصابته حرارة عالية جداً يصبح ماسًا ، الآن هناك ماس صناعي ، تقريباً يشبه الماس الطبيعي ، لكن بالاستعمال يخبو وهجه ووضاءته ، فالضغط الشديد ، والحر الشديد يقلبان الفحم إلى ماس ، هذا مثل مادي .
وأنت أيها المؤمن ، هذا الضغط يؤدبك ، ما هذا الأدب يا رسول الله ؟ قال :
(( أدبني ربي ، فأحسن تأديبي ))
هذا الذي تراه مؤدباً ساق الله له من الشدائد ما لا يعد ، ولا يحصى ، حتى أصبح دقيقاً ، منضبطاً ، أديباً ، متواضعاً ، رحيماً ، وقّافاً عند كتاب الله .
فالعبرة لا أن تنجو من الامتحان ، لكن العبرة أن تنجح في الامتحان ، هذا كلام دقيق .
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا ﴾
أحياناً تخور قوى الإنسان ، ويهبط ، ويُحبط ، وييأس يستخذي ، ويخضع ، ويلين ، لا الله معكم ، ولن يتركم أعمالكم .
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا ﴾
5 ـ المؤمن الصادق لا تخور عزائمه عند الشدائد :
مؤمنون صادقون مخلصون ، مؤمنون باعوا أنفسهم في سبيل الله ، مؤمنون اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم ، مؤمنون سخروا كل شيء في خدمة الحق ، قال :
﴿ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾
والله الذي لا إله إلا هو نحن لن نذق شيئاً إطلاقاً ، كل ما تكلف به أن تأتي إلى الدرس فقط ، وأن تصلي الخمس ، هؤلاء الذين ضحوا بأموالهم في الهجرة ، وتركوها كلها في مكة ، إنسان يسكن في بلد ، له بيت ، وله مركز تجاري ، وله مركبة ، وله رصيد في بيته ، يذهب بثيابه إلى بلد بعيدة ، لا عمل ، ولا بيت ، ولا مكتب ، هذه الهجرة ، اقتلاع من الجذور ، هؤلاء أصحاب رسول الله ضحوا بأموالهم ، وأنفسهم ، ووضعوا أرواحهم على أكفهم في سبيل الله ، قطعت يده اليمنى ، فحمل الراية باليسرى ، قطعت اليسرى فحملها بعضديه ، حتى قتل في سبيل الله ، إنه سيدنا جعفر .
أحدهم جُرحت إصبعه ، يحتاج إلى تعقيم ، وإبرة ضد الكزاز ، وقلق لجرح طفيف أصابه ، أعرابي أسلم ، ثم كانت غزوة ، فشارك فيها ، فانتصر المسلمون ، أُعطي الغنيمة ، قال : ما هذه ؟ قال : غنيمة ! قال : ما على هذا أسلمت ، أنا أسلمت على الذبح .
نحن والله ما قدمنا شيئاً ، والله نحن تمتعنا بالإسلام ، نحن الإسلام رفعنا وحملنا ، لكن أصحاب رسول الله حملوا الإسلام ، وجاؤوا به إلينا وتجشموا المشاق .
رأت أنصارية أباها مقتولا في المعركة ، ثم رأت ابنها ، ثم رأت أخاها ، ثم رأت زوجها ، وتقول : ما فعل رسول الله ؟ إلى أن رأته ، واطمأنت على سلامته ، فقالت : يا رسول الله كل مصيبة بعدك تهون .
هؤلاء أصحاب رسول الله بذلوا الغالي والرخيص ، والنفس والنفيس ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي ، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ ))
ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( إذا ذكر أصحابي فأمسكوا ))
نحن ما فعلنا شيئاً ، ذهب النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الطائف فاستهزؤوا به ، وكذبوه ، وأغروا سفهاءَهم ، ونالوه بالأذى ، حتى سال الدم من قدميه الشريفتين قال :
(( رب إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولك العتبى حتى ترضى ، وإن عافيتك أوسع لي ))
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ ، وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ ))
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ﴾
6 ـ لا للاستكانة والركون إلى الدنيا :
أحياناً قبل الزواج يكون الرجل متألقًا ، بعد الزواج خبا نوره ، وانطفأت همته ، وأصبح على الهامش ، فتاة سلبته عقله ، طلبت منه بعض الطلبات ، قال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( اعلمي أن في الجنة من الحور من العين ما لو أطلت إحداهن على الأرض لغلب نور وجهها ضوء الشمس والقمر ، فلأن أضحي بك من أجلهن أهون من أضحي بهن من أجلك ))
على ماذا عاهد أصحاب رسول الله رسول الله ؟ على الطاعة في المنشط والمكر ، في إقبال الدنيا وإدبارها ، في الصحة والمرض ، في الغنى والفقر .
﴿ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾
الثبات نبات ، فقد تجد أخًا التزم فانتهى ، هذا وقت الدرس ، التزم فغض البصر ، التزم فضبط اللسان ، التزم فحرّر الدخل ، انتهى الأمر ، عاهد خالق الكون ، أما أن يقبل ، ويدبر ، ويتقدم ، ويتراجع ، أخ أزعجه صاحبه فترك الجامع ، فلان أزعجني ، لا أستطيع رؤيته بالجامع ، شيء جيد ، والله ، لأتفه سبب يتراجع ، وينتكس ، ويقصر ، ويلغي الدرس كله ، لو جاءه ضيف ثقيل قبل الدرس أخجل منه .
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( سَدِّدُوا ، وَقَارِبُوا ، وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ ، وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ))
كان عليه الصلاة والسلام عمله ديمة دائم ، المؤمن الصادق يبرمج حياته وفق منهجه الديني ، أمور حياته تؤدى في الوقت الفارق ، أما أن يجعل منهجه الديني فضلة ، وعلى الهامش فهذا مستحيل .
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ﴾
الاستكانة أن تكون مستخذياً أمام قوي ، متذللاً أمامه ، خانعاً أمامه ، خائفاً منه ، وتنسى أن الله معك ، قال تعالى :
﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ(61)قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
إذا كان الله معك فمن عليك ، وإذا كان عليك فمن معك ؟
﴿ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا ﴾
قال :
هل أنت إلا إصبع دميتِ وفي سبيل الله ما لقيتِ
المؤمن هدفه كبير في سبيل هذا الهدف يضحي بكل شيء .
﴿ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا ﴾
ما تذللوا للعدو ، ولا وقفوا موقفاً ضعيفاً أمامه ، ولا رجوه ، ولا استخذوا .
﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾
7 ـ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ
هناك آية أيها الإخوة تملأ المشاعر :
﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ﴾
ويعاب من يشكو الرحيم إلى من لا يرحم .
﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
إن الله يحب الصابر المتماسك ، القوي في الله ، الثابت ، لكن لا يحب المتضعضع المتذلل ، لا يحب الإنسان الذي مقاومته هشّة ، أول ضغط يكسر ، أي سريع العطب ، لسبب تافه جداً يترك ، وينتكس ، وينقلب على وجهه ، خسر الدنيا والآخرة ، لأنه يعبد الله على حرف.
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾
أتحب أن يحبك الله عز وجل ؟ كن صابراً .
﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾
لو كان حكم ربك واضحاً ، لو كان حكم الله واضحاً لا يحتاج إلى صبر ، لو قال لك طبيب الأسنان : أنت لا يناسبك المخدر ، لابد من قلع هذا السن بلا مخدر ، هذا واضح ، هو لصالحك ، ولصالح قلبك ، فالمخدر يؤذي القلب ، قلبك ليس قوياً ، ولا يحتمل المخدر ، لابد من قلع هذا السن بلا مخدر .
الأمر واضح جداً ، الأمر الواضح لا يحتاج إلى صبر ، لكن الأمر الغامض يحتاج إلى صبر ، قد يكون الإنسان مستقيماً ، وتأتيه مصيبة ، هنا الصبر ، الحكمة غير واضحة أمامك ، وكلما اتضحت الحكمة ضعف الصبر ، وكلما غابت عنك الحكمة ارتفع الصبر ، أنت بحاجة إلى صبر .
﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾
﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾
أتمنى على بعض الإخوة الكرام أن يقرأ القرآن الكريم قراءة تصنيفية ، ماذا يحب الله عزوجل ؟ يحب الصابر ، والشاكر ، والمتقي ، والصادق ، والتواب ، والمتطهر ، أسباب محبة الله بين يديك ، محبة الله مقننة ، لها قانون ، كن صابراً ، وشاكراً ، ومتطهراً ، وتواباً يحبك الله .
﴿ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ﴾
وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا
1 ـ الاستغفار بعد المصيبة دليل الرضا والقناعة والتقصير في حق الله :
عندهم إحساس ، وعندهم قناعة ، أن الله عز وجل لا يسوق مصيبة إلا لحكمة بالغة ، والأولى أن تكون هذه المصيبة سبب تقصير من هذا الإنسان .
﴿ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾
لعلنا قصرنا في حق ، أو تجاوزنا حدنا ، فإذا قصرنا في حق فهذا ذنب كبير ، أو تجاوزنا الحد فذنب آخر .
(( ما من عثرة ، ولا اختلاج عرق ، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم ، وما يعفو الله أكثر ))
هذا الذي أصابنا بذنوبنا ، الله غني عن تعذيبنا ، غني عن أن يسوق لنا شدة بلا سبب ، وبلا حكمة ، غني عن ذلك ، لذلك .
﴿ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ
وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ))
إنسان يقصر ، وإنسان يتجاوز الحد ، وإنسان يسرف على نفسه ، وإنسان لا تثبت قدمه ، فكان الدعاء :
﴿ اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ﴾
وهناك ذنوب قد تظنها حسنات ، وهي ذنوب ، لذلك كلما صغر الذنب عند الإنسان كبر عند الله ، وكلما كبر عند الإنسان صغر عند الله ، إذا كان سيد الخلق يستغفر ربه فمن أنت حتى لا تستغفر ؟ لماذا شُرع الاستغفار بعد الصلاة ؟ قد تكون في الصلاة ساهيًا ، أو لم تحكم الاتصال بالله عز وجل ، وهذا ذنب أيضاً ، ينبغي أن تستغفر الله منه .
﴿ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾
نحن في دار تعذيب ، وتكليف لا في دار تشريف ، نحن في دار عمل ، لا في دار جزاء ، اليوم عمل ولا جزاء ، وغداً جزاء ولا عمل ، نحن في دار منقطعة ، في دار فيها هم ، وانقطاع ، وسوف نأتي إلى دار إذا أكرمنا الله ، ونرجو ذلك فيها عطاء ، وامتداد عطاء أبدي ، لذلك من الحمق الشديد أن نذهب طيباتنا في الآخرة في الحياة الدنيا .
﴿ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾
قال :
﴿ فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ﴾
فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ
1 ـ الراضي باختيار الله يكسب ثواب الدنيا والآخرة :
اخترت رضاء الله عز وجل فكسبت الدنيا والآخرة ، والذي اختار الدنيا بسخط الله خسر الدنيا والآخرة ، ربح المؤمن لا يوصف ، استقيموا ولن تعصوا ، من آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً ، من آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً .
﴿ فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا ﴾
ما هو ثواب الدنيا ؟ سمعة طيبة ، حكمة بالغة ، شعور آمن ، ذرية طيبة ، زوجة صالحة ، مكانة عالية ، هذا ثواب الدنيا ، وإذا مات .
﴿ وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ﴾
قال بعضهم في قوله تعالى :
﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ﴾
2 ـ ثواب الدنيا عامٌّ :
هي الزوجة الصالحة ، التي إذا نظرت إليها سرتك ، وإذا غبت عنها حفظتك ، وإذا أمرتها أطاعتك ، إن غبت عنها حفظتك في مالها ونفسها ، فثواب الدنيا زوجة صالحة ، سمعة طيبة ، شعور بالأمن ، شعور بالسعادة ، شعور بالرضا ، رائحة زكية ، أينما جلست يحبك الناس ، ألقى الله حبك في قلوب الخلق ، وثمة إنسان مبغوض ، أينما جلس يلعنه الناس ، ماذا يمنع أن تكون نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة ؟ يمكن أن تنال ثواب الدنيا ، وحسن ثواب الآخرة .
﴿ فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
هذا الذي حينما يسوق الله له مصيبة لا يضعف ، ولا يستكين ، وهذا الذي يستغفر ، يستغفر من تقصيره ، أو من مجاوزته الحد ، وهذا الذي يدعو بالأقدام ، والنصر على القوم الكافرين ، هذا عند الله محسن .
﴿ فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(148)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ
1 ـ اتباع الكفار في نمط حياتهم خسارة فادحة :
والله هذه الآية أيها الإخوة ، مفصلية ، أنت حينما تتبع الكفار في تجارتك ، أحياناً طرائق في التجارة مستقاة من العالم الغربي ، نظام ربوي ، وفوائد ، وعملات ، فكل هذه الحركة خلاف الشرع ، أنت حينما تقلد الغرب تطيعهم ، أحياناً تطيعهم في تربية أولادك تؤمن بالاختلاط، أيعقل أن تسمح لبناتك أن يكن مع شباب بدافع الانفتاح ، والحضارة ، والمرونة ، والثقة في البنت ؟ أنت بهذا تقلد الأجانب ، دقق ؛ أعراس مختلطة ، وإذا لم يكن ثمة اختلاط فيجب أن يقف العريس أمام النساء الكاسيات العاريات ، نمط غربي ، في أفراحنا ، وأتراحنا ، وفي كل شؤون حياتنا ، نقلد الأجانب .
كان أحد المعامل يحقق أرباحًا عالية جداً بأعماله الصالحة ، بإحسانه ، بصداقاته ، بزكاته ، الآن يدفع كل هذه المبالغ للإعلانات ، هذا نمط غربي ، يدفع ملايين مملينة على الإعلانات فقط ، بدل الإحسان ، والزكاة ، والصدقة ، النجاح بالتجارة ، والصناعة أساسه التوفيق ، والتوفيق أساسه الطاعة لله عز وجل ، مؤمن بالتسويق الغربي بالإعلان فقط ، ومتى يكون الإعلان مثيراً ؟ بالمرأة ، فلابد من امرأة كاسية عارية مع هذه البضاعة ، هذا التسويق الغربي الأجنبي ، وهناك من يؤمن بالتسويق الغربي ، ولا يؤمن بالتسويق الإسلامي ، الإسلامي أتقن بضاعتك .
2 ـ النمط الإسلامي فيه الخير كلّه :
لي أخ رصد مبلغا كبيرا بالملايين للإعلان ، فماذا فعل صاحب هذا المعمل ؟ وظفه في الأعمال الصالحة فقط ، قال : لاقت بضاعتي رواجاً لا يوصف ، عنده معمل أجهزة كهربائية ، رصد مبلغًا للإعلان ، فجعله مقابل صيانة كل جهاز أصابه عطب دون مقابل لسنتين ، المبلغ الذي رصده للإعلان جعله في خدمة هؤلاء المشتريين ، أيّ إنسان عنده جهاز أصابه عطب يصلح ، وتبدل القطع التالفة مجاناً ، قال : فراجت البضاعة ، فهل يجب أن تتقيد بالتسويق الغربي ؟
ومعمل آخر سمعت عنه كان له مدير محسن ، ويعطف على العمال ، ويعطيهم مساعدات استثنائية في الأيام الحرجة ، في أيام الولادة فرضاً ، في أيام الشتاء ، وكان العمال منصرفين إلى إتقان عملهم إتقاناً بارعاً ، والمعمل كله أسرة واحدة ، جاء أخ لهذا المدير ، واستلم مكانه على النمط الغربي ، لم يعط مساعدات أبداً ، وما رحم أحدًا من العمال ، لكن بذل أموالا فلكية على الإعلان ، هذا التسويق الغربي ، فإذا أردت التوسع في الآية فترى أن نظام حياتنا كله غربي .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾
3 ـ اتباع الكفار طاعةٌ لهم :
حتى في بيوت المسلمين أجهزة اللهو هي في واد ، وأنت في واد ، هي في الشهوات ، والعلاقات، والمسلسلات ، وكل عمل فني فيه معاص لا تعد ولا تحصى ، والأصل أن الدين شيء قديم لا قيمة له ، نحن نطيعهم دون أن ندري ، ممنوع أن يكون فندق من خمس نجوم دون خمر ؟! مستحيل ، هذه طاعة لهم ، ثم لم يعد هناك نجوم ، لقد طُمست النجوم من دون خمر ، اعتنِ بالفندق عناية بالغة ، سمه باسم إسلامي ، لا خمس نجوم ، ولا فيه خمر ، ونحن نطيعهم بهذا ، طبعاً إذا أطعناهم في الربا ، وفي الكسب الحرام ، وفي الغش مثلاً فلابد لهذه الدجاجة من أن تبقى من دون نوم أربعين يوماً ، هي متوترة ، والذي يأكلها يتوتر ! هكذا تعلمنا بالمداجن ، يطعمون البقر طحين اللحم ، البقر نباتي ، أطعموه طحين اللحم فجنّ ، وما جنون البقر إلا من جنون البشر .
في الغرب يقولون : كل شيء قابل للدراسة والرفض ، لا شيء مقدس أبداً ، نحن عندنا منهج ، أصول الذبح ، وأصول الطعام .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾
في سبيل السياحة نسمح بكل شيء ، إطاعة للغرب ، صناعة السياحة تحتاج إلى بيوت إلى شق مفروشة ، وغض البصر عن الدعارة أحياناً ، من أجل الدخل السياحي .
﴿ إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ(149)بَلْ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ﴾
4 ـ منهجُ اللهِ كاملٌ :
أيها الإخوة ، أعيد وأكرر ؛ منهج الله منهج كامل ، ومن الخطأ الكبير أن نظن أن منهج الله هي هذه العبادات الشعائرية وحدها ، منهج الله في كل شيء ؛ في كسب المال ، وإنفاقه ، والزواج ، والطلاق ، والاحتفال ، والأتراح ، والأفراح ، والسفر ، والإقامة ، إنه منهج الله الكامل ، فحينما نطيع الذين كفروا في مناهج حياتنا ، من أجل تقوية أولادنا باللغة الأجنبية لا بد من السفر إلى بلاد بعيدة ، السفر مسموح ، أما أن يسكنوا مع أسرة متفلتة ، واحتمال أن يعود الابن زانياً فلا مشكلة ، لكنه قوي باللغة ، هذه مشكلة كبيرة جداً ، يجب أن ننشئ معاهد للتقوية في بلادنا ، أما أن نضحي بأخلاق أولادنا من أجل تعلم اللغة فهذه مشكلة كبيرة جداً ، فنحن ينبغي أن نأتي بالبدائل الإسلامية لكل شيء ، أما أن نفهم الدين فقط صومًا وصلاة وحجّا ، وزكاة ، وفي شؤون الدنيا كالنمط الغربي ، هذا تنطبق عليه هذه الآية :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾
حينما خرجت المرأة إلى العمل ، وانغمست فيه ، وفقد الأولاد الأم المربية ماذا حصل ؟ حصل خطأ كبير جداً ، يدفع الآباء الآن ثمنه ، لست ضد العمل إذا كان مشروعًا ، أما إذا كان على حساب دين المرأة ، أو على حساب استقامتها ، أو على حساب عفتها ، أو على حسب إخلاصها لزوجها ، هذا عمل يسيء للأسرة ، فما كل عمل نرضاه للمرأة ، نرضى لها عمل يتناسب مع طبيعتها ، ومع حشمتها ، ومع استقامتها ، وإخلاصها لزوجها .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ ﴾
مُطلَقة ، تطيعه في ماذا ؟ في شؤون حياتنا ، في أنماط حياتنا ، في منهجنا ، في اقتصادنا ، وعلاقاتنا ، وفي منهجنا ، في أفراحنا .
﴿ إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ(149)بَلْ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ﴾
بَلْ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ
لو أنكم أطعتم ربكم تولاكم ، ونقلكم من حال إلى حال ، ومن نجاح إلى نجاح ، ومن خير إلى خير .
﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمْ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ﴾
والحمد لله رب العالمين
الأسئلة :
- أخ سأل سؤالا وجيها :
س : أنا ذكرت في الخطبة اليوم أنه يستحيل على الله عز وجل أن يقول في قرآنه كلاماً لا معنى له ، أو كلاماً لا يعنيه ، أو أن يخوفنا ، أو أن يبالغ في قوله ، فقال لي أحد الإخوة : كيف نوفق بين هذا الكلام وبين قول الله عز وجل :
﴿ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ﴾
ج : التخويف بالمعنى العامي يستحيل على الله ، أن تقول شيئاً لا تعنيه ، أو أن تهدد ولا تفعل ، هذا تخويف البشر ، لكن إذا خوّف الله ذكر الحقيقة ، ذكر ما سيكون هذا تخويف بالمعنى القرآني هذا على العين والرأس ، الله عز وجل يذكر ما سيكون في النار ، هذا تخويف حقيقي ، أما التخويف بالمعنى العامي أنني أبالغ وأقول مالا أفعل ، يقول : أخفته ، فهذا المعنى لا يصح أن ينسب لله عز وجل ، هذا هو الجواب .
س : زوجتي لا تقيم وزناً لطلباتي الشخصية ، وهي هنا ، أرجو إبداء النصيحة لها .
ج : قدمي له طلباته الشخصية ، ما هذه الطلبات معقولة أم غير معقولة ، نعرف هل هي وفق الشرع أم بخلافه ؟ هذا كلام عام ، لكن إذا صلت خمسها ، وصامت شهرها ، وصانت نفسها ، وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها ، فطاعة زوجها ربع دينها .
لكن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، إذا طلب منها أشياء معقولة كأن تؤدي واجبها تجاه زوجها وعصته تعد آثمة ، وقد فقدت ربع دينها ، وأيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض ، وليس أي زوج ، بل الزوج المؤمن فبعض الأزواج فاسقين لا يرضوا عن زوجاتهم إلا بالمعصية ، وأيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة .
س : كيف يكون المؤمن في سكينة ، وهو عليه أن يخاف الله دائماً رأو أن يخاف من النار ؟
ج : حينما يلقي الله في قلب المؤمن السكينة هذا لا يتناقض مع خوفه من النار ، في الإيمان جماليات ، لولاها لما سار أحد في طريق الإيمان ، الله عز وجل يقرب ، ويتجلى ، ويطمئن ، فإذا وجد التقصير يخوّف ، فالمؤمن يخاف من النار ، فإذا التقى النار يطمئن ، فإذا قصر يقلق ، فيجتمعان ولا يتناقضان .