وضع داكن
23-11-2024
Logo
الدرس : 38 - سورة آل عمران - تفسيرالآيات 139 - 147 الدنيا دار ابتلاء
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
 الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد، الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.
 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الثامن والثلاثين من دروس سورة آل عمران، ومع الآية التاسعة والثلاثين بعد المئة، وهي قوله تعالى: 

﴿ وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ (139)﴾

[  سورة آل عمران ]


وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ


1 ـ الإيمان الحقيقي هو سبب من أسباب النصر:

 إن كنتم مؤمنين الإيمان الحق، الإيمان المنجّي، الإيمان كما يريد الله عز وجل، إن كنتم كذلك فأنتم الأعلون، والعاقبة لكم، ومهما ألمّت بكم المِحن فأنتم المنتصرون، ﴿وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ﴾ .

2 ـ أخطر هزيمة الهزيمة من الداخل:

 قد يُفهَم من هذه الآية أن أخطر هزيمة أن يُهزَم الإنسان من داخله، قد يُهزَم هزيمةً في ساحة المعركة، الخطورة أن تُهزَم من الداخل، الخطورة أن تيأس، الخطورة أن تهِن، أن تحزن، أن تندم على أنك في طريق الإيمان، أكبر هزيمة أن تكون من الداخل.

3 ـ لا بد من الصبر، فإن الدنيا دار ابتلاء:

 سيأتي بعد قليل أن المؤمن تصيبه السراء، وتصيبه الضراء، وكان عليه الصلاة والسلام إذا جاءت الأمور كما يحب قال: 

(( كان إذا رأى ما يحب قال: الحمدُ للهِ الذي بنعمتِه تتمُّ الصالحاتُ، وإذا رأى ما يكره قال: الحمدُ للهِ على كلِّ حالٍ. ))

[ أخرجه ابن ماجه ]

 نحن في دار ابتلاء، نحن في دار عمل لا في دار جزاء، في الجنة دار جزاء، قال تعالى:

﴿ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ(35)﴾

[ سورة ق ]

أما في الدنيا فليس لك ما تشاء، وطِّن نفسك أنك في دار ابتلاء، قد تأتي الأمور كما تحب، وقد تأتي كما لا تحب، قد تكون غنياً وقد تكون فقيراً، قد تكون قوياً، وقد تكون ضعيفاً، قد تكون صحيحاً، وقد تكون سقيماً، قد تكون وسيماً، وقد تكون ذميماً، نحن في دار ابتلاء، بل إن هذه الدنيا دار التواء، الزوجة جيدة الأولاد غير جيدين، الأولاد جيدون الزوجة غير جيدة، الزوجة والأولاد جيدون، الدخل غير جيد، الدخل جيد الصحة غير جيدة، شاءت حكمة الله أن تكون هذه الدنيا دار التواء، لا دار استواء، ومنزل ترح، لا منزل فرح، لأنه من عرفها لم يفرح لرخاء، الرخاء مؤقت، ولم يحزن لشقاء، الشقاء مؤقت، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي.

الأنبياء أشد الناس بلاء ثم الأمثل فالأمثل:


 شاءت حكمة الله جبراً لخاطر المؤمنين أن يكون أنبياؤه وهم قمم البشر، وهم أصفياؤه، وهم أحبابه أن يُبتَلَوا، فالنبي عاش فقيراً: 

(( ما بعثَ اللهُ نبيًا إلا ورعى الغنمَ قالوا: وأنت يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: نعم كنتُ أرعاها على قراريطَ لأهلِ مكةَ. ))

[ صحيح البخاري ]

 سيد الخلق، وحبيب الحق، فإذا كان للإنسان عمل بسيط متواضع، مغمور في الدرجة الدنيا في المجتمع، فقد كان عليه الصلاة والسلام راعي غنم، ولا أعتقد في الأرض أي حرفة أقل منها: (كنتُ أرعاها على قراريطَ لأهلِ مكةَ) فالأنبياء بعضهم فقراء، كان عليه الصلاة والسلام: 

(( كان إذا دخَلَ قال: هَل عِندَكم طعامٌ؟ فإذا قيلَ لا، قالَ :إنِّي صائمٌ. ))

[ صحيح الجامع ]

لم يجد شيئاً يأكله في البيت قال: إني صائم، لأنه لو كان غنياً، ونصح الفقراء بالصبر لا يصدقونه، يقولون له: ما ذقت الفقر يا رسول الله، لا ، ذاق الفقر، وذاق الغنى. 
أذاقه الله القهر في الطائف، 

(( يا مُحَمَّدُ، إنَّ اللَّهَ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بأَمْرِكَ، فَما شِئْتَ، إنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ، فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أَصْلَابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ به شيئًا. ))

[ صحيح مسلم. ]

 أذاقه النصر ، فقال:

(( يا معشرَ قريشٍ ما ترَونَ أنِّي فاعلٌ بكم؟ قالوا: خيرًا، أخٌ كريمٌ، وابنُ أخٍ كريمٍ، فقال: اذهبوا فأنتم الطُّلَقاءُ.))

[ الألباني بسند ضعيف ]

 عشرة آلاف سيف متوهجة تنتظر حركة من شفتيه، اقتلوهم يقتلون جميعاً، قالوا: (أخٌ كريمٌ، وابنُ أخٍ كريمٍ، فقال: اذهبوا فأنتم الطُّلَقاءُ)
 ذاق طعم الفقر فصبر، وذاق طعم الغنى فشكر، وذاق النصر فتواضع، وذاق القهر فقال: 

(( إن لمْ تكنْ غضبانًا عليَّ فلا أُبالي، غيرَ أنَّ عافيتَكَ هي أوسعُ لي، أعوذُ بنورِ وجهِكَ الذي أشرقتْ لهُ الظُّلُماتُ وصلُحَ عليهِ أمرُ الدنيا والآخرةِ أن تُنزلَ بيَ غضبَكَ أو تُحلَّ عليَّ سخطَكَ، لكَ العُتْبى حتى تَرضَى ولا حولَ ولا قوةَ إلا بكِ.))

[ الألباني بسند ضعيف ]

 ذاق أن يقال عن زوجته شيءٌ لا يحتمل، حديث الإفك، اتُّهِمت زوجته بالزنا، وشاع الخبر في المدينة، وتأخر الوحي شهراً، ماذا يفعل؟
 وذاق الهجرة، أنت في بلد لك بيت، ولك عمل، ولك مركز، ولك معارف، ودخل، تذهب إلى بلد آخر لا تملك فيه شيئاً، اقتُلِعت من جذورك، ذاق طعم الهجرة.
 ذاق موت الولد ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 

((  إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ.))

[  متفق عليه ]

 ما من مصيبة إلا وذاقها النبي عليه الصلاة والسلام، قال: 

(( لقد أُخِفتُ في اللَّهِ وما يُخافُ أحدٌ ولقد أوذيتُ في اللَّهِ وما يُؤذى أحدٌ ولقد أتت عليَّ ثلاثونَ من بينِ يومٍ وليلةٍ وما لي ولبلالٍ طعامٌ يأْكلُهُ ذو كبدٍ إلاَّ شيءٌ يواريهِ إبطُ بلالٍ.))

[ صحيح الترمذي  ]

 نبي كريم؛ سيدنا نوح كان ابنه ضالاً، ونبي كريم سيدنا إبراهيم كان أبوه مشركاً، قال تعالى:

﴿ يَٰٓأَبَتِ إِنِّى قَدْ جَآءَنِى مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَٱتَّبِعْنِىٓ أَهْدِكَ صِرَٰطًا سَوِيًّا(43)﴾

[ سورة مريم  ]

 نبي كريم كانت زوجته كافرة، قال تعالى:

﴿  ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمْرَأَتَ نُوحٍۢ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍۢ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَٰلِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْـًٔا وَقِيلَ ٱدْخُلَا ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّٰخِلِينَ(10)﴾

[  سورة التحريم ]

 امرأة صدِّيقة، زوجها طاغية كافر، إنها آسية امرأة فرعون، قال تعالى:

﴿ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِى عِندَكَ بَيْتًا فِى ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِۦ وَنَجِّنِى مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ(11)﴾

[  سورة التحريم  ]

 نبي كريم كان عقيماً، قال تعالى:

﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيًّا(3)قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا(5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ ءالِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)﴾

[  سورة مريم  ]

 ما من مشكلة كبيرة إلا وهناك نبي قد حلت به، وهو عند الله في أعلى مقام، فوطِّن نفسك، هذه دار ابتلاء، لا دار استواء، دار امتحان، دار عمل، قد ترقى بمصيبة رُقيّاً ما بعده رقي، قال تعالى:

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ(155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ(156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ(157)﴾

[  سورة البقرة  ]


وَلَا تَهِنُوا:


1 ـ لا ينبغي للمؤمن أن يحزن ويضعف:

 أيها الإخوة، الآية الكريمة: ﴿وَلَا تَهِنُوا﴾ إذا كنت مؤمناً فيجب أن تؤمن أنك في أعلى مقام، يجب أن تؤمن أنك الفائز، أنك المفلح، ولو أن الدنيا لا تعجبك، هذه الدنيا عرَضٌ حاضر، يأكل منه البر والفاجر، والآخرة وعد صادق، يحكم فيه ملك عادل، أعطى الدنيا لمن يحب، وأعطاها لمن لا يحب، أعطاها لسيدنا سليمان، وأعطاها لقارون، قال تعالى: 

﴿ إِنَّ قَٰرُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَءَاتَيْنَٰهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُۥ لَتَنُوٓأُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِى ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُۥ قَوْمُهُۥ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ(76)﴾

[  سورة القصص  ]

 أعطى المُلك لمن يحب؛ أعطاه لسيدنا سليمان، قال تعالى:

﴿ قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِى وَهَبْ لِى مُلْكًا لَّا يَنۢبَغِى لِأَحَدٍۢ مِّنۢ بَعْدِىٓ ۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ(35)﴾

[  سورة ص  ]

 وأعطاه لمن لا يحب لفرعون.
 إذا كان الشيء يعطيه لمن يحب، ولمن لا يحب، ليس له قيمة، وليس مقياساً، لكن ماذا قال الله عز وجل؟ 

﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُۥ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمْ ۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْءٍۢ ۚ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)﴾

[  سورة النساء  ]

 الفضل العظيم أن تعرف الحقيقة، أن تعرف الله، أن تعرف سر وجودك، وغاية وجودك، الفضل العظيم أن تكون مستقيماً على أمر الله، الفضل العظيم أن تعمل لآخرتك، الفضل العظيم أن تكون قريباً من الله عز وجل ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾

﴿ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُوٓاْ ۖ إِنَّ ٱلْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦ ۖ وَٱلْعَٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)﴾

[  سورة الأعراف  ]

2 ـ المؤمنون هم الأعلون ، ولهم العاقبة:

 الأيام تدور، ولا تستقر إلا على نصرة المؤمنين.

بنو إسرائيل كانت لهم العاقبة بعد الامتحان:


قال تعالى:

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِى ٱلْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْىِۦ نِسَآءَهُمْ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ(4) وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِى ٱلْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَٰرِثِينَ(5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ(6)﴾

[  سورة القصص  ]

 إن كنت مستضعفاً، وقد أراد الله بك الخير، أراد أن يطهرك، أراد أن يعلي مقامك، أراد أن يؤهلك للجنة، فأنت بخير، وإن كنت مستضعفاً ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ يجب أن تجعل كل همك أن تكون مؤمناً كما ينبغي كي تكون العاقبة لك، قال تعالى:

﴿ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَٰلِبُونَ(173)﴾

[  سورة الصافات  ]

3 ـ كن أهلاً للنصر:

 يجب أن تكون جنديتك لله، قال تعالى:

﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلْأَشْهَٰدُ(51)﴾

[  سورة غافر  ]

 وفي الآخرة، ينبغي أن ينصب جهدك على أن تكون أهلاً لعطاء الله، من أدب النبي عليه الصلاة والسلام مع ربه أنه كان يدعو ويقول:

(( اللهم إنا نسألُكَ مُوجِباتِ رحمتِك، وعزائمَ مَغْفِرَتِكَ ))

[ ضعيف الجامع  ]

 الموجبات يعني أسباب الرحمة، (وعزائمَ مَغْفِرَتِكَ) أن تملك موجبات الرحمة، وأن تملك عزائم المغفرة.

كن على الدين الذي رضيه الله لعباده:


 هناك ملمح لطيف حينما قال الله عز وجل:

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(55)﴾

[  سورة النور ]

 أي دين يمكِّنه الله؟ إذا كان قد ارتضاه لهم، وأي إيمان يجعلك في أعلى مستوى؟ الإيمان الذي يحملك على طاعة الله، فإن لم تُمكَّن في الأرض معنى ذلك أن دينك الذي تعتنقه لم يرضِ الله عز وجل، أو لم يرتضِه الله لك، وأي إيمان يجعلك في أعلى عليين؟ ذلك الإيمان الذي يحملك على طاعة الله.
 أيها الإخوة، الآية التي تليها: 

﴿ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُۥ ۚ وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ(140)﴾

[  سورة آل عمران  ]


إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ


1 ـ تسلية الله للصحابة لمصابهم في أُحد:

 القرح هو الجرح، أو مطلق الألم، يا أصحاب رسول الله، ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ﴾ في أحد ﴿فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ﴾ في بدر، ومع ذلك لم ييأسوا، وأعادوا عليكم الكرّة، أصابهم قرْح لا يحتمل، قُتِل عدد كبير منهم، قتل زعماؤهم، صناديدهم، أبطالهم، ومع ذلك أعادوا عليكم الكرة، ولم ييأسوا، ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ﴾ الآن في أحد ﴿فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ﴾ - قريشًا - في بدر ﴿قَرْحٌ مِّثْلُهُ﴾ فهم لم ييأسوا، بل أعادوا عليكم الكرة، فما بالكم أنتم قد وهنتم، يوجد آية دقيقة جداً:

﴿ وَلَا تَهِنُواْ فِى ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا(104)﴾

[  سورة النساء  ]


شتان بين ألم المؤمن وألم الكافر:

 الألم واحد، ولكن شتان بينكم وبينهم، شتان بين من يتألم، وقد وعده الله بالجنة، وبين من يتألم، وقد أوعده الله بالنار، التجارة فيها متاعب كثيرة جداً، لكن المؤمن يرجو من هذا العمل التقرب إلى الله، حبذا المال أصون به عرضي، وأتقرب به إلى ربي، يرجو من هذا المال أن يعينه على طاعة الله، بينما الكافر يرجو من التجارة مالاً ينغمس فيه بالشهوات إلى قمة رأسه، شتان بين الهدفين، وشتان بين الباعثين مع أن المتاعب واحدة.
 يتزوج الشاب، متاعب لا تعد ولا تحصى، بدأً من تأمين البيت، وفرشه، وتأمين المهر، والحلي، ومعالجة الموضوعات المتفجرة أحياناً في أثناء الخطبة، هذا شيء متعب، ومؤلم، ولكن: ﴿إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ﴾

2 ـ معنى آخر للقرح الذي مس الصحابة في أحد:

 ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُۥ﴾ هناك تفسير آخر:  ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ في نهاية المعركة ﴿فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُۥ﴾ في بدايتها، معركة أحد في آخر مرحلة كانت الهزيمة، أما في أولها فكان هناك نصر، لكن لبعض العلماء الأجلاء تعليق لطيف قال: وتلك الأيام نداولها بين الناس، تنتصرون مرةً، ولا تنتصرون مرة، بل تهزمون، لماذا؟ تصور أن المؤمنين لو شاءت حكمة الله أن ينتصروا دائماً، أبداً، في أية معركة ينتصرون ما الذي يحصل؟ كل الناس ينضمون إليهم حتى المنافقون، حتى الكفار، حتى المشركون، وإذا وجدت دولة قوية جداً فكل الدول تكون معها، وكلهم يعلمون أنها على باطل، وأنها ظالمة، وأنها منحازة، وأنها تكيل بمكيالَين، وأنها لا ترحم، وأنها لا تفي بوعدها، لكن لأنها قوية جداً، ودائماً تنتصر في المعارك، ومعها سلاح قوي جداً، فكل العالم معها، معها على باطل، لو أن الله عز وجل جعل المؤمنين ينتصرون دائماً لانضم إليهم كل الخلق، وقد يكونون كفاراً، ومشركين، ومنافقين، ولو أن الله عز وجل شاءت حكمته ألا ينتصر المؤمنون دائماً لانفضّ الناس عنهم، لكن الله عز وجل يمتحن، المؤمنون ينتصرون تارة، ولا ينتصرون تارة أخرى، هذه حكمة كبيرة، هناك مؤمن غني، ومؤمن فقير، هناك مؤمن صحيح، ومؤمن مريض، هناك مؤمن يعيش حياة زوجية سعيدة جداً، وهناك مؤمن وله عند الله مقام كبير يعيش حياة زوجية غير سعيدة، شاءت حكمة الله أن يكون هكذا، لو أن الله عز وجل جعل الجزاء مُعجَّلاً في الدنيا لكانت هناك مشكلة كبيرة، أو لو أن الجزاء جاء عقب العمل الصالح، والعقاب جاء عقب العمل السيئ لأُلغِي الاختيار، فلو أنّ كل من دفع مئة ليرة يأخذ مساء ألف ليرة، تجد صفاً طويلاً أكثره منافقون، وأكثره كفاراً، يقول لك أدفع مئة وآخذ ألفاً، لا، قد تدفع مئات، وقد تدفع ألوفاً ولا يأتيك شيء، وقد يعصي الإنسان الله عز وجل، يقول لك: لا يوجد شيء، قمت بفحوصات وكلها سليمة، ممكن، فهذا الاختيار، ممكن أن تعصيه إلى أمد طويل دون أن ترى شيئاً مزعجاً، وممكن أن تطيعه إلى أمد طويل دون أن ترى شيئاً مريحاً، هذا هو الاختيار: ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُۥ ۚ وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ﴾ .

وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس


1 ـ امتحان النصر:

 فهذه الدنيا ليست دار جزاء، قد تغتني فيها، وقد تفتقر، وأنت مؤمن، وقد تصح، وقد تمرض، وأنت مؤمن، بالمناسبة لحكمة أرادها الله عز وجل فهناك ابتلاءان كبيران يُبتلى بهما المؤمنون، أول ابتلاء أنهم ينتصرون، وتغدو كلمتهم هي العليا، وأن الأمر بيدهم، وأنهم قادة، وأنهم سادة، هذا ابتلاء، فحينما يُبتلى المؤمن بالنصر، والتمكين، والسيطرة، والعلو، فهناك مؤمنون تزِلّ قدمهم، وينصرفون إلى اللهو، وهذا ما حدث لهؤلاء الذين فتحوا الأندلس، فتحوا هذه شبه الجزيرة (إسبانيا) فتحوها، وأنشؤوا حضارة عريقة، مكّن الله لهم في الأرض، ملكوا، وحكموا، واغتنوا، وكان هناك رخاء يفوق حد الخيال، ثم مالوا إلى الموشحات، وإلى الغناء، وإلى القِيان، وإلى الجواري، فسلب الله ملكهم دَولةً دولةً، وكان آخر ملك من ملوك إسبانيا اسمه عبد الله الصغير، قالت له أمه: 

ابكِ مثل النساء مُلكاً مضاعاً   لم تحافظ عليه مثل الرجــــــال

لما مالوا إلى اللهو سُلِب المُلك منهم، قال أحد الشعراء:

لِكلِّ شيءٍ إذا ما تمَّ نقصـــانُ      فلا يُغَرُّ بطِيبِ العيشِ إنسـانُ

هيَ الأمورُ كما شاهدتَها دُولٌ     مَنْ سرَّهُ زَمنٌ سَاءتْهُ أَزمَــانُ

وهذه الدّارُ لا تُبقي على أحـدٍ     ولا يدومُ على حالٍ لها شــانُ

[ أبو البقاء الرندي ]

 أول امتحان أن الله يمكّن المؤمنين، قد تزِلّ قدمهم، قد ينصرفون إلى اللهو.
 افتح بعض كتب الأدب التي أُلِّفت في العصر العباسي تجد أن القيان، والغلمان، والدِّنان، والخمور يصفها الشعراء في بغداد، بعد هذا العصر، وبعد هذا الانحراف جاء عصر التخلف، وعصر الدول المتتابعة، وجاء الغزاة من الشرق، جنكيز خان، وهولاكو، وقد سئل مرة تيمورلنك: من أنت؟ فقال أنا غضب الرب: ﴿وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ﴾ يمكّن الله المؤمنين فتزل قدم بعضهم، ويتجه إلى اللهو، وإلى المعاصي، والآثام فيُنتزَع الملك منه.

2 ـ امتحان الهزيمة والذل:

 الامتحان الثاني القاسي: أن يجعل القوة في الكفار، هم أصحاب القرار، هم المُمَكَّنون في الأرض، كلمتهم هي العليا، أمرهم هو النافذ، فيما يبدو يفعلون ما يقولون، لذلك يقوي الله الكافر، ويطغى هذا الكافر، ويطغي، ويستعلي، ويتغطرس، إلى أن يقول ضعيف الإيمان: أين الله؟ وهذا يحدث في فلسطين الآن، وحش، ثور هائج مصاب بجنون البقر، ثور معه سلاح فتاك، والطرف الآخر أعزل، يقتل، ويغتال، ولا يعبأ بكل ما يقال عنه في العالم الغربي، هذا ابتلاء.
 الابتلاء الثاني: إن الله عز وجل يُظهِر آياته حتى يقول الملحد: لا إله إلا الله، يُقوّي الكافر حتى يقول ضعيف الإيمان: أين الله؟ ثم يُظهر آياته حتى يقول الملحد: لا إله إلا الله، فرعون تبع موسى وقومه، شِرذمة قليلون، خائفون، هاربون، فزِعون، وراءهم فرعون بأسلحته الفتاكة، وجنوده، وجبروته، وطغيانه، والبحر أمامهم، وبحسب منطق الأحداث لا أمل ولا واحداً بالمليار إلا أن يقتلهم كلهم:

﴿  فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ(61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)﴾

[  سورة الشعراء ]

 فلما وصل إلى شاطئ البحر أوحى الله إلى سيدنا موسى أن اضرب البحر، أصبح طريقاً يبَساً فمشى فيه، فلما خرج من الضفة الثانية، وتبعه فرعون عاد البحر بحراً، فأغرقه الله عز وجل، هذه القصص في القرآن ليست للتسلية.
 إخواننا الكرام، أرجو أن يكون هذا الكلام واضحاً، إذا تدخل الله ولو كان مع عدوك مليون قنبلة ذرية، لو معه ترسانة أسلحة تدمر العالم خمس مرات فإن الله ينصرك، وإذا تخلى الله عز وجل عن جهة، استعلى عليها أضعف الخلق.
 عن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: 

((  أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ.  ))

[ صحيح البخاري ]

 أما حينما لم تطبق أمته سنته هُزِموا بالرعب مسيرة عام قال تعالى: ﴿وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ﴾ .

سبب الهزيمة في أُحد المعصية والمخالفة:


 كلام دقيق؛ ما استحق الصحابة نصر الله عز وجل يوم أحد، لأنهم عصوا أمر النبي، وعصوه لا في أمر تشريعي، بل في أمر تنفيذي، ما شربوا الخمر، وما زنوا، لكن عصوا أمرًا تنظيميًّا، اقبعوا هنا، ولا تتركوا أمكنتكم، هذا أمر نبوي، فلما عصوا هذا الأمر لم يستحقوا النصر، معنى ذلك أن نصر الله عز وجل لا يستحقه أنصاف المؤمنين، ولا أرباع المؤمنين، ولا أخماس المؤمنين، ولا أعشار المؤمنين، ولا أصفار المؤمنين، نصر خالق الكون تأخذه بلا ثمن! فلو كنا كما يرضى الله عنا، على منهجه سائرون، والله لا شارون -إن صح التعبير- ولا يهود، ولا أمريكا تستطيع أن تفعل معنا شيئاً، قال تعالى:

﴿ إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)﴾

[  سورة آل عمران  ]

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَٱنتَقَمْنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

[  سورة الروم  ]

﴿وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَٰلِبُونَ﴾ البطولة أن تملك موجبات رحمة الله، أن تملك أسباب النصر، وهي إيمان قوي، واستقامة على أمر الله.

وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِين


1 ـ معنى : وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ 

 ﴿وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ ليعلم الله، الله يعلم، أما هذا العلم كما قال عنه علماء العقيدة هو العلم الحصولي، هو يعلم علم كشف، أما حينما ينقلب علمه إلى عمل نقول: هذا علم آخر، هذا علم حصولي.
 معلّم بارع عنده خبرة عالية جداً، نظر في أحد طلابه فقال: هذا لا ينجح، والفحص لم يأتِ بعد، وهو طالب، واسمه طالب في الصف الثاني عشر، والامتحان لم يأتِ بعد، أما حينما يأتي الامتحان، ويقدم الامتحان، ويرسب نقول: إن علم المدرس الكشفي قد أصبح علماً حصولياً، أي وقع، الذي توقّعه المدرس تحقق، فالله عز وجل يعلم، وعلم الله عز وجل لا يكفي للثواب والعقاب، قال تعالى:

﴿ إِذْ أَنتُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ ۚ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَٱخْتَلَفْتُمْ فِى ٱلْمِيعَٰدِ ۙ وَلَٰكِن لِّيَقْضِىَ ٱللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٍۢ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَىَّ عَنۢ بَيِّنَةٍۢ ۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ(42)﴾

[ سورة الأنفال ]

لا بد من عمل تستحق الثواب والعقاب، فعلم الله بالإنسان علم كشف، هذا العلم علم الكشف لا يقتضي ثواباً ولا عقاباً، لو أننا قلنا لطالب: أنت راسب في منتصف العام الدراسي يقيم الدنيا ولا يقعدها، أنا أقوى من أي طالب، لكن بعد الامتحان حينما تأتي إجاباته كلها مغلوطة، وينال علامة الصفر تقول له: أنت راسب يسكت.
 فعلم الله الكشفي لا يقتضي الثواب، ولا العقاب، أما علم الله الحصولي فهو الذي يقتضي الثواب والعقاب، لذلك قال تعالى:

2 ـ وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ

﴿وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ﴾ ويقول الله عز وجل: 

﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّۢا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُم بِبَعْضٍۢ ۗ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَٰلَهُمْ(4)﴾

[  سورة محمد ]

 يمكن أن يقول الله عز وجل كلمة فيموت كل أعداء المسلمين، زل فيزول، صيحة واحدة، لكن المؤمنين لم يرتقوا عند الله، أما حينما يجابه المؤمنون هؤلاء، ويدخلون معهم في حرب صعبة جداً، ويجرح بعضهم، ويتحمل بعضهم كل المتاعب، ثم ينتصرون، فقد ارتقى المؤمنون، قال تعالى: ﴿وَلَوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُم بِبَعْضٍۢ﴾ .
﴿وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ معنى دقيق، يمكن لله عز وجل أن يتولى بذاته نصرنا على أعدائنا، وهناك قصص كثيرة جداً بتدخل إلهي مباشر هذه القوة العاتية تحطّمت، زلزال، مرض عضال، حينما جاء نابليون إلى عكا فتك بجنوده مرض فتاك، إنه الطاعون، وانتهى الأمر:

﴿ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً ۙ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ۙ وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ۙ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ(31)﴾

[  سورة المدثر ]

 مرض أحياناً، أو حرب، أو عاصفة هوجاء، فتنهي المعركة، في معركة الخندق هبت رياح عاتية قلبت قدورهم، واقتلعت خيامهم، وأطفأت نيرانهم، وكفى الله المؤمنين القتال، يمكن لله عز وجل أن يتدخل مباشرةً، وينهي كل شيء، لكن بهذا التدخل لم يبقَ لهؤلاء المؤمنين من أجر، أما حينما يحقق المؤمنون النصر بجهدهم، وبصبرهم، وجلدهم، ويقينهم، عندئذ يرتقون عند الله عز وجل، قال تعالى:

﴿ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُۥ ۚ وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ(140) وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَمۡحَقَ ٱلۡكَٰفِرِينَ (141)﴾

[  سورة آل عمران   ]


وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ


1 ـ معنى التمحيص:

 التمحيص التطهير، الإنسان حينما يؤمن، ويسعد بلقاء الله عز وجل يتوهم أنه طاهر النفس، قد يكون فيه آلاف الشهوات، وآلاف الأمراض النفسية، لكن لحكمةٍ بالغة يكشف الله عز وجل له مَرضاً مرضاً، وكل مرض له علاج، نحن في طور العناية المشددة، كان العيب خافياً عن صاحبه، ثم يظهر، ثم يُعالَج، ثم يطهُر المؤمن منه.
﴿وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَمۡحَقَ ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾ حدثني أخ عنده معمل بسيط ألبسة، دخل عليه أخ من إخوان المسجد، قال له: أريد عدة قطع لأولادي، المعمل يبيع بالجملة، فشعر أن هذا الطلب إهانة، قال: أنا لا أبيع بالمفرق؟ فالأخ اعتذر، وخرج من المعمل، فقال لي: لم يدخل المعمل زبون ثلاثة وثلاثين يوماً.
 هذا كِبر، لا تبيع بالمفرق، أخ كريم مؤمن دخل إلى معملك لا تبيعه بالمفرق، فأدبه الله عز وجل ثلاثة وثلاثين يوماً، الآن ممكن أن يبيع بالقطعة.
 يمحص المقصرين أحياناً، وأحياناً يستعلي الإنسان، يتكلم كلمة قاسية، يبتسم ابتسامة ساخرة، يفتخر، فيعالجه الله عز وجل، دائماً يعالج الله عز وجل هذا المؤمن.

2 ـ إذا كنت في العناية المشددة فاحمد الله:

 ﴿وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَمۡحَقَ ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾ إذا كنت في العناية المشددة فاشكر الله عز وجل، اشكر الله إذا كان الله يتابعك، إذا حاسبك على كلمة، أو على ابتسامة، أو على تقصير، أو على نية لا ترضيه، ورأيت الحساب جاء سريعاً، فأنت في العناية المشددة، وينبغي أن ترتعد مفاصلك إذا أهملك الله عز وجل، وإذا فعلت السيئات، وأهملك الله عز وجل، فأكبر مصيبة أن تكون خارج العناية المشددة، أكبر مصيبة أن تفعل السيئات، وتأتيك الخيرات، إذا رأيت الله يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فاحذره، فإن هذا ليس إكراماً، إنما هو استدراج، إكرام استدراجي، ينتهي بالقصم، قال تعالى:

﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَٰبَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذْنَٰهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ(44)﴾

[  سورة الأنعام ]

 فالتمحيص؛ كلما أخطأ عاقبه الله، وكلما تكلم كلمةً سيئة عاقبه الله، وكلما ابتسم ابتسامةً ساخرةً عاقبه الله، وكلما اغتاب أحداً واجه مشكلةً لم تكن بالحسبان، إذا كنت كذلك فاعلم أن الله يحبك، وإذا أحب الله عبده ابتلاه، إذا أحب الله عبده عجل له بالعقوبة، إذا أحب الله عبده محصه يعني طهّره، أدّبه، ما هذا الأدب يا رسول الله؟ قال: 

(( أدبني ربي فأحسن تأديبي. ))

[ ضعيف الجامع ]

 المؤمن أديب جداً وهذا الأدب ناتج من تأديب الله له .

﴿ وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَمۡحَقَ ٱلۡكَٰفِرِينَ (141) أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَيَعۡلَمَ ٱلصَّٰبِرِينَ (142)﴾  

[ سورة آل عمران   ]


أَمْ حَسِبْتُمْ


1 ـ لابد للجنة من ثمن كبير:

 سذاجة ما بعدها سذاجة، جنة عرضها السماوات والأرض، جنة إلى أبد الآبدين فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، هذه الجنة تأتي بركعتين شكليتين، وليرتين تنفقهما من دون اهتمام، تدخل بهما الجنة؟ لا والله.

2 ـ إيثار الآخرة على الدنيا ثمن الجنة:

 ﴿أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَيَعۡلَمَ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾ إله عظيم، جنته لها ثمن كبير، ثمن كبير، حتى تنفقوا مما تحبون، حتى تخضع لله خضوعاً تاماً، وحتى تؤثره على كل شيء، قال تعالى:

﴿  قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(24)﴾

[  سورة التوبة  ]

 إذا كان بيتك أغلى عليك من الله، وقد اغتصبته اغتصاباً، وهو أغلى عليك من الله، إذا كانت الزوجة أغلى عليك من الله تطيعها، وتعصي الله، إذا كان المبلغ الكبير الذي يأتي من غش المسلمين تؤثره على طاعة الله، فإن الطريق إلى الله غير سالك، بل هو مسدود: ﴿فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ لابد من الجهاد، ومن بذل الجهد، أن تجاهد نفسك، وهواك، وأن تجاهد جهاداً دعوياً، وأن تجاهد جهاداً قتالياً، حينما يجتاح العدو أرضك.
 أيها الإخوة الكرام ﴿أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَيَعۡلَمَ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾ .

3 ـ طلب الجنة من غير عمل ذنب من الذنوب:

 طلب الجنة من غير عمل ذنب من الذنوب، كنت أضرب مثلاً مضحكاً، محل كبير ضخم جداً في الشام لبيع السجاد، وبائعو السجاد يضعون بعضه فوق بعضٍ، فزرت هذا المحل، فأراك الأولى، تقول له: أريد الأغلى، أعطاك الثانية، الثالثة، الرابعة، الخامسة، أراك كل شيء في المحل، تقول له: أريد الأغلى، أخذك إلى مكان آخر فيه قطع نفيسة جداً، سعر الواحدة ثمانمئة ألف، أراك واحدة أعجبتك فقلت له: أتأخذ ثمنها خمس ليرات؟ هل تخرج من المحل سالماً؟ 
 إنسان لا يقرأ ولا يكتب توفي والده، فذهب إلى المقبرة ليزوره، فوجد شاباً يقرأ القرآن، فأعطاه عشرة قروش فقط، قال له: اقرأ على روح والدي، فهذا اغتاظ جداً من هذا المبلغ الذي لا يساوي شيئاً، فقرأ: 

﴿  خُذُوهُ فَغُلُّوهُ(30)﴾

[  سورة الطور  ]

 هذا الابن بدأ يغلي، ما وجد غير هذه الآية: 

﴿  ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ(31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ(32)﴾

[  سورة الطور ]

 قبضه فقال له: ما وجدت غير هذه الآيات؟ فقال له: تريد الجنة بعشرة قروش؟ ﴿أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ﴾

4 ـ الجنة تحتاج إلى جهاد وصبر:

 مرتاح، تقصير في الصلاة، غيبة، نميمة، تملأ عينيك من الحرام، تأكل ما تشاء، تفوتك صلوات وصلوات، ونحن مسلمون، والحمد لله، ومن أمة محمد.
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ أيها الإخوة، الجنة تحتاج إلى جهد كبير، وإلى سهر طويل، وإلى إنفاق، وإلى معاكسة الشهوات، قال تعالى:

﴿  وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى(40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى(41)﴾

[  سورة النازعات  ]

 تحتاج إلى غض بصر، إلى ضبط لسان، إلى إنفاق مال، إلى حضور مجالس علم، أما هذا الذي يعطي نفسه ما تشتهي، ويتمنى على الله الأماني، فهذا قال سمّاه النبي الكريم العاجز، فعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: 

((  الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الأماني.))

[ أخرجه الترمذي  ]

 فلا بد من الجهاد، ولا بد من الصبر على قضاء الله وقدره، وعن معصيته، وعلى طاعته، دقق على طاعته، وعن معصيته، وعلى قضاء الله وقدره، لا بد أن تصبر، وأن تجاهد، تبدأ بجهاد النفس، والهوى، وتمر بجهاد الدعوة إلى الله عز وجل، ثم تنتهي بالجهاد القتالي. 

﴿ وَلَقَدۡ كُنتُمۡ تَمَنَّوۡنَ ٱلۡمَوۡتَ مِن قَبۡلِ أَن تَلۡقَوۡهُ فَقَدۡ رَأَيۡتُمُوهُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ (143)﴾

[  سورة آل عمران  ]


الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور