الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد، الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس السابع والثلاثين من دروس سورة آل عمران، ومع الآية السابعة والثلاثين بعد المئة، يقول الله عز وجل، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
﴿ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ (137)﴾
قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ
1 ـ تعامل الله مع عباده وفق قوانين ثابتة:
معنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى يتعامل مع عباده وفق قوانين ثابتة، سميت هنا سنن، أي طرائق واضحة، قواعد محددة، قوانين ثابتة، مبادئ معينة، التعامل بين الله وعباده ليس تعاملاً مزاجياً وليس تعاملاً كيفياً، أية مقدمة لها نتيجة، إن فعلت كذا كان كذا، فهناك سنن يمكن أن تستنبطوها من التاريخ.
ومن خلال استنباط هذه السنن يمكن أن تتنبؤوا بما سيكون لمن وقع في الأسباب نفسها، فمثلاً: لو أن معلماً لم يتكلم ولا كلمة، نظر إلى طالب، وقد وكز زميله فضربه، وبقي المعلم ساكتاً، في المرة الثانية الطالب وكز صديقه، فضربه المعلم، في المرة الثالثة الطالب وكز صديقه، فضربه المعلم، ألا يستنبط هذا الطالب أن هناك قاعدة ثابتة لتعامل أستاذه مع الطلاب، المعلم لم يتكلم ولا كلمة، لكن حينما يضرب الطالب زميله، يضربه المعلم، أول مرة، وثاني مرة، وثالث مرة، المرة الثالثة هذا الطالب قدم مكافئة لزميله، فكافأه المعلم، ألا يستطيع أن يستنبط من سلوك المعلم الثابت المبني على قواعد قانوناً؟
2 ـ انظر إلى معاملة الله للمجرمين تستنبط السنن والقوانين:
لو لم يكن بين أيدينا هذا القرآن، ونظرنا كيف يفعل الله بالمجرمين، بالمكذبين، بالخائنين، بالمنحرفين، بالشاردين، لوجدنا أن هناك قواعد ثابتة تحكمهم جميعاً، وأي أمة فعلت مثل ما فعلت هذه الأمة السابقة مصيرها كمصيرهم، لذلك من البطولة الرائعة أن تستنبط ما في القرآن الكريم من قوانين ثابتة، تعالوا بنا نستعرض بعض هذه القوانين.
من هذه القوانين قال تعالى:
﴿ ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّى لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى كَيْدَ ٱلْخَآئِنِينَ (52)﴾
في أي مكان، وفي أي زمان، وفي أي عصر، وفي أي مصر، الخائن لا بد من أن يُكشَف، قال تعالى: ﴿وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى كَيْدَ ٱلْخَآئِنِينَ﴾
2 ـ الإحسان ثمرته الحكم والعلم:
قانون ثانٍ، قال تعالى:
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَٱسْتَوَىٰٓ ءَاتَيْنَٰهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ(14)﴾
الإحسان من ثماره اليانعة أن الله يؤتي المحسن حكماً وعلماً، قال تعالى:
﴿ وَلَا تُفْسِدُواْ فِى ٱلْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَٰحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ (56)﴾
3 ـ الإحسان سببٌ لعطاء الله المطلق:
قانون ثالث؛ مطلق عطاء الله عز وجل سببه أن تكون محسناً، الله جل جلاله من يحب؟ قال:
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)﴾
﴿ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِىٍّۢ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ ۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ (146)﴾
﴿ إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْـًٔا وَلَمْ يُظَٰهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوٓاْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ (4)﴾
أرجو أنكم إذا قرأتم القرآن أن تضعوا أيديكم على القوانين، القوانين التي تحكم علاقتكم بالله.
4 ـ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ
قال تعالى:
﴿ أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ ۚ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىٰٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِى مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى مَنْ هُوَ كَٰذِبٌ كَفَّارٌ (3)﴾
5 ـ قانون التيسير والتعسير:
قانون التيسير، قال تعالى:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى(7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى(8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى(9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(10)﴾
قانون التيسير والتعسير، لا تقل: حظ، وليس لي حظ، كلام ليس له معنى، كلام شيطاني، أنت إما أن تُيسَّر أمورك، وإما أن تُعسَّر أمورك، إن أعطيت، واتقيت، وصدّقت بالحسنى تُيسَّر أمورك، وإن بخلت، واستغنيت، وكذّبت بالحسنى تُعسَّر أمورك، هذا قانون التيسير والتعسير.
قانون الود والخصومة، قال تعالى:
﴿ وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰٓ أَخَذْنَا مِيثَٰقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ(14)﴾
أيّ مجموعة مؤمنين، إذا عصى أحدهم ربه، دخل الشيطان بينهم، ففرّق بينهم، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ:
(( مَا تَوَادَّ اثْنَانِ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا إِلا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا. ))
هذا قانون، فإن أطعنا الله جميعاً كان بيننا من الود ما لا يوصف، من الود والحب والتعاون، فإذا اختلت علاقتنا بالله عز وجل، انعكست خصومات وعداوات فيما بيننا، قانون العداوة والبغضاء.
قانون الخوف، قال تعالى:
﴿ سَنُلْقِى فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ بِمَآ أَشْرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ سُلْطَٰنًا ۖ وَمَأْوَىٰهُمُ ٱلنَّارُ ۚ وَبِئْسَ مَثْوَى ٱلظَّٰلِمِينَ(151)﴾
فرد أو جماعة أو أمة حينما تشرك يلقي الله في قلبها الخوف، الخوف له قانون.
العزة والذل، قال تعالى:
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ(26)﴾
إن كان عملك طيباً فأنت رافع الرأس، ولا يستطيع أحد في الأرض أن ينال منك، أما إذا كان هناك تقصير فهناك:
﴿ وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ مَّا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍۢ ۖ كَأَنَّمَآ أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ ٱلَّيْلِ مُظْلِمًا ۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ(26)﴾
قانون العزة والذل.
قانون الخوف والأمن، قال تعالى:
﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰنًا ۚ فَأَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ(82)﴾
قانون الخوف وقانون الأمن وقانون التيسير، قانون العداوة والبغضاء.
قانون التوفيق، قال تعالى:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾
هذا قانون إلهي، وهو فوق المكان والزمان والمعطيات، يقال: بلد موارده قليلة، هذا القانون فوق كل المعطيات، فوق المكان والزمان، والمعطيات، والأسباب والمضائق.
أسعد الناس من كشف القوانين القرآنية:
أيها الإخوة، أسعدُ الناس من كشف القوانين التي في كتاب الله، والتي تحكم علاقة الله عز وجل بالإنسان،
﴿ إِنَّ ٱلْمُنَٰفِقِينَ يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَٰدِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوٓاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا(142)﴾
إذا حصل مخادعة فلا بد أن تعود المخادعة على صاحبها، على كلٍ هذه نماذج، لكن إذا قرأت القرآن الكريم يمكن أن تضع يديك على كل قانون، فإذا أيقنت أن هذا قانون قطعي فأنت ما عليك إلا أن تأتي بالمقدمات حتى تقطف الثمار، هذه المقدمة لها هذه النتيجة، هذا السبب له هذه النتيجة، فأنت إذا تعاملت مع الله وفق قوانينه، سعدت وأسعدت، أما إذا فهمت الدين فهماً سطحياً وفهماً عشوائياً تتعب.
والله أربعة أخماس كلام العوام ليس له معنى، مسكينة هذه البنت ليس لها حظ! ما معنى ذلك؟ الحظ ما قانونه؟ إن كانت طائعة لله عز وجل فالله سبحانه وتعالى سيكرمها، وإن كانت عاصية فالله سبحانه وتعالى سيؤدبها.
أدق ما في هذه الآية، عليك أن تكتشف القوانين، إما من بيان الله عز وجل لما في هذا القرآن أو من أفعاله، فإذا كشفت هذا القانون، فالقانون علاقة ثابتة بين متغيرين، وبإمكانك أن تتنبّأ بالمستقبل، إنك لا تعلم الغيب، ولكن تتنبأ بالمستقبل لإنسان ماله من الربا، فقد يُرخى له الحبل لكن لا بد من أن يمحق الله ماله، هذا قانون، قال تعالى:
﴿ يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَوٰاْ وَيُرْبِى ٱلصَّدَقَٰتِ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ(276)﴾
بعكس الواقع، أنت حينما تقرض قرضاً ربوياً يعود عليك بمئة وعشرين زيادة، بالمئة مئة وعشرون، وحينما تتصدق، أو حينما تقرض قرضاً حسناً لا تأتيك أية زيادة، ومع ذلك فالقانون الإلهي: ﴿يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَوٰاْ وَيُرْبِى ٱلصَّدَقَٰتِ﴾ .
أيها الإخوة، أحياناً قد يقع شخص في مشكلة مع شخص آخر فوكّل محاميًا، المحامي إن رأى اجتهاد محكمة النقض خمس كلمات يطير فرحاً، يقول لك: كسبنا الدعوى، لأن هناك اجتهاداً في محكمة النقض لصالحك، أنت حينما تحتفل بكلام إنسان، وترى أن هذا الكلام حاسم، وأنه قد يربحك دعوى حجمها بالملايين، ولا تصدق أحكام الله عز وجل!
أرجو منكم، وأنا معكم أيضاً أننا إذا قرأنا القرآن الكريم أن نكتشف هذه القوانين، قانون التيسير والتعسير، قانون العزة والذلة، قانون الأمن والخوف، قانون الوفاق والخصام، قانون الحياة الطيبة، حينما تقول هذا كلام خالق الكون، وزوال الكون أهون على الله من ألّا يحقق وعوده للمؤمنين، قد يقول لك: هؤلاء دعوا الله فلم يُوفَّقوا، ظروف صعبة جداً، والطرف الآخر قوي جداً، وحاقد جداً، حسناً ماذا نفعل بقوله تعالى:
﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلْأَشْهَٰدُ(51)﴾
وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيل
معنى ذلك أنني لم أقدم الأسباب.
﴿ ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوٓاْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَٰفِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوٓاْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ۚ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)﴾
هناك ألف سبيل وسبيل على المؤمنين الآن، لو أنهم كانوا مؤمنين كما أرادهم الله عز وجل من سابع المستحيلات أن يكون لهؤلاء الكفار على المؤمنين سبيل.
إمبراطورة الرومان كانت تدفع جزية لهارون الرشيد، ثم جاء بعدها إمبراطور اسمه "نقفور" أرسل رسالة لهارون الرشيد يقول فيها: عليك أن تعيد لي كل ما أخذته من التي كانت قبلي، وإلا لي ولك شأن، ماذا فعل هارون الرشيد؟ كتب: من خليفة المسلمين هارون الرشيد إلى كلب الروم نقفور الخبر ما ترى لا ما تسمع، وذهب إليه، وغزاه في عقر داره، وكلّفه بجزية مضاعفة، قال تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ هذه قوانين الله عز وجل، هذا النصر الإلهي لا يتنزل على أنصاف مسلمين، ولا على أرباع مسلمين، ولا على أعشار مسلمين، ولا على أصفار مسلمين، سيدنا عبد الله بن رواحة حينما ذهب إلى خيبر ليُقيِّم تمرها أغرَوه بحِليّ نسائهم ليقيِّم تقييماً أقل من الواقع، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ :
(( أَفَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْبَرَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كَانُوا، وَجَعَلَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَخَرَصَهَا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، أَنْتُمْ أَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ، قَتَلْتُمْ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَذَبْتُمْ عَلَى اللَّهِ، وَلَيْسَ يَحْمِلُنِي بُغْضِي إِيَّاكُمْ عَلَى أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ، قَدْ خَرَصْتُ عِشْرِينَ أَلْفَ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ، فَإِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَلِي، فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتْ السَّماَوَاتُ وَالْأَرْضُ، قَدْ أَخَذْنَا فَاخْرُجُوا عَنَّا. ))
والله الذي لا إله إلا هو لو أن أصحاب رسول الله فهموا الإسلام كما نفهمه نحن، نفهمه أن ترتدي ثياباً بيضاء يوم الجمعة، وأن تتعطر بالمسك، وأن تحمل سبحة، وأن تأتي إلى المسجد، أما في متجرك تجد أيماناً كاذبة، ودخلاً حرامًا، وغشًّا للمسلمين، وهناك سهرات مختلطة، وهناك انحراف أخلاقي، لكن نحن مسلمون، نحن أمة محمد، لو أن الصحابة الكرام فهموا الإسلام كما نفهمه نحن عبادات، استعراضات، مظاهر، أما حياتنا في وادٍ، والإسلام في واد آخر، فلو فهموه مثلنا والله ما خرج الإسلام من مكة المكرمة، فكيف وصل الإسلام إلى أطراف الدنيا؟
بهذا الالتزام، نحن لسنا بحاجة الآن إلى كلام، ولا إلى دروس، ولا إلى خطب، ولا إلى أشرطة، ولا إلى كتب، ولا إلى محاضرات، ولا إلى مؤتمرات، بحاجة إلى مسلم يعيش الإسلام، مسلم يطبق تعاليم دينه، مسلم يعتز بإسلامه، مسلم لا تأخذه في الله لومة لائم، مسلم لا يكذب، مسلم لا يخون، لا يرتكب معصية إطلاقاً، هذا الذي نحتاجه، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:
(( لَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ. ))
انظروا إلى عاد وثمود وعليهما فقسْ !!!
أيها الإخوة: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ﴾ عاد وثمود، أي إنسان ذهب إلى أمريكا يقول لك: لم يُخلَق مثلها في البلاد، جنة الله في الأرض، كلها معامل، مطارات، أماكن جميلة، جامعات، مرافق، وبعد ذلك:
﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجْحَدُونَ(15)﴾
هذه الصفة الثانية، الصفة الثالثة:
﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ(130)﴾
وأيضاً:
﴿ ٱلَّتِى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى ٱلْبِلَٰدِ(8)﴾
قال:
﴿ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ(12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ(13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ(14)﴾
وأية أمة تشبه عاداً وثمود مصيرها كعاد وثمود، فاطمئِنوا، كفاك على عدوك نصراً أنه في معصية الله.
صدر في ألمانيا قوانين تجعل الشذوذ مشروعاً، فأي شاب من أية أمة له علاقة شائنة بشاب ألماني يستحقّ الجنسية الألمانية، كأنه تزوجها، وصار هناك عقود قران، نساء على نساء، ورجال على رجال، في الكنائس أيضاً، أي إنسان له علاقة شائنة بشريك جنسي، له تعويضات، وله أذن سفر، وله مكافآت، هذا هو العالم اليوم.
فيا أيها الإخوة: ﴿فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَاد*فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ*إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ بطولتنا أن نكتشف القوانين؛ قوانين الله عز وجل في هذا القرآن الكريم، فزوال الكون أهون على الله من ألا تقع قوانينه وسننه.
إياك أن تغفل القوانين فتهلك:
لو أنك أغفلت المسافات البينية في الفيزياء لوقع البناء، لأن المعادن تتمدد بالحرارة، هذا القانون يسمونه في العلم (مطَّرد وشامل) في أي مكان في العالم إن لم تجعل فراغاً بينياً بين أقسام البناء، هذا البناء يتصدّع، حينما تفهم قوانين الله عز وجل كما تفهم قوانين الفيزياء، فالبارود ينفجر بالنار، هذا قانون، والغاز يلتهب لأدنى شرارة، هذا قانون، فإذا كان عقلك علمياً، وقرأت القرآن الكريم، وأيقنت أنه كلام رب العالمين، وأن زوال الكون أهون على الله من ألا تقع هذه القوانين تأدبت معها، قانون الوفاق الزوجي، طاعة الزوجين بالله، إذا بُني الزواج على طاعة الله تولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين، إذا بُني على معصية الله تولى الشيطان التفريق بينهما.
في العلاقة الزوجية، في العلاقة مع الشريك، في العلاقة الأسرية، حينما تُسوي بين أولادك كلهم يحبونك، فإذا خالفت أمر الله عز وجل وفرّقت بينهم في العطية أبغضك المبغض، فأنت إن أردت السلامة والسعادة إليك هذه القوانين، وعوِّد نفسك أنك إذا قرأت القرآن أن تكشف القوانين، قال تعالى:
﴿ كَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ(33)﴾
إنسان غارق في معاملة ربوية، هذا لا يقبل أن الربا حرام، يناقش ويحاور، إنسان غارق في علاقة محرمة مع النساء، يقول لك: هذا العصر غير عصر النبي، فهذا الغارق في معاملة منحرفة لا يقبل الحق، هذه قاعدة
أيها الإخوة، أنا ما أردت أن أجعل هذا الدرس عرضاً للقوانين، هذا موضوع يطول، ولكن أرجو منكم إن قرأتم القرآن أن تضعوا أيديكم على هذه القوانين، والعملية سهلة جداً، ثم هذه القوانين ينبغي أن تحفظوها، وأن تعملوا بها، تجدون الثمار يانعة.
قال تعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ﴾ أي قد مضت من قبلكم قوانين، أي علاقات ثابتة بين المتغيرات، أي قواعد عامة.
فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِين
قال تعالى: ﴿فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ﴾ .
﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا شَيَٰطِينَ ٱلْإِنسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍۢ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ(112) وَلِتَصْغَىٰٓ إِلَيْهِ أَفْـِٔدَةُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱلْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ(113)﴾
أحياناً يظهر من حين لآخر كتاب -والعياذ بالله- كلّه باطل، لكن يروج رواجاً غير معقول، عشر طبعات لأنه يبيح لقارئه كل شيء تحت غطاء إسلامي، هذه الحالة لها قانون، الله عز وجل شاءت حكمته أن يسمح لمثل هذه الكتب أن تنتشر، قال تعالى: ﴿وَلِتَصْغَىٰٓ إِلَيْهِ أَفْـِٔدَةُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱلْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ﴾.
1 ـ كلما قرأت القرآن فسرت ما حولك:
كلما قرأت القرآن فسرت ما حولك، تجد أمة في غنى يفوق حد الخيال، دخْلُ الفرد بما يعادل دخل مئة فرد في بلادنا، كل إنسان له بيت مستقل، ومسابح، ومركبات، ويخت، وطائرة خاصة أحياناً، وأموال لا تأكلها النيران، وهم على فِسق، وفجور، وخمر، وزنى، وشذوذ، وعنجهية، واستكبار، واستعلاء وهم آمنون مطمئنون، هذا شيء محير والله، اقرأ القرآن:
﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَٰبَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذْنَٰهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ(44)﴾
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْض
هناك شيء آخر، أية ظاهرة فيها إشكال، إن قرأت القرآن تجد تفسيرها واضحاً، قال تعالى:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِى ٱلْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْىِۦ نِسَآءَهُمْ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ(4)﴾
فرعون علا في الأرض، هذا قانون آخر، فئة تلوذ به مُحكَّمة بكل شيء:
﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِى ٱلْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْىِۦ نِسَآءَهُمْ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ(4) وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِى ٱلْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَٰرِثِينَ(5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ(6)﴾
بربك أيهما أحب إليك بعد هذه الآية؛ أن تكون مستضعفاً ليمنّ الله عليك، ويقويك ويمكِّنك، أم أن تكون مستكبراً؟ هذا قانون، أي هناك جهتين؛ جهة لا تعرف الله إطلاقاً مُمكَّنة في الأرض كما هم الكفار في بلاد العالم، ممكنة في الأرض، كل شيء بيدها، أموال الأرض بيدها، أسلحة الأرض بيدها، وفئة مؤمنة مقصّرة، القانون الإلهي أنّ الله يسلّط الأولى التي لا تعرفه على الثانية التي تعرفه، وقد قصرت في حقه، قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِى ٱلْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَٰرِثِينَ*وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ﴾
قانون عام، جهة لا تعرف الله أبداً مُمكَّنة في الأرض، جهة تعرف الله وهي مقصرة، هذه تحت العلاج إلى أن تعرف الله، إلى أن تصطلح مع الله.
ذكرت اليوم في الخطبة كلام دقيق، في نهايتها قلت: أنت حينما لا سمح الله ولا قدّر تتألم ألماً لا يُحتمل لمرض أصابك، فهل تصدق أن هذا الألم جزء من الشفاء، هذا الألم إنذار، أي قم وعالِج نفسك، هذا الألم يدفعك إلى معالجة هذا المرض، وكأن هذا الألم جزء من الشفاء، لكن ما هو المرض الخطير؟ -والعياذ بالله- إنه الورم، ليس له آلام أبداً، ينتشر، يستحكم، ينمو، إلى أن يصل إلى درجة لا شفاء له عندها يظهر، متى يظهر؟ بعد فوات الأوان.
إذاً حينما يأتي عدو لنا ويبالغ في قهرنا، ويبالغ في إذلالنا، ويُقتِّل أبناءنا كما تسمعون كل يوم، ويهدم بيوتنا، ويحرق المزروعات، هذا جزء من النصر إن شاء الله لأنه يدعو إلى الصحوة، إلى التعاون، إلى الوحدة، رب ضارة نافعة، وكلما ازداد العدو حماقة اقترب الفرج إن شاء الله، فلا تتألم من آلام المرض إنها جزء من الشفاء، لا تتألم لقسوة الكافر، ولجرمه، ولحماقته فهي جزء من أسباب النصر عليه، وكفاك على عدوك نصراً أنه في معصية الله.
هناك حساب دقيق أيها الإخوة، الناس في غفلة شديدة، الناس في جهالة جهلاء، وأيّ إنسان أيها الإخوة لا يدخل الله جل جلاله في حساباته اليومية فهو أكبر غبي، وأكبر أحمق، لأن الله سينتقم منه أشد الانتقام:
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ(12)﴾
لكن الله سبحانه وتعالى له سياسة، سياسة إرخاء الحبل، يرخي الحبل حتى يتوهم هذا المجرم أنه حر طليق، يفعل ما يريد، ثم يضعه الله في قبضته في ثانية واحدة، فالعبرة أن تكون متحركاً في رضوان الله، لا أن تكون قوياً متحركاً في سخط الله.
2 ـ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ
قال تعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ﴾ أي هؤلاء الذين عارضوا رسول الله، وأخرجوه، وائتمروا على قتله، ونكّلوا بأصحابه، أين هم الآن؟ في مزبلة التاريخ، وهؤلاء الذين نصروه، وأيّدوه، وأعانوه، واستقبلوه، وقدموا له أرواحهم، أين هم الآن؟ في أعلى عليين، هذا هو التاريخ، حتى في حياتنا المعاصرة لا يوجد إنسان وقف مع الحق إلا أعزه الله، ولا يوجد إنسان وقف مع الباطل إلا أذله الله عز وجل، أي أشقى الناس قاطبة هو الذي في خندق معادٍ للحق، قال تعالى: ﴿فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ﴾ ثم يقول الله عز وجل:
﴿ هَٰذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ(138)﴾
هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ
بيان، أي دعوة الله بيانية، أنا أقول لك: هذا الشيء ينتهي إلى هذا الشيء، هذه المقدمة تنتهي إلى هذه النتيجة، من جدّ وجد، من سار على الدرب وصل، هناك قوانين كثيرة جداً، كن أميناً تكسب أثمن شيء في الحياة ثقة الناس، وثقة الناس هي أكبر رأسمال تملكه، أتقِن عملك يتهافت الناس عليك في كل زمان ومكان، مهما يكن من كساد، المتقن لا يقف عمله أبداً، أما في أثناء الرواج يروج كل شيء حتى العمل السيئ، أما عند الكساد فيبقى المتقن مستمراً في عمله، وإتقان العمل جزء من الدين، قال تعالى:
﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2)﴾
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا
هذا قانون، والله يكاد يكون القرآن كله قوانين: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ يُكتب حول هذه الآية مجلدات، من يتق الله في اختيار زوجته، اختارها ذات دين، يجعل الله له مخرجاً من الشقاء الزوجي، من اتقى الله في تربية أولاده يجعل الله له مخرجاً من عقوقهم، من اتقى الله في كسب ماله يجعل الله له مخرجاً من تلف المال، من اتقى الله في معاملة جيرانه، ففي أي شيء إن طبقت منهج الله قطفت الثمار، يجعل الله لك مخرجاً من كلِّ همٍّ وحَزن، هذا بيان.
وبالمناسبة هناك دعوة بيانية، وأنت صحيح معافىً، في بيتك، ومعك أهلك وأولادك، وليس عندك أية مشكلة، قرأت القرآن، الله عز وجل بيّن لك أنك مخلوق للجنة، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وهذه الجنة ثمنها طاعة الله عز وجل، قال تعالى:
﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾
والأوامر الكلية في الكتاب، والتفصيلية في السُّنة، وليس هناك حرمان، الآية الكريمة:
﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ(50)﴾
المعنى المخالف لو أنك اتبعت هواك وفق منهج الله لا شيء عليك، هذا بيان، وأنت صحيح معافى، لا مشكلة عندك، الله بيّن لك.
1 ـ الدعوة البيانية يُنتظَر منها الاستجابة:
الدعوة البيانية يُنتَظر ممن دُعي إليها أن يستجيب:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)﴾
2 ـ عدم الاستجابة يوجِب مرحلة التأديب التربوي:
إن لم يستجب الإنسان فلا بأس لأن هناك مرحلة أعلى، وهي التأديب التربوي، الله عز وجل يسوق مصيبة، قال تعالى:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىْءٍۢ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍۢ مِّنَ ٱلْأَمْوَٰلِ وَٱلْأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِ ۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ(155)﴾
في معظم البلاد الآن حر لا يُحتمل، كساد لا يُحتمل، قلق لا يُحتمل، تلوث لا يُحتمل، تلوث، وكساد، وحر، وقلق، وجفاف، بما قدمت أيدي العباد، هذه الدعوة البيانية سهلة جداً ينبغي أن تستجيب لله، إن لم تستجب فهناك تأديب تربوي، ونحن الآن تحت التأديب التربوي، هناك تأديب، هناك قلق عام، هناك عدو شرس، وحش، أنا وصفت هذا العدو، قلتُ: هو ثور هائج، مصاب بجنون البقر، أي لأي شيء يدمر بيوتاً، هذا التأديب التربوي، الله عز وجل ينتظر من هؤلاء المؤدَّبين الذين أصابهم التأديب التربوي أن يتوبوا:
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(21)﴾
3 ـ بعد التأديب الإكرام الاستدراجي:
إن لم يتوبوا فهناك حل ثالث، وهو الإكرام الاستدراجي، على المعصية والإثم والانحراف، يرتفع الدخل، تروج البضاعة.
حدثني أخ في بلد إسلامي عن معمل تفوق أرباحه حد الخيال، إعلاناته نساء شبه عاريات، يأكل الربا، ويؤكِل الربا، ويسلك أي طريق قذر لترويج بضاعته، وأرباحه فلكية، والقائمون عليه لا يعرفون مَن هو الله، هذا المعمل بهذا الرواج الكبير، وهذا الدخل الفلكي، وهذا النجاح منقطع النظير أربك بعض المؤمنين، كل دخله ربوي، وكل إعلاناته فيها فسوق ومجون، ثم احترق هذا المعمل فجأة، ولم يبقَ فيه شيء أبداً، فالله يرخي الحبل.
هناك هدى بياني، تأديب تربوي، إكرام استدراجي، ثم القصم، قطع، أنت اختر؛ أكمل شيء أن تستجيب لله بعد دعوته البيانية، الخطبة دعوة، الدرس دعوة، القرآن دعوة، السُّنة دعوة، الشريط دعوة، الكتاب دعوة، نصيحة الأخ المؤمن دعوة، دعوة بيانية، قال تعالى:
﴿ هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ(138)﴾
أيها الإخوة، الفرق بين: ﴿هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ﴾ و ﴿وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمتَّقينَ﴾
فرقٌ بين أن يأتيك أمرٌ وأن تعيش هذا الأمر:
أي الله عز وجل يخبرنا أن الزنا حرام، وأن أكل أموال الناس بالباطل حرام، وأن الكذب حرام، وأن السرقة حرام، لكن حينما يتصل الإنسان بالله عز وجل يُلقي الله في قلبه نوراً، هو يبتعد عن السرقة لا لأنها حرام فقط، بل لأن نفسه تشمئز منها، هذه أرقى، لقد اهتدى، أي حينما يدع الكذب لا لأنه محرم فقط، بل لأن نفسه تعاف الكذب، ارتقت نفسه من مستوى الهدى البياني إلى مستوى الهدى النوراني، أي ممكن لأب أن يضغط على ابنه ألاّ ينام قبل أن ينظف أسنانه، أما إذا سافر الأب يومين فلا ينظفهم، ارتاح، هذا مشكلته كبيرة، أما حين ينمو هذا الطفل على هذه النظافة الرائعة، فلو سافر أباه شهراً لا يدع تنظيف أسنانه يوماً، ففرق كبير بين أن يأتيك أمر، وبين أن تعيش هذا الأمر، فمثلاً قرأت القرآن، قال تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ هذه واضحة جداً، لك صديق لا يصلي، شارب خمر، زير نساء، دخله فلكي، وأنت موظف دخلك لا يكفيك أسبوعًا، وتعاني ما تعاني من ضيق الدخل، يكفي أن تقول هنيئاً له، ما شاء الله، جعلني الله مثله، فأنت لا تعرف شيئاً في الدين، الآية فهمتها، ولكن لم تعِشْها، لمجرد أن تشتهي أن تكون كالمنحرفين في دخلهم، مع انحرافهم أنت لا تفقه شيئاً، ولا تعرف شيئاً، ولم تذق طعم الإيمان أبداً، أما المؤمن الصادق لو أمامه ملايين كثيرة من الحرام، وهو يعيش عيش الكفاف لا يتمنى أن يكون بحال هؤلاء، لذلك عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّه عَنه عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
(( ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ؛ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ. ))
رجل له دعوة، وصالح، ويعمل للآخرة مثلاً، وله زوجة وازنت حياتها مع حياة أختها، وزوج أختها متفلّت، لا صلاة، ولا دين، ولا معرفة بالله، يعيش لشهواته، لأن أختها في بحبوحة مادية أكثر قالت: هنيئاً لأختي، والله حياتها أفضل من حياتي، فهذه المرأة لا تعرف الله إطلاقاً، ولم تذق طعم الإيمان إطلاقاً، العبرة أن تكون معتزاً بما أنت فيه، قال رسول الله ﷺ:
(( يا عمّاه، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته. ))
الاهتداء والاستقامة أبلغ من البيان:
فيا أيها الإخوة، هذا بيان، البيان واضح، لكن هناك ما هو أبلغ من البيان، وهو أن تكون مهتدياً، أن يقذف الله في قلبك الهدى، إن رآك مستقيماً قذف في قلبك الهدى، لذلك:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِۦ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِۦ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(28)﴾
وهذه التقوى بمعانيها العالية جداً، أن يقذف الله في قلبك نوراً يريك الحق حقاً، والباطل باطلاً.
شخص سأل ألف رجل: لماذا لا تخون زوجتك؟ فالإجابات جاءت متعددة، قسم من هؤلاء قالوا: لا نستطيع لأنها معه في البقالية لا يقدر، تراقبه ليلاً ونهاراً، قسم آخر قال: لا أحتمل الشعور بالذنب، الشعور بالذنب ضاغط، أما لو أن خيانة الزوجة لا يرافقها شعور بالذنب فلا مانع عنده، أما الجهة الراقية قالت: لا نحب الخيانة، هناك من قال: لا نحب الخيانة، وهناك من قال: لا نحتمل الشعور بالذنب، وهناك من قال: لا نستطيع.
لذلك أيها الإخوة موضوع البيان هذا الذي تسمعونه، أما الهدى فأن يقذف الله في قلبك نوراً يُريك الحق حقاً والباطل باطلاً، (اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه) .
هذا الذي يسرق لماذا يسرق؟ لأنه رأى أن أفضل شيء أن يسرق، هذا الذي يزني لماذا يزني؟ رأى أن الزنا ممتع، وليس فيه أعباء ومسؤوليات.
حينما تمشي إلى مكان حول دمشق، وتجد ملهى، مئة سيارة واقفة، وقد كُتب: المغني الفلاني، والراقصة الفلانية، والموسيقى الفلانية، والطعام، والخمور... إلخ، هذا لماذا دخل إلى هذا الملهى؟ ألم يقرأ القرآن؟ إنه يبحث عن لذته، لو أن الله عز وجل ألقى في قلبه نوراً لرأى أن جلوسه مع أهله، وأولاده، وطاعته لله، وحضور مجلس علم، أسعد له من كل هذه النزهات.
اطلب من الله أن يلقي في قلبك نوراً، يريك الحق حقاً، والباطل باطلاً، لأن الذي يحركنا هو رؤيتنا، الذي يغش المسلمين لماذا يغشهم؟ لكي يضاعف أرباحه، يغير بيته، يغير سيارته، تأتيه مصيبة تمحقه من أصله، لم يرَ الحقيقة، لو رأى الحقيقة يتردد، وسيعد للمليون قبل أن يغش المسلمين.
هناك غش كثير في المواد الغذائية، في بعض البلاد يأتون بلحم كلاب، ويطعمونه للبشر، أو مواد فاسدة انتهى مفعولها يبيعها للناس، لا يهمه، من أجل أن يربح وحده يسيء للمسلمين جميعاً، لذلك نحن لا نريد كلمات فارغة، الله أكبر، أنت حينما تغش المسلمين ما قلت: الله أكبر ولا مرة، ولو رددتها بلسانك ألف مرة، لأنك رأيت هذا المبلغ الذي يأتيك من غش المسلمين أكبر عندك من الله، حينما تطيع زوجتك، وتعصي خالقك فما قلت: الله أكبر ولا مرة، ولو رددتها بلسانك ألف مرة، لأنك رأيت أن طاعة الزوجة أكبر عندك من طاعة الله، هذه الكلمات التي يرددها المسلمون إن لم تكن في مستواها، فليس لها قيمة أبداً، الله أكبر، لا إله إلا الله، أي لا مُسَيِّر، ولا معطي، ولا مانع، ولا رافع، ولا خافض، ولا معز، ولا مذل إلا الله، فأنت تتذلل أمام إنسان، وقد تبيع دينك من أجله، وربما لا تصلي من أجله، وقد تنطق بالكفر من أجله، هل أنت مسلم؟
كلمة لا إله إلا الله، الله أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله، حسبي الله ونعم الوكيل، سبحان الله والحمد لله، هذه الكلمات الضخمة فيها معانٍ ضخمة جداً.
فيا أيها الإخوة، كلمة بيان غير هدى، بيان: النص، أما هدى: أي يوجد بقلبك نور، لو فرضنا فرضاً وجدلاً أنه لا توجد آية تحرم الزنا، المؤمن الصادق الموصول بالله، الذي ألقى الله في قلبه النور لا يمكن أن يزني، فالزنا خيانة، لا يمكن أن يسرق، لذلك حينما كان يؤمن الرجل في الجاهلية، يقول له رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
(( أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ. ))
قال تعالى: ﴿هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى﴾ هدى أي الله عز وجل ألقى في قلبك النور؛ مثلاً: تمشي في طريق فوجدت لوحة كُتِب عليها: هنا تقاطع خطر، لوحة ثانية: يوجد جسر هنا، لوحة ثالثة: حفريات، وتحويل، كلها لوحات، ولكن لو كان معك ضوء كاشف في الليل ولو لم يكن هناك لوحات فإنك تراهم جميعاً، إما أن يكون هناك لوحات تبين لك، أو ضوء كاشف يبين لك، فلو كان عندك ضوء كاشف من الله عز وجل فهذا أقوى بكثير، فلن تحتاج إلى أية لوحة، أما إذا لم يكن ثمة ضوء كاشف فتُعطى التعليمات، فالطيار في الليل كيف ينزل؟ على اللاسلكي، انحرف متراً، يُعطَى تعليمات معينة، أحياناً في حال الضباب ينزل باللاسلكي، أما إذا كانت الشمس ساطعة، والطريق واضح فلا يحتاج إلى اللاسلكي، ينزل معتمداً على الرؤية الواضحة: ﴿هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾
الملف مدقق