وضع داكن
07-11-2024
Logo
الدرس : 34 - سورة آل عمران - تفسير الآيات 123 - 129 النصر من عند الله العزيز الحكيم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
 الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد، الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.
 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الرابع والثلاثين من دروس سورة آل عمران، ومع الآية الثالثة والعشرين بعد المئة، يقول الله عز وجل:

﴿ وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٍ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٌۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (123)﴾

[  سورة آل عمران ]


لماذا انتصر المسلمون في بدر ولم ينتصروا في أحد ؟



 أيها الإخوة، معركة بدر وردت مفصَّلة في سورة الأنفال، أو وردت مستوفاة في سورة الأنفال، ومعركة أُحد وردت مفصَّلة ومستوفاة في سورة آل عمران، ولكنّ حكمة الله عز وجل أن قصة معركة أُحد اعترضتها إشارة إلى معركة بدر، الله هو هوَ، والأمر بيده، هو الناصر، المعين، القوي، فلماذا نصركم في بدر ولم ينصركم في أُحد؟ معنى ذلك أن السبب منكم، الأمر بيد الله، قال تعالى: 

﴿ صِرَٰطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِى لَهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۗ أَلَآ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلْأُمُورُ (53)﴾

[  سورة الشورى  ]

 هو هوَ، الأمر كله بيده: 

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[  سورة هود ]

 فلماذا نُصِرتُم في بدر، ولم تُنصروا في أُحد، والنبي بين أضلعكم، وأنتم أنتم؟ معنى ذلك أن هناك شيئاً جديداً في أُحد لم يكن من قبل، هذا الشيء الجديد هو معصية القائد، لو أنكم انتصرتم مع معصيتكم لرسول الله لسقط أمر النبي، ولم يعد له قيمة.
 أيها الإخوة، في قوله تعالى:

﴿ وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡرٍ وَأَنتُمۡ أَذِلَّةٌۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (123)إِذۡ تَقُولُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ أَلَن يَكۡفِيَكُمۡ أَن يُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَٰثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُنزَلِينَ (124)﴾

[  سورة آل عمران ]

1 ـ تبشير النبي الصحابة بنزول الملائكة للقتال معهم:

 إذ تقول يا محمد للمؤمنين، الحقيقة أن الملائكة نزلت في معركة بدر، والدليل قوله تعالى :

﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُم بِأَلْفٍۢ مِّنَ ٱلْمَلَٰٓئِكَةِ مُرْدِفِينَ(9)﴾

[  سورة الأنفال  ]

2 ـ لماذا جعل النصر في بدر عن طريق الملائكة؟

 فالملائكة نزلت في بدر، وقد يسأل سائل: إذا كانت القوة كلها بيد الله، وأنّ الله وحده هو الناصر، فلماذا جعل النصر في بدر عن طريق الملائكة؟ قال: الإنسان بُني على الأسباب، ولا يطمئن إلا بنصر عن طريق السبب، والشيء الذي يَلفت النظر أنّ كل عطاء من الله له سبب، له سبب أرضي، وله سبب دنيوي، والله مسبب الأسباب، وكل عقاب إلهي له سبب أرضي، وله سبب دنيوي، والله مسبب الأسباب، لأن الإنسان بُني عقله على السببية، فالله عز وجل من قدرته أن ينصرهم من دون الملائكة، مباشرة، ولكنهم يقلقون، فمن أجل أن يطمئنوا جعل النصر في بدر بمعاونة الملائكة، وقد أمدهم بألف من الملائكة مسوِّمين، أو مسوَّمين، إذ تقول الآن يا محمد في أُحد للمؤمنين: ﴿أَلَن يَكۡفِيَكُمۡ أَن يُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَٰثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُنزَلِينَ﴾

لابد من الفرح لانتصار المسلمين:


 قال بعض علماء التفسير: هذه الآيات تابعة لمعركة بدر، أي أمدهم الله بألف، وقال: مردَفين، أتبعهم بثلاثة آلاف، وأتبعهم بخمسة آلاف، لكنّ بعض العلماء يقول: سياق الآيات عن معركة أُحد فالنبي عليه الصلاة والسلام شجع أصحابه، وقال لهم فيما أخبرنا الله عز وجل: ﴿إِذۡ تَقُولُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ أَلَن يَكۡفِيَكُمۡ أَن يُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَٰثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُنزَلِينَ﴾

﴿ بَلَىٰٓۚ إِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَٰذَا يُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125)﴾

[  سورة آل عمران ]

 أيها الإخوة الكرام، قضية النصر قضية أساسية جداً في حياة الأمة، والمؤمنون ولا شك يفرحون بنصر الله أيما فرح، قال تعالى :

﴿ فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)﴾

[  سورة الروم  ]

 ونحن كوننا أمة إسلامية عندما نرى أن المسلمين انتصروا في مكان ما في العالَم نفرح جميعاً، وحينما تأتينا الأنباء السيئة بأنهم لم ينتصروا نتألم جميعاً، وهذا من علامة الإيمان، ذلك أنّ المؤمن لا بد أن يتفاعل مع قضايا المسلمين في العالَم، إليكم دليلاً من القرآن حينما قال الله عز وجل:

﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)﴾

[  سورة الروم  ]

 المؤمنون فضلاً عن أنهم مهتمون ببقية المؤمنين في العالَم، مهتمون بمن يجمعهم بهم قاسم مشترك، هم أهل الكتاب، الذين انتصروا هم الروم على الفُرس، الفُرْس عُبَّاد النار، أما الروم من أهل الكتاب، مع أنّ هناك أشياء لا تجمعنا بهم، وهناك قواسم تجمعنا بهم، فهذا المؤمن مهتم بانتصارٍ لفئة تجمعنا بهم بعض القواسم، إيمان بالله، إيمان بالآخرة وهكذا.
 إذاً: أن تحمل همَّ المسلمين، وأن تقلق لهزائمهم، وأن تفرح بانتصاراتهم، هذه علامة إيمانك، أما أن تنسلخ من المجتمع، وأن تنتمي إلى ذاتك، وألاّ تُعنى إلا بدخلك، وبيتك، وأولادك، وراحتك، وإنفاقك، وما إلى ذلك، هذا دليل بُعد الإنسان عن الإيمان.
 والحقيقة أنّ الأحداث نراها نحن جميعاً، ونستمع إليها، ولكنّ البطولة لا في رؤيتها ولا في الاستماع إليها، البطولة في تحليلها، تحليل الخبر أهم من الخبر، المؤمن بحسب إيمانه يعطي تحليلاً دقيقاً لأي خبر يسمعه.
 التقيت بأخ كريم، فأراد أن يقرأ الكتاب الفلاني، والكتاب الفلاني، وهذه الكتب لفِرَق ضالّة، فقلت له: استيعاب الباطل مُجهد جداً، وطريق طويل جداً، لو أنك استوعبت الحق لكان الطريق أقصر وأسهل، وإن استوعبت الحق صار معك ميزان تَزِن به كل شيء، والدليل أن الله عز وجل قال:

﴿ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِى مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِۦ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(153)﴾

[  سورة الأنعام ]

 السبيل للحق واحد، أما الباطل فمتعدد، ومتعدد تعدد لا حدود له، لو عشت ألف عام، وأمضيت هذا العمر كله في قراءة أفكار المذاهب الوضعية والضالة والمنحرفة، عمرك هذا لا يكفي، أما لو أنك استوعبت كلام الله فهمته، واستوعبت سنة رسوله، هذا هو الحق، فاستيعاب الحق أولى، وهو أسهل وأقصر وأقوى وأمتن، ذكرت هذا لأنه لا بد أن تتعاطف مع المؤمنين في شتى بقاعهم، لا بد أن تفرح لانتصاراتهم، وأن تتألم أشد الألم لانهزامهم، لأنك واحد منهم، ومن لم يهتم لأمر المسلمين فليس منهم، ولا بد أن يكون في قلبك رحمة على هؤلاء المسلمين.
 ذاك الذي يقول لك: أنا ليس عندي مشكلة، أي أموره مُيسرة، دخله كافٍ، هؤلاء الذين يموتون، يُشرَّدون، يُخرَجون من ديارهم، يُقَتَّلون لأتفه الأسباب، يُطهَّرون عِرقياً، ينبغي أن تتألم لألمهم، لا ينبغي أن تعتب على الله لأجلهم أيضاً، هذا تطرف، والله عز وجل أرحم الراحمين، وأحكم الحاكمين، هو العدل، هو الرؤوف الرحيم، هو الحكيم الغفور، لكن لا بد من تعاطف بشكل أو بآخر.
 العلماء قالوا: هذه الآيات وإن كان بعض العلماء يجعلها في معركة بدر لكنهم يرجِّحون أنها في معركة أُحد، لكن لا يوجد دليل قطعي أبداً أن الله أمدَّ المؤمنين في معركة أُحد بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين، كما أنه لا دليل من أنه لم يمدهم، لكن الدليل القطعي أن سيدنا سعد بن أبي وقاص يروي عن رسول الله أن النبي قد أعانه في معركة بدر مَلَكَان يلبسان ثياباً بيضاء، وقد قيل أنّ هذه من خصوصيات النبي لأنه كان في موضع الأمر والنهي تماماً، قال تعالى: ﴿بَلَىٰٓۚ إِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَٰذَا يُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾

بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا


 الحقيقة يرجح بعض العلماء أنه في أُحد لم يكن هناك مدد، هذا عرض من النبي أخبرنا الله به، لأنه لو كان هناك مدد من الملائكة، ثلاثة آلاف ثم خمسة آلاف ولم ينتصروا هناك مشكلة في فهمنا لأمور التوحيد، ويقول الله عز وجل:

﴿ وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ لَكُمۡ وَلِتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦۗ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ (126)﴾

[  سورة آل عمران  ]


وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ


 القرآن كله نزل من أجل التوحيد:

 إخواننا الكرام، لو سألتني ما المحور الذي تتمحور عليه آيات القرآن كلها، أجيبك: إنه التوحيد، طبعاً الإيمان بالله لا يكفي، وأي إنسان آمن بالله خالقاً، ولم يستجب له فهذا إيمان لا ينجيه من عذاب الدنيا، ولا من عذاب الآخرة، وإبليس آمن بالله، قال تعالى: 

﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)﴾

[  سورة ص  ]

 وقال:

﴿  قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(14)﴾

[  سورة الأعراف ]

 وقال:

﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا۠ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍۢ وَخَلَقْتَهُۥ مِن طِينٍۢ (12)﴾

[  سورة ص  ]

 آمن بالله خالقاً، وآمن بالله عزيزاً، وآمن بالله رباً، وآمن باليوم الآخر، ومع ذلك فهو إبليس، إذاً الإيمان الذي لا يتبعه عمل لا قيمة له إطلاقاً، الإنسان متى يستقيم على أمر الله؟ حينما يعلم أنه لا إله إلا الله، هذه كلمة نقولها في اليوم الواحد مئات المرات، ولكن حينما نتحقق بفحواها أنّ الفعل بيد الله، أنّ الذي يعطي هو الله، وأنّ الذي يمنع هو الله، وأنّ الذي يرفع هو الله، وأنّ الذي يخفض هو الله، أنّ الذي يُسعد هو الله، أنّ الذي يُشقي هو الله، أنّ الذي يميت هو الله، أنّ الذي يحيي هو الله، هذا التوحيد قد يكون كلاماً، ولكن إذا تحققت منه تحققاً يقينياً تجد نفسك منساقاً إلى الله وحده، والاستقامة كما بينتها اليوم استقامة في العقيدة، وفي الوجهة، وفي العمل، فقال الله تعالى:

﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ(30)﴾

[ سورة فصلت  ]

فمن أجل أن تعتمد عليه، وتتوكل عليه، وأن تحبه، وأن تعلِّق الآمال عليه، وأن تنصاع إلى أمره، وأن تكون عند الأمر والنهي، وأن يجدك حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك، لا بد أن تعرفه واحداً فرداً صمداً.
 الإنسان لأنه بُني على مبدأ السببية فقد جعل الله عز وجل هؤلاء الملائكة التي أنزلها في معركة بدر جعلها بشرى للمؤمنين، كي تطمئن قلوبهم، لكن يقول الله عز وجل: ﴿وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ﴾.

معنى: الْعَزِيز 


1 ـ المعنى الأول:

 كلمة العزيز دقيقة جداً، العزيز هو الذي ينفرد، لا شبيه له، لا مثيل له، لا يشبهه شيء، ولا يرقى إليه شيء، عزيز.

2 ـ المعنى الثاني:

 المعنى الثاني: تشتد الحاجة إليه، بل يحتاجه كل شيء في كل شيء.

مصير الإنسان بيد الله:


 كل واحد من إخوتنا الكرام له قلب، وله دسام، وله شريان أبهر، وله شريان تاجي، وله كليتان، ورئتان، ومعدة، وأمعاء، وبنكرياس، وغدة نخامية، وغدة الكظر، هناك أجهزة بالغة التعقيد، وأي خلل في هذه الأجهزة يجعل حياة الإنسان جحيماً لا يُطاق، فالله معنا، لأنه يمدنا بعمل هذه الأجهزة، لو توقف أحد هذه الأجهزة عن العمل لانقلبت حياة الإنسان جحيماً لا يُطاق، لكنّ الإنسان حينما يرى شيئاً مألوفاً ينسى وجوده، لذلك قالوا: الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراها إلا المرضى، فأيّ شخص يتمتع ببصره لا سمح الله ولا قدّر لو فقد بصره ليقولن: أتمنى أن أتسول في الطريق على أن يُرَد بصري، أن تستمتع ببصرك، وبسمعك، وبشمك، وبنطقك، وبحركتك، وبهضمك، وبعمل أجهزتك هذه نعمة كبرى.
 الله عز وجل يحتاجه كل شيء في كل شيء، وهو واحد أحد، فرد صمد، ويستحيل أن تحيط به، هذا هو العزيز، فإذا كنت مع العزيز أعزك الله، وإذا كنت مع العبد الذليل أذلك الله معه، من اتكل على ماله ضلّ، من اتكل على غير الله ذل، من اتكل على الله لا ضل ولا ذل ، إذاً: ﴿وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ﴾

3 ـ النصر من عند الله:

 أي كل قِوى الأرض مجتمعة تحتاج إلى كلمة من الله، زُلْ فيزول كل شيء، الإنسان من ضعف إيمانه، وتوحيده يرى أعداءه يتمتعون بقوى جبّارة، بقوى عملاقة، بدرع من الصواريخ كما يقال الآن، صاروخ يضرب صاروخًا على بُعد مئتين وخمسين كيلو مترًا، هناك إحكام ما بعده إحكام، من ضعف إيماننا نُعظّم ما يفعله الإنسان المنحرف، أما إذا آمنا بالله فالأمر: كن فيكون، زُل فيزول، لا تستغربوا، بلد ضعيف جداً، دولة ضعيفة وصغيرة فيها مجتمع متخلف بدائي قَبَلي، مثل هذه الدولة المتخلفة البدائية لا يمكن أن تنتصر على أقوى دولة في العالَم، مستحيل، وألف ألف مستحيل، لكنّ هذا هو الذي حصل في صدر الإسلام، المسلمون خرجوا من الصحراء بلادهم فقيرة، حياتهم خشنة، حياتهم بسيطة جداً، يهزمون أقوى دولتين في العالَم الفرس والروم، شيء لا يصدق، لأنه إذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان الله عليك فمن معك، وقد أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغير الإسلام أذلنا الله، قال تعالى: 

﴿ لِيَقۡطَعَ طَرَفًا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡ يَكۡبِتَهُمۡ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ (127)﴾

[  سورة آل عمران ]


لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ


 لن ينجح شيء إلا بتوفيق الله:

 أي فعل الله هذا ليضعف الكفار، أو يمنعهم من تحقيق مرادهم، ﴿فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ﴾ ، لأنه لن ينجح شيء في الأرض من بدء الخليقة حتى نهاية العالَم إلا بتوفيق الله، وهذا معنى قول الله عز وجل: 

﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)﴾

[ سورة هود ]

 لا ينجح مشروع، ولا تنجح معركة، ولا ينجح اختراع، ولا تنجح تجارة ولا ينجح شيء على وجه الأرض من بدء الخليقة وإلى نهاية العالَم إلا بتوفيق الله، لذلك الذكي قد لا يحقق أهدافه، لكن المستقيم هو الذي يحقق أهدافه، الآية الدقيقة التي بعدها: 

﴿ لَيۡسَ لَكَ مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٌ أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡ أَوۡ يُعَذِّبَهُمۡ فَإِنَّهُمۡ ظَٰلِمُونَ (128)﴾

[  سورة آل عمران  ]


لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ


1 ـ لا دخْلَ للنبي في تعامل الله مع المشركين ، يتوب عليهم أو يعذبهم:

 هو سيد الخلق، وحبيب الحق، قمة البشر، ومع ذلك توحيدياً ﴿لَيۡسَ لَكَ مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٌ﴾ أنت لا تفعل شيئاً، ليس لك دخل في توبتهم، ولا في إهلاكهم، الله عز وجل يهلكهم أو يتوب عليهم.
 الآن قد يسأل أحدكم؛ هؤلاء الكفار الأشداء الذين التفوا على المسلمين من ظهورهم وانقضوا عليهم وقتَّلوا منهم، بل قتلوا عمّ النبي صلى الله عليه وسلم، وشُجَّ وجه النبي، وكُسرت رباعيته، ودخل المِغفر في وجنته الشريفة، ووقع في الحفرة، وصاحبه الذي يحبه أشد الحب مات أمامه مصعب بن عمير، وصحابة كبار ماتوا في أُحد، هؤلاء الذين التفوا حوله، وحققوا هذا النصر، وكانوا سبب هزيمة المسلمين، لماذا لم يقضِ الله عليهم؟ لِمَ لَمْ يُهلكهم الله عز وجل؟ بعلم الله أنّ هؤلاء الكفار الأشداء الذين أوقعوا أشد الأذى بالمؤمنين منهم سيدنا خالد بن الوليد، منهم سيدنا عكرمة بن أبي جهل، منهم سيدنا عمرو بن العاص، سوف يؤمنون، أي يا محمد أنت لا تعلم، لكنّ الله يعلم، أي مؤمن لو احتك بكافر ورأى منه القسوة والغِلظة والظلم والشدة يتمنى أن يموت، يتمنى أن يُهلكه الله عز وجل، لكن الله يعلم أن هذا الإنسان الآن هكذا وضعه، لكن فيه بذرة خير، وسوف يؤمن، فلا بد أن نستسلم لله عز وجل.

2 ـ لا لليأس:

 والله أيها الإخوة، في هذه الدعوة المتواضعة، وفي عمر ليس بالمديد التقيت بأناس كثيرين يزيدون على عشرة أشخاص كان يقول أحدهم: ما من معصية على وجه الأرض إلا اقترفتها مهما تكن قذرة، ومع ذلك تاب إلى الله توبة نصوحًا.
 هذا الكلام أيها الإخوة، يجب أن يمنحنا نَفَساً طويلاً مع الطرف الآخر، يجب ألا تيأس من إنسان غارق في المعصية، لعل الله يهديه، لذلك كبار العلماء عندهم أدب مع الله كبير، إذا رأوا إنساناً يعاقر الخمر يقولون: هذا الآن في معصية، لكن يمكن أن يتوب، وأن يسبقنا، هذا شيء واقعي، لا تحتقر عاصيًا.
 سيدنا خالد ما هو ظن المؤمنين، وهو يقاتل رسول الله، ويقاتل صحابته الكرام، والتف عليهم من ظهورهم، وأوقع فيهم الأذى، وقتَّل بعضهم، ألم يمتلئوا كراهية له؟ ألم يمتلئوا تمنيات أن يموت، أو أن يُهلكه الله عز وجل؟ فإذا هو بعد قليل سيف الإسلام، يقول هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه: <<خُضت مئة معركة أو زُهاءها، وليس في جسمي موضع إلا وفيه ضربة بسيف، أو طعنة برمح، وها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء>> .
 فأنت كونك مؤمن يجب أن يكون لك قلب كبير حتى لو رأيت عاصياً، هذا الذي يعصي الله الآن قد يتوب، وقد يستغفر، وقد يقبله الله عز وجل، وقد يرفع قدره، والآية الكريمة: 

﴿ قُلْ يَٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ(53)﴾

[  سورة الزمر ]

 هذا الكلام يعلمنا الأدب مع خلق الله عز وجل، قال تعالى: ﴿لَيۡسَ لَكَ مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٌ﴾

3 ـ النبي بشر كسائر البشر:

 فمن حيث التصرف النبي عليه الصلاة والسلام لا يملك لنفسه، نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً، ولا حياةً، ولا نشوراً، بل لا يملك لنا:

﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21)﴾

[ سورة الجن  ]

 علاقتنا بالله وحده، لكنه جاء بالهدى، وجاء بالحق، وهو يهدي إلى صراط مستقيم، أما من حيث الفعل فعلاقتك بالله عز وجل، والدليل لو أنك استطعت أن تنتزع من فمه الشريف فتوى، ولم تكن محقاً فيها لا تنجُو من عذاب الله، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : 

((  إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَلا يَأْخُذْهَا. ))

[ أخرجه البخاري ]

 سيدنا الصديق حينما مات رسول الله عليه الصلاة والسلام نظر إلى وجهه، وقُبَّله، وقال: طِبت حياً وطِبت ميتاً، وخرج إلى الناس وقال: 

(( أمَّا بَعْدُ فمَن كانَ مِنكُم يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإنَّ مُحَمَّدًا قدْ مَاتَ، ومَن كانَ مِنكُم يَعْبُدُ اللَّهَ فإنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ. ))

[ صحيح البخاري ]

 نحن في أمسّ الحاجة إلى التوحيد، نحن في أمس الحاجة إلى أن نرى يد الله تعمل وحدها، مهما سمعت من أخبار، ومهما قرأت من أخبار ينبغي أن تؤمن أن الفعّال هو الله، وأنّ كل واقع له حكمة بالغة، ولو كان المُوقِع أحمق أو مجرماً، لكل واقع حكمة ما دام الله قد سمح به فهناك حكمة بالغة، بل هناك حكمة مطلقة، بل هناك خير مطلق، هذا معناه يُريح الإنسان، الإيمان بالقدر يُذهب الهمَّ والحزن، الإيمان بالقدر نظام التوحيد، قال تعالى:

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ(213)﴾

[ سورة الشعراء ]

﴿لَيۡسَ لَكَ مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٌ﴾ يا محمد، لو طبقنا هذا التوحيد على مجتمع إسلامي، أحياناً إنسان في المجتمع الإسلامي قد يكون قويًّا، أو له مكانة كبيرة، أو من الدعاة الكبار، فالمؤمن إذا ظنّ أن هذا الإنسان ينفعه، أو يضره، أو يمنع عنه عذاب الله فقد أشرك، وهذا شرك خفي خطير جداً، الإنسان يجب أن يبقى موحداً مع الله دائماً، يستمع من أستاذه، ويحبه، ويقدم كل ما يستطيعه في سبيل الدعوة، لكن لا ينبغي أن يتوهم أنّ هذا الذي يرشده بإمكانه أن يفعل شيئاً معه، الفعّال هو الله، عن ابن العباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( لو كنتُ متخِذًا مِنْ أمتِّي خليلًا، دونَ ربِّي لاتخذْتُ أبا بكرٍ خليلًا، ولكنْ أخي وصاحِبي. ))

[ صحيح الجامع ]

4 ـ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ

 قال تعالى: ﴿لَيۡسَ لَكَ مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٌ أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡ﴾ أو أن يتوب عليهم، أمر توبتهم، وأمر تعذيبهم ليس بيدك، بيد الله عز وجل، هو يعلم بدليل أنه لم يعذبهم، لم يُهلكهم مع أنهم أوقعوا بالمسلمين أشد الضرر، لأنه علمَ أن فيهم بذرة خير، وهذه البذرة عملت فعلها وجعلتهم من كبار المؤمنين، الناس أعداء ما جهلوا، فأنت لا تعرف الحقيقة. 
والله أيها الإخوة، أخ كريم قال لي: أنا أسرفت على نفسي كثيراً، ثم أُصيب بمرض عضال وُضع في العناية المشددة، قال لي: ناجيت الله وأنا في العناية؛ أن يا رب أيليق أن ألقاك وأنا عارٍ من عمل صالح، إنسان بلا ثياب يا رب، يقصد بالثياب العمل الصالح، أمهلني يا رب، أعطني فرصة لأتوب إليك، وهو في غرفة العناية المشددة، لكن الله امتن عليه بأن أعطاه فرصة، وحضر الدروس كلها، وأقبل على الله، وخشع في صلاته، وغض بصره، وأنفق ماله، وفعل ما فعل، ذاق طعم القُرب، قال لي: مرة وأنا أُناجيه قلت له: يا رب كل هذه السعادة من القرب منك لِمَ لَمْ تُرسل لي هذه الأزمة قبل عشر سنوات، من شدة سعادته، أنت قد تجد شيئاً مزعجاً، مرضاً مزعجاً، فقراً مدقعاً أحياناً، هذه كلها أبواب إلى الله عز وجل، دوافع.
 هناك صحابة كانوا كفاراً والتفوا على المؤمنين، وأوقعوا فيهم أشد الخسائر، وقتّلوا منهم الكثير، وفيهم سيدنا خالد، وسيدنا عكرمة، وسيدنا عمرو بن العاص، بعد ذلك أسلموا، وأصبحت كل طاقتهم الحربية في خدمة الإسلام، سيدنا عكرمة بن أبي جهل أبلى بلاءً حسناً في بعض المعارك، وسيدنا خالد، وسيدنا عمرو بن العاص، قال تعالى: ﴿لَيۡسَ لَكَ مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٌ أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡ أَوۡ يُعَذِّبَهُمۡ فَإِنَّهُمۡ ظَٰلِمُونَ﴾ لكن لعلمه أن فيهم بذرة خير لم يهلكهم الله عز وجل، والذي حصل بعد ذلك يؤكد هذه الحقيقة. قال تعالى: 

﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (129)﴾

[  سورة آل عمران  ]


وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ  


1 ـ الملك بيد لله عز وجل:

 الملك بيد لله عز وجل؛ خلقاً، وتصرفاً، ومصيراً، وهذا أوسع أنواع المُلك، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ﴾ 

﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ(62)﴾

[  سورة الزمر ]

﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)﴾

[  سورة الأعراف  ]

 قال تعالى: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾

﴿ لَهُۥ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ(12)﴾

[  سورة الشورى ]

2 ـ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاء

﴿وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ﴾ يغفر من شاء المغفرة، ويعذب من شاء العذاب، كلام بسيط، يقول لك الطبيب: إن فعلت كذا، وكذا، وكذا شُفيت من دون عملية جراحية، وإن استهترت وتابعت التدخين مثلاً، ولم تعتنِ بنظام غذائك، ولم تتحرك في جسمك فلا بد من عملية جراحية، فأنت مُخيَّر، فإما أن تختار المعافاة من دون عملية، أو أن تفرّط، وأن تتساهل بشأن معاشك، وحياتك فتحتاج إلى عملية جراحية، فإما أن تطلب التوبة فيتوب الله عليك، وإما أن تطلب العذاب ضِمناً فيأتي العذاب. 
قال تعالى: ﴿يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ لكن الله يريد أن يغفر لك، يريد أن يرحمك، أي إذا قال أب لابنه: يا بني أنت حر، إما أن تتفوق في دراستك فيكون لك مستقبل زاهر، أو أن تُقصِّر، أنا لا أجبرك على الدراسة، لكن الأب يتمنى من ابنه أن يختار الأول: ﴿يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أنت مخير، فإن أردت المغفرة غفر الله لك، وإن ركب الإنسان رأسه، وطلب المعصية والتفلّت عذّبه الله عز وجل، لكن الله غفور رحيم، أي يريد لك المغفرة والرحمة.
 ثم يقول الله عز وجل:

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُواْ ٱلرِّبَوٰٓاْ أَضۡعَٰفًا مُّضَٰعَفَةًۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ (130) وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيٓ أُعِدَّتۡ لِلۡكَٰفِرِينَ (131) وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ (132)﴾

[  سورة آل عمران  ]


يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا َمضاعفة


1 ـ أصلُ المالِ أن يكون متداوَلاً بين الناس :

 أيها الإخوة، شاءت حكمة الله أنّ منهجه يقتضي بأن تكون الكتلة النقدية موزعة بين الناس جميعاً، قال تعالى:

﴿ مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ كَىْ لَا يَكُونَ دُولَةًۢ بَيْنَ ٱلْأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ ۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ ۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ(7)﴾

[  سورة الحشر ]

 المال إذا لم يكن متداولاً بين جميع الناس هناك مشكلة كبيرة يعاني منها العالَم من بدء الخليقة وإلى قيام الساعة.

2 ـ الربا سبيل الشقاء والجرائم والفساد في الأرض:

 حينما يلد المالُ المالَ عن طريق الربا، تتجمع الأموال في أيد قليلة، وتُحرم منها الكثرة الكثيرة، فهذا التجمع الكبير في أيدٍ قليلة، وهذا الحرمان الشديد للكثرة الكثيرة هذا يسبب الثورات والجرائم والدعارة والسرقات والاحتيالات والفساد الأخلاقي وشقاء الأسر.
 والله أيها الإخوة، إن الشقاء الذي تعاني منه البشرية في شتى بقاع الأرض يمكن أن يُردّ إلى الربا، ذلك أن الإنسان إذا شرب الخمر آذى نفسه، أضرّ بنفسه وحده، أما إذا زنى أضرَّ بنفسه وأفسد فتاة معه، أما إذا أكل الربا أضرَّ بمجتمع بأكمله، لأن هذه الكتلة النقدية ينبغي أن تكون بين الناس جميعاً متداولة، أما إذا ولد المالُ المالَ تجمعت في أيدٍ قليلة، ذلك أن الأعمال إذا ولدت المال فلا بد أن يُوزَّع المال على أطراف كثيرة جداً.

3 ـ لابد أن تلد الأعمالُ المالَ:

 أبسط مثل؛ افتح محلاً تجارياً أكثر من ثلث الربح يذهب مصاريف، تحتاج إلى موظفين، تحتاج إلى مستودع، تحتاج إلى نقل بضاعة، تحتاج إلى معاملات وقرطاسية، أبسط محل تجاري ثلث أرباحه تذهب مصاريف، لأنه حرّك الفعاليات الأخرى، أما لو وضع ماله في مصرف، وأخذ الربح وعاش به، كل هذا الربح له وحده، هو لم يفعل شيئاً، ما قدَّم شيئاً، ما ساهم في الإنتاج.
 لو فرضنا أن إنساناً هيَّأ مزرعة تفاح، هو هدفه الربح، هدفه أن يؤمِّن دخْلاً له ولأولاده، دون أن يشعر، ما دام هناك إنتاج جديد من هذه الفاكهة هذا يسهم في تخفيض الأسعار، كلما حوّلت أرضاً يابسة إلى أرض خضراء، وطرحت إنتاجها في الأسواق معنى ذلك أنت وفرت الحاجات، وانخفضت الأسعار، وانخفضت تكاليف المعيشة.
 عندنا قاعدة أساسية: إذا ارتفعت الأسعار ضاقت الشريحة، كالموشور تماماً، لو أتينا بألف دائرة متدرجة في التناقص، ووضعناها فوق بعضها البعض شكلت موشوراً، فكلما انخفض السعر اتسعت دائرة المنتفعين بهذه السلعة.
 أبسط مثل لو نزلت فاكهة الكيلو بمئة ليرة كم من إنسان يشتريها في الشام؟ قد يكون خمسة آلاف، الشام فيها خمسة ملايين، لو كان الكيلو بعشرين ليرة لاشتراها مليونان، لو كان الكيلو بخمس ليرات لاشتراها أربعة ملايين، فالسعر كلما ارتفع كلما ضاقت شريحة المنتفعين به، فما الذي يخفض الأسعار؟ حينما تلد الأعمال المال، أما إذا ولد المالُ المالَ ارتفعت الأسعار.
 هذا الموضوع يحتاج إلى بحث طويل، لأن النظام الاقتصادي في الإسلام مهم جداً، وكاد الفقر أن يكون كفراً، في كل مجتمع منضبط بالشرع تكون هذه الكتلة النقدية متداولة بين الناس جميعاً، أما حينما يحل الربا محل البيع، أي الإنسان يُجمِّد أمواله بالبنوك من دون أن يقيم مشروعاً، يقال لك بأي بلد في العالم: أول مشكلة هي البطالة، وحلها إنشاء مشاريع، وإيجاد فرص عمل، شاب في أول حياته وجد عمل، معناها تزوج، معناها سكن بيتاً، اشترى حاجاته من ألبسة وطعام، أساس الحياة أن يكون لك دخل، والدخل يحتاج إلى فرصة عمل، فالربا يتناقض مع الأعمال، أما حين تُسَخِّر مالَك في التجارة، أو الصناعة، أو الزراعة، أو في مشروع استثماري، أو في خدمة، أو حرفة، أو صنعة، عندها تكون قد قدمت شيئا، وأخذت شيئًا.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور