وضع داكن
28-03-2024
Logo
شرح مختصر للأحاديث - الدرس : 083 - لا توكي فيوكى عليك.......
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أيها الإخوة الكرام: لازلنا في إتحاف المسلم لما في الترغيب و الترهيب من صحيح البخاري و مسلم، و الحديث اليوم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت:

(( عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ ))

[ البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، أبو داود، أحمد]

 العوام لهم كلمة قديمة و مألوفة شنق الكيس، كان المال يوضع في كيس و له خيط فإذا شد الخيط كأنه شنق هذا الكيس، أي أغلق، أي ما أنفق، أي بخل، أي أمسك، هذا الحديث رائع جداً: يا أسماء لَا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ .
 أي أحد أسباب الغنى لا أقول كل أسباب الغنى الإنفاق، تجد أسرة أخ و أخ و أخ اثنان فقراء و واحد غني، أحياناً هذا الغني كأنه موكل بكل الأسرة، البارحة زارني أخ قال لي أول أخت و الثانية و الثالثة و الرابعة قال لي أجور بيوتهم، و الكهرباء، الفيجة و الهاتف و الوقود و مصروف شهري، أخواته فقراء أنا أشعر أنه مرزوق و الرزق وفير لأنه يعطي، لا أقول كل الأسباب أحد الأسباب، أحد أسباب الغنى هو الإنفاق .
 حدثني أخ قال لي و الله أصبح دخلي صفراً كان يعمل في مصلحة و توقفت هذه المصلحة و اضطر أن يستقرض ليأكل أنا و الله أقرضته مرة، قرأ حديثاً أن استمطروا الرزق بالصدقة، أقسم لي تصدقت أول يوم خمس ليرات باع قطعة من إنتاجه، ثاني يوم عشرة، و مازال يرفع هذه الصدقة إلا أن بلغت كل يوم ألف ليرة غير الزكاة، من أسبوعين ذهب إلى العمرة، عنده مستودع ملآن بغيابه كل شيء عنده قد بيع، فابنه من باب الطرفة قال له كفى تدعي يا بابا لم يعد عندنا بضاعة، بهذا الوضع الصعب، بهذا الكساد الشديد و الله بضاعته درجة عاشرة ليست أولى، بضاعة صناعة و لكن متواضعة جداً، تجد أحياناً كأن بعض الصناع أو بعض التجار مستثنون من الكساد العام هذا ينفق، و ينفق إنفاقاً كبيراً، أي لا يوجد إنسان التجأ له إلا و يعطيه، و المبالغ كبيرة جداً، حتى مرة برمضان هو يعمل إمام في مسجد شخص ميسور الحال قال لي أريد أن أعطي هذا خمسة آلاف كأنه درويش، قلت له أغنى مني و منك، هو ينفق بمئات الألوف، السبب هو الإنفاق . استمطر الرزق بالصدقة، لا توكي فيوكى عليك، تشنق الكيس يشنق الكيس الذي لك، تبخل يُبخل عليك، تنفق يُنفق عليك، هذه قاعدة، الذي عامل الله بالإنفاق عنده آلاف الشواهد.

 

(( عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ ))

 أي لا تمنعي فيمنع عنك، لا تقطري فيقطر عليك، لا تحبسي فيحبس عنك، لا تبخلي فيبخل عنك، أحد أسباب الغنى عند المؤمن هو الإنفاق، حتى أن العرب كانت تقول من هو الأريحي ؟ الأريحي الذي يرتاح للعطاء، و أقول لكم بشكل دقيق ما الذي يميز أهل الدنيا عن أهل الآخرة ؟ أهل الدنيا يسعدهم الأخذ، أهل الآخرة يسعدهم العطاء .
 قرأت عن النملة بحثاً عجيباً، النملة لها جهاز مص و جهاز ضخ، إن كانت شبعى و رأت أختها جائعة تعطيها من عصيرتها عن طريق جهاز الضخ، و إن كانت جائعة تأخذ عن طريق جهاز المص، أما ما وجدت إنساناً بعيداً عن الله إلا عنده جهاز مص، ضخ ليس عنده أبداً، لا يضخ .
 و الله تكلم خطيب مسجد كان صندوق العافية عنده، يوجد أربعة أشخاص أو خمسة هو يعرفهم و الله ألف مليون فما فوق، صار عندنا بالشام أربعة آلاف مليون، صار ألفي مليون، قال لي و الله ما دفعوا قرشاً هؤلاء الفقراء دفعوا، و الفقير سخي سبحان الله لذلك ورد في بعض الآثار أنا أحب ثلاثاً و حبي لثلاث أشد، أحب الطائعين و حبي للشاب الطائع أشد، و أحب الكرماء و حبي للفقير الكريم أشد، و أحب المتواضعين و حبي للغني المتواضع أشد، و أبغض ثلاثاً و بغضي لثلاث أشد، أبغض العصاة و بغضي للشيخ العاصي أشد، و أبغض المتكبرين و بغضي للفقير المتكبر أشد، و أبغض البخلاء و بغضي للغني البخيل أشد .
 من أصعب شخصية تراها ؟ غني بخيل، فقير متكبر، شيخ عاص، لذلك قيل العدل حسن لكن في الأمراء أحسن، أنت تعدل و لكن لا يوجد معك صلاحيات إطلاقاً، أما إنسان رئيس محكمة، وزير مثلاً، مدير مؤسسة يعدل، العدل حسن لكن في الأمراء أحسن، و الورع حسن لكن في العلماء أحسن، العالم قدوة، و التوبة حسن لكن في الشباب أحسن، و الحياء حسن لكن في النساء أحسن، و الصبر حسن لكن في الفقراء أحسن، و السخاء حسن لكن في الأغنياء أحسن، أي أجمل شيء غني سخي، فقير صابر، امرأة تستحي، شاب تائب، عالم ورع، حاكم عادل .
أيها الإخوة الكرام: لعلك تسأل أنت لماذا في الدنيا ؟ من أجل العمل الصالح فقط، الدليل: حينما يأتي الموت تندم على ماذا ؟ سمعت ميتاً قال يا رب فقط لأصب السقف ؟ لا، سمعت ميت قال يا رب فقط لأخرج البضاعة من الجمرك لأبيعها ؟ أبداً، يقول:

 

 

﴿ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً﴾

 

[ سورة المؤمنون ]

 سيدنا موسى عندما سمح له الله أن يسقي الغنم للمرأتين بنتي سيدنا شعيب ماذا قال ؟ قال:

 

﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)﴾

 

[ سورة القصص: الآية 24]

 مفتقر إلى ماذا ؟ إلى العمل الصالح، و تأكدوا أيها الإخوة أن الغني هو غني العمل الصالح، و أن الفقير هو فقير العمل الصالح، يمكن أن يموت الإنسان و لا يملك في جيبه ليرة واحدة لكن له أعمالاً كالجبال، و يمكن أن يكون معه أربعة آلاف مليون فقير عند الله، الغنى غنى العمل الصالح، و الفقر فقر العمل الصالح، و الغنى و الفقر بعد العرض على الله.
 مثلاً للتقريب شخص عنده محل بالحمراء كل متر مليون ليرة سعره، إذا معه سقيفة أو معه مكتب تجاري في الطابق الأول و معه في أسفل مستودع أكمل شيء، مكتب استيراد محل مفرق و مستودع بكتلة بنائية واحدة، الذي عنده الحمراء كلها على الصفين مستودعات و محلات و مكاتب و مع البحصة و مع سوق الحميدية و مع الحريقة، و محل الحمراء ببيروت و بيكاديللي بلندن و الشانزليزيه بباريس، كل هذا ملكه، و إنسان آخر أجرى الله على يده هداية إنسان الثاني أفضل، قال له يا علي لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا و ما فيها .
و الذي يملك ميرسيدس ليس سيارة وإنما الشركة كلها و ميتسوبيشي و سوني و نستله و نيدو كل هذا ملكه و كل شركات الطيران السابقة، هذا ما وضعه ؟ قال:

 

((عَنْ سَهْلٍ يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِهُدَاكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ ))

 

[ البخاري، مسلم، أبو داود، أحمد ]

 صدقوا النبي يا إخوان هذا كلام النبي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، إذا سمح لك الله أن تهدي إنساناً، تربي ابنك، تشيع الحق بين الناس، ترسخ القيم الأخلاقية، أنت أغلى إنسان، لأن هؤلاء الأغنياء يموتون حفاة عراة، أكفان خام غير مقصور، المقصور كثير في الميت، خام عادي ليس أبيضاً إنما هو أسمر، و غير هذا لا يوجد، و أنت لاحظ عندما يمزقوا قطعة من الخامة يغطوها بالماء بعد ذلك يعملوها أشرطة، أي يربطوا رجله و يشدوها:

 

﴿ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30) فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32)﴾

 

[ سورة القيامة]

 من منا يعلم متى أجله ؟ من منا يضمن أن يموت بعد غد ؟ غداً يضمن أنه لن يموت، لا يوجد أحد يضمن هذا، الموت أقرب شيء للإنسان، ماذا أعددت لهذا اليوم ؟ أعددت استقامة؟ أعددت توبة ؟ أعددت عملاً صالحاً ؟ يا أسماء لا توكي فيوكى عليك، ليس منا من وسع الله عليه ثم قتر على عياله .
 و الله البارحة سمعت قصة لا أزال أترنم بها، قدم لصندوق العافية مستشفى بكاملها أربعة طوابق بالميدان هدية، لكن تريد كسوة، تريد مئة و خمسين مليون كسوة و أجهزة، شخص قال عليّ كل هذا البارحة، هذا يعرف أن يعمل، هذا بعث دفعة لآخرته كبيرة جداً، قال: من قدر ماله أمامه سره اللحاق به .
 و الله أنا دعيت له من أعماقي لأن صندوق العافية الله عز وجل أكرمنا به في هذه البلدة، معالج سبعة آلاف مريض و عمليات قلب و عمليات خطيرة جداً، جمع مئتي مليون و أنا بجامعي هذا المتواضع يجمع أكبر رقم، ثلاثمئة في الأسبوع، هذه المئتي مليون حجم أي قدموا عملاً يساوي ألف مليون و يوجد أطباء كثر بدون مقابل، أو نصف قيمة، يوجد خصم أي خصومات كبيرة لهذا الصندوق، الآن جاء شخص تعهد أن يكسوه و أن يجهزه بمئة و خمسين مليون كاملاً هذا عمل، قلنا لكم مرة كان أحد أخوانا العلماء في تركيا بلغوه أنه يوجد شخص دافع ثلاثمئة مليون دولار، من هذا أريد أن أراه ؟ طلب أن يلتقي معه، عملوا دعوة فطور و دعوا هذا المحسن و هذا العالم الذي هو من الشام، جلس هذا العالم و الثاني لم يأت، الموعد الساعة الثامنة و النصف، التاسعة و لم يأت، أين هو ؟ قالوا له قد جاء قبلك إنه جالس هنا، من كثرة تواضعه لم يظن أن هذا هو، قال نحن بالشام يضع حوالي عشرة آلاف رخامة باسمه، يريد رخامة باسمه أنه ساهم في هذه المئذنة المحسن الكبير فلان، ثلاثمئة مليون دولار و قال لي و الله لم أعرفه، جالس و كأنه شخص فقير .
فإخوانا الكرام الذين ملكوا المال بإمكانهم أن يكونوا بمستوى الدعاة إلى الله لأنه دققوا في هذا الحديث:

 

((عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا حَسَدَ إِلَّا عَلَى اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَقَامَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَرَجُلٌ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يَتَصَدَّقُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ))

 

[ البخاري، مسلم، الترمذي، ابن ماجه، أحمد ]

 أي شخص من المحسنين و الله أنت فضلت لأنه قدم شيئاً ثميناً، قال لا الفضل لك، أنا أتكلم و لكن أنت تدفع نقوداً، أي المال ليس من السهل سحبه، و أصعب من سحبه إنفاقه في سبيل الله، النفس تنازعك، كان هناك شخص من خمسين سنة عنده إيمان قوي و لكن يده ماسكة، لا يمكن أن يدفع زكاة مال إلا إذا ربطوه و قال لهم خذوا هو لا يتحمل المال، يربطوه يقول لهم الصندوق الفلاني به نقود خذوه، هو قانع يوجد عقاب إذا لم يدفع زكاة ماله، هناك أناس عندهم بخل شديد لذلك قال تعالى:

 

﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)﴾

 

[ سورة الحشر: الآية 9]

 فدرسنا اليوم:

(( عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ ))

[ البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، أبو داود، أحمد]

 

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ...))

 

[ البخاري، مسلم، الترمذي، ابن ماجه، أحمد ]

 استمطروا الرزق بالصدقة .
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 اللهم أعطنا و لا تحرمنا، أكرمنا و لا تهنا، آثرنا و لا تؤثر علينا، أرضنا و ارض عنا، و صلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي و على آله و صحبه و سلم .

إخفاء الصور