وضع داكن
29-03-2024
Logo
أحاديث متفرقة - الدرس : 118 - لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم الآخرة …
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 أيها الإخوة الكرام، أكثر الإخوة المؤمنين يطمحون أن يكونوا من أهل العلم، أو من أهل الفضل، يطمحون إلى التقرب إلى الله بدعوة أو بخدمة، ببذل أو بإقناع، لأن حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح، والدنيا كما ترون تغر، وتضر، وتمر، لكن هذا الطموح لدى أي أخ مؤمن أن يكون من أهل الفضل بعمله الصالح، أو أن يكون من أهل العلم بدعوته، هناك صفات نفسية لا تتوافق مع الدعوة إلى الله، بل إنها تلغي الدعوة إلى الله، بل إنها تحبط سعي الداعي إلى الله، وسعي الذي يتقرب إلى الله بعمله الصالح، الحديث قصير جداً وموجز، وجامع ومانع، ورد في صحيح مسلم عن أبي الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

[ مسلم، أبو داود، أحمد ]

 قبل أن نشرح الحديث، شفعاء بعملهم الصالح، وشهداء بعلمهم، قال تعالى:

 

﴿ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا﴾

 

[ سورة النساء: 85]

 أي عمل صالح الذي كان سببه في صحيفته هذه شفعاء، وأي عمل دعوي شهداء يشهدون للناس، حقيقة هذا الدين التوحيد،

 

(( لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

 من هم اللعانون ؟ هناك نموذج أيها الإخوة الكرام، أنا أقول، ولا أتحفظ بذلك، نموذج شيطاني، الذين حوله لأي خطأ يهاجمونه، يقسون عليه، ينددون، يشهرون، يكبرون الأمر يفضحون، من المستحيل أن يأتي إنسان كما تتمنى تماماً، فأي خطأ، أي مفارقة، أي تعليق، أي تقصير يشهر، ويفضح، النبي عليه الصلاة والسلام عبّر عن كل هذه التصرفات الهوجاء الرعناء الخرقاء بكلمة ( لعّان )، يلعن من حوله، ينتقدهم، يشهر بهم، يفضحهم، يشهر بهم على ملأ، لا يخجل، ولا يستحي، هو الحق وما سواه الباطل، هو على صواب، وما سواه على خطأ، هو النموذج الكامل، وأي مخالفة لنموذجه يعد هذا نقصاً، هذه النفسية، نفسية القنص والتجريح والتوبيخ والتفضيح والقسوة والتعليق اللاذع والازورار، هذه الأساليب لا يمكن أن تتناسب مع الدعوة إلى الله، الدعوة إلى الله يجب أن يتميز صاحبها بسعة الصدر وطول النفس، وعمق التفكير وبعد النظر ورجاحة العقل، وأن يتميز بالحكمة .
أنا أعجبتني مرة مديرة مدرسة تقول للمعلمة حينما تبتغي أن تعمل عندها تقول لها: هل تحبين الصغار ؟ إن كنت لا تحبينهم فلا يمكن أن تنجحي في عملك .
 فأنت هل تحب من حولك ؟ هل تستوعبهم ؟ هل تغفر زلاتهم ؟ هل تعفو عن خطيئاتهم ؟ هل تتسع بهم ؟ هل تسامحهم ؟ هل تلتمس له العذر ؟ هذا الحد الأدنى لمن أراد أن يدعو إلى الله، أما أن يكون كل الناس خصومًا لك، وأقلّ خطأ تذبحهم من الوريد إلى الوريد فلا .
وذكرت مرة في الخطبة أن إنساناً صلى إلى جانبه شاب، يبدو أن هذا الإنسان وقور وكبير في السن، أعجبته صلاة الشاب، فلما انتهى من صلاته من باب الإعجاب، ومن باب الثناء والتشجيع قال له كلمة مختصرة، مفادها أنني أدعو لك أن تصلي في بيت الله الحرام، فاختصرها بكلمة حرماً، هذا الشاب جحظت عيناه، وامتقع لونه، وحد النظر في هذا الشيخ، وقال له: هذه الكلمة لم ترد عن رسول الله، هي بدعة، قال له: وماذا ورد عنه ؟ هل ورد عنه قلة الذوق ؟
 هناك إنسان قاسٍ في دعوته، لسبب تافه، لمخالفة طفيفة جداً، لو قال لك: تقبل الله تقيم عليه الدنيا، لو دعا إلى الله، ورفع يديه فهذه الطريقة في الدعوة المبنية على القسوة، على التنديد، على الإحراج، على التضييق، وعلى التفنيد، وعلى التعقيد، وعلى الفحص، أنت لست قاضياً، أنت داع، قال بعض كبار العلماء: نحن لسنا قضاة، لكننا دعاة، قال تعالى:

 

 

﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾

 

[ سورة النحل: 125]

 فهذه القضية أيها الإخوة الكرام، وأنا أقول لكم، ولا أبالغ: ليس على وجه الأرض من دون استثناء إنسان أفضل عند الله ممن قال تعالى عنه:

 

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾

 

[ سورة فصلت ]

 لأنها صنعة الأنبياء، أي عمل صالح ينتهي عن الموت، أطعمته، أسكنته في بيت، زوجته، مات الزواج، انتهى البيت، انتهى الإطعام، لكنك لو هديته إلى الله إلى أبد الآبدين يسعد بهذا الهدى، أنا أقول دائماً: لك أب أنجبك، ولك أب زوجك، ولك أب دلك على الله، الذي دلك على الله منحك سعادة الأبد، أو كان سبباً في منحك سعادة الأبد، فذلك له ولاؤك، أما أن يأتي الإنسان ليدعو إلى الله بقسوة وغلظة، والذي أقوله دائماً أيها الإخوة الكرام: إن النبي عليه الصلاة والسلام كان قمة في الكمال، قمة في العفو، قمة في التسامح، قمة في الحكمة، قمة في الرحمة، قمة في اللطف، قمة في الحلم، ومع ذلك قال الله له:

 

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾

 

[ سورة آل عمران: 159]

 جمع الكمال البشري فيه، وجمع الجمال فيه، وجمعت الحكمة فيه، وجمع البيان فيه، أنا أفصح العرب، بيد أني من قريش، وأوتي الوحي، وأوتي القرآن، وأوتي المعجزات، وأيده الله، وبلغ سدرة المنتهى، ومع كل هذه الخصائص المذهلة يقول الله له: أنت بالذات، قال تعالى:

 

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾

 

 

[ سورة آل عمران: 159]

 هناك تعليق لطيف، فأنت إن لم تكن نبياً، ولا رسولاً، ولا يوحى إليك، ولم تؤتَ جمال المنظر، ولا فصاحة البيان، ولا المعجزات، ولا الخوارق، ولا القرآن، ولست في قمة النسب، وكنت فظاً غليظ القلب، شيء مستحيل .
والله أيها الإخوة الكرام، أتكلم من أعماقي، أتكلم مما أرى من قسوة في الدعوة، واستعلاء، وكبر، هو في أعلى عليين، وهؤلاء الذين يدعوهم في أسفل سافلين .
 الدعوة لها خصائصها، أقلّ ما في خصائصها المعلومات، وأكبر ما في خصائصها الصفات النفسية، مثلاً: هل يجرؤ شاب يقف أمام رسول الله يقول له: ائذن لي بالزنا ؟ الآن هل يجرؤ إنسان يدخل على وزير العدل ويقول له: اسمح لي أن أسرق، هذه إهانة للوزير، اسمح لي أن أسرق، ائذن لي بالزنا، الصحابة الكرام هاجوا وماجوا، قال: دعوه، تعال يا عبد الله، لأنه يحب الإنسان، قال له: يا عبد الله،

 

(( أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ ؟ قَالَ: لَا، وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ ))

 

[ أحمد ]

 يقول هذا الشاب: دخلت على رسول الله وما شيء أحب إلي من الزنا، وخرجت من عنده وما شيء أبغض لي من الزنا، لأن النبي عليه الصلاة والسلام أحب الإنسان، أحبه ولو كان عاصياً، عبد لله جاهل، الآن بربك لو كنت طبيباً في الجلدية، وجاءك مريض معه مرض في جلده، كله قيح، منظر مخيف، هل تحقد عليه ؟ لا، لكنك تشفق عليه، فرق كبير بين أن تحقد عليه وأن تشفق عليه .
 أيها الإخوة الكرام، هؤلاء العصاة، هؤلاء المنحرفون، هؤلاء الأغبياء، هؤلاء الذين يتجاوزون الحدود، المستكبرون هم جهال، إذا كنت مؤمناً كاملاً فلا تحقد عليهم، ولكن تشفق عليهم، والدليل أن إنساناً يتجرأ، ويسخر من نبي، إنسان يتجرأ، ويضرب النبي حتى يدمي قدميه، يتجرأ ويكذب النبي عليه الصلاة والسلام، والنبي جاء لهدايتهم، فجاءه ملك الجبال، قال: يا محمد أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك، لو شئت لأطبقت عليهم الجبلين، قال: لا يا أخي .
والله لما أتلو هذا الكلام، والله مئات المرات لا أرتوي منه، ماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ؟ قال: اللهم اهد قومي إنهم لا يعلمون .
 أولاً دعا لهم بالهداية، ولم يتبرأ منهم، واعتذر عنهم، وتمنى لهم ذرية صالحة، كم بندًا ؟ اهد دعاء، ما قال: اهد هؤلاء، اللهم اهد قومي، هم قومي، وأنت كمؤمن هؤلاء المسلمون أهلك، هم في أخطاء، في معاص، في آثام، في انغماس بالملذات، في ضعف، في مخالفات، في تفلت، هؤلاء أهلنا، بدل أن تنتقدهم، وأن تستعلي عليهم، وأن تحتقرهم حاول أن تهديهم، أن تشعل شمعة أفضل ألف مرة من أن تلعن الظلام، بدل أن تلعن الظلام مئة مرة أشعل شمعة واحدة، نمط اللعان مرفوض، نمط اللعان القناص المنتقد الذي يبحث عن العيوب، الذي يشهر، هذا النمط لا يمكن أن يكون صاحبه داعية إلى الله عز وجل، نمط يسبب الحرج، يسبب المرض النفسي، يسبب الجرح لا يندمل،

 

(( لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

قال له: يا عبد الله، قَالَ: أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ ؟ قَالَ: لَا، أقنعه

 

 

 أنا أقول لكم أيها الإخوة الكرام: لا تحاول أن تقمع حاول أن تقنع، القمع لا يسمن، ولا يغني من جوع .
 أعرف رجلاً أنا أظنه صالحاً مستقيمًا، وله أعمال طيبة، لكنه لم يقنع بناته بالالتزام، قمعهن فلما مات تفلتت بناته من حجاب إلى تفلت كامل، لأنه قمع، ولم يقنع، النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( علموا ولا تعنفوا فإن المعلم خير من المعنف ))

 يجب أن تحب الناس، يجب أن تحبهم على علاتهم، هؤلاء أهلنا، هؤلاء المسلمون، بدل أن تنتقدهم، وأن تستعلي عليهم، وأن تحتقرهم، وأن تزدريهم ادع لهم بالهدى، اللهم اهدهم، ردهم إلى دينك رداً جميلاً، لولا أن النص صحيح، جيء لرسول الله بشارب خمر، فالصحابة لعنوه، قال: لا تلعنوه، إنه يحب الله ورسوله، علمنا النبي عليه الصلاة والسلام أن الإنسان أحياناً يعصي الله، لكنه مغلوب على أمره، ضعف أمام شهوته، هذه معصية، لا شك، معصية كبيرة، لكن بينها وبين الذي يستنكف أن يعبد الله عن كبر بون شاسع، الشيطان أبى أن يسجد كبراً، أما سيدنا آدم نسي، ولم يجد له عزمًا، قال تعالى:

 

﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ﴾

 

[ سورة البقرة: 37]

 أهون ألف مرة أن تستغفر من ذنب وقعت فيه غلبة من أن تستغفر من ذنب وقعت فيه استعلاءً وكبراً، قال تعالى:

 

﴿ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172)﴾

 

[ سورة النساء ]

 أيها الإخوة الكرام، مرة ثانية: إن أردت أن تكون من أهل الفضل، أو من أهل العلم، إن أردت التقرب إلى الله ببيانك، أو بمالك فلا ينبغي أن تكون لعاناً، ولعان كلمة تعبر عن مجموعة صفات، النقد اللاذع، القنص، التشهير، الفضيحة، أن تنتقض على رؤوس الأشهاد، ألاّ تعبأ بكرامة الإنسان، لذلك الذي يحصل الآن النقد العلني، ينشر حزازات، وأحقادًا، وانتقامًا، ويكال الصاع عشرة أصوع، أما النصيحة فيما بينك وبينه فهذه لها معنى آخر، الناصح ينصح سراً، والفاضح يفضح علانية،

 

(( لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

يعني أعمالهم الصالحة لا تقبل ز
 أيها الإخوة الكرام، هذا الذي ارتكب أكبر خيانة ثابتة في تاريخ البشرية، الإنسان إذا أرسل للعدو معلومات ليكشف عورة المسلمين، حاطب بن بلتعة أرسل كتاباً إلى قريش، إن محمداً سيغزوكم، فخذوا حذركم، وجاء الوحي النبي عليه الصلاة والسلام، وأخبره بما كان، والنبي أرسل صحابيين أحدهما سيدنا علي رضي الله عنه إلى ما بين مكة والمدينة، و جاؤوا بالكتاب من امرأة في طريقها إلى مكة، وجيء بحاطب، وسيدنا عمر واقف، قال: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال له: لا يا عمر، إنه شهد بدراً، أرأيت إلى هذا الوفاء ؟ أرأيت إلى هذا الحلم ؟ أرأيت إلى هذه الرحمة ؟ لا يا عمر، إنه شهد بدراً، يا حاطب تعال، ما حملك على ما فعلت ؟ قال: والله يا رسول ما كفرت، ولا ارتددت، ولكنني لصيق في قريش، وأنا موقن بنصر الله لك، لكنني أردت بهذا الكتاب أن أحمي مالي وأهلي، فاغفر لي ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: إني صدقته فصدقوه، ولا تقولوا فيه إلا خيراً .
 أنا ألح في هذا اللقاء، وفي هذا الدرس على أن تحب من حولك، الدين كله حب، أن تحب جميع الناس على اختلاف مستوياتهم، أنت حينما تحبهم تأخذ بيدهم، وكأن في سريان مشاعر بينك وبينهم، أنت محب، قد يقسو، لكنه محب، والمجامل قد يحقد، لكن مجاملته لا تصل إلى قلبك، ابتسامة ظاهرة، ابتسامة خادعة، وأحياناً قسوة من إنسان محب، لذلك من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف، قال تعالى:

 

 

﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾

 

[ سورة النحل: 125]

 في مئات الأساليب يجب أن تنتقي الأسلوب الحسن في الدعوة إلى الله

 

(( لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

وطن نفسك أن تستوعب الناس، أن تحلم عليهم، وطن نفسك أن تلتمس لهم العذر، وقد ورد أن التمس لأخيك عذراً، ولو سبعين مرة، وطن نفسك أن تعاملهم كما تحب أن يعاملوك .
 هناك نقطة دقيقة أتمنى أن تكون واضحة عندهم، العالم الغربي طبقها لا عن تقرب إلى الله، لكن عن ذكاء، كل بني آدم خطاء، حاول أن تعطي من حولك إذا أخطأ فرصة ليصحح، أكثر إداراتنا للمعامل والمؤسسات والمحلات التجارية إدارة لا تغفر، أول خطأ يسرحه، أنا أتمنى أن نقتدي بالنبي الكريم في معاملته لحاطب بن بلتعة، أخطأ، واعترف، أنا لا أنسى هذه القصة، ورويتها لكم يمكن عشرات المرات .
 خطيب جامع بأحد أحياء دمشق العريقة، يرى النبي عليه الصلاة والسلام في منامه، يقول له: أبلغ جارك فلانًا أنه رفيقي في الجنة، جاره فلان بائع متواضع جداً، سمان، وهو خطيب ومتعلم، فصاحة، و أدلة، ومركزًا، واعتلاء منبر، الخطيب كسر خاطره، هذه البشارة لي أم له، لمن هذه البشارة ؟ للسمان المجاور له، فذهب إليه مكسور القلب، قال له لك عندي بشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن والله لا أعلمك إياها إلا إذا أنبأتني ماذا فعلت مع الله حتى كانت هذه البشارة ؟ قال له: تزوجت امرأة، وبعد خمسة أشهر بالتعبير النسواني بطنها إلى حلقها، هذا الحمل ليس منه، زلة قدم، ويبدو أنها ندمت أشد الندم، قال له: بإمكاني أن أطلقها، ومعي حق، وهذا هو العدل، وبإمكاني أن أفضحها، ومعي الحق، وهذا هو العدل، وبإمكاني أن أسحقها، ومعي الحق، وهذا هو العدل، لكنني آثرت الإحسان، لأن الله عز وجل يقول:

 

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾

 

[ سورة النحل: 90]

 أردت أن أجعل توبتها على يدي، أتى بقابلة، فولدتها، وحمل الطفل تحت عباءته، وانتظر حتى نوى الإمام صلاة الفجر، دخل، ووضع الطفل وراء الباب، وائتم بالإمام، فلما انتهت الصلاة بكى الطفل، وتحلق الطفل حول هذا الطفل مدهوشين، فاقترب منهم، قال: ما الخبر ؟ قالوا: تعال، وانظر، طفل، قال: أنا أكفله، فأخذه أمام الحي على أنه أخذه ليكفله، ورده إلى أمه، وتابت على يديه .
أنا أقيس على ذلك أي إنسان يشكو من زوجته، أنا أقول: أعطها فرصة إن تابت فلك أجر لا يعلمه إلا الله، أقرأ هذه الآية دائماً:

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾

 

[ سورة النحل: 90]

 مرة أخ يعمل في إنشاء البيوت، فاشترى أرضاً من المحافظة، اشتراها خالية، لكن فيها حانوت يعمل فيه صاحبه بالحلاقة، فلما طال تسليم المحل أبلغ المحافظة، وجاءت، وهدمت المحل، فجاءني في هذا المسجد، قال: هذا أحد إخوانك أمر بهدم المحل، وتركني في الطريق، هذا شيء يرضيك ؟ قلت: لا والله، فالأخ طلبته، قال: أنا اشتريت المحضر فارغًا، وهو تأخر بتسليم المحضر، وأنا أريد أن أعمل، وليس له عندي شيء، قلت له: صحيح، هذا هو العدل، أين الإحسان ؟ انتبه، قال لي: أقدم مبلغاً، وأخذنا له محلا في الجبل، هذه الآية، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾

 

[ سورة النحل: 90]

مليون قضية لا تحل بالعدل، بالإحسان تحل، فأنت مأمور بالإحسان، كما أنك مأمور بالعدل تحتاج إلى حب .
 ليست القضية قضية سحق، ولا قضية فضح، والله أنا في نشوة بموقف النبي عليه الصلاة والسلام من صحابي عنده بستان دخل إنسان إلى البستان، وأكل منه من دون إذن، بحسب النصوص هو سارق، بحسب ما على الشبكية سارق، فقيده، وساقه إلى النبي عليه الصلاة والسلام على أنه سارق، قال: هذا أكل من بستاني، فالنبي أجابه إجابة هي الآن منهج، والعالم الآن كله لو أخذ بها لما كنا فيما نحن فيه، قال له: هلا علمته إذا كان جاهلاً، وهلا أطعمته إن كان جائعاً ؟ صحيح هو أكل من دون إذن، لكن هل فكرت أن تقول لي: ماذا أكل ؟
 والله يا أيها الإخوة الكرام، لو طبقنا هذا الحديث لنجحنا، لكن فكر هذا لماذا فعل ذلك ؟ عنده مشكلة، حاولت تفهم مشكلته، يقول لي: ابني يسرق، لا تعطه شيئاً، يأتي إلى المدرسة يشتري الأولاد الأكلات الطيبة، وهو محروم، وأنت ما وجهته توجيهاً قوياً، أنا أرى الناجحين بحياتهم أكثر الأخطاء أخطاء من حولهم، يعدون أنفسهم سبباً بها، يحلونها، أنا ما أدعو أن تتساهل مع ابنك أبداً، يجب أن تعطيه حقه بالمعقول، لكن لا شيء أبداً ؟!
يضعها في البيت أربع سنوات من دون نزهة، لا تتحمل، تكره دينه، وتكره الصلاة، هذه نفس، لما أنت تعطي الإنسان حقه، وتطالبه بالالتزام بالورع بالدقة، كنت أقول كلمة: أعط الإنسان رغيف خبزه وكرامته، وخذ منه كل شيء .
 أقول لكم كلاماً دقيقاً جداً، لكنه مؤسف جداً: العالم الغربي سبب قوته أن كل إيجابياته إسلامية، لأنه يعبد الدولار من دون الله، ويعبد المال، لأنه يعبد المال أتقن عمله، لأنه يعبد المال، أعطى الإنسان ما يحتاج، لأنه يعبد المال من دون الله أعطاه كرامته، أعطاه حريته، لذلك أعطي الإنسان رغيف خبزه وكرامته وخذ منه كل شيء، كل إيجابيات العالم الغربي إسلامية، لكن مع الأسف نحن المسلمين كلفنا الله بنشر الإسلام، إطارنا إسلامي، لكن حقيقة علاقاتنا ليست إسلامية، لذلك الكلمة التي يقولها عالم جليل: إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة .
 كنت مرة في بلد في الشرق في أستراليا، وحدثوني عن امرأة أنجبت ثلاث توائم في المستشفى، طبعاً الطب هناك مضمون أكبر عملية بالملايين مجاناً، ضمان طبي كامل، فهذه دخلت المستشفى، وأنجبت ثلاث توائم، بعد عدة أيام تريد أن تأخذ أولادها إلى البيت، قالوا: لا، لا تملكين أهلية العناية بأطفال ثلاثة، يجب أن يبقوا عندنا شهرًا، وتأتي كل يوم أربع مرات، أو خمس مرات لإرضاعهم، تعليمات مشددة، مضى الشهر، اسمحوا لي بهم، لا، لا تستطيعين، تحتاجين أن ترعيهم أمامنا أسبوعًا حتى نتأكد من أهليتك لرعاية الأولاد، ثم انتهى الأمر .
كنت في السودان، حادثة مشابهة تماماً، كنا في مستشفى في جنوب السودان، الذي عانت أربعين سنة حرب أهلية، وامرأة في المستشفى أنجبت ثلاث توائم، ليس هناك حاضنة، ولا غذاء تأكله، ولا حليب، ولا شيء، مات أمامنا واحد، بعد فترة مات الاثنان، إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة على الأمة المسلمة الظالمة .
الإنسان من حقه أن يعالج، من حقه أن يتعلم، من حقه أن يسكن في بيت، من حقه يأكل أكلا صحيّا، لما يكون عندنا إطار إسلامي ومضمون الإسلام غير مطبق فيه فعندنا مشكلة مع الله كبيرة جداً .
 أيها الإخوة الكرام، يقول لك الإنسان أحيانا: أين الحل ؟ أين الخلاص ؟ أنا أقول لكم: والله بكل خلية من جسمي، وبكل قطرة في دمي مؤمن بهذا الكلام، إنما تنصرون بضعفائكم، هذا الضعيف فقير ينبغي أن تطعمه، العاري ينبغي أن تكسوه، المشرد ينبغي أن تؤوية، المريض ينبغي أن تعالجه، الجاهل ينبغي أن تعلمه، المظلوم ينبغي أن تنصفه، فإذا أنصفت الضعيف يكافئك الله بمكافأة من جنس عملك، فينصرك على من هو أقوى منك ز
 بناء على هذا الحديث أقول: والله لا نشم رائحة النصر مادام هناك ظلم داخلي في بيوتنا، بمؤسساتنا، بمعاملنا، مادام هناك ظلم داخلي فالنصر بعيد عنا كثيراً، إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي، والله لا أتمنى أن أذكرهم بخير، ولكنني مضطر أحياناً أن أبين الفرق بين ما عندنا وما عندهم، المعلومات في الدعوة أقل ما فيها، والقلب الكبير في محبة الآخرين، والإنصاف، والتلطف، والحلم، والرحمة، والانتماء، هؤلاء أهلك، هؤلاء المسلمون أهلك، بدل أن تستعلي عليهم، وأن تزدريهم عاونهم، بدل أن تلعن الظلام ألف مرة أوقد شمعة واحدة قدم شيئا، قدم شيئًا لهذه الأمة بدل أن تلعن الظلام .
 هذا الحديث على إيجازه جامع ومانع، وأبعاده عميقة جداً، وكلمة اللعانون اسم مختصر لمن له صفة القنص، والنقد، والازدراء، والتعليق، والفضيحة، والاتهام، والاستعلاء مجموع هذه الصفات اللعانون،

(( لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

شفعاء بعمله الصالح، ولا شهداء للآخرين يوم القيامة، تسقط أهليته، تفقد أهليتهم .
 مرة ثانية أيها الإخوة الكرام، أقول لكم من أعماقي: هذا الدين لا يدخل الناس فيه أفواجاً بفصاحتك، ولا بكلامك، ولا بروعة بيانك، يدخل الناس فيه أفواجاً بمعاملتك، وأنا أؤكد لكم هذا المعنى الدقيق، ما الذي يشدك إلى الله سؤال ؟ أنت مشدود إلى الدين، الدليل تصلي، والدليل تعبد الله، تصوم رمضان، تحج البيت، تأتي إلى الدرس، تقرأ القرآن، تغض البصر، تضبط اللسان، ترحم، تنفق من مالك، أسألك: ما الذي يشدك إلى الدين ؟ ستقول لي بشكل سريع: الدين عظيم، الدين قدم تفسيراً للإنسان، تفسيراً كاملاً، تفسيراً عميقاً، تفسيراً متناسقاً، أنا أقول لك: لا، هذا لا يكفي، مهما كان الدين عظيماً من حيث الفكر والعمق والتصور والشرح، مهما كان هذا الدين عظيماً والإنسان أحياناً يدخن، وهو طبيب، يحدثك عشر ساعات عن مضار التدخين، كيف تفسر ذلك ؟ لا تكفي قناعاتك أن تحملك على سلوك معين، أقول لك: الذي يشد الناس إلى الدين معاملة الله للإنسان .
 معمل من معامل جاء إنسان وطلب بضاعة، لا أدخل في التفاصيل، البضاعة ربح المعمل منها تقريباً ربع مليون ليرة، ثم علم صاحب المعمل أن هذه المسكة من أجل علبة خمر غالٍ جداً، له علبة، العلبة تحتاج إلى مسكة بلاستيك، طبعاً صاحب المعمل أخ من إخواننا الكرام، رفض فوراً، ما ترك وسيلة، رفض قطعًا، الآن هناك مشكلة مع أبيه، الأب أنت ما دخلك، أنت تعطي شيئاً مشروعاً، القصة طويلة، تم الرفض الكلي، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، والله بعد شهرين ويومين جاءت صفقة مئة ضعف، وحلال .
أيها الإخوة الكرام، هناك مقولة: أنا مؤمن بها بكل حرف منها، ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه .
إن زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه .
 أنا أقول لك: مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تدع شيئاً لله، ثم لا تجد ما يكافئ هذا العمل البطولي، مستحيل، لكن قال لي مرة شخص: أنا كنت جاهلاً، وأبيع مادة محرمة بمطعم ربع قرن، ودخلي فلكي، متعاقد مع شركات كثيرة بأسعار خيالية، لكن لما تاب إلى الله، وأوقف الخمر الشركات كلها أوقفت عقودها معه، شركات أجنبية، والزبائن المتفلتون انصرفوا عنه، والدخل هبط إلى واحد من خمسين، أقول لكم هذه الفكرة الدقيقة: لما تتخذ قراراً بطولياً فلا بد من أن تدفع ثمنه، لأنك إن لم تدفع ثمنه فلا يعد بطولياً، لو أن إنسانًا ألغى الخمر من مطعمه، وثاني يوم تضاعفت الغلة يلغيها المدمنون عن الخمر، حتى يضاعفوا الغلة، يحب الله، يدفعك ثمن القرار إلى حين فقط، الدليل قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾

[ سورة التوبة: 28]

 ما الذي سيحصل ؟ توقفت السياحة، لا يوجد سياح، الفنادق فارغة، المطاعم فارغة، هذا منطق العصر الآن، قال تعالى:

 

﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾

 

[ سورة التوبة: 28]

 يعني فقراً، لكن هناك سوف، معنى سوف بعد حين، في مرحلة لا بد منها، لابد من أن تدفع الثمن، فإذا علم الله منك صدقاً وإصراراً وورعاً واستسلاماً لله يغنيك بعدئذ .
 رجل عنده مطعم يبيع فيه الخمر، ذهب إلى الحج، وتاب، وألغى بيع الخمر، الغلة هبطت إلى العشر، فأعاد بيع الخمر، ومات بعد اثني عشر يوماً من نكسته، ولقي الله بائع خمر، فلذلك إذا جاء الإنسان دخل كبير من معصية، وتركها فلا يطمع في مدى سريع جداً أن يعوض الله عليه، لا، يجب أن يؤهل نفسه بدفع ثمن هذا القرار البطولي، قال تعالى:

 

﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾

 

[ سورة التوبة: 28]

 ليس الآن، حينما يعلم الله منك صدقاً وإصراراً على طاعته عندئذ يغنيك من فضله .

 

(( لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

 هناك كلمة، إنسان تكلم كلمة دقيقة جداً، أنا والله مؤمن بها بكل ما في مشاعري وإدراكي، الإنسان يظن الحب له مرحلة أولى، وينتهي، هذا كلام يقوله الأزواج، في أثناء الخطبة المكالمة ست ساعات على الهاتف، لكن بلغني أن واحدًا حدث خطيبته ثلاث عشر ساعة متوالية، هذا رقم أولمبي، أعلى رقم ثلاث عشرة ساعة على الهاتف، بعد الزواج بسنتين يأتي إلى البيت تجر منه الكلمة جراً، لا يتكلم، شيء طبيعي، فدائماً يقول لك: انتهى الحب، علاقة روتينية، علاقة رتيبة، ليس لها معنى، ملل، سأم، ضجر، أو بتعبير آخر ختمتها وختمتني، كل إنسان عنده قصة يحكيها وانتهى، هذه نعاني منها في التدريس، كنا في الجامعة طلابًا يأتي الدكتور عنده أشياء جميلة جداً، بعد شهور تنتهي، وانتهى، ختمناه، أما الجواب فعكس ذلك، الحب يصنع صناعة، أنت تستطيع لو مضى على زواج ثلاثين سنة أن تدخل بالمودة والرحمة والمعاونة، والابتسامة والاعتذار أحياناً، والخدمة، الحب يبقى كما هو عليه، لكن ليس بالحالة الحادة كأيام الخطبة، هذه ليست معقولة، لو أن الأمر كذلك لا ترى شيئاً في الحياة، تقف الحياة .
 قال لي مرة أخ: عندي سؤال لي، أنا في حرج أن أسألك إياه، قلت له: تفضل، قال: ما الحكمة إذا كان الزوجة ليست جيدة ؟ قلت له: حتى أراك في المسجد، ما كنا نراك إذا كانت جيدة، كنت وضعتها، وجلست، في أشياء وسط، هناك حكمة بالغة، لذلك لما يتعرف الإنسان إلى الله كل شيء ليس له فيه اختيار لصالحه، إذا أنت لم تكن لعاناً لا سمح الله ولا قدر يقابل اللعن الحب، يمكن أن تحب من حولك، والحب تصنعه أنت بخدمتك الصادقة، بابتسامتك، بتواضعك، بإخلاصك، الناس يألفون، ذلك الحب يسري كما تسري النفس في شيء بعيد، لو فرضنا إنسانًا في موسم الحج يأتيه هاتف، حصلنا لك على الفيزا، يضع السماعة على الهاتف صار في الحج، دخل في عالم الحج، يهيئ أغراضه وحاجاته، ويؤمن من يحل محله في غيابه، الإنسان أحيانا تسري نفسه إلى طرف آخر في العالم، إذا كان له ابن هناك، وأحب أن يسافر إليه صارت نفسه كلها ممتلئة بمشاعر السفر، والوصل إلى ابنه مثلاً .
لذلك أيها الإخوة الكرام، إذا ما كان الإنسان لعان ماذا يقابل ؟ أن يكون محباً، الحب تصنعه أنت .
 أنا أتمنى أيها الإخوة الكرام أن يكون كل بيت جنة، بإمكانك أن تفعل بأي ظرف، بيت صغير، كبير، عال، منخفض، أجرة، ملك، زوجة وسط، شاطحة، درجاتها مئة، تسعون، خمسون، أربعون، ممكن أن تصنع الحب بيدك، بابتسامتك، بإلقاء السلام، بالصدق، بالخدمة، بالعطف، بالمحبة، بالإكرام، تصنع الحب، ولما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ورزقني حبها، السيدة خديشة، رزقني، يعني رزق الإنسان حبّ حليلته،، متى المصيبة ؟ أن يحب امرأة لا تحل له، ويتعلق بامرأة لا تحل له، أما إذا أحب زوجته فهذا إنجاز كبير، يحتاج إلى دقة، وإلى تطبيق السنة، هل فيك أن تحب الطلاب ؟ نعم أنت حينما تحبهم يحبونك، هل لك أن تحب من حولك في العمل ؟ نعم أنت حينما تحبهم يحبونك، الكلام الدقيق يصنع بأيدينا، وليست القضية غيبية، ضبابية، يهبهم الله لمن يشاء، لا أنت بانضباطك تحب وتحب .
 مرة كان لنا أستاذ بعلم النفس من أكبر المدرسين، وله سمعة في الشرق الأوسط، تقاعد، ولمرة واحدة جامعة دمشق وكلية التربية التي كنت فيها أقيم حفل وداع كبير لهذا الأستاذ، فألقيت كلمات كثيرة، وقام، وألقى كلمة، قال: الإنسان الذي لا يشعر بحاجة إلى أن يحب أو يحب فليس من بني البشر .
 يجب أن تشعر بحاجة إلى أن تحب الناس، وإلى أن يحبوك، في حالات بالحب كان الصحابة الكرام إذا مشى اثنان وفرقت بينهما شجرة يسلمان على بعضهما بعد الشجرة، واشوقاه لفلان، البارحة العشاء كنت معه، الفجر سلم عليه، وقال له: وا شوقاه إليك، هذا الحب أنت حينما تحب الناس يحبك الناس، تحب زوجتك، تحبك زوجتك، تحب أولادك، يحبك أولادك، تحب جيرانك، يحبك جيرانك، هذه عملية متداخلة، تأكد: مستحيل أن تحب إنساناً، ولا يحبك، أو مستحيل يحبك إنسان، ولا تحبه، الدليل: عوضاً عن اللعن والنقد والحقد والكراهية، والفضيحة والتشهير، والقنص واللمز، الحب، فلذلك أيها الإخوة الكرام، كلمتان خفيفتان على اللسان، الحب يصنع صناعة، بإمكانك أن تحب كل من حولك، إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بأخلاقكم، الابتسامة صدقة، وطلاقة الوجه صدقة، والإكرام والهدية، والنبي قال: تهادوا تحابوا، أفشوا السلام بينكم، ممكن أن يكون الحب أساسه إفشاء السلام، والهدية والدعوة والخدمة، والنصيحة لا الفضيحة .
 أنا جعلت هذا الدرس إن شاء الله حول النموذج اللعان، القناص، المنتقد، القاسي الذي يغمز، ويلمز، ويشهر، ويفضح، هذا لا يشم رائحة الدعوة إلى الله، ولا يشم رائحة العمل الصالح، هو مرفوض عند الناس، أما الذي يحب الناس، لأنه يحب الله، لأن هؤلاء عباده، الخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله .
 وكنت أقول دائماً: الأنبياء ملكوا القلوب، والأقوياء ملكوا الرقاب، وشتان بين أن تملك القلب، وبين أن تملك الرقبة فرق كبير، الأنبياء عاشوا للناس، والأقوياء عاش الناس لهم، أهرامات مصر قليلة، مئة مئات الألوف من أجل أن يكون الهرم قبرًا لإنسان، الهرم قبر، الأنبياء يمدحون في غيبتهم، والأقوياء في حضرتهم .
 أيها الإخوة الكرام، والناس جميعاً أتباع نبي أو قوي، أتباع الأنبياء رأسمالهم أخلاقهم العالية كمالاتهم تملك الصدق، والأمانة، والرحمة، واللطف، والتواضع، والأقوياء أسباب قوتهم دفتر الضبط الذي مع الشرطي، هذا معه صلاحية معه قوة .
أرجو الله سبحانه وتعالى أن نكون هكذا محبين بعيدين عن اللعن والانتقاد .

 

تحميل النص

إخفاء الصور