وضع داكن
29-03-2024
Logo
الدرس : 01 - سورة الأنفال - تفسير الآية 1 ، إطاعة الله والرسول
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات . 


ورود كلمة يسألونك في القرآن الكريم في آيات كثيرة :


أيها الأخوة الكرام . . . مع الدرس الأول من دروس سورة الأنفال ، ومع الآية الأولى وهي قوله تعالى : 

﴿  يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(1)﴾

[ سورة الأنفال  ]

أولاً أيها الأخوة ، كلمة ، يَسْأَلُونَكَ ، وردت في القرآن الكريم في آيات كثيرة تزيد عن عشر آيات ، لكن الذي يلفت النظر أن بين السؤال والجواب كلمة ،  قُلِ ، يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ ، لهم يا محمد ، الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ

﴿  يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)﴾

[  سورة البقرة  ]

﴿  وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)﴾

[ سورة البقرة  ]

إذاً جاءت كلمة قل متوسطة بين السؤال والجواب .

 

لا وساطة بين العبد وربه فالله تعالى لكل عباده :


إلا أن آية واحدة تلفت النظر وتعلمنا الكثير ، وهي قوله تعالى : 

﴿  وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)﴾

[ سورة البقرة  ]

لم تأتِ كلمة قل ، وكأن العلماء استنبطوا أنه لا وساطة بين العبد وربه أبداً ، ليس بينك وبين الله وسيط . 

﴿  وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)﴾

[ سورة البقرة  ]

أيها الأخوة الكرام ، هذه الآية تعطينا دافعاً كبيراً إلى أن نسأل الله وحده ، تعطينا دافعاً كبيراً إلى أن نناجي الله وحده ، تعطينا دافعاً كبيراً إلى الشعور بأن الله لكل عباده . 

﴿  يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾

[ سورة الحجرات  ]

 

الجواب يحدد حيز السؤال :


أيها الأخوة ؛ لكن السؤال يقتضي سائلاً ، هم أصحاب رسول الله ، ويقتضي مسؤولاً هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يَسْأَلُونَكَ ، ويقتضي مسؤولاً عنه أي موضوع السؤال ، هناك وقفة متأنية مع موضوع السؤال .

أحياناً السؤال يحدد حيز الجواب ، أنا أسألك : ماذا أكلت البارحة قبل أن تنام ؟ في السؤال تحديد دقيق للجواب ، أريد أن تقول لي : أكلت على طعام المساء كذا وكذا ، هذه حالة .

أحياناً الجواب يحدد حيز السؤال ، مثلاً : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ، يا ترى السؤال لمَ المحيض ؟ ولمَ ينقطع المحيض في سن معين ؟ وما حكمة المحيض ؟ لا ، الجواب يحدد حيز السؤال ، وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ، صار الجواب حدد حيز السؤال ، أي ما حكم مقاربة المرأة في المحيض ؟ هذا السؤال ما الذي أكده ؟ الجواب ، فتارةً السؤال يحدد الجواب ، وتارةً الجواب يحدد السؤال .

 

على الغني الذي يستثمر أموال اليتامى أن يستعفف وعلى الفقير أن يأكل بالمعروف :


أيها الأخوة الكرام :

﴿  فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)﴾

[ سورة البقرة  ]

يبدو أن الصحابة الكرام من شدة الورع خافوا أن تختلط أموالهم بأموال اليتامى لقوله تعالى : 

﴿  وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)﴾

[ سورة الأنعام ]

دع بينك وبين مال اليتيم هامش أمان ، الجواب هنا يحدد طبيعة السؤال : 

﴿  فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)﴾

[ سورة البقرة  ]

لذلك قال بعض العلماء : إذا كان الذي يستثمر أموال اليتيم غنياً فليستعفف ، أي يعطيه الربح كله ، وإن كان الذي يستثمر أموال اليتيم فقيراً فليأكل بالمعروف ، وقد فسر العلماء المعروف بأجر المثل أو الحاجة ، أيهما أقل ؟ مثلاً معك مليون ليتيم ، ربح المليون أربعمئة ألف ، لك النصف ، وله النصف ، أنت حاجتك في السنة ثلاثمئة ألف ، أما نصيبك بالربح فمئتان تأخذ ما لك فقط  ، أما لو معك خمسة ملايين و عند العمل بهم ربحوا خمسة ملايين ، أنت حاجتك أربعمئة ألف تأخذ حاجتك ، الحاجة أو أجر المثل أيهما أقل ؟ معنى : 

﴿  وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (6)﴾

[ سورة النساء  ]

 

الله سبحانه وتعالى جعل القمر تقويماً يقرؤه كل البشر :


أيها الأخوة ؛ الآن : 

﴿  يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)﴾

[ سورة البقرة ]

البيئة التي كانت حول النبي الكريم أخلاقهم راقية جداً ، صحابة نخبة البشر . 

(( إن الله اختارني واختار لي أصحابي ))

[  العقيلي عن أنس السلسلة الضعيفة  ]

أما من حيث المعلومات الفلكية فلا يوجد معلومات فلكية كافية ، لو أن الله سبحانه وتعالى قال : الهلال ، حينما تكون الأرض بين الشمس والقمر يكون القمر محاقاً ، ثم هلالاً  ، ثم بدراً ، قضية فلكية معقدة جداً ، فربنا عز وجل قال : 

﴿  يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)﴾

[ سورة البقرة  ]

هذا القمر تقويم ، تقويم يراه كل الناس ، يقول لك : ثلاثة بالشهر ، أربعة عشر الاستدارة تامة ، ستة عشر ، حذف من الاستدارة حيزاً صغيراً ، فكأن الله سبحانه وتعالى جعل هذا القمر تقويماً يقرؤه كل البشر .

 

لكل سؤال سائل ومسؤول ومسؤول عنه :


﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)﴾  

[ سورة البقرة  ]

هل تعتقدون أن السؤال عن عدد الأشهر الحرم ؟ لا . 

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)﴾

[  سورة البقرة  ]

فهنا السؤال ما حكم القتال في الأشهر الحرم ؟ إذاً اتفقنا على أن لكل سؤال سائلاً ، ومسؤولاً ، ومسؤولاً عنه ، وأن السؤال أحياناً يحدد حيز الجواب ، أو أن الجواب أحياناً يحدد حيز السؤال . 

 

الغنائم من فضل الله عز وجل :


الآن لو أردنا أن ندخل في الآية الأولى ، وهي قوله تعالى :  يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ   الأنفال جمع نَفَل ، كسبب جمعها أسباب ، نَفَل جمعها أنفال .

أيها الأخوة ؛ النَفَل هو الغنيمة ، والغنيمة ما يؤخذ في الحرب ، الدولة المنتصرة تأخذ بعض ما عند العدو من مواد ، من أسلحة ، من كل أنواع المواد ، هذه اسمها غنائم ، مفردها غنيمة ، لأنها من فضل الله عز وجل ، ومن خصائص سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم  ، وقد اختصت الغنيمة بهذه الأمة من دون الأمم السابقة ، أما النْفل بالسكون فهو الزيادة ، النَفَل الغنيمة جمعها أنفال ، و النفل الزيادة .

﴿  وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)﴾

[ سورة الإسراء  ]

 

العقائد في الإسلام توقيفية لا يجوز أن يضاف عليها ولا أن يحذف منها :


أيها الأخوة ؛ لكن لأن العقائد في الإسلام توقيفية لا يجوز أن يضاف عليها ، ولا أن يحذف منها ، لأن العقائد والعبادات توقيفية ، لا يمكن أن نضيف أية عبادة من عندنا على العبادات التي شرعها الله عز وجل .

لذلك إن أردت أن تقوم بعبادة نافلة ينبغي أن تكون هذه العبادة النافلة من جنس العبادة المفروضة ، أي لا تستطيع أن تعمل حركات غير الصلاة و تقول : هذه صلاة ، تحب أن تصلي صلاة نافلة تصلي النافلة كالصلاة المفروضة ، لكن تنوي أن هاتين الركعتين صلاة نافلة ، ينبغي أن تكون العبادة النافلة من جنس العبادة الأصلية ، من أجل ألا يحدث في الإسلام ما ليس منه ، لأن العقائد والعبادات في الإسلام توقيفية ، لا يضاف عليها ، ولا يحذف منها ، الله عز وجل أمرنا أن نطور حياتنا .

بحياتنا الدنيا إعمار الأرض يقتضي إنشاء السدود أحياناً ، استخراج الثروات  ، تأمين سكن لكل الناس ، إيصال الماء للبيوت ، هذه كلها مستجدات ينبغي أن نفعلها ، ينبغي أن نعمر الأرض ، أن نحل مشكلات الشباب ، أن نهيئ بيوتاً للزواج ، أن نهيئ فرص عمل ، أن ننشئ معامل ، أن ننشئ سدوداً ، أن ننشئ جسوراً ، أن ننشئ جامعات .

كنت في بلد بعيد في أمريكا الجنوبية زرت سداً هو أكبر سد في العالم ، حجز بحيرة وراءه ، طولها مئة و ثمانون كيلو متراً ، هذا السد فيه عشرون عتبة ، كل عتبة تساوي محطة حرارية قيمتها خمسمئة مليون دولار ، هذا السد يقدم كهرباء بأعلى درجة من القوة ، هذا من إعمار الأرض ، إنشاء السدود ، استخراج الثروات ، تصنيع هذه الثروات ، إنشاء البيوت ، إنشاء المستشفيات ، إنشاء الطرق ، إنشاء الجسور ، هذا من إعمار الأرض .

أما في الدين فلا يوجد بدع ، الدين توقيفي ، ولاسيما عقائد الدين ، وعبادات الدين ، لذلك لو أن إنساناً تاقت نفسه لعبادة ليست مفروضة ، تاقت نفسه لعبادة نافلة ، ينبغي أن يؤدي النافلة كما تؤدى العبادة الأصلية ، من أجل ألا نحدث في الإسلام تطوراً يغير معالمه .

 

من ابتلي فصبر كان للناس إماماً  :


أيها الأخوة ؛ نأتي بمثل : سيدنا إبراهيم حينما ابتلي أن يذبح ابنه إسماعيل : 

﴿  إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) ﴾

[ سورة الصافات ]

حينما ابتلي أي امتحنه الله أن يذبح ابنه إسماعيل ، ومما يزيد هذا الامتحان صعوبة أنه ما جاء بشكل صريح جاء بشكل رؤيا ، قال : 

﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)﴾

[ سورة الصافات ]

ليس الشيء سهلاً أن إنساناً يذبح ابنه الشاب ، وهو نبي ، لو أنه قيل له : سيأتي من يذبح ابنك فاصبر ، هذا أسهل ، أما ينبغي أن تذبحه بيدك ، وهو ابنك ، وسيدنا إبراهيم لئلا يأتي إلى ابنه هاجس العقوق ، لمَ تذبحني ؟ من قال لك ذلك ؟ لئلا يأتي إلى ابنه هاجس العقوق ، شرح له القضية : 

﴿  فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)﴾

[ سورة الصافات ]

قال : 

﴿  فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)﴾

[ سورة الصافات ]

بأي مستوى سيدنا إبراهيم ؟ 

الآن تطلب من إنسان يسكن جانب المسجد احضر درساً فقط ، المسجد مدفأ في الشتاء ، ومكيف في الصيف ، هناك مياه باردة للشرب ، وهناك مياه ساخنة للوضوء ، والسجاد ثخين ، و تحت السجاد مواد من أجل أن تستريح ، لكن احضر الدرس ، يقول له : اذبح ابنك ، نحن لا نحتمل هذا الابتلاء . 

﴿  وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)﴾

[ سورة البقرة  ]

متى يمكن أن تكون للناس إماماً ؟ حينما تبتلى فتصبر : 

﴿  وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)﴾

[ سورة البقرة  ]

متى تكون للناس إماماً ؟ حينما تبتلى فتصبر . 

 

المؤمن الصادق واثق من حكمة الله يتلقى قضاء الله وقدره بالرضا واليقين :


أيها الأخوة ؛ الآن دقق : 

﴿  فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)  ﴾

[ سورة الصافات  ]

الأب النبي الكريم أبو الأنبياء استسلم لهذا الأمر ، والابن الشاب البار بوالده  ، المؤمن بربه ، وبحكمة ربه قال : 

﴿  فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)﴾

قال : 

﴿  فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ  ﴾

[ سورة الصافات  ]

ماذا يستنبط لنا ؟ أنه حينما يأتي من قضاء الله وقدره شيء مزعج ، أو متعب ، أو مؤلم ، وتقبله ، سريعاً ما ينزاح عنك ، أما إذا لم تقبله ، تأخر بقاء هذا القضاء والقدر فيك ، هذا الدرس ، المؤمن الصادق واثق من حكمة الله ، واثق من عدل الله ، واثق من رحمة الله ، لذلك يتلقى قضاء الله وقدره بالرضا واليقين ، من هنا قال سيدنا علي : " الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين "

 قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ 

درس بليغ لنا .


 قصص الأنبياء توجيه وعبرة لنا : 


أنا أتمنى عليكم ألا تفهموا أن هذا القرآن فقط كتاب مقدس ، تقرؤه تعبداً ، هذا منهج لنا .

أؤكد لكم ثانية أن قصص الأنبياء الذين مضوا هي لنا ، درس لنا ، توجيه لنا ، هل يوجد شخص من الأخوة الحاضرين لم تصبه مصيبة ، فإذا قبلت قضاء الله وقدره سريعاً ما تحل المشكلة .

أيها الأخوة ؛ قال النبي الكريم : 

(( عَجَبا لأمر المؤمن ! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر ، فكان خيراً له ، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر ، فكان خيراً له ))

[ أخرجه مسلم عن صهيب الرومي  ]

سيدنا عمر بن الخطاب كان إذا أصابته مصيبة قال : " الحمد لله ثلاثاً ، الحمد لله إذ لم تكن في ديني - إنسان ترك الصلاة ، إنسان أكل مالاً حراماً ، إنسان وقع في الفاحشة ، أعوذ بالله ، هذه المصائب - الحمد لله إذ لم تكن في ديني "

أولاً : حمد الله على أي مصيبة لم تصل إلى الدين ، ما ارتكب حراماً ، ما أكل مالاً حراماً ، ما تعامل مع الحرام ، ما نافق ، ما جمع مالاً على حساب مبادئه ، " الحمد لله إذ لم تكن في ديني ، والحمد لله إذ لم تكن أكبر منها" .

مثلاً : حادث سيارة لكن الأولاد سلموا ، والزوجة سلمت ، الحمد لله ، نعمة كبيرة أن المصيبة أصابت المركبة فقط ، أما الركاب ففي سلامة تامة ، " الحمد لله إذ لم تكن في ديني ، والحمد لله إذ لم تكن أكبر منها ، والحمد لله إذ ألهمت الصبر عليها " ، هذا المؤمن راضٍ .

مرة أحد العلماء قال : ماذا يفعل أعدائي بي ؟ إن أبعدوني فإبعادي سياحة ، وإن قتلوني فقتلي شهادة ، وإن حبسوني فحبسي خلوة ، بستاني في صدري ، ماذا يفعل أعدائي بي ؟

لذلك هذا العالم الجليل قال كلمة أخرى ، قال : " في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة " ، والدليل : 

﴿  وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)﴾

[ سورة الرحمن ]

جنة في الدنيا ، وجنة في الآخرة ، ألا يكفي أن الله عز وجل فدى ابنه الذبيح بذبح عظيم ؟ آتاه ولداً آخر ، وجعله نبياً ، وآتاه ولداً ثالثاً .

 

من كان سروره بالنقمة كسروره بالنعمة فقد رضي عن الله :


أيها الأخوة ؛ الذي يرضى عن الله دليل إيمان كبير ، إنسان في أثناء الطواف حول الكعبة ، قال : يا رب هل أنت راضٍ عني ؟ فكان وراءه أحد العلماء ، قال له : يا هذا هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك ؟ قال له : سبحان الله ! كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه ؟ فقال هذا العالم الجليل : " إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله " .

هنا البطولة ، أن تقول : يا رب ، عندك مشكلة ، مشكلة صحية ، مشكلة مالية ، مشكلة أسرية ، مشكلة في العمل ، يا رب لك الحمد ، لذلك قالوا : 

كن عن همومك معرضا       وَكِلِ الأمور إلى القضـــــا

وابشـــــر بــخير عاجـــــل       تنسى به ما قد مضـــــــى

فلرب أمــــــــر مســــــخط        لك في عواقبــــــه رضــــــا

* * * 

ولربما ضاق المضيق        ولربما اتســــــــع الفضـــــــا

الله يفعـــــل مــا يشــــــاء        فلا تكــــــــــن معترضــــــــــــا

الله عودك الــجميـــــــــل         فقس على مـا قد مضى

* * *

 

من يقبل بقضاء الله وقدره يُرفع عنه الأذى :


لذلك درس بليغ لنا إذا جاء قضاء الله وقدره بما لا يريحنا ، أو إذا جاء مكروه القضاء ينبغي ألا نجزع ، وألا نسخط ، وألا نغضب ، وألا نتمرد ، لكن تقول : الحمد لله على كل حال ، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ، فحينما تقبل قضاء الله وقدره يُرفع عنك ، وحينما لا تقبله يستمر ، هذا الدرس البليغ في هذه القصة التي أكرمنا الله بها .

﴿  وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ (112)﴾

[  سورة الصافات ]

ولد آخر . 

﴿  وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72)﴾

[ سورة الأنبياء ]

كان الشيء المقلق أن يذبح ابنه إسماعيل ، فسلم ابنه إسماعيل ، وآتاه الله إسحاق ويعقوب نافلة زيادة على الفضل .

أحياناً الإنسان الله يرزقه ولداً يحفظ له ذكره بعد موته ، من والدك ؟ والدي فلان ، ما شاء الله! رحمة الله عليه ، كان صالحاً ، فالابن كلما سئل : من والدك ؟ يذكر اسم والده فيترحم الناس عليه ، فنقول : هذا الولد حفظ ذكر أبيه ، لكن أباه داعية ، ما قولك بولد يكون بعد أبيه داعية مثلاً ؟ هذا أرقى بكثير ، فسيدنا إبراهيم أتاه الله ولداً آخر نبياً من الصالحين ، فاستمرت الدعوة .

 

أفضل كسب الرجل ولده :


لذلك أيها الأخوة ؛ لم يبقَ في أيدي المسلمين من ورقة رابحة إلا أولادهم ، لو حصّلت أكبر ثروة في الأرض ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس ، من هنا قال عليه الصلاة والسلام : 

(( عن عائشة أم المؤمنين : إنَّ أطيَبَ ما أكَلَ الرَّجلُ مِن كَسْبِه ، وإنَّ ولَدَه مِن كسْبِه ))

[ أبو داود ]

لذلك حينما قال الله عز وجل : 

﴿  وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72)﴾

[ سورة الأنبياء ]

كان الامتحان الصعب أن يذبح ابنه ، فإذا ابنه يسلم  ، ويؤتيه الله ابناً نبياً ، وابناً آخر سيدنا يعقوب .

 

النبي عليه الصلاة والسلام بُعث للناس عامة :


أيها الأخوة الكرام ؛ مما أعطي النبي عليه الصلاة والسلام زيادة على الأنبياء السابقين قال :

(( عن جابر بن عبد الله : أُعطيتُ خَمْسا لم يُعْطَهُنَّ أحد من الأنبياء قبلي : نُصِرْتُ بالرُّعبِ مسيرةَ شهر  ))

[ البخاري ومسلم والنسائي ]

ولما تركت أمته منهجه من بعده هُزمت بالرعب مسيرة عام ، إذا طبقنا منهج النبي الكريم ننصر بالرعب ، فإذا تركنا سنته نهزم بالرعب . 

(( وجُعلتْ ليَ الأرضُ مسجداً وطَهورا ، فأَيُّمَا رَجُل من أُمَّتي أدركته الصلاة فليصلّ وأُحِلّت ليَ الغنائمُ ، ولم تَحِلَّ لأحد قَبلي ، وأُعْطِيتُ الشفاعةَ ، وكان النبيُّ يبعثُ إِلى قومهِ خاصة وبعثتُ إِلى الناس عامة ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن جابر بن عبد الله  ]

الأنبياء السابقون بعثوا إلى أقوامهم ، والنبي عليه الصلاة والسلام بعث إلى عامة الناس . 

﴿  وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)﴾

[  سورة الأنبياء   ]

 

عدم إباحة الغنائم للأنبياء السابقين وإنما منحت نافلة لنبينا الكريم :


إذاً نعود إلى الآية الكريمة :

﴿  يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(1)﴾

[ سورة الأنفال  ]

الأنفال جمع نَفَل ، وهي الغنائم ، ما تشريع الله في الغنائم ؟ الغنائم لم تبح للأنبياء السابقين ، إنما منحت نافلة لنبينا عليه أفضل الصلاة والتسليم .

أخواننا الكرام ؛ هناك مصطلحات ، من هذه المصطلحات :

الغنيمة : ما يأخذه المسلمون من الأعداء المهزومين ، وتقسم هذه الغنائم فيما بينهم بنسب معينة ، فقديماً مثلاً المقاتل له سهم  ، والفارس الذي معه فرس له سهمان .

الفيء : كل مالٍ صار إلى المسلمين من دون قتال ، هذا اسمه فيء .

القبض : الغنائم قبل أن تقسم ، لكن يوجد حالة رابعة أحياناً تكون المعركة عصيبة جداً ، والعدو شرس جداً ، وقوته كبيرة جداً ، فالقائد يعطي حوافز للمقاتلين ، ففي بعض الغزوات قال عليه الصلاة والسلام : 

(( أنَّ الرسولَ قال يوم حُنَينٍ : من قتل كافرا فله سلبه  . فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا  ، وأخذ أسلابهم ))

[ أخرجه مسلم وأبو داود عن أنس بن مالك   ]

أي مال هذا المقتول لمن قتله شخصياً ، لا يدخل بالحسابات ، هذا اسمه : حافز تشجيعي .

في يوم بدر هناك واقعة ، يرويها الصحابي الجليل سعد بن مالك رضي الله عنه ، قلت : يا رسول الله قد شفاني الله اليوم من المشركين ، فهب لي هذا السيف ـ يوجد سيف مع الغنائم يبدو جيداً جداً ـ فقال عليه الصلاة والسلام : " إن هذا السيف لا لي و لا لك ، ضعه ، قال : فوضعته ثم رجعت ، فقلت في نفسي : عسى أن يعطى هذا السيف من لا يبلي بلائي ، أي إنسان ما قاتل كما قاتلت يأخذ هذا السيف (شعور داخلي) ، قال : فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوني من ورائي ، فقال الصحابي : قد أنزل الله فيّ شيئاً ، فقال عليه الصلاة والسلام : كنت سألتني عن السيف وهو ليس لي ، وإنه قد وهب لي فهو لك ، لقوله تعالى :

﴿  يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(1)﴾

[ سورة الأنفال  ]

أي النبي يوزعها ، هي لله  ، والنبي يوزعها ، قال له : هذا السيف أصبح لي بنص هذه الآية فهو لك .

 

القضية المبتوت بها من قٍبل الله تعالى لا يسمح لأي إنسان أن يعارضها :


أيها الأخوة الكرام ؛ يبدو أن مشكلة محدودة نشبت بين الصحابة حينما وزعت بعض الغنائم ، فلذلك أراد الله سبحانه وتعالى أن يحسم هذا الأمر فقال : 

﴿  يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(1)﴾

[ سورة الأنفال  ]

 ( اتَّقُوا اللَّهَ ) أن تحاولوا أن تسألوا ، هذه قضية مبتوت بها ، لقول الله تعالى : 

﴿  وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)﴾

[  سورة الأحزاب  ]

مرة سألوا دكتورة بالجامعة في مصر عن رأيها في التعدد ، طبعاً قالت كلمة رائعة ، قالت : ما كان لي أن أدلي برأيٍ في التعدد وقد سمح الله به ، من أنا ؟ المشرع هو الله  ، ما كان لي أن أدلي برأيٍ في التعدد  ، وقد سمح الله به ، فلذلك الآية الكريمة :

﴿  وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)﴾

[  سورة الأحزاب  ]

 (فَاتَّقُوا اللَّهَ) أي أطيعوا الله . 


على الإنسان طاعة الأمر القرآني وطاعة بيان رسول الله :


لكن عندنا آيات متعددة :

﴿  وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)﴾

[  سورة الأنفال  ]

الله عدد المطاع ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، عندنا آية أخرى أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ   ، عدد الأمر والمطاع ، وعندنا آية ثالثة  وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ، عندنا وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ   وعندنا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ، وعندنا آية ، وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ، إذاً : الله عز وجل أمرنا بالصلاة . 

﴿  وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)﴾

[  سورة الحج   ]

هناك أحاديث كثيرة جداً من اختصاص النبي عليه الصلاة والسلام ، يقول لك : الفجر ركعتان ، الظهر أربع ركعات ، العصر أربع ، المغرب ثلاث ، العشاء أربع ، السنن ركعتان قبل الفجر ، أربع قبل الظهر ، وركعتان بعد الظهر ، ركعتان بعد المغرب ، وركعتان بعد العشاء ، هنا : وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ   فقط لأن الأمر الكلي جاء في القرآن ، أما التفاصيل ، أنصبة الزكاة ، آلاف الموضوعات التي تركت لرسول الله ، فهذه الموضوعات تغطيها الآية الكريمة  وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ   أما إذا جاء النص  وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ  ، طبعاً أطيعوا الأمر القرآني ، وأطيعوا بيان رسول الله ، النبي بيّن . 

﴿  بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)﴾

[  سورة النحل ]

أما إذا قال : أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ، أي النبي وحده مشرع ، أطيعوا النبي استقلالاً ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، الأمر قرآني ، والنبي مبيّن ، الله كرر المطاع ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ  النبي الكريم حرم ليس الأخت من الرضاعة ، حرم النسب من الرضاعة ، هنا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ، استقلالاً ، هناك شيء جاء به النبي و هو لم يرد في القرآن ، لأنه هو مشرع . 

 

الوحي نوعان ؛ وحي متلو هو القرآن ووحي غير متلو هو السنة :


لذلك هناك وحي متلو هو القرآن ، ووحي غير متلو هو السنة ، هناك أشياء النبي بينها : 

﴿  وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)﴾

[  سورة الأنفال  ]

هناك أشياء النبي أضافها ، كتحريم النسب من الرضاعة ، بالقرآن : 

﴿  حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)﴾

[ سورة النساء ]

الآن وعماتكم من الرضاعة ، وخالاتكم ، هنا :

﴿  حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)﴾

[ سورة النساء ]

استقلالاً ، وإذا كان هناك قضية جاءت في القرآن والنبي فصّل في تفاصيلها ،  وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ  

هذه الآيات التي تأتي على أشكال متعددة .

 

الثقة بالله عز وجل إذا اختص لنفسه بشيء :


أيها الأخوة ؛ الذي يستنبط من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى إذا اختص لنفسه بشيء :

﴿  وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)﴾

[ سورة الأحزاب  ]

وإذا اختص النبي بشيء أيضاً ،  أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ، والآية التي تغطي هاتين الآيتين : 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)﴾

[ سورة الحجرات ]

أنت تزور طبيباً يحمل أعلى شهادة ، درس ثمانية و ثلاثين عاماً ، يقول لك : خذ حبة أسبرين يومياً ، ما السبب دكتور لم أقتنع ؟ هذا ليس مريضاً أديباً ، ما دام أتيت إلى طبيب متفوق جداً ، تثق بعلمه و إخلاصه و أخلاقه ، ينبغي ألا تسأل ، فكيف مع خالق السماوات والأرض ؟. 

﴿  يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)﴾

[ سورة الأنفال  ]

أن تعصوهما .

﴿  يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)﴾

وللحديث عن إصلاح ذات البين حديث دقيق جداً نرجئه للدرس القادم إن شاء الله تعالى .

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور