وضع داكن
19-04-2024
Logo
أحاديث متفرقة - الدرس : 033 - أحاديث شريفة عن الحج
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الأكارم: نحن مشرفون على عيد الضحى المبارك، أو على فريضة الحج التي يؤديها عدد كبير من المسلمين، ونرجو الله عز وجل أن يكتب لنا الحج والعمرة التامتين المقبولتين في العام القادم.
بادئ ذي بدء ؛ هناك أحاديث كثيرة عن فضل هذه الأيام العشر، و لكن نريد أن نأخذ من هذه الأحاديث الكثيرة ما كان صحيحاً ثابتاً، فمن هذه الأحاديث الشريفة ما رواه البيهقي عن النبي عليه الصلاة والسلام، طبعاً ما رواه البيهقي مرفوعاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:

((سيد الشهور رمضان، و أعظمها حرمة ذو الحجة))

 تعليق صغير على موضوع: أعظمها حرمة، أي الأيام تأتي، وتذهب، من أين تكتسب قداستها ؟ من أين تكتسب حرمتها ؟ من أين تكتسب قيمتها ؟ من النجاة التي تحصل للإنسان فيها، يوم الامتحان مثلاً عند المتفوق، والناجح له بريق، يا ترى هذا اليوم من دون امتحان، من دون طلاب، من دون نجاح هل له قيمة بحد ذاته ؟ يوم كبقية الأيام، و لكن الذي يؤدي امتحاناً، و يأخذ شهادة عليا، ويتحدد مستقبله الزاهر في هذه الحياة في ضوء هذه الشهادة بسبب هذا الامتحان الذي جرى في هذا اليوم، إذاً هذا اليوم يكتسب قدسية أو قيمة، لأنه كان زمن النجاح، أي الأيام وحدها لا قيمة لها، أما ما يحدث فيها من أحداث عظيمة تكتسب قيمة، ربنا عز وجل قال في القرآن الكريم:

 

﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾

 

[ سورة إبراهيم: الآية 5]

 لا يوجد مؤمن من الإخوة المؤمنين، ومن الحاضرين إلا و له مع ربه أيام، اليوم الفلاني أنقذه من خطر كبير، اليوم الفلاني جمعه مع أهل الحق، اليوم الفلاني تجلى على قلبه، اليوم الفلاني اهتدى، اليوم الفلاني نصره الله على عدوه، اليوم الفلاني رزقه الله مولوداً مباركاً، أي ما من إنسان إلا و له مع الله أيام، هذه الأيام كغيرها من الأيام، أما كظرف زماني جرى فيه حدث مسعد، هذا الذي يعنينا من هذه الأحاديث، هو لا يوجد حدث إلا و له مكان يجري عليه، وزمان يحتويه، ولابد لكل حدث من محدث، أركان الحدث: الفعل، والفاعل، والمفعول، والزمان، والمكان، فالزمان، قيمة الزمان من قيمة الحدث فإذا حصلت لك المعرفة بالله يوم عرفة، إذاً يوم عرفة هو أعظم الأيام في حياتك، وقد يكون هذا اليوم بالنسبة لآخرين يوماً عادياً كغيره من الأيام، إذاً ربنا عز وجل حينما جعل هذا اليوم يوم اللقاء الأكبر، يوم الوقوف، يوم المناجاة، يوم الإقبال، يوم تجليات الله على عبيده، يوم المغفرة، يوم العتق من النار، إذاً قيمة هذا اليوم جاءت من الأحداث الضخمة التي جرت فيه، فمن لم تعنيه هذه الأحداث لا قيمة لهذا اليوم عنده، من هنا قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه البيهقي:

 

((سيد الشهور رمضان، و أعظمها حرمة ذو الحجة))

 وروى الطبراني بإسناد جيد عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال:

 

 

((ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر، فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير))

 إذاً قيمة هذه الأيام بقيمة المضمون والمحتوى، و في حديث آخر في الترغيب و الترهيب أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

 

((ما رئي الشيطان في يوم هو أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه يوم عرفة، و ما ذاك إلا لما يرى من تنزل الرحمة و تجاوز الله عز وجل عن الذنوب العظام))

 طبعاً حينما قال الشيطان:

﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)﴾

[ سورة الأعراف: الآية 16]

 حينما يرى أن هؤلاء جميعاً قد غفر الله لهم، و قد تجلى عليهم، و أنزل عليهم سكينته، و عادوا كيوم ولدتهم أمهاتهم، و ليس لهم ثواب إلا الجنة، طبعاً الشيطان يمتلئ غيظاً وكمداً و حزناً.
و في حديث آخر عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

((صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ))

 

[ الترمذي، ابن ماجه، أحمد ]

 طبعاً صيام يوم عرفة يصومه غير الحجاج ؛ و الحجاج يفطرون تقوياً على الدعاء و التلبية، إذاً على المسلم أن يصوم يوم عرفة، وإن كان هناك في بعض الآثار أن الصوم مندوب في هذه الأيام العشر كلها.
على كل الذي يعنينا من هذه الأيام العشر هو الحج الذي هو بيت القصيد، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:

((سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ...))

[ البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، أحمد، الدارمي ]

 الحركة من دون إيمان لا قيمة لها، لا معنى لها، حركة الإنسان، سعيه، قبل أن يؤمن هذه الأعمال لا أجر لها، أما إذا عرف الله عز وجل حتى الحركة اليومية في عمله وفي واجباته الأسرية تحسب له عند الله أعمالاً صالحة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:

 

((سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ حَجٌّ مَبْرُورٌ))

 

[ البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، أحمد، الدارمي ]

 أي أن تعرف الله، وأن تعرف رسوله، الله عز وجل هو الخالق، المصور، و النبي عليه الصلاة والسلام هو المبين، هو الذي أرسله للناس كافة، الآن ما معنى الحج المبرور ؟ قال بعض العلماء الحج المبرور هو الحج الذي لا يخالطه إثم، عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

 

((مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ))

 

[ البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، ابن ماجه، أحمد، الدارمي ]

 قال بعض العلماء: الحج المبرور أن يرجع زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة، أي الحج إذا ما أحدث في الإنسان انعطافاً حقيقياً، إذا ما أحدث في الإنسان نقلة كبيرة، إذا ما أحدث في الإنسان انقلاباً كاملاً في أفكاره في معتقداته في قيمه في مثله في نظم حياته ليس حجاً، ما معنى أن يدعوك الله عز وجل إلى بيته العتيق، وأن تدع أهلك وبيتك ومالك وأولادك، وأن تنفق المبالغ الطائلة من أجل ماذا ؟ من أجل أن يحدث لك هذا الحج ثورة بالمعنى الدقيق، أي أن تعود إنساناً آخر، فلذلك: الإنسان باعتباره مادي أي من جسم من لحم ودم، فربنا عز و جل اختار الكعبة بيتاً له، وأضافها إلى ذاته، ودعانا إليه، فالدعوة إليه رحلة إلى الله عز وجل الحج:

 

﴿ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي﴾

 

[ سورة الصافات: الآية 99]

 هناك سفر للتجارة، سفر لطلب العلم، أنواع، سفر للسياحة، أنواع منوعة من السفر، أما الحج رحلة إلى الله، الله عز وجل في كل مكان، ولكن ليبعدك عن بيتك، وعن أولادك، وعن مشاغلك، وعن ما تحب، وعن مكانتك، وعن دنياك، ليبعدك عنها قال لك: تعال إلي، وحينما تذهب إليه، و تنفق، و تتجشم المشاق، و أنت متفرغ لعبادته، الذي يحدث لك في الحج لا يمكن أن يحدث لك في بلدك، مثلاً شخص دخل للجامعة، المكتبات، المخابر، المدرسين، الدكاترة، المشرفين، الحدائق، أي كل شيء يقربك من العلم، ما يحدث لك في الجامعة غير ما يحدث لك في البيت، في البيت السرير الطعام الشراب كلها أشياء تدعو إلى الراحة، أما في الجامعة كل ما فيها يدعو إلى الدراسة.
 فلذلك اختار بيتاً، وأضافه إلى ذاته، ودعاك إليه كي تترك مشاغلك، دنياك، مكانتك، ما تحب أهلك، أولادك، و أن تأتيه دافعاً الثمن، متجشماً المشاق، راغباً فيه، متفرغاً له، هذا المعنى، فلذلك: الحج المبرور أن يرجع زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة.
و روي مرفوعاً بسند حسن إن بره إطعام الطعام و لين الكلام، الحج المبرور إن بره إطعام الطعام ولين الكلام.
 جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال إني ضعيف، و في رواية: وإني جبان، صريح، مرة النبي الكريم قال: هل لأحدكم حاجة فقال له يا رسول الله إني نؤوم، و قال له آخر إني منافق، سيدنا عمر غضب غضباً شديداً، وهمّ بهذين، قال: دعهم يا عمر فضوح الدنيا خير من فضوح الآخرة، الذي قال: إني نؤوم قال: يا رب اللهم أذهب عنه النوم إذا شاء، إشارة دقيقة جداً، أي إذا شاء أما إذا لم يشأ يبقى نائماً، متعلقة بالإرادة و الاختيار.
 قال إني ضعيف و إني جبان فقال عليه الصلاة والسلام: هلم إلى جهاد لا شوكة فيه، بالمناسبة من مات، ولم يجاهد، ولم يحدث نفسه بالجهاد مات على ثلمة من النفاق، الحج جهاد، قال: يا رسول الله إني جبان، وغني ضعيف، فقال عليه الصلاة و السلام: هلم إلى جهاد لا شوكة فيه الحج.

 

[ رواه الطبراني و رواته ثقاة ]

 إذاً الحج بشكل أو بآخر نوع من الجهاد، فيه مشقة، فيه تحمل للمتاعب، فيه إنفاق مال، فيه حر، فيه ازدحام، فيه انتظار، سبعة أيام بالمطار انتظروا الحجاج في العام الماضي، خمسة أيام، يومين، ساعات طويلة، إذاً تدريب على بذل الجهد، تدريب على الإرادة القوية، تدريب على تحمل المشاق في سبيل الله.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

 

((جِهَادُ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمَرْأَةِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ))

 

[ النسائي، أحمد ]

 لأنه نوع من بذل الجهد، أي أنت في النهاية يجب أن تقدم على الله عز وجل، وقد بذلت شيئاً ثميناً من أجله، فالحج يمكن أن يعد في حق هؤلاء جهاداً،

 

((جهاد الكبير والضعيف والمرأة الحج))

 

[رواه النسائي بإسناد حسن]

 عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ:

 

((يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلَا نُجَاهِدُ...))

 

[ البخاري، النسائي، ابن ماجه ]

 أي المرأة كالرجل تماماً، وحينما جعل الله امرأة فرعون مؤمنة لماذا جعل هذه المرأة عند فرعون ؟ هي مؤمنة، لماذا سمح الله عز وجل أن يقترن فرعون الذي ادعى الألوهية بامرأة مؤمنة ؟ ولماذا سمح الله عز وجل لنبي كريم كسيدنا لوط أن يقترن بامرأة كافرة ؟ هذا سؤال كبير، جوابه أن المرأة إنسان، و ها اختيارها، و لها حريتها، و لها مكانتها عند الله، فهذه المفارقة تؤكد أن المرأة ليست صورة طبق الأصل عن زوجها، إنها متميزة الشخصية، لها إيمانها، مرة جاءني اتصال هاتفي من امرأة يدعوها زوجها إلى أن ترافقه إلى البحر، وإلى أماكن لا ترضي الله عز وجل، وهي فيما أعلم صالحة، وهددها بالطلاق إن لم تستجب له، قلت لها: لا عليك، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وما استجابت له، وما طلقها، معنى ذلك أن المرأة لها كيان مستقل، المرأة مكلفة بالإيمان كالرجل تماماً، مكلفة بالإسلام كالرجل تماماً، مساوية له في التكليف والتشريف، أي امرأة مؤمنة خير من مئة ألف كافر وهي امرأة، ورجل مؤمن خير من مئة ألف امرأة كافرة، لأن الميزان واحد، تنوع الجنس لا علاقة له بالميزان، هذا من عظمة الإسلام، والله عز وجل حينما يقول:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 104]

 طبعاً إذا الله قال:

 

﴿ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً﴾

 

[ سورة التحريم: الآية 6]

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً﴾

[ سورة التحريم: الآية 8]

 لو قلنا لامرأة: لمَ لمْ تتوبي مع أن الأمر موجه إليك ؟ تقول: لا هذا الأمر موجه للرجال فقط، كلام مضحك، يا أيها الذين آمنوا في اللغة العربية أمر موجه إلى النساء والرجال معاً، لكل شخص مؤمن، ذكراً كان أو أنثى، أو على التغليب، لو دخل إلى الصف تسعة و ثلاثون طالبة، وطالب واحد، نقول: دخل الطلاب، إما على أن هذا الأمر موجه إلى كل شخص مؤمن، ذكرًا كان أو أنثى، أو على التغليب، ولكن لماذا ربنا عز وجل قال في آيات أخرى:

 

﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ﴾

 

[ سورة الأحزاب: الآية 35]

 ليبين أن المرأة كالرجل تماماً في التكليف وفي التشريف، أما المرأة لها طبيعة تتناسب مع وظيفتها التي أعدت لها، والرجل له طبيعة تتناسب مع طبيعته التي أعدّ لها.
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ:

 

((يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلَا نُجَاهِدُ قَالَ لَا لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ))

 

[ البخاري، النسائي، ابن ماجه ]

والحديث الآخر المعروف عندكم قال:

((اعلمي أيتها المرأة، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله ))

 أبداً الزوجة الصالحة كالمجاهدة في سبيل الله، السبب ؟ القضية قضية تكامل في الحياة، أي هذا الزوج إذا عنده زوجة صالحة مطيعة، تقوم بواجباتها خير قيام، بيتها نظيف، طبخها جيد، أولادها تربيهم تربية حسنة، مظهرهم مقبول وجيد، هذه المرأة حينما تؤدي هذه الواجبات تفرغ زوجها من هموم البيت، هذا الزوج المرتاح في بيته إذا انطلق للعمل يعطي عطاء كبيراً جداً، إذا كان شخص شاردًا في العمل، أي عنده في البيت مشكلة، أحياناً يصلي الشخص فيشرد، كلما كان هناك ضغط داخلي في البيت، يوجد مشكلة في البيت، يوجد نكد، يوجد غيظ، يوجد مشادة، يوجد بغضاء، يوجد شحناء، يوجد صراع، لا يوجد محبة، ولا وئام، ولا تسامح، ولا عطف، تجد الزوج هبط مستوى إنتاجه، إذاً المرأة التي تؤدي حق زوجها، والمرأة التي تؤدي واجبها كاملاً تجاه زوجها، وتجاه أولادها، هذه ماذا تعمل ؟ تجعل من زوجها بطلاً، تجعل من زوجها منتجاً، تجعل من زوجها معطاء، لأنها فرغته من هموم البيت، إذاً:

 

((اعلمي أيتها المرأة، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله ))

 عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ:

 

((يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلَا نُجَاهِدُ قَالَ لَا لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ))

[ البخاري، النسائي، ابن ماجه ]

 أي المرأة إذا حجت فقد جاهدت، وإذا أحسنت واجبها تجاه زوجها فقد جاهدت، ولا تنسوا أيها الإخوة: دين الرجل صعب، تاجر عنده مشكلات، فيها شبهات، في كسب المال، بإنفاق المال، بالتعامل، بالبيع، بالشراء، يوجد تدليس، يوجد كذب، يوجد غش، يوجد بيع بسعر مرتفع، يوجد بيع إلى أجل، يوجد بيع للزمن أعطاه ثمناً، يوجد شبهات كثيرة جداً، هذا إذا دخل إلى متجره، وإذا سار في الطريق كلما رأى امرأة فلم يغض بصره عنها فقد وقع في معصية، إذاً الرجل معرض إلى منزلقات كبيرة جداً، أما المرأة المؤمنة الصالحة إذا صلت خمسها، وصامت شهرها، وحفظت نفسها، وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها، أي دين المرأة أربعة فصول، أحد هذه الفصول طاعتها لزوجها، أحد هذه الفصول أن تحفظ نفسها عن أن يراها الأجانب، عن أن ترضي زوجها، عن أن تتكسر في صوتها، وفي مشيتها، عن أن تغري الرجال، عن أن تظهر مفاتنها، عن أن تجعل الرجال يطمعون بها، أن تحفظ نفسها ربع دينها، وأن تطيع زوجها ربع دينها، وأن تصلي خمسها ربع دينها، وأن تصوم شهرها ربع دينها، فإذا صلت خمسها، وصامت شهرها، وحفظت نفسها، وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها.
أما الرجل فأربعة ضرب أربعة، ضرب أربعة، كل قضية فيها شبهة محاسب عنها، المرأة يأتي الرجل بطعام تأكله حلالاً، أما هو كيف اكتسبه بأي طريقة ؟ مشروعة، غير مشروعة، كان في دخله شبهة، فيه كذب، فيه تدليس، فيه استغلال، فلذلك الرجل مسؤول على قدر مكانته، على قدر قوامته.
ورويا عنها أي البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قُلْتُ:

 

((يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَغْزُو وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ فَقَالَ لَكِنَّ أَحْسَنَ الْجِهَادِ وَأَجْمَلَهُ الْحَجُّ حَجٌّ مَبْرُورٌ فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَلَا أَدَعُ الْحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))

 

[ البخاري، النسائي، ابن ماجه ]

 هذه الأحاديث كلها على أن الحج جهاد، أحاديث أخرى:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

((مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ))

 

[ البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، ابن ماجه، أحمد، الدارمي ]

 طبعاً يرفث كناية نبوية لطيفة عن اللقاء الزوجي، وعن مقدماته، وعن الانشغال بهذا، لكن سبحان الله ! الذي حج منكم يعرف هذه الحقيقة، هذا الذي ترك بيته، وأهله، وماله، وأولاده، ودفع، وأتى ربه راغباً فيه، يصبح في الحج إنساناً آخر، وكأنه بعيد بعد الأرض عن السماء عن هذه الموضوعات، وعن هذه الأمور، طبعاً هذا شأن الحاج، وهكذا ينبغي أن يكون شأن الحاج، هذا الموضوع خارج كل اهتمامنا، خارج كل نطاق اهتمامنا فلذلك:

((مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ))

 أي لم يقترب من امرأته إن كانت معه، ولم يدخل في هذا المجال، ربنا عز وجل قال:

 

﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾

 

[ سورة الإسراء: الآية 32]

 أي النهي ليس عن الزنا بل عن مقدماته، عن التفكير في هذا الموضوع، عن النظر،

((مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ))

 أي فلم يعص، أنت بالحج، سمعت عن حجاج ضعاف الخبرة والإيمان، فإذا ذهبوا إلى هناك لأتفه سبب يضطربون، ويغضبون، ويصيحون، ويشتمون، ويدفعون، ويتحدون، أنت في بلاد مقدسة، وأنت ضيف الرحمن تَحَمَل، الحج يعلم الصبر، قال:

 

((رَجَعَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ))

 

[رواه البخاري و مسلم]

 طبعاً إذا قلنا: البخاري و مسلم معنى ذلك هذا أعلى أنواع الأحاديث، اتفق عليه الإمام البخاري و مسلم.
وعن عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الموت.....قال:

 

((أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ فَبَسَطَ يَمِينَهُ قَالَ فَقَبَضْتُ يَدِي قَالَ مَا لَكَ يَا عَمْرُو قَالَ قُلْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ قَالَ تَشْتَرِطُ بِمَاذَا قُلْتُ أَنْ يُغْفَرَ لِي قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ...))

 

[ مسلم، أحمد ]

 مع أن الله عز وجل لا يشارط، ولا يجرب، هذه قاعدة، الآن سأجرب سأصلي، وأدخل هل يوفقني الله ؟ لا تغلب نفسك لن يوفقك، لأن الله لا يجرب، سأدفع صدقة الله يرزقني ؟ لا تنطلق من التجريب هذا غلط، ولا من المشارطة، لكن هنا مغزى آخر ؟ قَالَ:

 

((مَا لَكَ يَا عَمْرُو قَالَ قُلْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ قَالَ تَشْتَرِطُ بِمَاذَا قُلْتُ أَنْ يُغْفَرَ لِي))

 أنا سأسلم، ولكن نريد مسامحة عن الماضي كله:

 

 

((قُلْتُ أَنْ يُغْفَرَ لِي قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَه))

 لو مليون صفحة كلها ذنوب بعد التوبة والإسلام أنا أسميه الصلح مع الله، صالحت الله عز وجل، عدت إليه، رجعت إليه، أنبت إليه، عاهدته، تبت إليه، قال:

 

 

((أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ))

الإسلام والهجرة والحج.
 أحياناً في أثناء المحاسبة يضعون على الصفحة خطاً مائلاً، هذه ملغاة، تفتح صفحة جديدة، وتقول: أوّلنا من هنا، هكذا مع الله عز وجل، كتاب مليء بالذنوب ألف صفحة أخطاء وذنوب وانحرافات، وأكل مال حرام، واعتداء، وعليك قضية، يوجد قصة قلتها لكم مشهورة جداً، كنا في الحج قبل عامين، أخ حكى لنا قصة، أن رجلا ساكنًا بأطراف جدة عنده أرض بجدة لا يعرف قيمتها الحقيقية، دخل إلى أول مكتب عقاري شعروا أنه لا يعلم شيئاً، عرضوا عليه مبلغاً أربعمئة وخمسين ألف ريال، طبعاً بخسوا له فيها، ولها مشكلة، هو باعها، و سعرها حوالي مليون ونصف مليون ريال، أي أخذوها بثلث ثمنها، أشادوا عليها بناء ضخماً من ثلاثة وعشرين طابقاً، القصة واقعية، هم ثلاثة شركاء، الشريك الأول وقع من الطابق الثالث والعشرين فوصل الأرض ميتاً، الثاني مات بحادث سيارة، الثالث شعر أن هاتين المصيبتين بسبب هذا الاغتصاب لمال صاحب هذا الأرض فبحث عنه ستة أشهر إلى أن عثر عليه، وأعطاه الفرق، قال له: هذه أرضك سعرها مليون ونصف، وأنا عليّ الثلث، وهذا الفرق، فقال له البدوي: لحقت حالك.
 ففي الدنيا كل شيء يحل، يوجد لك حقوق، عليك واجبات يُحل، شيء أخذته دون ثمن، يوجد غفلة عن البائع في الجاهلية ادفع الثمن، لم تجده ادفعه صدقة، كل قضية تحل في الدنيا، فلذلك المغفرة لما بينك وبين الله، لكن لما بينك وبين العباد هذه تحتاج إلى إصلاح:

 

 

﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)﴾

 

[ سورة النحل: الآية 119]

 تابوا وأصلحوا، معنى وأصلحوا أساساً التوبة بأدق تعاريفها علم وحال وعمل، أنت لن تتوب إلا إذا عرفت أمر الله عز وجل، هذه حلال، هذه حرام، هذه مكروه، أما إذا ما عرفت أمر الله تقيم على ألف ذنب، ولا تفكر أن تتوب منها، لماذا طلب العلم فريضة ؟ كي تعرف منهج الله عز وجل، لن تتوب إلا إذا عرفت أمر الله، فقبل أن تعرف أمر الله أنى تتوب، كيف تتوب ؟ التوبة تريد علماً، إذاً حضور مجالس العلم معرفة أمر الله، معرفة منهجه، معرفة حلاله، معرفة حرامه، معرفة الواجبات، معرفة الفروض، معرفة السنن، معرفة المندوبات، المكروهات، المحرمات، الحق، الباطل، الخير، الشر، الحلال، الحرام، ما ينبغي، ما لا ينبغي، الخلق، القيم، إذاً طلب العلم حتم واجب على كل مسلم، فأنت قبل أن تعرف الحق أو قبل أن تعرف الأمر لن تتوب، الآن إذا عرفت لابد من شعور هذا الشعور شعور ندم على ما فات، وإقلاع كامل في الوقت الحاضر، وعزيمة في المستقبل على ألا تعود لهذا الذنب، الشعور الحالي ثلاثة أشطار ندم، إقلاع، عزيمة، العمل إصلاح ما كان بينك وبين العباد، لذلك لما ربنا عز وجل قال:

 

﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾

 

[ سورة الأحقاف: الآية 31]

 لماذا جاءت من ؟ هذه من للتبعيض، أي يغفر لكم بعض ذنوبكم التي بينكم وبين ربكم، أما التي بينكم وبين العباد هذه لن تغفر إلا أن تؤدى للعباد، لأن حقوق العباد مبنية على المشاححة، وحقوق الله عز وجل مبنية على المسامحة، هذه قاعدة، لذلك ذنب لا يغفر الشرك، وذنب يغفر ما بينك وبين الله، وذنب لا يترك ما بينك وبين العباد، إذاً قال له على شرط،

 

((بِمَاذَا ؟ قُلْتُ أَنْ يُغْفَرَ لِي قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ))

 وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

 

((تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ))

 

[ الترمذي، النسائي، أحمد ]

 أي حجوا واعتمروا، ومعلوم أن هناك إفرادًا، وهناك حجّ إقران، وحج تمتع، المتمتع يعتمر، ويتحلل إلى أن يأتي يوم التروية، هذا المتمتع عليه هدي، هدي ترميم، والقارن يعتمر، ويبقى محرماً إلى أيام الحج، هذا قارن هذا عليه هدي شكر، يوجد عندنا هدي جبر وهدي شكر، والمفرد يحج فقط، وبعد أن ينتهي الحج يعتمر، على كل النبي الكريم قال:

 

((تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ...))

 يبدو أن نفقة الحج معوضة من قبل الله عز وجل، ولها أجر كبير قال:

 

 

((فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةُ))

 هذه زمرة أخرى من الأحاديث أن الحجاج مغفور لهم، الزمرة الأولى الحج جهاد، الآن الزمرة الثالثة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:

 

 

((الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ وَإِنْ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ))

 

[ النسائي، ابن ماجه ]

 بكل المؤتمرات يوجد وفود، كل وفد يضع على صدره اسمه واسم دولته، وله مرافق، وله سيارة، وله ترتيبات معينة، وكل وفد يكتسب قيمته بحسب مكانة دولته، دولة عظمى وفدها معزز مكرم، دولة صغرى متخلفة لها ترتيب ثان، فكل دولة لها معاملة بحسب مكانتها، قيمة الدولة تنسحب إلى سفيرها وإلى رئيس وفده، فلذلك قال النبي الكريم:

 

((الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ))

 والذي يجرح القلب، ويؤلم أشد الألم أن ترى حاجاً، وهو في الإسلام وفد الله مستواه يهبط إلى أقل من مستوى الإنسان العادي أحياناً، لا يوجد عنده نظام، هذه الطائرة فيها مئتان وخمسون راكباً، تجد الازدحام على مدرجها، لا يمكن ألا يكون لك محل في الطائرة، مئتان وخمسون راكباً على مئتين وخمسين مقعداً، وأنت وفد الله عز وجل ، فهذه المزاحمة والمعركة، أنا أذكر أنه في الحج الأول بقيت عشرة أيام بعد انتهاء الحج في مكة، وتمنيت على الله أن أتمكن من تقبيل الحجر الأسود، اخترت أولاً بعد الحج أكثر الحجاج توجهوا إلى بلادهم، إن كانوا قد زاروا النبي الكريم، أو توجهوا إلى المدينة المنورة، فمكة المكرمة بعد الحج تكاد تفرغ من الحجاج، كنت أرى في الحرم المكي الأروقة كلها فارغة الكل متجهون إلى غير بالمطار، فاخترت أحد الأيام الساعة الثالثة إلا ربعاً قبيل العصر، الحر ست وخمسون درجة، قلت: هذا الوقت أنسب وقت لتقبيل الحجر الأسود، وصلت إليه لا يوجد غير خمسين حاجاً، والله الذي لا إله إلا هو لو وقفوا وراء بعضهم لقبلوه جميعاً في عشر دقائق، أما من أجل أن تقبل الحجر كأنك داخل إلى معصرة وغسالة، تخرج مصفحاً، هؤلاء المسلمون يريدون أن يفتحوا العالم ؟ أين النظام، هذه عبادة، ألا ينبغي أن يقفوا وراء بعضهم بعضاً ؟ ألا ينبغي أن يتأدبوا مع هذا المنسك العظيم ؟ فلذلك الشيء المؤلم أن هذا الحاج وفد الله، ومع ذلك كنت أشبه للتقريب أنه أب حوله عشرة أولاد، فجاء أحد أولاده فمسك أول أخ ضربه على رأسه وأبعده، والثاني رفسه، والثالث نعره، ثم يريد أن يقبل يد والده، أبوك غضب عليك على هذه التصرفات، أنت قادم الحجر الأسود يمين الله في أرضه، أنت جئت إلى هذا الحجر لتقبله، وكأنك تفاوض كف الرحمن، كأنك تعاهد الله عز وجل على التوبة النصوح، أيعقل وأنت في هذا المنسك العظيم أن تزاحم، وأن تدفع ؟ يوجد يد كالمهدّة يضعها على كتفك تحس وكأن كتفك قد هدّ، أين آداب الحج ؟ أين الرقة ؟ أين اللطف ؟ أين الشعور بقيمة الآخرين ؟ فهذا وفد الله، أحياناً تجد حاجاً يخالف النظام بالمطار يسمع كلاماً قاسياً، أنت حاج، أنت تمثل الدين، موظفو المطار عندما يرون الحجاج يخالفون النظام يتكلمون كلمات قاسية، أحياناً يدفعونهم دفعاً، أحياناً بالسياط، هكذا وفد الله يكون ؟ دائماً وأبداً تذكر أنك تمثل هذا الدين، دائماً وأبداً تذكر أنك تمثل هذا الشرع العظيم، أنت وفد الله، الوفود الرسمية تجد لباسه له ترتيب، يجب أن تصبح هذه المنشفة سوداء ؟ حاج، الحاج نظيف أيضاً، هل يجب أن ينام هو و زوجته بالشارع ؟ بالليل تتكشف زوجته، أنا أرى أن شخصًا ليس معه ثمن الإقامة في بيت في مكة أو في المدينة ليس مستطيعاً، أما التكفف، وذاهب من دون نفقة، أو بنفقة قليلة جداً دون الحد المطلوب، تجعل حالك في موضع ازدراء، أنت وأهلك تنامون في العراء، هذا كلام مرفوض إطلاقاً، إذا كنت لا تملك نقوداً مهما تكن الغرفة خشنة، مهما تكن بعيدة عن الحرم فلابد من أن تقيم في بيت لرفع شأن الدين، وأنا والله لو كان الأمر إلي لا أسمح لحاج أن ينام في الطريق لتعظيم هؤلاء الحجاج، هم وفد الله، هل سمعتم وفداً ينام في الطريق ؟ ليس وارداً هذا إطلاقاً أن ينام وفد مؤتمر في الطريق مثلاً، لا يمكن هذا، فنادق مؤمنة، وفد الله، طبعاً:

 

 

((الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ))

 لك دعوة عند الله عز وجل انتبه، الدعاء مخ العبادة، تخاطب خالق الكون، أنت بالحج تخاطب خالق الكون و لك عنده دعاء مستجاب فلا يوجد مانع أنت اعمل قائمة، كن طماعاً الله عز وجل إذا طمعت فيما عنده أحبك عكس الناس، الناس مادام مجاملات وسلام وكلام يحبك جداً، متى كان هناك طمع تجده ابتعدت عنه أنت، ازهد فيما عند الناس يحبك الناس، ارغب فيما عند الله يحبك الله، الله عز وجل عكس الناس، إذا الناس طمعت بمالهم يكرهونك، أما ربنا عز وجل إذا طمعت بفضله يحبك أكثر، فمادام قد حججت وأنت ذاهب إلى الحج فخذ قائمة مطالب، عندما كلم سيدنا موسى ربه قال له:

 

 

﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17)﴾

 

[ سورة طه: الآية 17]

 مناسبة لا تفوت قال له:

 

﴿ قَالَ هِيَ عَصَايَ﴾

 

[ سورة طه: الآية 18]

 الله يعلم أنه يتوكأ عليها، هو يخاطب ربه استغل هذه الفرصة:

 

﴿ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾

 

[ سورة طه: الآية 18]

 استحيا لأنه أطال فقال:

 

﴿ وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)﴾

 

[ سورة طه: الآية 18]

 فإذا كان موسى يرغب أن يكمل فيقول له: يا موسى ما هذه المآرب ؟ سيذكرها، هذه فرصة لا تعوض، وأنت جالس بمكة، لك عنده دعوة مستجابة اطلب منه أن يهديك إلى سواء السبيل، اطلب منه أن ينور قلبك بنوره، اطلب منه أن يوفقك لعمل صالح يرضى عنك فيه، اطلب منه أن تكون مستقيماً على أمره تماماً، اطلب منه أصهاراً أطهاراً، اطلب منه هداية أولادك، اطلب منه هداية زوجتك، اطلب منه أن يكون لك رزق وفير تنفق منه على الفقراء والمساكين،

((الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ وَإِنْ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ))

[رواه النسائي و ابن ماجه و ابن خزيمة و ابن حبان في صحيحيهما]

 الزمرة الرابعة من الأحاديث:
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

((قَالَ الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ ))

 

[ البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، ابن ماجه، أحمد، مالك، الدارمي ]

 طبعاً قد تقول: الحج مرة في العمر، طبعاً هذا المفروض، لكن ورد في بعض الأحاديث القدسية:

 

((إذا أصححت لعبدي جسمه ـ صحة طيبة ـ وأوسعت عليه في المعيشة ـ و الدخل وفير ـ و مضت عليه خمسة أعوام لم يفد إلي لمحروم))

 معناها حججت، ولكن حجك له مستوى، يوجد حج بمستوى أرقى، فكلما تابعت بين الحج والعمرة ارتقى مستوى حجك، إلا أنه عندما الإنسان عليه واجبات مهمة جداً، ويؤثر عليها حج النفل، هذا مؤاخذ، إذا ابنه بحاجة ماسة إلى الزواج هو حج الفرض، الأولى أن يؤدي ما عليه من واجبات، قبل أن يؤدي ما عليه من نوافل، إذاً:

 

 

((الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ))

 وروى ابن جريج بإسناد حسن عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

 

((هذا البيت دعامة الإسلام، فمن خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر كان مضموناً على الله))

 إذا سافر شخص ومعه إذن سفر من جهة رسمية، وحدث له شيء على الطريق يأخذ تعويضات كاملة، وقد يعطى معاشاً تقاعدياً كاملاً من دون أن يحسم منه شيء، هذا إنسان يعمل، فكيف بخالق الأكوان ؟ أنت في الحج مضمون على الله.
 حدثني طبيب قلب قال لي: لا يوجد مريض من مرضاي بمرض القلب استفتاني في الذهاب إلى الحج إلا وأنا أفتي له أن يذهب، أي أنصحه بأن يذهب، وما أذكر أن واحداً منهم أصابته نوبة في الحج، لأن الله عز وجل هو الضامن، هو ضيف، و الضيف محفوظ محفوف، مبجل، مكرم:

 

((هذا البيت دعامة الإسلام، فمن خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر كان مضموناً على الله إن قبضه أن يدخله الجنة))

 لفت نظري بمنى سيارة كبيرة جداً، فيها براد مكتوب عليه: براد الموتى، فكلما توفي حاج وضعوه فيها، ثم إلى البقيع ليدفنوه، حسب الحديث إلى الجنة أليس كذلك ؟ أي إذا ذهب شخص إلى بيت الله الحرام لا يبتغي إلا مرضاة الله عز وجل ، ووافته المنية هناك:

 

 

((كان مضموناً على الله إن قبضه أن يدخله الجنة، و إن رده لأهله رده بأجر و غنيمة ))

 الآن فضل النفقة في الحج:
 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

 

((النَّفَقَةُ فِي الْحَجِّ كَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِسَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ ))

 

[ أحمد ]

 كلما رأيت سلعة معك آلة حاسبة، ضرب اثنتي عشرة، تقول: والله غالية، أنت هذه النفقة في سبيل الله، أحد عشر ألف ريال طلبوها أجرة الغرفة، هذه نفقة في سبيل الله، هذه كلها معوضة، لا تعد نفقة الحج نفقات عادية، مصروف بيتك ؟ لا هذا شيء ثان، رسوم دخول، رسوم خروج، الطائرة اثني عشر ألفاً، الغرفة اثني عشر ألف ريال لخمسة أيام، زجاجة ماء سعرها خمسا وعشرين ليرة، شربناها مرة واحدة، هكذا قال عليه الصلاة و السلام:

 

((النَّفَقَةُ فِي الْحَجِّ كَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِسَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ))

 لا تضربها باثني عشر، اضربها بسبعمئة، لأن عند الله عز وجل يوجد أسعار غالية جداً،
هذا لحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، و إسناده حسن.
الآن الحج يجب مرة واحدة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:

 

 

((أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ثُمَّ قَالَ ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ))

 

[ البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، ابن ماجه، أحمد ]

 إذا كان الله عز وجل أعطاه أمراً مطلقاً السؤال يطيب، ذروني ما تركتكم، أي الذي سكت عنه الشرع هناك حكمة عظيمة في الذي سكت عنه، لا تقلّ عن الحكمة التي ذكر فيها الشرع شيئاً، فالمسكوت عنه لحكمة بالغة، و الذي ذكره فيه حكمة بالغة.
 مرة سيدنا عمر كان مع أصحابه في مكان، وأرادوا الوضوء، رأوا بركة ماء، يوجد رجل قريب من البركة قال له بعض أصحابه: يا صاحب البركة هذه البركة تردها السباع ؟ قال له: يا صاحب البركة لا تخبرنا، أي لا تقيد نفسك، يوجد ماء صاف لا لون له، ولا طعم، ولا رائحة، أغلب الظن ماء طاهر، أما كل قضية أي يوجد أشخاص عندهم مرض الوسواس، هذا مرض، نحن درسنا بالجامعة ثلاثمئة مرض نفسي، من هذه الأمراض مرض اسمه الوساوس المتسلطة، تجده يعيد وضوءه خمسين مرة، يجلس بالحمام ثلاث ساعات، بقضاء الحاجة ساعتين، هذا مرض، أو أحياناً يقع بوساوس من أنواع أخرى، فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال:

((ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ))

  أي مادام أنا سكت فاسكتوا أنتم، إن الله أمر بأشياء، وسكت عن أشياء، الذي أمر نفذ، الذي نهى انتهي، الذي سكت كن ساكتاً، مادام الله سكت فافضل ساكتاً، قَالَ:

 

((ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوه))

 لا يوجد في المنهيات حل وسط، في المأمورات الله أمرك بالتصدق، يوجد حل وسط، هذا أنفق ألفًا، هذا ألفين، هذا خمسة، هذا عشرة، الإنفاق بقدر استطاعتك، أما في المنهيات فلا يوجد حل وسط، أنت عندك مستودع الوقود السائل، ملأت نصفه حسب إمكانياتك، ملأت ربعه، ملأته كله، يوجد ثقب، أخي لا بأس، لا تدقق، تريد أن تملأه يذهبوا جميعاً، لا يوجد نصف محكم بالمستودع، إما محكم، أو غير محكم، إذا كان غير محكم فأي شيء تصبه فيه خرج منه.
 في الاستقامة لا يوجد حل وسط، أما في الأعمال الصالحة فيوجد حل وسط قدر استطاعتك، بحسب رغبتك، بحسب صدقك، بحسب استعدادك، بحسب مكانتك، بحسب مالك، لكن بالمعاصي أخي أنا أترك المعاصي باعتدال، لا يوجد حل وسط، هذا مثل المستودع دعه ببالك، يمكن أن تملأ منه قدر ما تريد، أما إذا لم يكن محكماً فلا خيار لك فيه، إما أنه محكم أو غير محكم،

 

 

((فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوه))

 

[رواه البخاري و مسلم ]

الآن وجوب الحج على الفور أو على التراخي:
 ذهب الشافعي والثوري والأوزاعي ومحمد إلى أن الحج واجب على التراخي، فيؤدى في أي وقت من العمر، ولا يأثم من وجب عليه بتأخيره متى أداه قبل الوفاة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام أخر الحج إلى سنة عشر للهجرة، وكان معه أزواجه، وكثير من أصحابه، مع أن إيجابه كان سنة ست للهجرة، فلو كان واجباً على الفور لما أخره صلى الله عليه و سلم، هذا رأي الإمام الشافعي والثوري والأوزاعي، أما أبو حنيفة ومالك وأحمد وبعض أصحاب الشافعي وأبو يوسف فذهبوا إلى أن الحج واجب على الفور، إذاً ما الأدلة ؟ هنا دليل آخر لحديث ابن عباس:
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْفَضْلِ أَوْ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ))

[ أبو داود، ابن ماجه، أحمد، الدارمي ]

 الآن يوجد سبب رابع: العام الماضي سمحوا للذي عمره ستون عاماً، هذه السنة كم ؟ خمسون، القضية الآن ليست بيدنا، ليست القضية إذا نويت الحج الطريق سالك، يوجد منع، ستون سنة، خمسون سنة، أربعون سنة، يوجد شروط، يوجد قرعة، يوجد خمس سنوات، فكلما تقدم أصبح هناك قيود لم تكن من قبل، إذاً:

 

((مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ فَإِنَّهُ قَدْ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ وَتَعْرِضُ الْحَاجَةُ))

 وحديث آخر عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

 

 

((تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ يَعْنِي الْفَرِيضَةَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ))

 

[ أبو داود، ابن ماجه، أحمد، الدارمي ]

 إذاً الحج الأولى أن يكون على الفور لأنه قد يعرض للإنسان حاجة تمنعه من الحج.

إخفاء الصور